Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أخطبوط اليمين يتمدد أوروبياً والمهاجرون في عين العاصفة

أرجع مراقبون الظاهرة إلى الأوضاع الاقتصادية وقلق المواطنين من زيادة معدلات الهجرة

زعيمة حزب "إخوة إيطاليا" جورجيا ميلوني (أ ف ب)

اكتسب اليمين المتطرف في أوروبا أرضاً جديدة بتصدره الانتخابات التشريعية الإيطالية، ما يؤهله لتشكيل الحكومة الجديدة.

يأتي ذلك في ظل تصاعد الأحزاب اليمينية في القارة العجوز من السويد شمالاً حتى إيطاليا جنوباً، ما يثير تساؤلات حول أسباب ذلك التمدد وتداعياته، خصوصاً على المهاجرين ذوي الأصول غير الأوروبية وسياسات الهجرة، والتوقعات بشأن استمراره.

وأسفرت الانتخابات التي أجريت الأحد الماضي عن فوز الائتلاف اليميني الذي تقوده جورجيا ميلوني زعيمة حزب "إخوة إيطاليا"، بنسبة 43.8 في المئة من مقاعد مجلسي الشيوخ والنواب، في حين أن الأغلبية اللازمة لتشكيل حكومة هي 40 في المئة فقط من مقاعد غرفتي البرلمان.

نتيجة انتخابات إيطاليا تعد الانتصار الثاني لليمين المتطرف في أوروبا خلال أسبوعين، إذ شهد منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي تحقيق حزب ديمقراطيي السويد اليميني المتطرف مكاسب كبيرة في الانتخابات التشريعية على حساب الحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي يسيطر على الحياة السياسية السويدية منذ ثلاثينيات القرن الماضي.

قفزة هائلة

تعود جذور حزب "إخوة إيطاليا" إلى حركة ما بعد الفاشية التي أسسها أنصار بينيتو موسوليني، وقد أشادت ميلوني نفسها بالديكتاتور في بداية حياتها السياسية.

وحقق الحزب قفزة هائلة بالحصول على نحو ربع أصوات الناخبين، ارتفاعاً من 4.5 في المئة خلال انتخابات عام 2018، وتحالف مع حزب "الرابطة" اليميني المتطرف بقيادة ماتيو سالفيني و"فورزا إيطاليا" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلسكوني، الذين حصدا 9 و8 في المئة من الأصوات على التوالي، في مقابل 17 و14 في المئة عام 2018، وكان الرابط بين الأحزاب الثلاثة هو الخطاب الداعي إلى كبح تدفق المهاجرين وتقليل الضرائب.

أما في السويد فحقق اليمينيون أغلبية نادرة، إذ حصد حزب ديمقراطيي السويد الذي يمثل اليمين المتطرف 73 مقعداً، وتحالف مع الحزب السويدي المحافظ لتشكيل الحكومة بزعامة رئيسه أولف كريسترسون، في سابقة بأن يتولى اليمين الحكم بدعم من التيار اليميني المتطرف.

وكما ارتبط "إخوة إيطاليا" بالفاشية، نشأ حزب الديمقراطيين القومي في السويد تحت عباءة حركة النازية الجديدة في ثمانينيات القرن الماضي، وظل لفترة طويلة حزباً هامشياً إلى أن استطاع دخول البرلمان بفوزه بـ5.7 في المئة من الأصوات عام 2010، ثم ارتفعت النسبة إلى 17.5 في المئة عام 2018، وفازوا في الانتخابات الأخيرة بنحو ربع الأصوات.

تحالف اليمينيين

أظهر سياسيون ينتمون لليمين في أوروبا ترحيبهم بنتائج الانتخابات الإيطالية، إذ رفض الرئيس البولندي أندريه دودا انتقاد بعض الأطراف لاختيار الشعب الإيطالي، وهنأ رئيس الوزراء ماتيوس مورافيسكي ميلوني على "النصر العظيم" الذي حققته.

ويحكم بولندا حزب القانون والعدالة القومي المحافظ، ولا ينتمي الرئيس دودا لأي حزب وفق الدستور، لكنه سابقاً كان ينتمي لحزب القانون والعدالة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما كتب زعيم حزب "فوكس" اليميني الإسباني سانتياغو أباسكال عبر "تويتر"، "لقد أوضحت ميلوني الطريق لأوروبا فخورة وحرة قوامها دول ذات سيادة"، كما هنأ ميلوني مرشحة الرئاسة الفرنسية السابقة مارين لوبن، وقيادة حزب البديل اليميني في ألمانيا.

تأييد الشارع الأوروبي لليمين بدا في دول عدة خلال الأشهر الماضية، إذ حصل حزب "البديل من أجل ألمانيا" على 10 في المئة من الأصوات في الانتخابات البرلمانية الألمانية الأخيرة، في سبتمبر (أيلول) 2021.

وفي فرنسا، ثاني أكبر اقتصادات الاتحاد الأوروبي اتجه نحو 42 في المئة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية في أبريل (نيسان) الماضي لصالح مارين لوبن زعيمة حزب التجمع الوطني، وفاز الحزب بـ89 مقعداً في الانتخابات البرلمانية في يونيو (حزيران).

كذلك فاز حزب "فيدس" اليميني في المجر بنحو 53 في المئة من مقاعد البرلمان في انتخابات أبريل الماضي، فأعيد انتخاب فيكتور أوربان زعيم الحزب اليميني رئيساً للوزراء للمرة الرابعة.

عجز الحكومات

الخبير في الشؤون الأوروبية محمد رجائي بركات أرجع زيادة عدد ناخبي ومؤيدي اليمين المتطرف داخل دول الاتحاد الأوروبي إلى عجز القيادات الحالية عن إيجاد حلول للأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها المواطنون في القارة العجوز، خصوصاً بعد عامين من جائحة كورونا وما تبعها من أزمات، إلى جانب النتائج العكسية التي أتت بها القرارات الاقتصادية ضد روسيا بعد اجتياحها لأوكرانيا لترتفع المعاناة أكثر فأكثر.

وأوضح الخبير المقيم في باريس لـ"اندبندنت عربية"، أن الوضع الحالي لأوروبا يؤكد تراجع مستوى رفاهية ومعيشة المواطنين، بما يثبت فشل المسؤولين في دول الاتحاد بإيجاد حلول للأزمات الاقتصادية التي فاقمها الوضع المتأزم في العلاقات مع روسيا التي اتخذت قراراً أخيراً بقطع الغاز عن القارة مما أثر بشكل كبير في أسعار الغاز والكهرباء ومصادر الطاقة.

وأشار بركات إلى أن جورجيا ميلوني رئيسة وزراء إيطاليا المرتقبة ستدعم نظيرها في المجر فيكتور أوربان داخل الاتحاد الأوروبي، لكونهما يقتنعان بأفكار متشابهة محسوبة على اليمين الأوروبي المتطرف، ويعد هذا بمثابة دعم كبير أيضاً لهذا الفكر السياسي داخل مؤسسات الاتحاد، خصوصاً أن رئيسة وزراء إيطاليا وعدت بتغييرات جذرية تحت شعارات "الأم، العائلة، المسيحية، الوطن، إيطاليا" وإعلانها معاداة المهاجرين والهجرة، بما قد يؤثر في سياسات القارة العجوز.

عودة اليمين

كذلك أكد الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بشير عبد الفتاح أن صعود اليمين المتطرف في أوروبا ليس وليد الأيام الحالية، لكن يعود لسنوات ماضية وجذوره بدأت في القرن الماضي مثل الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية، لافتاً إلى أن عودة اليمين مرة أخرى تأتي وسط تخوفات من ذوبان الهوية الأوروبية نتيجة موجات الهجرة المتتالية على القارة العجوز ما أدى إلى تلون المجتمع الأوروبي، بجانب التأزم الاقتصادي.

وكشف عبد الفتاح لـ"اندبندنت عربية" عن أن المواطن الأوروبي يشعر بالقلق نتيجة تغير البيئة الخاصة به بسبب كثافة الهجرة غير الشرعية، مضيفاً "المواطن اليميني المتطرف يشعر أن هناك من يشاركه في الوظائف ويزاحمه بمكانه بوسائل المواصلات ويغير منظومة القيم بمجتمعه فيرى هناك صلوات في الشوارع مع وجود المعابد البوذية، كل ذلك يولد لديه المخاوف من سرعة التغير الثقافي والاجتماعي في بيئة اعتادت نمط معين من الثقافات مما يشكل له نوعاً من الازعاج".

تغذية التطرف

وأوضح عبد الفتاح أن اليمين المتطرف في أوروبا يحمل الوافدين دائماً مسؤولية التأزم الاقتصادي والارتباك الأمني، وينظر لهم بعدم إمكان تعايشهم في مجتمعه، ومن الممكن تحولهم تجار مخدرات مثلاً، مشيراً إلى أن اليمين المتطرف ينظر للمهاجرين باعتبارهم دخلاء لا يمكنهم الاندماج مع بيئته، بالتالي ينادي من جديد بنقاء العنصر وضرورة عودة الوافدين لمجتمعاتهم.

وأشار إلى أن هذه الأفكار المتطرفة تجد آذاناً صاغية في أوروبا، وسط التأزم الاقتصادي الحالي وانتشار البطالة مع وجود جرائم عنف وإرهاب مرتبطة بوافدين، لافتاً إلى أن كل هذه القضايا يتم ترويجها بشكل معين للمواطن الأوروبي لتوجيهه ودفعه نحو دعم اليمين المتطرف.

ويرى عبد الفتاح أن الوضع الحالي في أوروبا يشجع على تنامي الأفكار المتطرفة، ويمكن لسياسيين استغلالها لشحن المواطن الأوروبي واستقطاب مشاعره نحو ضرورة تطهير المجتمع من الدخلاء، حتى تتوفر فرص العمل والحفاظ على ما يسمى نقاء النوع في القارة العجوز، مشيراً إلى أنه عند وجود انتعاش اقتصادي واستقرار وأمان بشكل كبير ستجد المواطن في أوروبا لا يصغي لمثل تلك الأفكار، بل تراه لديه مساحة أكبر للتسامح مع الآخر وتقبله.

ولفت إلى أن ما يعرف بثورات الربيع العربي شكلت ضغطاً كبيراً على المجتمع الأوروبي، نتيجة تسببها في توسع حالات الهجرة غير الشرعية، وتسلل عدد كبير من المنتمين للجماعات الإرهابية وتنظيم "داعش" وسط اللاجئين، موضحاً أن المواطن في أوروبا تولد لديه شعور بعدم الثقة تجاه المهاجرين مع تزايد حوادث الإرهاب.

العداء للمهاجرين

في إيطاليا التي يصل إلى شواطئها عشرات الآلاف من المهاجرين سنوياً، يعد وصول معادية للهجرة إلى السلطة زلزالاً سياسياً يثير الترقب لما سيسفر عنه، خصوصاً أن التيارات اليمينية المتطرفة تدعو إلى دول أوروبية وطنية متجانسة اجتماعياً وثقافياً ودينياً، وتخشى منظمات غير حكومية من أن يؤدي اليمين المتطرف إلى إغلاق الحدود أمام عشرات الآلاف من الفارين من أوضاع بائسة في دولهم الأفريقية.

وهتفت ميلوني في يونيو (حزيران) الماضي "لا للهجرة الجماعية والعنف الإسلامي، تحيا إيطاليا، وتحيا أوروبا للوطنيين"، كما كان لحليفها ماتيو سالفيني مواقف معادية للمسلمين، إذ أعلن في انتخابات 2018 نيته ترحيل نصف مليون مهاجر غير نظامي، فضلاً عن قوله عام 2019 إن "التطرف الوحيد الذي ينبغي التفطن إليه هو التطرف الإسلامي"، تعليقاً على مذبحة المسجدين في نيوزيلندا، كما أثار غضب المسلمين في أغسطس (آب) 2021 عندما قال إن "القرآن لا يتوافق مع الديمقراطية"، وأوقف بناء مساجد جديدة حينما كان وزيراً.

معضلة اللاجئين

يرى بركات أن فشل الحكومات الأوروبية في حل معضلة اللاجئين وإيجاد حلول بديلة لهم يعد ضمن أسباب زيادة نفوذ اليمين المتطرف خلال الآونة الأخيرة، خصوصاً أن الأزمة حملت دول الاتحاد كثيراً من الأعباء المادية على مدار السنوات الماضية، فأصبح المواطن الأوروبي يتساءل لماذا علينا أن نتحمل هذه المشكلات بسبب المواقف السياسية لحكوماتنا، مشيراً إلى أن قيادات اليمين اغتنمت هذه الفرصة في إصدار وعود لأوروبيين بإعادة اللاجئين إلى وطنهم.

