Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الطلاق لم يعد "وصمة عار" في السعودية

وسائل التواصل الاجتماعي واستقلال المرأة اقتصادياً بين متغيرات عدة يراها الخبراء وراء اختفاء رهاب الانفصال الزوجي

هناك من يرى أن استقلالية المرأة اقتصاديا شكلت أحد الأسباب المساهمة في الطلاق   (أ ف ب)

تصاعدت حالات الطلاق في السعودية أخيراً، ولم يعد "وصمة عار" بين شرائح واسعة من النساء، تزامناً مع ظهور عوامل يراها المراقبون مساهمة في تراجع رهاب الانفصال الزوجي، مثل الترويج لنقض الميثاق عبر المنصات التي تؤثر في الوعي، واستقلال أعداد متزايدة من النساء اقتصادياً وتحسن مستوى المعيشة، إضافة إلى قدرة المرأة على اتخاذ قرار الانفصال أو المطالبة به أسهل من السابق، والبحث عن الحرية والتجرد من الأعباء الأسرية.

ووصل إجمالي عدد صكوك الطلاق بحسب ما جاء في بيانات الهيئة العامة السعودية للإحصاء إلى 57 ألفاً و595 صكاً، خلال الأشهر الأخيرة من عام 2020، مرتفعة عن عام 2019 بنسبة 12.7 في المئة، كما أشارت الدراسات والإحصاءات الصادرة عن محاكم الأحوال الشخصية السعودية إلى أن نسب الطلاق تجاوزت الأرقام المعتادة، ببلوغها نحو (64 في المئة) من حالات الزواج.

السوشيال ميديا تروج لزواج غير موجود

وعزا الأكاديمي في جامعة القصيم والمتخصص في الجانب الاجتماعي يوسف الرميح ارتفاع نسب الطلاق في السعودية إلى وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة التي أسهمت في إفساد العلاقة الزوجية، وصورت كلا الجنسين بصورة غير مرضية، قائلاً "بعض المشاهير يصورون الجانب الإيجابي ويركزون عليه فقط بينما هم يعشون حياة عادية، فالرجل أو المرأة عاطفيين أكثر خلال مشاهدتهما تلك الصور، ويعتقد أحدهما أن حياته سيئة وتعيسة وحزينة فيرغب في التغيير".

ومن الأسباب المساهمة في الطلاق كما يرى الرميح استقلالية المرأة اقتصادياً، خصوصاً بعد تمكينها وحصولها على حقوقها وحريتها، فأصبح لديها وظيفة ودخل ثابت يمكنها من العيش من دون الحاجة إلى الرجل، وليست مضطرة إلى تحمل علاقة زوجية لا تلبي رغباتها النفسية والعاطفية، مما جعل القرار أكثر سهولة.

وتزامناً مع ارتفاع الأسعار يرى الرميح أن هناك أعباء مالية كبيرة على الأسر، مشيراً إلى أن تاريخ الأسعار المرتفعة لم يرتبط ارتباطاً مباشراً بالطلاق بقدر ما هو في عزوف كثير من الشباب عن الزواج، موضحاً "ما يمنع الشباب من الزواج هو ارتفاع الأسعار جداً في الحفلات ومحاولة الأسر المتوسطة تقليد بعض الأسر الغنية، عبر إقامة حفلات باهظة الثمن تثقل كاهل الزوج".

حفلات الطلاق

وخلال حديثه حذر الرميح من الاحتفال بتفكك الأسرة وضياع الأبناء بما يسمى "حفلات الطلاق"، إذ يقوم طالب الانفصال بشراء كعكة مخصصة لحفلات الطلاق ودعوة الأصدقاء والأقارب إلى الاحتفال بالحرية، مشيراً إلى أن فكرة هذا النوع من الحفلات يؤسس لفكرة تدمير الأسر ويؤثر سلباً في الأبناء، مضيفاً "يجب أن نفكر بأن الأسرة ليست رجلاً وامرأة فقط، بل هي كيان المجتمع الذي لا يقوم إلا عليها"، وكل ما يتم اتخاذه في خطوات الانفصال يؤثر فيهم بالضرورة.

وعن آثار الطلاق أوضح الرميح أن أهم مؤثر هو ضياع الأبناء وتشتتهم وخلق جيل مشحون من قبل أحد الطرفين ضد الطرف الآخر، فيخلق منهم مرضى نفسيين ومجرمين.

من جهتها أرجعت المستشارة الأسرية والاجتماعية دعاء زهران أسباب ارتفاع نسب الطلاق في السعودية إلى عوامل عدة منها نفسية واجتماعية، وأبرزها عدم الوعي بحجم وقيمة مسؤولية الميثاق الغليظ (الزواج)، ويعود ذلك إلى تنشئة الفرد وتربيته وتوجيه الأسرة.

