Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ارتفاع التضخم مرة أخرى هو آخر ما تحتاجه هذه الحكومة البريطانية الهشة

الطبيعة الاستثنائية للتضخم الراهن في المملكة المتحدة ستنعكس تشدداً غير عادي في السياسة المالية والنقدية

ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة ناهزت خمسة عشر في المئة (رويترز)

كما لاحظ البريطانيون بكل وضوح، فإن معدل التضخم "الإجمالي" لاقتصاد بلادهم، والبالغ 10.1 في المئة، هو أمر مثير للقلق، ومن شأنه أن يتسبب في دفع كثير من الأفراد الذين اعتاد "المحافظون" على وصفهم بأنهم "بالكاد يتدبرون أمورهم المعيشية"، إلى دائرة الفقر.

هذا الوصف لا يروي سوى جزء من القصة الشنيعة مع ذلك. فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 14.6 في المئة. ولا يزال التضخم في فواتير الطاقة أشد دراماتيكيةً وأكثر وضوحاً بالنسبة إلى الأسر والشركات (التي تعاني أيضاً من تكاليف متزايدة، مع مقدار أقل من المساعدة من جانب الدولة). يضاف إلى ذلك أن الإيجارات آخذة في الارتفاع، كما فواتير الرهن العقاري، وتكاليف الوقود التي لا تزال محلقة، فيما تعجز بنوك الطعام عن التعامل مع المطالب المتزايدة عليها. أما المدخرات النقدية فقد جردت من قوتها الشرائية. والأصعب، أنه ما من ملاذ يمكن اللجوء إليه للاحتماء. فالأوضاع ستزداد سوءاً بحيث يمكن القول إن التضخم السنوي بنحو 20 في المئة هو توقع معقول في الأشهر المقبلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على رغم كل ذلك، فإن تفاقم التضخم - حتى مع التغطية الممنوحة له، والطريقة التي يمس بها كل جانب من جوانب الحياة - ما زال مسألة غائبة عن جدول الأولويات التي يتعين التعامل معها على الأقل من قبل الحكومة. فالخطأ الأساسي لإدارة ليز تراس رئيسة الوزراء كان وضع "النمو ومن ثَم النمو" في مقدم جميع الأهداف. وأفضت هذه السياسة ليس فقط إلى موازنة مصغرة كارثية دبت الذعر في سوق السندات المالية الحكومية، بل أيضاً إلى تحريف شروط النقاش السياسي. فمن الأكيد أن ليز تراس أقرت عندما كانت مرشحة لقيادة حزب "المحافظين"  وكرئيسة وزراء، بأن ارتفاع كلفة المعيشة يشكل أزمة، لكن جرى اعتبارها مسألة ثانوية في معضلة النمو، ولم يتم تحديدها على النحو الصحيح.

في المقابل، تعامل السياسيون بغالبيتهم الساحقة مع أزمة ارتفاع كلفة المعيشة من منطلق العدالة على أنها مسألة تعنى بـ"حماية الضعفاء"، وتتمحور حول وضع سقف للزيادة في فواتير الطاقة. لم تكن أي من هذه المقاربات خاطئة لكن الجدل في شأنها فشِل في الإشارة إلى أزمة التضخم الأوسع نطاقاً. ولا تزال الحكومة، حتى بعدما جرت إعادة ضبط آلية عملها على يد وزير الخزانة البريطاني الجديد جيريمي هانت، عاجزة عن وضع مكافحة التضخم في صلب انشغالاتها. إن إصلاح المالية العامة، وتعزيز الاستثمار والإنتاجية، وجعل المملكة المتحدة أكثر قدرةً على المنافسة دولياً، كلها معارك كبرى، لكنها تندرج في إطار حرب أوسع تستهدف مكافحة ارتفاع الأسعار. يجب أن تكون الحرب على التضخم في جوهر كل ما تفعله هذه الحكومة، ويتعين أن تدعم الجهود التي يحاول "بنك إنجلترا" القيام بها.

الخبر المحمس هو إجراء الوزير هانت ما يمكن تسميته "لقاء العقول" مع أندرو بايلي محافظ "بنك إنجلترا"، بحيث يعمل الثنائي الآن معاً على مواجهة التضخم، وليس أحدهما ضد الآخر، كما كانت الحال عليه عندما اعتقد وزير الخزانة السابق كواسي كوارتينغ أنه أدرى بذلك. وستخرج السياسة المالية القوة الشرائية من ماكينة الاقتصاد، وتخفف تالياً الضغط عن السياسة النقدية للقيام بهذه المهمة. ويتعين في المقابل أن يستمر رفع الفوائد وعكس اتجاه التيسير الكمي (سياسة نقدية يحفز خلالها البنك المركزي النشاط الاقتصادي عن طريق شراء مجموعة من الأصول المالية في السوق)، لكن برنامج زيادة الضرائب وخفض الإنفاق الذي سيتم تفصيله عما قريب في السياسة المالية متوسطة الأجل للحكومة، يعني أن تمويل الائتمان والإسكان لن يكون مكلفاً أو مقيداً كما كان من الممكن أن يكون في ظل خطط كوارتينغ (حتى لو نجت من أول مواجهة لها مع أسواق رأس المال).

أما الأخبار الأقل تشجيعاً فتختصر بأن الطبيعة غير العادية للتضخم الراهن، تنعكس تشدداً نقدياً ومالياً حاداً على نحو غير اعتيادي. وبدلاً من المشكلة المعتادة المتمثلة في الطلب المفرط، تتمثل معضلة التضخم في عدم كفاية العرض أو ضمان توفير الإمدادات الكافية. وتتداخل القيود التي واجهتها الحكومة في تأمين بعض اللوازم الأساسية كالعمالة الكافية وبعض الموصلات الفائقة للكهرباء والمواد الغذائية، الناجمة عن تعطيلات في سلسلة التوريد في مرحلة ما بعد الوباء (ولا سيما في الصين)، مع الحرب في أوكرانيا والوضع الهش غير القابل للإقرار به سياسياً والمتمثل بالخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي (بريكست).

إن مواجهة النقص في الإمدادات يجب أن تكون من خلال الزيادة في العرض، لكن لأسباب سياسية وجيوسياسية متنوعة، تقف السلطات المعنية عاجزةً عن هندستها - فلا "بنك إنجلترا" ينام على حقول من الغاز، ولا وزارة الخزانة تمتلك مصنعاً للرقائق أو الشرائح الإلكترونية، وما من أمل يلوح في الأفق في شأن عكس مسار المغادرة البريطانية للاتحاد الأوروبي.

وعندما تجتمع مختلف هذه العناصر، لا بد من أن يخيم شبح الركود الاقتصادي على البلاد، مع كل ما يترتب عنه، إن لجهة زيادة الأجور ووضع سوق الإسكان، أو لجهة احتمال حدوث انهيار. أما من الناحية السياسية، فسيكون من الصعب جداً على أي حكومة أن تنجو من استحقاق العام 2024، وهذه الحكومة تحديداً تبدو هشة للغاية.

© The Independent