Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صعيد مصر يتصدر معدلات الزيادة السكانية الكثيفة

الزواج المبكر وحب إنجاب الذكور وحملات التوعية الساخرة زادت الأزمة السكانية في الصعيد

تستقبل مصر سنوياً 2.5 مليون مولود بحسب بيانات رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (أ ف ب)

يحتل إقليم الصعيد 40 في المئة من حجم سكان مصر، كما تتصدر محافظة أسيوط المحافظات الأكثر إنجاباً للمواليد، وتليها محافظة المنيا التي سجلت منذ ثلاثة أعوام المولود رقم 100 مليون، مما يجعل هذا الإقليم قنبلة موقوتة للزيادة السكانية، على رغم حملات مبادرات التثقيف الصحي التي باتت تكثفها الحكومة المصرية للحد من الإنجاب، فلماذا يتمسك هؤلاء بكثرة الإنجاب، وبخاصة مع تردي الحالة الاقتصادية؟

ويقصد بالمشكلة السكانية عدم التوازن بين تعداد السكان والموارد والخدمات المحلية، ومن يتأمل خريطة التجمعات العمرانية في مصر يجد أن الارتكاز يوجد في 10 في المئة من مساحة مصر التي تعد مساحة مأهولة بالسكان والعمران، كما تعد الزيادة السكانية المتسارعة مشكلة كبرى أمام التنمية في عديد من المجالات الخدمية والتعميرية.

وتستقبل مصر سنوياً 2.5 مليون مولود بحسب بيانات رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، مما يعكس النمو السكاني السريع للبلاد. وتشير الإحصاءات السكانية إلى أن عدد سكان مصر في عام 1800 سجل نحو 5.2 مليون نسمة، ثم تضاعف عدد السكان تدريجاً إلى أن وصل إلى 20 مليون في عام 1950، ثم تضاعف إلى 40 مليون في عام 1978، وفي عام 2005 سجلت تعداد السكان في مصر 70 مليون نسمة، ثم بلغ العدد في الداخل المصري 87 مليون نسمة في عام 2015، ثم قفز النمو السكاني إلى 94.7 مليون نسمة، إلى أن كسرت مصر حاجز 102 مليون نسمة في عام 2020. وإذا استمر النمو السكاني على هذا المستوى، يتوقع أن يصبح تعداد مصر 132 مليون نسمة بحلول عام 2030، أي بزيادة قدرها 31 مليون نسمة في غضون 10 أعوام فقط.

وقال مستشار الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عبدالحميد شرف الدين، في تصريحات رسمية، إن "الزيادة السكانية متمركزة في الوجه القبلي بنسبة 40 في المئة، كما أن أغلب محافظات صعيد مصر هي المحافظات الأكثر إنجاباً، وعلى رأسها محافظة أسيوط بوسط الصعيد، وذلك على رغم الحملات المكثفة التي تطلقها الدولة على مدار السنوات الماضية، الأمر الذي يحتاج إلى تجديد الخطاب الثقافي لسكان منطقة صعيد مصر للحد من الزيادة السكانية المتسارعة على هذا الشريط الضيق حول وادي النيل".

لماذا يتمسك الصعيد بالإنجاب المتزايد؟

من جهة أخرى، قال أستاذ التخطيط بكلية الخدمة الاجتماعية، أحمد شورة، إن "قناعة المواطنين البسطاء ما زالت تنظر إلى الإنجاب الكثير على أنه عزوة وسند للمستقبل، على رغم ما يعكسه عليهم من أزمات، لذا ما زال صعيد مصر متمسكاً بالإنجاب المتزايد، عبر عديد من العادات والتقاليد التي تزكي معدلات النمو السكاني السريع، الأمر الذي يتطلب حملات توعوية أكثر إقناعاً وملامسة لواقع قناعة المواطنين البسطاء داخل القرى والقبائل النائية". وأضاف شورة "على رغم تمسك الصعيد بالإنجاب المتزايد، تتعدد مخاطر النمو السكاني المتزايد على من الأفراد والمجتمعات بشكل كبير، بخاصة مع الإهمال الطويل الذي عاناه الصعيد، لا سيما صعوبة الوصول إلى الخدمات اللازمة بسهولة، وانعدام الدخل المناسب، وزيادة الاستهلاك لدى الأفراد، وزيادة نفقات الدولة على الخدمات، وانتشار ظاهرة البطالة الكثيفة، وانخفاض نسبة الأجور في القطاع العام والخاص، وارتفاع أسعار الوحدات السكنية، والزحف العمراني على المناطق الزراعية".