ولفت بركات إلى أن الجاليات العربية المسلمة الموجودة في أوروبا ستتأثر مستقبلاً بتصاعد نفوذ اليمين المتطرف، لكونه يقتنع بأفكار عنصرية ضد الدين الإسلامي مع إشارة إلى ضرورة إلغاء ومنع ارتداء الحجاب، إضافة إلى تصريحات قياداته التي تشير دائماً إلى ضرورة إعطاء الأولوية في العمل للأوروبيين، مما سيؤثر في فرص كثير من الجاليات والجنسيات هناك.

قيود أوروبية

لكن الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية توقع ألا يكون اليمين المتطرف في أوروبا مطلق الأيدي في سياساته بشأن الهجرة، مؤكداً أن البرامج الانتخابية والشعارات بالوقت الحالي هدفها دغدغة مشاعر الناخبين وطمأنتهم ليس أكثر، موضحاً أن وجودهم في السلطة يحكمه اعتبارات كثيرة، على رأسها الإمكانات والموارد والقانون والإطار الدستوري بجانب قيم الاتحاد الأوروبي، مما سيجبرهم على الالتزام بسياسات القارة العجوز المتعارف عليها ناحية المهاجرين.

وأكد عبد الفتاح أن جنوح حكومات اليمين المتطرف في أوروبا عن سياسات الاتحاد الأوروبي يعرضها لعقوبات وحرمان من المساعدات قد يضر بمصالحها، لذلك من الصعب إطلاق يديها بشكل كامل في جميع الملفات، مشدداً على أن إيطاليا على رغم فوز زعيمة اليمين المتطرف بمنصب رئيسة الوزراء لكنها لن تحتمل الخروج عن مبادئ الاتحاد الأوروبي، خصوصاً أن روما تحتاج إلى مساعدات الاتحاد لسد ديونها المتراكمة.

ويؤكد ذلك التصريحات التي أعقبت إعلان نتائج الانتخابات الإيطالية، إذ قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إن لدى الاتحاد الأوروبي "أدوات لمعاقبة الدول الأعضاء التي تنتهك سيادة القانون وقيمه المشتركة"، كما أكدت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن أن "لدى الاتحاد قيماً محددة يتمسك بها مثل حقوق الإنسان".

ولفت عبد الفتاح إلى أن صعود اليمين المتطرف في أوروبا وتصريحاتهم ضد المهاجرين بخاصة المسلمين، قد تغذي التيارات الراديكالية في الشرق الأوسط، من خلال دعم سردية كراهية الأوروبيين للدين الإسلامي، موضحاً أن تيارات الإرهاب قد تستغل ذلك في عباءة جديدة تحت ادعاء حماية الدين لشحن عناصرها بمزيد من التعصب واستقطاب وتجنيد مقاتلين ضد أوروبا تحت شعارات التصدي لأعداء الدين.

تهديد عرقي

عن إمكان صعود اليمين المتطرف من جديد في الانتخابات الأوروبية المقبلة، قال عبد الفتاح إن الدول التي تعاني بشكل أكبر أزمات اقتصادية وإرهاباً وضغوط الهجرة هي بيئة خصبة لصعود اليمين المتطرف، لاستغلاله مشاعر المواطنين بشكل كبير نحو ضرورة تغيير سياسات الاتحاد الأوروبي.

وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" فإنه من الصعب وضع تعريف محدد لليمين المتطرف، لكن السمة الرئيسة للجماعات والأحزاب المنضوية في إطاره، هي الخطاب الذي يتحدث باستمرار عن وجود تهديد عرقي أو ثقافي ضد مجموعة "أصلية" من قبل مجموعات تعتبر دخيلة على المجتمع، وضرورة الحفاظ على الهوية الوطنية، بالتالي معارضة اليمين المتطرف للهجرة. كما تشترك في رفض فكرة التنوع الثقافي، وغالباً ما يعتبرون أنفسهم مدافعين عن الدين (المسيحي مثلاً في أوروبا)، في مواجهة الأديان الأخرى مثل الإسلام واليهودية، على رغم أن بابا الفاتيكان البابا فرانسيس دائماً ما يتحدث عن قيم التسامح وتقديم المساعدة للاجئين.

المزيد من تقارير