يتجه المغرب إلى تشديد شروط الإذن بتعدد الزوجات جراء تحايل كثيرين على القوانين الجاري العمل بها، من خلال استغلال هذه التراخيص التي تمنح لهم للزواج بنساء أخريات من دون اللجوء إلى المحكمة لاستصدار آخر جديد.
وفي مراسلة رسمية طالب الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية محمد عبدالنباوي رؤساء المحاكم الابتدائية والاستئنافية ورؤساء أقسام قضاء الأسرة بضرورة مواجهة أشكال استغلال الإذن بتعدد الزوجات في إبرام زيجات جديدة من دون العودة للمحاكم.
وتعود آخر الأرقام الرسمية بخصوص تعدد الزوجات في المجتمع المغربي إلى سنة 2019، عندما كشف وزير العدل حينها أن عدد طلبات الإذن بتعدد الزوجات المقدمة أمام المحاكم الابتدائية بلغت 4355 طلباً، تمت الاستجابة لـ 2073 طلباً ورفضت المحاكم 2282 منها.
وعلى رغم قلة نسبة تعدد الزوجات في المجتمع المغربي جراء تشديد شروط قبول التعدد في مدونة (قانون) الأسرة، فإن جمعيات حقوقية تعنى بوضع المرأة والأسرة لا تزال تطالب بضرورة الإلغاء الكلي لتعدد الزوجات وعدم القبول بشروط ممارسة التعدد.
شيك على بياض
وأفاد رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية في مراسلة جديدة إلى رؤساء المحاكم المتخصصة بتوصله إلى معطيات في شأن استغلال عدد من الأزواج الرخصة القانونية الممنوحة لهم بتعدد الزوجات، في إبرام عقود زواج جديدة غير مرخص لها، من خلال استغلال عدم تضمين اسم المرأة المراد التزوج بها في الإذن بالتعدد الممنوح لهم.
وسجل المصدر ذاته أن عدم تحديد اسم المرأة في إذن التعدد الذي يمنحه القاضي يعتبر "شيكاً على بياض" يتيح للزوج استغلال هذه الوثيقة (الإذن) مرات عدة للزواج من إمرأة ثانية وثالثة وحتى رابعة، من دون العودة للمحكمة كل مرة لاستصدار ونيل إذن جديد عند إبرام كل عقد زواج جديد.
ووفق المراسلة الرسمية فإن هذا "التحايل" يفرغ النصوص القانونية الموضوعة لحماية الأسرة من محتواها، ويعصف بالحقوق المقررة للزوجة في "مدونة الأسرة" حول شروط التعدد، ومنها حقها في التعرف على الزوجة التي يعتزم زوجها الاقتران بها وتمكينها من فرض شروط لفائدتها أو لمصلحة أطفالها عن بينة واختيار.
وشدد المصدر ذاته على أنه يتعين على القاضي إخبار المرأة المراد التزوج بها في حال "الإذن القضائي" بالتعدد قبل العقد عليها، بأن الشخص الذي تنوي الاقتران به متزوج من غيرها، والتأكد من أنها موافقة على ذلك وراضية به، مبرزاً أن الإذن بتعدد الزوجات هو بمثابة قرار قضائي يعنى بواقعة محددة ومعينة، مما يستدعي الوضوح والدقة لتفادي تأويلات التنفيذ.
وفي السياق، سبق لوزير العدل المغربي عبداللطيف وهبي قبل أسابيع أن وعد بإصدار الوزارة سجلاً إلكترونياً سيكون عبارة عن منصة رقمية للعقود، الهدف منها الكشف ومتابعة المتزوجين لتفادي "تعدد الزوجات" السري، حتى لا يتزوج الرجل بامرأة ثانية أو ثالثة أو رابعة من دون علم زوجاته السابقات.
وتطرق وزير العدل إلى مسألة التحايل التي تحدث من خلال التنقل "من مدينة إلى أخرى للحصول على شهادة أنه أعزب وبعدها الزواج مرة أخرى"، متسائلاً عن جدوى عقد الزواج إذا كان الرجل يتزوج سراً بثانية ويترك الزوجة الأولى من دون نفقة.
شروط بالإذن ومنع التعدد
وخصصت "مدونة الأسرة" لمسألة تعدد الزوجات فصولاً ومواد قانونية عدة، لاسيما المادة الـ (41) التي تنص على أن المحكمة لا تأذن بالتعدد في حالين رئيستين، الأولى إذا لم يثبت لها المبرر الموضوعي الاستثنائي، والثانية إذا لم تكن لطالبه الموارد الكافية لإعالة الأسرتين وضمان جميع الحقوق من نفقة وإسكان ومساواة في جميع أوجه الحياة".
وتقول المادة الـ (42) من مدونة الأسرة المغربية، إنه في حال عدم وجود شرط الامتناع من التعدد، فيمكن للراغب حينها تقديم طلب الإذن بذلك إلى المحكمة، على أن يتضمن بيان الأسباب الموضوعية الاستثنائية المبررة له، وأن يكون مرفقاً بإقرار عن وضعيته المادية.
أما المادة الـ (43) تنص على أن المحكمة تستدعي الزوجة المراد التزوج بها للحضور، فإذا توصلت شخصياً ولم تحضر أو امتنعت من تسلم الاستدعاء، توجه إليها المحكمة إشعاراً بأنها إذا لم تحضر في الجلسة المحدد تاريخها في الإنذار فسيبت في طلب الزوج بغيابها.
ويمنع القانون تعدد الزوجات في ظل مقتضيات المادة الـ (44) في حالتين، الأولى إذا كان هناك من احتمال عدم العدل بين الزوجات، وهي حال يرجع فيها تقدير مسألة الخوف من عدم العدل إلى القضاء الذي له البحث عن القصد الشرعي، والثانية هي حال وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها في عقد الزواج، فإن هذا الشرط يمنع الزوج من التعدد ولا يحق له أن يطلب التعدد، إلا إذا طلق الزوجة المتمسكة بالشرط.
ووفق المصدر نفسه ففي حال عدم وجود شرط الامتناع من التعدد فإن الزوج الراغب في الزواج بزوجة ثانية عليه أن يقدم طلب الإذن بذلك إلى المحكمة، ويجب أن يتضمن الطلب بيان الأسباب المبررة للتعدد، ويرفق بإقرار عن وضعية طالب التعدد المادية لكي يتسنى للقضاء مراقبة القدرة المادية للطلب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
توجه إيجابي
وفي هذا الصدد يقول المحامي في هيئة الدار البيضاء أحمد الحمامي إن المجلس الأعلى للسلطة القضائية دعا إلى توخي الحيطة والحذر بخصوص شروط وممارسة تعدد الزوجات في إطار "المسطرة القانونية" المنصوص عليها في الفصلين الـ (44) والـ (45) من "مدونة الأسرة".
ويرى أن تعدد الزواج لا يمنع إلا بعد سلوك مجموعة من الإجراءات القانونية، من بينها أن طالب التعدد يجب أن يقدم للمحكمة المبرر الموضوعي والاستثنائي للمراد التزويج عليها.
واسترسل المتحدث بأن توجيهات رئاسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية تلزم القضاة بتوخي الحذر من خلال الحكم الصادر والقابل بالتعدد، بتبيان الزوجة المراد التزويج عليها والزوجة التي يراد التزوج منها، أي تحديد ومعرفة من تكون الزوجة السابقة والزوجة اللاحقة.
ولفت المستشار القانوني إلى أن بعض الأشخاص يتحايلون على القانون من خلال عدم تدوين الأسماء والعناوين والصفات والشروط فيعمدون إلى استغلال الإذن بالتعدد للزواج بامرأة ثانية وثالثة ورابعة، مما يثير إشكالاً قانونياً واجتماعياً كبيراً.
وأكمل الحمامي بأن الخشية من تراكم هذه الإشكالات وحالات التحايل لتعدد الزواج، دفع السلطات القضائية إلى العمل على تنفيذ المسطرة القانونية ضد المتحايلين، باعتبار أنهم يدلون ببيانات كاذبة تتضمن تهم النصب والاحتيال.
واعتبر المحامي بأن هذا التوجه القضائي والقانوني إيجابي على المستوى العملي والتطبيقي لأن الغاية من القانون هو أن يكون له أثر في أرض الواقع، ولذلك يتعين أن يكون الحكم صريحاً بالأسماء والشروط حتى لا يكون على المستوى العملي خلطاً وتضيعاً لحقوق الزوجة الأولى والثانية.
أضرار التعدد
من جهتها، اعتبرت الناشطة النسائية ورئيسة إحدى الجمعيات بشرى عبده أن مدونة الأسرة منعت التعدد مطلقاً متى اشترطت الزوجة ذلك في العقد، وخولت المحكمة البت في الطلب في حال غياب شرط عدم التعدد في العقد، وجعلت للقاضي سلطة التقدير في رفض أو قبول الطلب مع مراعاة إمكان العدل ووجود مبرر موضوعي استثنائي وتوافر الموارد الكافية لإعالة أسرتين.
ولاحظت عبده أنه "على رغم ذلك فإن معظم النساء لا يستفدن من حقهن في وضع شروط ضمن عقد الزواج برفض التعدد، إما بسبب اعتبارات اجتماعية وتربوية تدفعهن إلى رفض استباق الأذى وتفضيل الالتزام بمبدأ حسن النية، أو عن جهل بالحقوق التي يضمنها لهن القانون".
وتابعت، "يتبين من خلال المعطيات الإحصائية، لا سيما الصادرة عن وزارة العدل، أن حالات التعدد تتأرجح بين الانخفاض والارتفاع من سنة لأخرى، بسبب اختلاف تقديرات القضاة نتيجة وجود تضارب في فهمهم وتملكهم للنص القانوني وفلسفته، لأنه في عدد من الأحكام لا يزال يعتمد على القدرة المادية للزوج من دون إعطاء الأهمية للمبرر الموضوعي الاستثنائي لطلب التعدد، ومن دون مراعاة الأضرار الناتجة من التعدد".
وتورد مذكرة مطلبية جديدة لجمعية عبده أن تعدد الزوجات يتسبب في أضرار نفسية وعقلية وجسدية ومادية لكل من الزوجة الأولى والزوجات التاليات تتمثل في الاكتئاب والقلق والعدوانية وانخفاض معدلات الرضا بالحياة وبالزواج وتراجع الثقة بالنفس، إضافة إلى مشكلات في العلاقات الأسرية وتردي جودة الحياة.
وتابعت، "لا يسلم أطفال تعدد الزيجات من الانعكاسات الخطرة لهذا النوع من الزيجات، إذ يعاني معظمهم مشكلات نفسية واجتماعية، وتتأخر مستوياتهم التعليمية بل تتهددهم في مناطق معينة أخطار الموت وسوء التغذية أكثر من نظرائهم في الأسر غير متعددة الزوجات".
وخلصت إلى أن "الزيجات المتعددة لا تخص إلا 0.34 في المئة من مجموع عقود الزواج، وبالتالي فإن التحجج بالحاجة الاجتماعية من أجل الحفاظ على التعدد هو من قبيل الادعاء والمغالطة والإصرار على انتهاك كرامة النساء"، مطالبة بمنع تعدد الزوجات نهائياً من خلال تعديل المادة الـ (40) وحذف المواد من الـ (41) والـ (46).