وذكر شورة أن "المواطن البسيط داخل قرى الصعيد ما زال يفتخر بكثرة الإنجاب بين أقرانه، مما يعكس مستوى الأزمة داخل تلك المجتمعات التي تنظر إلى الإنجاب المتزايد على أنه عزوة وسند، بل يتنافس أبناء العمومة على كثرة الإنجاب لتتباهى عائلة فلان بأنها أكثر عدداً من العائلة الأخرى، وهو ما يسفر عن زيادة مخصصات الدولة للإنفاق على الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والمواصلات والإسكان والحماية الاجتماعية والأمن، وذلك على حسب مخصصات الإنفاق على المشاريع التنموية مما يخلق فجوة عميقة داخل الدولة".

الزواج المبكر

من ناحيتها ذكرت مقررة المجلس القومي للمرأة بمحافظة قنا (جنوب مصر) هدى سعدى أن "الزواج المبكر أحد أسباب كثافة الإنجاب في محافظات صعيد مصر، لأن فرصة الإنجاب لدى الأم تكون طويلة وسريعة، فحينما تتزوج الفتاة وهي في سن 16 سنة تحت غطاء أن الزواج ستر للفتيات الصغيرات المتسربات من التعليم، حتى وإن كان يخالف القانون المصري ويصنف على أنه جريمة جنائية، إلا أن المجتمع القبلي والعشائري يمنحه مشروعية".

وأضافت سعدى أن "غياب الوعي لدى الفتيات الصغيرات اللاتي يقعن فريسة زواج القاصرات يدفع بعضهن إلى الإنجاب ثماني مرات متتالية من أجل التفاخر والتباهي، من دون أدنى رعاية مقدمة للأطفال"، لافتة إلى أن "زواج القاصرات مجرم في مصر على كل من يشارك فيه أو يسهل إجراءاته، إلا أن تمسك المجتمع به جعل تنفيذ القانون ضعيفاً، فعند تراضي جميع الأطراف من دون شكوى قانونية لن يستطيع أحد أن يتدخل، لذا فإن الزواج المبكر في قرى صعيد مصر هو وقود الزيادة السكانية الكثيفة".

في سياق متصل، قالت عبير الرضيوي، وهي أم لستة أبناء من محافظة سوهاج، إنها تزوجت وهي في سن الـ17 من دون عقد توثيقي لعدم بلوغها السن القانونية، وخلال 10 سنوات أنجبت ستة أبناء، أثقلت مسؤولياتهم عاتقها وهي لم تتجاوز الـ30 عاماً من عمرها، مؤكدة أنها قبل زواجها لم يكن لديها أي وعي يذكر بوسائل تنظيم الأسرة، بل حينما سألت والدتها وشقيقتها قلن لها إن "التنظيم على الله ولا تدبري لك أمراً".

أما سعاد البهجوري الأم لتسعة أولاد، فذكرت أن تكرار إنجابها للأبناء دمر صحتها ومناعتها وأصيبت بأمراض مزمنة عدة، مؤكدة أنها باتت توصي أبناءها بتنظيم الأسرة وعدم الإسراف في إنجاب الأبناء حرصاً على مستقبلهم وسلامتهم، مشيرة إلى أنها تزوجت عام 1970 وهي في سن الـ15 وأنجبت تسعة أبناء ولم تستخدم أي وسيلة لتنظيم الأسرة، لا بل كان الحديث عن تنظيم الأسرة حديثاً ممنوعاً من المجتمع في ذلك الوقت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الأمية والإشاعات المغلوطة

إلى ذلك أشار أستاذ صحة الأسرة والمجتمع بكلية الطب بيتر راجي إلى أنه خلال مشاركته بحملات التوعية في قرى صعيد مصر ضد كثرة الإنجاب غير المدروس، اكتشف أن عدداً ليس بقليل من السيدات البسيطات لديهن أفكار مغلوطة حول وسائل تنظيم الأسرة، فأغلبهن يعتقدن أن استخدامها يتسبب في العقم وتقليل الرغبة الجنسية، مما يجعلهن يعزفن على استخدامها والإقبال عليها، نظراً إلى ارتفاع معدلات الأمية داخل قرى محافظات صعيد مصر". وأضاف راجي أنه "خلال السنوات الماضية تكثفت حملات التوعية بضرورة تقليل الإنجاب من أجل راحة الأسرة من دون أن تعالج الحملات تلك الإشاعات المغلوطة التي ستجعل وسائل تنظيم الأسرة مهجورة"، كما طالب بيتر راجي "بضرورة تخفيض أسعار وسائل تنظيم الأسرة التي شهدت ارتفاعات غير مسبوق في الأسعار خلال السنوات الخمس الماضية من أجل تسهيل اتاحتها للمواطنين".

وأكدت الباحثة القانونية في مجال دعم المرأة والطفل مروة عبدالرحيم أن "للخطاب الديني دوراً مهماً في تغيير قناعة المجتمع المصري، بخاصة في منطقة الصعيد، فلا بد أن تتضافر جهود الكنائس والمساجد لإقناع المواطن بأن تنظيم الأسرة بات ضرورة ملحة في ظل تداعي الأزمات العالمية"، لافتة إلى أن "التخطيط لهذا الخطاب يحتاج إلى حوار مجتمعي أكثر عمقاً وإقناعاً ليمس عقول الأهالي وقلوبهم في صعيد مصر بشكل جاد دون تسخيف".

حب إنجاب الذكور فتيل الزيادة السكانية

كذلك ذكر استشاري طب النساء والتوليد بمحافظة أسيوط عبدالرحيم اليمني أن "من أسباب الزيادة حب إنجاب أهالي صعيد مصر للذكور، لذا يتكرر الإنجاب من أجل ميلاد الوريث، وبعد إنجابه تتجدد النية والرغبة من جديد لإنجاب ورثة جدد، إذا تكرر إنجاب الإناث تتضاعف مرات الإنجاب، والزواج بأخريات إذا لزم الأمر". وأضاف اليمني "بعض الأطباء العاملين في مجال التوليد بقرى الصعيد استغل ذلك بشكل غير مهني وفرض كلفة مالية أعلى لتوليد الذكر من توليد الأنثى، مما يعكس مدى حب المواطن الصعيدي لتكرار إنجاب الذكور، رغبة في العزوة والسند الموهوم مما يعزز الإنجاب الكثيف والسريع".

وذكر حسين عبدالمنعم، وهو والد لسبعة أبناء، أن "المواطن في الصعيد يحرص على الإنجاب من أجل التفاخر والتباهي بالسند والعزوة، ومن يخالف ذلك، فالجميع سيتنمر عليه لا محالة بأنه عاجز ومبتور السند والعزوة". وحول تجربته في الإنجاب قال "تزوجت أنا وفي سن الـ21، أنجبت زوجتي ثلاث فتيات، الأمر الذي أحزنني، لذا تكررت الرغبة في الإنجاب إلى أربعة ذكور آخرين حتى لا أقع تحت وطأة التنمر والعيبة مقارنة بأشقائي وشقيقاتي".