وقالت "نشهد غياب الشخص الواعي المدرك الذي يملك القدرة على إنصاف الحق، وجعل الحياة أكثر هدوءاً واستقراراً في الأسرة، فنجد زوجاً مستهتراً وزوجة لا مبالية وأهلاً غير مدركين لعواقب ما يحدث من الانفصال الداخلي أو الطلاق النهائي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشارت زهران إلى أن صكوك الطلاق في المحاكم السعودية وصلت إلى ما يقارب 5500 صك طلاق مقدمة لوزارة العدل خلال الشهر الواحد في العام الهجري الحالي.

ولفتت إلى أن أكثر الأسباب التي تؤدي إلى فشل الحياة الزوجية، "عدم إحساس الرجل بالمسؤلية وإهماله وتجاهله لحقوق زوجته وأبناءه، وعدم وعي المرأة بحقوق الزوج والأبناء والأسرة وفهم الزواج بمفهوم مغاير عن الأصل الشرعي".

الزوج قد يصبح عائقاً

وأكدت زهران أن نسبة مرتفعة من الزوجات العاملات تفضل بعد فترة زمنية الانفصال والاستقلالية، لأنها تجد الزواج عائقاً لحريتها وتطورها، وسعادتها مقيدة وغير كاملة، مرجعة ذلك إلى مساعي بعض من يسمون أنفسهم "أخصائيي السعادة" ببث الأفكار التي وصفتها بـ "الهدامة والرسائل المبطنة التي تلقن بشكل مباشر وغير مباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي".

وترى أن بعض مشاهير التواصل الاجتماعي ساهموا في ارتفاع نسب الطلاق، عبر فهم الحرية بطريقة غير صحيحة "جرفت كثيراً من الأزواج لحياة مشوهة، فالظهور والشهرة وكسب المال وجلب أكبر عدد من المتابعين هاجس دمر كثيراً من الأسر، بسبب التقليد الأعمى لمشاهير السوشل ميديا، علماً أن أي شخص واع يدرك بأن ما نراه في خضم قنوات التواصل تمثيلية مفضوحة وطريقة رخيصة لشد ضعفاء وفارغي العقول".

من الناحية القانونية

وعن  أسباب تزايد أعداد الطلاق في السعودية قال المحامي والمستشار القانوني عمر الخولي، إن غياب ثقافة "روح الأسرة" سبب رئيس فيها.

وأضاف "يعتقد كثير من حديثي الارتباط الأسري أن الحياة الزوجية ليست سوى اجتماع رجل وامرأة في بيت مستقل لإنجاب أطفال من دون منح هذه العلاقة ما تحتاج إليه من نظرة شمولية".

ويرى الخولي أن الزيادة التي طرأت على الأسعار انعكست على الأعباء المالية للزواج، وأسهمت في خلق قدر من التوتر داخل الأسرة ليجد كل طرف حريص على إنهاء الرابطة الزوجية ما يحفزه، من دون أن يدرك هذا الطرف أن الحياة الأسرية لا تعتمد في قيامها أو استمرارها على العامل المادي فحسب، على حد قوله.

ونوه إلى أن الدراسات والإحصاءات عن نسب الطلاق الصادرة عن محاكم الأحوال الشخصية تشير أن نسب الطلاق قد تجاوزت جميع الحدود المقبولة بوصولها (64 في المئة) من عدد حالات الزواج.

تصحيح المسار لا أكثر

من جهتها ترى المحامية منال قاروب أن تطور الخدمات العدلية في السعودية مكن الزوجة من رفع دعاوى الطلاق وحضور الجلسات وتوكيل المحامين إلكترونياً من دون الحاجة إلى الذهاب للمحكمة أو كتابة العدل، مبينة أنه هذ التطور القضائي أسهم في وضع حد للعلاقات الزوجية غير الناجحة التي كانت تستمر على رغم فشلها.

وأضافت "لا نقصد هنا القول إن التطور القضائي انعكس بالسلب على العلاقات الأسرية، وإنما وضع حداً لعلاقات زواج غير ناجحة منذ البداية، ولا تتوفر معها السكينة والأمان، فهذه العلاقات الزوجية كانت قائمة صورياً ويسودها الشقاق والفتور في أفضل الأحوال، بالتالي إنهاء هذه العلاقات أفضل من الاستمرار فيها".

وشددت على أن تزايد حالات الطلاق يتوقف دائماً على "مدى قابلية الزوجين لاستمرار العلاقة، فإن كان يسودها النفور منذ البداية كوقوع الزواج نتيجة إكراه أو عدم مراعاة التوافق الفكري للطرفين منذ البداية فإن تأثير مشاهير التواصل الاجتماعي قد يكون عاملاً في إيقاع بعض حالات الطلاق، وذلك في نطاق بعض الشخصيات التي تخضع لهذا التأثير وحسب".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات