أظهر استطلاع حديث أن العملة المصرية ستضعف بوتيرة أسرع مما كان متوقعاً، على رغم أن التضخم من المرجح أن ينخفض خلال السنوات القليلة المقبلة. ويأتي ذلك في وقت تشهد سوق الصرف في مصر حالاً من الهدوء والاستقرار وتماسك العملة المحلية في مقابل نظيرتها الأميركية في السوق الرسمية. ومن المتوقع وفق الاستطلاع الذي أجرته وكالة "رويترز" أن ينخفض الجنيه المصري الذي تم تداوله عند 19.61 في مقابل الدولار خلال تعاملات اليوم الخميس إلى نحو 21.16 بنهاية السنة المالية الحالية، و22.08 بنهاية السنة المالية المقبلة. ويشار إلى أن الجنيه المصري فقد ما يقرب من ربع قيمته أمام الدولار منذ بداية هذا العام الحالي. وتتماشى هذه التوقعات مع التقديرات التي أعلنتها وكالتا "فيتش" للتصنيف الائتماني و "بلومبيرغ"، إذ يجري تداول العملة المصرية بأعلى بكثير من قيمتها الحالية، وسط توقعات بأن ينهي الدولار تعاملاته خلال العام الحالي عند مستوى 21 جنيهاً في السوق المصرية، فيما يتوقع خبراء ومحللون أن ينخفض سعر صرف الجنيه إلى ما بين 22 و24 جنيه في مقابل الدولار.
وفي يوليو (تموز) الماضي توقع المشاركون في الاستطلاع انخفاضاً أقل للجنيه ليصل إلى 19.86 للدولار بنهاية السنة المالية 2023 – 2024، وتمت الإشارة إلى زيادة مرونة سعر الصرف كشرط لتمويل جديد سعت إليه مصر هذا العام من صندوق النقد الدولي في وقت زادت الحرب الروسية - الأوكرانية الضغوط على المالية العامة للبلاد. وسحب المستثمرون الأجانب ما يقرب من 20 مليار دولار من أسواق أدوات الخزانة المصرية في غضون أسابيع، بينما زاد ارتفاع أسعار النفط والحبوب من الضغوط، لكن في المقابل تتحرك الحكومة المصرية بالتعاون مع البنك المركزي المصري لوقف موجة نزوح الأموال الساخنة مع جذب استثمارات وبيع أصول بنحو 10 مليارات دولار خلال السنوات الأربع المقبلة، لتعزيز احتياط البلاد من النقد الأجنبي. وبدأت مصر السماح بانخفاض قيمة عملتها خلال الاجتماع الاستثنائي الذي عقدته لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي المصري في الـ 19 من مارس (آذار) الماضي، عندما كان يتم تداولها عند 15.70 جنيه في مقابل الدولار. وتزامن ذلك مع اللجوء الرابع للحكومة المصرية إلى صندوق النقد لطلب تمويل جديد، وأخيراً قال صندوق النقد إن اتفاقاً في شأن قرض جديد بات وشيكاً.وقالت كالي ديفيس من مؤسسة "أكسفورد إيكونوميكس" إنه "في ضوء ضغوط التضخم نعتقد أن السلطات ستواصل السماح للعملة بالانخفاض بمعدل بطيء وتدريجي بدلاً من اختيار خفض مفاجئ للقيمة".
بيانات الجهاز المركزي
وفي سبتمبر (أيلول) الماضي ارتفع التضخم في مصر إلى أعلى مستوى خلال أربع سنوات عند 15 في المئة، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وتوقع خبراء اقتصاد انخفاض مستويات التضخم خلال السنوات المقبلة ليصل إلى 12.8 في المئة بنهاية السنة المالية الحالية خلال يونيو (حزيران) 2023، وأن يواصل النزول إلى 11.6 في المئة خلال العام المالي التالي. ومع ذلك فإن تلك التوقعات أعلى مما كانت عليه خلال يوليو عندما بلغت 10.0 في المئة و10.4 في المئة خلال العامين.وقالت كبيرة خبراء الاقتصاد في "بنك البركة مصر" منى بدير إن التوقعات المرتفعة تستند إلى الضغوط على العملة المصرية وحال عدم اليقين في شأن أسعار الطاقة والغذاء العالمية التي تحركها إلى حد كبير الحرب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وألقت معدلات التضخم المرتفعة وضعف العملة بظلالها على توقعات خبراء الاقتصاد للنمو في مصر، إذ انخفض إلى ما دون 6.6 في المئة خلال السنة المالية التي انتهت في يونيو. وتوقع الخبراء نمواً بنسبة 5.4 في المئة خلال السنة المالية الحالية، وخمسة في المئة خلال العام المالي 2023 - 2024. وفي المقابل تقول الحكومة المصرية إنها تستهدف تحقيق نمو بنسبة 5.5 في المئة،وقالت "أكسفورد إيكونوميكس" التي توقعت تباطؤ الطلب خلال النصف الثاني من العام المقبل إنه "مع توقع أن يظل التضخم مرتفعاً خلال الأشهر المقبلة ستكون ظروف الطلب المحلي ضعيفة". ونظراً إلى استمرار ضعف النمو فقد تباينت توقعات خبراء الاقتصاد حول البطالة، لكنهم توقعوا استقرار سعر الإقراض عند 12.25 في المئة خلال السنة المالية الحالية.وفيما رجح البنك الدولي أن يحقق الاقتصاد المصري معدل نمو عند مستوى 4.8 في المئة خلال العام المالي 2022 - 2023، لكن شركة شركة "فيتش سوليوشنز" للبحوث التابعة لوكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني توقعت حدوث تباطؤ في نمو النشاط الاقتصادي في مصر خلال الـ 12 شهراً المقبلة نتيجة تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية، مما ينعكس على تراجع تقديرات النمو الاقتصادي إلى 4.3 في المئة خلال العام المالي الحالي في مقابل 6.2 في المئة خلال العام المالي 2021 - 2022. وحذرت الوكالة من أن ضعف الجنيه بشكل أكبر من المتوقع قد يؤدي إلى تحفيز التضخم وزيادة العبء على الاستهلاك المحلي، مما قد يدفع إلى تباطؤ النمو بين 3.3 و3.8 في المئة خلال العام المالي الحالي. وعلى صعيد التضخم رجحت الوكالة أنه سيستمر في خانة العشرات مما يؤثر في الطلب المحلي وبطء نشاط الاستثمار، مرجحة أن يصل متوسط التضخم إلى 15.2 في المئة خلال النصف الثاني من العام الحالي.
أسعار الفائدة
وتوقعت أن يرفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة بواقع 100 نقطة أساس، مؤكدة أن ارتفاع كلفة خدمة الديون وتباطؤ النمو الاقتصادي سيقللان عزيمة المركزي نحو التشديد النقدي القوي. واستبعدت الوكالة في مذكرة بحثية حديثة أن تعود عائدات السياحة أو أعداد الوافدين إلى المستوى القياسي المسجل في 2019 - 2018 وذلك حتى العام المالي 2024 - 2023.
وكان بنك "بي إن باريبا" رجح أن يصل معدل نمو الاقتصاد المصري إلى 4.5 في المئة خلال العام المالي الحالي، وأن يسجل التضخم فى المتوسط 14.5 في المئة، وأن يسجل عجز الموازنة سبعة في المئة من الناتج المحلي، والدين الخارجي 38 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وأن يتراجع عجز الحساب الجاري إلى 3.4 في المئة من الناتج المحلي في مقابل نحو 3.7 في المئة خلال العام المالي الماضي.
خفض جديد يلوح في الأفق
وكانت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني رجحت في مذكرة بحثية حديثة أن يستمر الجنيه المصري في التراجع مقابل الدولار الأميركي، مرجحة أن تنهي العملة الأميركية العام الحالي عند مستوى 21 جنيهاً. وكشفت في تقريرها الشهري المحدث لآفاق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن أداء الدولار القوي وتأخر الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي أديا إلى تراجع أكبر مما توقعنا في قيمة الجنيه مقابل الدولار. وذكرت أنه "حتى تنجح الحكومة في التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد، فسيستمر الضغط على سعر الصرف بسبب الدولار القوي وشح النقد الأجنبي، فضلا عن التكهنات بتراجع الجنيه". ولا تتوقع "فيتش" تباطؤ وتيرة هبوط الجنيه قبل النصف الثاني من 2023. وتعتقد أن الدولار سيبلغ ذروته حينها مع استقرار الاقتصاد وعودة تدفق رؤوس الأموال للاقتصاد، ليسجل الدولار نحو 22 جنيهاً في مقابل الجنيه بنهاية العام المقبل. ورفعت الوكالة توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022 في مصر إلى مستوى 6.59 في المئة، ارتفاعاً من 6.23 في المئة خلال وقت سابق.وكانت مؤسسة "بلومبيرغ إيكونوميكس" قدرت أن سعر الصرف المناسب للعملة المحلية في مقابل الدولار عند 24.6 جنيه، حتى يصل العجز التجاري إلى مستوى معقول.وذكرت أن بعض البنوك الكبيرة في العالم ترى أن الجنيه المصري لا يزال باهظ الثمن في ضوء ارتفاع الدولار، وذلك حتى بعد أن قام البنك المركزي المصري بخفض قيمة الجنيه بنحو 15 في المئة خلال الاجتماع الاستثنائي الذي عقده في مارس الماضي. وزاد متداولو المشتقات رهاناتهم على أن مصر ستسمح للجنيه بالتراجع أكثر، بعد أن أعلن صندوق النقد الدولي توقع الوصول إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع مصر حول برنامج تمويل جديد قريباً جداً. وانعكس ذلك في سوق العقود الآجلة غير القابلة للتسليم، إذ انخفض العقد لأجل شهر واحد على الجنيه إلى 21.7 لكل دولار، بينما هبط العقد لمدة ثلاثة أشهر إلى 22.9 جنيه وهو في طريقه إلى تسجيل أدنى إغلاق على الإطلاق.