التوعية العكسية

من ناحية أخرى أكد الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة في مصر محمد أبو الفضل بدران أن "بعض حملات التوعوية الخاصة بتنظيم الأسرة وقعت في فخ التوعية العكسية عبر بعض الإعلانات التي استخدمت التنمر والسخرية من المواطن الصعيدي خلال الزواج والإنجاب، الأمر الذي أسفر عن نتائج عكسية لهذه الحملات يشوبها العند، لأن الأهالي في صعيد مصر لديهم حساسية وكبرياء، مما يتطلب خطاباً جديداً يحترم المتلقي بصعيد مصر". وأضاف بدران أن "أغلب الحملات وجهت خطابها للمرأة في صعيد مصر، متجاهلة الزوج في اتخاذ قرار الإنجاب"، مطالباً بأن تصبح الحملات "أكثر شمولية وواقعية، بخاصة مع ظروف الغلاء الاقتصادي التي تأثر بها الجميع".

وعن أسباب عزوف المواطن في صعيد مصر عن الاستجابة لحملات التوعية، أفاد الباحث في مجال الإعلام عمر شوقي  بأنه "منذ 40 سنة والدولة المصرية حريصة على تكثيف حملات التوعية الخاصة بتنظيم الأسرة واستخدام وسائل منع الحمل، إلا أن تلك الحملات جرى التخطيط لها وتنفيذها بعيداً من خصوصية الصعيد، لذا جاءت نتائج الاستجابة ضعيفة، فمراعاة خصوصية المنطقة وطبيعتها الجغرافية أمراً هاماً خلال التخطيط للحملات التوعوية".

وقال بسام الفرشوطي، الأب لثمانية أبناء، "لو عاد بي الزمن لن أنجب سوى طفلين فقط، فحجم المسؤوليات بات هائلاً في ظل الغلاء المعيشي، الأمر الذي تسبب في عدم حصول أربعة من أبنائه على تعليم عالٍ أو متوسط مناسب، على رغم ذكائهم وموهبتهم، بسبب عدم وجود قدرة مالية كافية، فقد حرصت على أن يتركوا التعليم باكراً ليسهموا في المساعدة في كلفة المعيشة عبر العمل بنظام اليومية".

ورداً على سؤال حول السبب وراء عدم استجابته لحملات التوعية الخاصة بتنظيم الأسرة، رد الفرشوطي بأن "السبب الرئيس كان في الخطاب الديني لبعض المشايخ غير الرسميين الذين كانوا يعتلون المنابر وكانوا يحرمون استخدام وسائل تنظيم الأسرة لكونها مرسلة من الغرب لتدمير خصوبة المسلمين".

ضوابط وحوافز

وأطلقت وزارة التخطيط المصرية مجموعة ضوابط وحوافز جديدة للحد من الزيادة السكانية في فبراير (شباط) الماضي تتضمن مجموعة محاور ضمن المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، والذي يركز العمل على منطقة الصعيد. ويرتكز المشروع على محور التمكين الاقتصادي للمرأة باعتبارها المحور الفاعل في الخطة، ثم محور التدخل الخدمي من خلال توفير الخدمات الصحية والإنجابية، والمحور الثالث هو التدخل الثقافي والتوعوي والتعليمي، والمحور الرابع هو "التدخل الرقمي"، كما أضيف محور خامس خاص ببرنامج الحوافز المادية، والذي يستهدف السيدات من سن 18 إلى 45 عاماً للشباب الذكور والإناث والتجمعات الريفية والمحافظات التي بها عدد أكبر من متوسط الإنجاب.

ويتضمن المشروع ضوابط وحوافز خاصة بالتزام إنجاب طفلين لكل أسرة عبر فرص الحصول على الدعم الحكومي في الخدمات المدعمة أو الحرمان منها بحال إنجاب أكثر من طفلين.

المزيد من تحقيقات ومطولات