في الأسبوع الماضي أحبط الحوثيون آمال ملايين اليمنيين التي كانت متعلقة بتمديد الهدنة والسير خطوات وئيدة بعيداً من مناخ الحرب السائدة في اليمن منذ يناير (كانون الثاني) 2014، كما أحبطت مساعي الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لحرف وجهة الأطراف بعيداً من لغة الحرب والتصعيد وتثبيت ثقافة الهدنة والتقارب وبناء الثقة وصولاً إلى السلام المستدام في اليمن.
ففي الوقت الذي كان فيه بناة السلام في كل اليمن يتطلعون إلى وضع لبنة إضافية في أساسات المصالحة الوطنية ونبذ العنف وتطوير مقاربة السلام وخطابه الذي ينبغي أن نتعلمه جميعاً قرر الحوثي بمفرده العودة لمربع العنف هرباً من استحقاقات السلام.
فهل أجهضت فكرة الانتقال من مربع الحرب إلى مربع السلام، أم أن المحاولات ما زالت متواصلة؟ هل انتهت جهود ستة أشهر، وما جلبته من آمال لليمن وما حققته من نتائج كبيرة لصالح أمن وأمان واستقرار الإنسان اليمني، فقد كانت أكبر هدنة شهدتها الحرب اليمنية في سنتها الثامنة من القتال العدمي، والذي أكرر دائماً أنه لا وجود لمنتصر فيها، حتى وإن اعتقد الحوثي أنه ممسك بزمام النصر المتخيل، إلا أن النصر في الحالة اليمنية مثل أضغاث أحلام، فكيف يكون نصراً على أشلاء وطن.
هل سيدير العالم ظهره لليمنيين وينشغل في همومه الكثيرة المتراكمة جراء حرب روسيا في أوكرانيا، وانهيار الأمن الغذائي وأمن الطاقة العالمي. ويبقى السؤال الأكبر، هل فعلاً عادت الحرب لتحرق ما تبقى من الأخضر واليابس فوق أرض اليمن، وتقتل آمال اليمنيين وأحلامهم بنهاية الكابوس الممتد لثماني سنوات، والذي قوض أسباب عيشهم وشردهم، لنعيد السردية التاريخية التي ندرك جميعاً عمق مأساتها، "تفرقت أيادي سبأ".
ففي الوقت الذي كان اليمنيون وكل أصدقاء اليمن ومحبي السلام والاستقرار في العالم، يترقبون تعاطي الحوثي إيجاباً مع مقترحات الأمم المتحدة في اتساق مع ما أعلنته الحكومة اليمنية في بيانها رداً على المقترحات الأممية فوجئ العالم برفض حوثي صريح، بل وبصيغة وصولية تحجج فيها باهتمامه بمعاناة اليمنيين الواقعين في مناطق سيطرته، والتي اعتبرها سبباً لرفض تمديد الهدنة والعودة للحرب العدمية، وهو الذي لم يأبه يوماً لمعاناتهم، والأدلة كثيرة والتاريخ يشهد عليها.
إعلان حرب حوثية
انتقل الحوثي إلى مربع الحرب معلناً عن عرض جديد للتصعيد تمثل في التهديد باستهداف مواقع نفطية في السعودية والإمارات وداخل اليمن. وطالب الشركات النفطية العاملة في الدولتين بالمغادرة وإلا سيستخدم الصواريخ والمسيرات الإيرانية، معللاً سلوكه برفض منح الشعب اليمني وحقه في استغلال ثروته النفطية في إشارة إلى بدء طرح مسألة حصوله على نصيب من الثروة النفطية، وإلا أحرق اليمن بمن فيه، وهو الذي لم يقبل في يوم من الأيام البحث في تحديد موارد الدولة في المناطق التي يسيطر عليها، ولم يجب عن الأسئلة المنطقية حول أين ذهبت مليارات الدولارات من عوائد الصناعات الوطنية والزراعية والتجارة وعوائد القات وكل أشكال الجبايات التي يقوم بها، فالمنطق يقول أن يجلس الحوثي للبحث مع الحكومة اليمنية في كل هذه المسائل وبشفافية مطلقة على طاولة الأمم المتحدة.
رفض الحوثي خطة الأمم المتحدة، وقال في بيانه إن التحالف يريد الهدنة لإبعاد دوله عن تداعيات الحرب والاستهداف المباشر، ضمن محاولاته المتكررة للادعاء بأن حربه ليست مع اليمنيين، ولكن مع التحالف، وعاد وتحجج بموضوع رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين، بما يعني أن تقوم الحكومة بدفع رواتب موظفي الانقلاب في صنعاء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذا الصدد اتفقت الحكومة اليمنية والحوثيون في مشاورات ستوكهولم على فتح حساب خاص في فرع البنك المركزي في الحديدة، تجمع فيه الرسوم والعوائد المستحقة للدولة من نشاط موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، لتسهم في دفع مرتبات العاملين في الخدمة العامة، إلا أن الحوثي ومع الأسف، أقدم ومن طرف واحد على سحب الأرصدة بعد أشهر من سريان الاتفاق، وسحب قرابة الـ40 مليار ريال. وخلال الفترة الأخيرة منذ يناير وحتى بداية أغسطس الماضي، دخلت ميناء الحديدة 45 سفينة مشتقات نفطية عبر الحديدة، تجاوزت عوائدها للدولة قرابة 150 مليار ريال. فإذا ما رغب الحوثي مناقشة الأمر بعمق فطاولة المباحثات الأممية هي المكان المناسب، وليس استعراض العضلات التي ستنتهي من دون شك باستخدام السكان المدنيين كدروع بشرية، والزج بالأطفال في الجبهات.
ولهذا فإن الرأي السديد أن يعود الحوثي عن فكرة استعراض العضلات، فهي لن تجديه نفعاً، في بلد دمرته الحرب، ولا تخدم سوى الاستمرار في دوامة العنف اللانهائية، وأن يقبل بترك الملعب للخبراء، للبحث عن أفضل السبل لحلحلة جميع الإشكاليات المتصلة بالجوانب الإنسانية التي تهم الجميع، وتحديداً تلك المتصلة بدفع المرتبات والمعاشات التي أبدى مجلس القيادة الرئاسي الاستعداد التام لمناقشتها والبحث عن أفضل السبل لإنجازها. وقد سبقت مناقشتها في مختلف دورات المشاورات التي قادتها الأمم المتحدة، وتم التوافق على قوائم مرتبات العاملين في الخدمة العامة وفق بيانات 2014.
ويبقى المجال مفتوحاً للنقاش الجاد وملاحظات الخبراء من الطرفين ليس فقط في مجال دفع المرتبات، ولكن في فتح الطرق الرئيسة في تعز وبقية المحافظات، وتسيير مزيد من الرحلات الجوية من وإلى مطار صنعاء، ودخول مزيد من سفن المشتقات النفطية إلى الحديدة، وإطلاق سراح جميع السجناء والمعتقلين والمخفيين قسراً من الطرفين، وإطلاق الجميع مقابل الجميع من دون شروط، وصولاً إلى تعزيز آليات خفض التصعيد من خلال مواصلة عمل اللجنة العسكرية المشتركة.
لا تسقطوا الأمل
لقد كررت كثيراً فكرة الانتقال من مربع العنف إلى مربع السلام كشرط لازم لقبول الأطراف الخوض في استحقاقات السلام الصعب، وعدم التهديد بالعودة للحرب العدمية، فطريق السلام لن يكون معبداً بالورد، ولكنه بحاجة إلى تعهد الأطراف الخوض في بحث فكرة نهاية الحرب وبداية البحث عن أفضل الطرق الممكنة للعيش المشترك. وتلك تجربة جديدة بالنسبة إلى الحوثي الذي لم يعهد سوى الحرب، ويهرب إليها كلما لاحت أفق السلام. وكذلك كان حاله، حتى حينما كان يفاوض شركاء الوطن في مؤتمر الحوار الوطني، كان يفعل ذلك وهو يحرك ميليشياته في كل الاتجاهات.
ما زال الأمل حياً، فالمجتمع الدولي على رغم انتقاده لمطالب الحوثيين ذات السقوف العالية وغير الواقعية في هذه المرحلة، والتي أفشلت جهود تمديد وتوسيع الهدنة، يبقى يعمل على مدار الساعة لإقناعهم بسلوك طريق الهدنة والبناء عليها. ويدرك العالم أن الحوثي يخشى طريق السلام وما زال يعيش وهم القدرة على فرض إرادته وشروطه نظراً إلى اختلال نسبي في التوازن بين طرفي المعادلة الداخلية. وكان مجلس الأمن واضحاً في رسالته للحوثيين بالتوقف عن المطالب الاستفزازية والتفكير بمعاناة الشعب اليمني والعودة للانخراط في المشاورات التي تقودها الأمم المتحدة، وحذره من العودة للأعمال العدائية داخل اليمن وخارجها وتهديد الملاحة في البحر الأحمر.
إن الميزان الحالي للوضع اليمني دقيق، فعلى رغم رفض الحوثيين، وعلى رغم العمليات العسكرية المحدودة في الحديدة ومأرب وتعز، فإن معايير الهدنة ما زالت باقية حتى اللحظة. وتبقى شوكة الميزان تتراوح بين نجاح المجتمع الدولي بإقناع الحوثيين بتحكيم العقل، أو انهيار جهد ستة أشهر من السلام النسبي والسقوط في مستنقع الحرب التي لن يكسبها الحوثي ولن تحقق له أوهام النصر.