Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنان المتناقض: ثراء "فاحش" لأقلية وفقر "ساحق" للغالبية

الهوة تزداد اتساعاً وتنبئ بانفجار مجتمعي والطبقة الوسطى تتآكل والبطالة والتضخم يعمقان الأزمة

أطفال لبنانيون يبحثون عن طعام في مستودعات النفايات (مواقع التواصل)

صورتان متناقضتان تطبعان المشهد اللبناني الذي يعيش واحداً من أسوأ نماذج الانهيار الاقتصادي في التاريخ وفق توصيف البنك الدولي، الأولى لطوابير الانتظار أمام محطات الوقود والأفران والصيدليات وتنسجم مع أرقام تقارير دولية تشير إلى أن مستوى الفقر وصل إلى 82 في المئة، بينما الصورة الثانية لطوابير الانتظار أمام المطاعم والملاهي وأماكن السهر والحفلات المكتظة، مما يعكس تناقضاً غريباً في توصيف الحالة اللبنانية.

بحسب إحصاءات منظمة "إسكوا"، فإن أغنى 10 في المئة من سكان لبنان يملكون 90 مليار دولار بمعدل ثروة لكل واحد يبلغ 360 ألف دولار، كما أنه بحسب تقرير world inequality database فإن أفقر 50 في المئة من السكان في لبنان يملكون 0.1 في المئة من الثروة وأغنى 1 في المئة يملكون 48.2 في المئة من الثروة.

يعني هذا أن الهوة بين الفقراء والأثرياء كانت قبل الأزمة كبيرة جداً في لبنان، لكنها تمددت وأصبحت نافرة أكثر وظاهرة للعيان والمشاهد المتناقضة مع الأزمة دلالة على حجم هذه الهوة ومدى اتساعها انسجاماً مع سلوك الطبقات الاجتماعية.

وكنموذج للتحذيرات المستمرة للمنظمات الأممية أوضح خبير الأمم المتحدة أوليفييه دي شوتر أن الأزمة الاقتصادية التي من صنع الإنسان في لبنان بدأت عام 2019 واليوم يقف البلد على شفير الانهيار مستشهداً بالتقديرات الحالية التي تضع أربعة من كل خمسة أشخاص في فقر، وقال إن "الروابط السياسية مع النظام المصرفي منتشرة، مما يشير إلى مخاوف جدية في شأن تضارب المصالح بتعاملهم مع الاقتصاد ومدخرات الناس"، مشيراً إلى أن هناك نقصاً خطيراً في آليات الحماية الاجتماعية القوية، وأردف "في الوضع الحالي يسود نظام يحمي الأغنياء بينما يترك الأسر الفقيرة تعيل نفسها بنفسها"، إذ يشير إلى أنه تم تدمير الخدمات العامة، بما في ذلك الكهرباء والتعليم والرعاية الصحية مع وجود دولة تدعم بشكل كبير توفير القطاع الخاص لهذه الخدمات.

الصمود الاغترابي

في السياق يكشف الباحث في الشركة الدولية للمعلومات محمد شمس الدين عن أنه قبل الأزمة المالية الاقتصادية التي تشهدها البلاد منذ نهاية عام 2019 كانت تركيبة الشعب اللبناني مبنية على النحو التالي، 5 في المئة هم الأثرياء و70 في المئة ينتمون إلى الطبقة الوسطى و25 في المئة من الفقراء 15 في المئة منهم يرزحون تحت خط الفقر المدقع.

ويوضح أنه نتيجة الانهيار الذي تمثل في الزيادة الجنونية بالأسعار، فضلاً عن ارتفاع سعر صرف الدولار وانتشار البطالة، وصلت نسبة الفقر المدقع إلى أكثر من 38 في المئة، في وقت حافظت الطبقة الغنية على نسبتها، أما الطبقة الوسطى، فانحدرت من 70 في المئة إلى ما دون 40 في المئة، مما يعني أن الفقراء في لبنان يشكلون ما نسبته 55 في المئة وبطبيعة الحال كلما صعد سعر صرف الدولار سترتفع تلقائياً هذه النسبة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبين شمس الدين أن هناك خمسة في المئة من اللبنانيين من الأثرياء يقدر عددهم بنحو 100 ألف شخص لديهم قدرة شرائية عالية كون أموالهم مودعة خارج البلاد ولم تتأثر بحجز الودائع لدى المصارف المحلية، إضافة إلى نحو 850 ألف لبناني يتلقون حوالات نقدية بالعملة الصعبة من ذويهم في الخارج وهم أيضاً لديهم قدرة شرائية مرتفعة، مشيراً إلى أن هذه الأرقام تفسر مظاهر الرفاهية التي نشهدها في لبنان، لكنها لا تلغي وجود 3 ملايين لبناني يعيشون أوضاعاً اقتصادية صعبة.

وبرأيه، "يلعب المهاجرون من الجاليات اللبنانية في الخارج دوراً مهماً في هذه الأزمة فهم السبب المباشر لاستمرار البلاد، سواء من خلال تحويلاتهم أو من خلال إنجاح الموسم السياحي الذي أرفد الاقتصاد بأكثر من 6 مليارات دولار وفق أرقام وزارة السياحة".

صورة خاطئة

في المقابل ينفي رئيس اتحاد النقابات السياحية نقيب أصحاب الفنادق في لبنان بيار الأشقر كل ما يحكى عن الزحمة التي تشهدها المطاعم في معظم المناطق، مؤكداً أن هذا الكلام غير دقيق ومشدداً على أن الإقبال الكثيف تشهده فقط المطاعم المميزة بسبب الجودة التي تقدمها، وقال "لا شك في أن قسماً كبيراً من الشعب اللبناني افتقر وضاقت الطبقة الوسطى، إنما في لبنان هناك كثير ممن لديهم إمكانات وهناك ما يزيد على 700 ألف لبناني يعملون في الخارج ويتوزعون بين 450 ألف في الدول العربية و250 ألف تقريباً في أفريقيا وفي عدد من دول الانتشار اللبناني ويدعمون عائلاتهم في لبنان، وبلغة الأرقام فإن هناك 7 أو 8 مليارات دولار أميركي تأتي من الخارج" وهذا يبرهن وفق الأشقر أنه مهما طالت الأزمات سينهض البلد من جديد.

وأضاف "من المؤكد أن خلال فترة الصيف دخلت الأموال إلى لبنان، لكن لا يمكننا تحديد القيمة الحقيقية وهي طبعاً أسهمت في إعادة أحياء القطاع السياحي نوعاً ما وإنماء الاقتصاد الوطني" واعتبر أن المشكلة الكبيرة التي يعانيها القطاع هي تأمين الطاقة والمياه وارتفاع الكلف التشغيلية، مشيراً إلى أن توليد الكهرباء يكلف القطاعات السياحية أكثر من 33 في المئة من المصاريف وموضحاً أن تأمين المازوت والمياه للمؤسسات السياحية ضرب المداخيل.

الطبقة الوسطى

بدورها رأت المتخصصة في الاقتصاد النقدي الدكتورة ليال منصور أنه "كما في كل أزمة اقتصادية هناك من يستطيع أن يغير مجال عمله بما يتماشى مع السوق، أي أن يكون خيار عمله الجديد يخدم مصلحته أولاً وهذا مفهوم متعارف عليه في جميع دول العالم، تحديداً لدى الأثرياء"، وأوضحت أن الأزمة الاقتصادية أنتجت طبقة "الفقراء الجدد" وسحقت الطبقة المتوسطة لتبرز مكانها طبقة جديدة تعرف بـ"طبقة الدولار"، أي الذين يتقاضون رواتبهم أو تصل إليهم حوالات خارجية بالعملة الصعبة، مشيرة إلى أن السياسات والقرارات الاقتصادية إضافة إلى الأزمات الحياتية اليومية التي يمر بها لبنان تحمل في طياتها أثراً مباشراً على مختلف فئات المجتمع، إلا أن تأثيرها في الطبقة الوسطى يكون أشد وأوضح لاعتبارات متعددة تتعلق بالتركيبة الاجتماعية للطبقة الوسطى ومصادر دخلها وطبيعة إنفاقها، إضافة إلى مستوى قدرتها على التعامل مع مؤشرات التضخم وارتفاع الأسعار وتراجع الدعم الحكومي للسلع والخدمات.

وتابعت منصور أن الانهيار المالي عمل على تآكل الطبقة الوسطى وعزز تلك الفجوة عن طريق تراجع المستوى المعيشي وتزايد نسب البطالة، موضحة أن التضخم يعد من أبرز الأسباب التي تضرب صميم الطبقة الوسطى فيعمل على إفقارها وتآكلها.

يشار إلى أن دخل لبنان من القطاع السياحي كان في سنوات سابقة نحو 7 مليارات دولار واستحوذ حتى عام 2019 على قرابة 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي قبل أن يتراجع إلى ما دون 10 في المئة في الأعوام الأخيرة بسبب الأزمة المالية.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي