Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تحولات أوروبا والعالم: إيطاليا لوريثة موسوليني

"الحركات الشعبوية تكبر دائماً، لكنها تنتهي بالطريقة نفسها: بكارثة"

ها هي إيطاليا تسلم قيادتها للسيدة ميلوني المعجبة بموسوليني (رويترز)

في روما الخمسينيات كان إعلان الاتفاق على السوق المشتركة التي صارت الاتحاد الأوروبي. وفي روما اليوم زلزال سياسي يميني شعبوي يقلق الاتحاد الأوروبي. بعد الحرب العالمية الثانية كان خوف أميركا من أكبر حزب شيوعي إيطالي في أوروبا بقيادة تولياتي من الأسباب الدافعة إلى "مشروع مارشال" لإعادة إعمار أوروبا. واليوم تدفع مصاعب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الناخبين الإيطاليين إلى الرهان على حكومة يقودها حزب "إخوة إيطاليا" اليميني المتشدد ذو الجذور الفاشية بزعامة جورجيا ميلوني. وكما في حرب أوكرانيا كذلك في انتخابات إيطاليا: لا حدث يبقى محلياً. كل حدث يهز أوروبا، وكل ما يهز أوروبا يؤثر في العالم، فلا شيء غير العالم أكثر من حروب أوروبا التي شاركت فيها أميركا: الحربان العالميتان الأولى والثانية والحرب الباردة، ولا قارة سادت العالم على مدى قرون مثل أوروبا.

لكن القارة العجوز التي هدأت بعد الحرب العالمية الثانية وتخلت عن مستعمراتها، وتغيرت بأقل قدر من العنف بعد الحرب الباردة ونهاية الاتحاد السوفياتي، وبدت كأنها تعيش "نهاية التاريخ" من قبل أن يضع فرنسيس فوكوياما نظريته، عادت من "إجازة من التاريخ" بحسب تعبير ريتشارد هاس. فالرئيس فلاديمير بوتين أعادها إلى القرن التاسع عشر وصراعاته الجيوسياسية وخرائط الدول المتغيرة بالقوة. ومعاناة الأوروبيين، وفساد الأحزاب الحاكمة من يمين الوسط ويسار الوسط، وأزمة الطاقة وارتفاع الأسعار، وتدفق المهاجرين من أفريقيا وآسيا، أعادت القارة إلى عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين: صعود الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا. فالدوتشي بينيتو موسوليني لم يكن ظاهرة عابرة، ولا الفوهرر أدولف هتلر. وها هي ذي إيطاليا تسلم قيادتها للسيدة ميلوني المعجبة بموسوليني، وألمانيا تفتح "البوندستاغ" أمام حزب النازيين الجدد "البديل من أجل ألمانيا". حزب "فوكس" الشعبوي اليميني يكبر في إسبانيا. مارين لوبن كادت تصبح رئيسة لفرنسا. موراوسكي المتشدد يحكم بولندا. أوربان اليميني القومي المتطرف يحكم المجر، حتى السويد فإنها تنتقل من اليسار إلى اليمين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والتجربة ليست سهلة. ميلوني بدأت مراجعة شعاراتها وغربلة مواقفها. ومواد الامتحان أمامها هي عضوية الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي واليورو والموقف من حرب أوكرانيا والاقتصاد. خلال الحملة الانتخابية وقبلها امتدحت موسوليني، وأوحت أنها ستخرج من العملة الأوروبية الموحدة وربما من الاتحاد الأوروبي، وستغلق حدود إيطاليا في وجه المهاجرين غير الشرعيين، وتسعى لإصلاح الدستور والانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي. غير أنها بدأت تتحدث كرئيسة لحزب يميني عادي مثل حزب المحافظين البريطاني. واضطرت مع شريكيها في تحالف اليمين ماتيو سالفيني زعيم حزب "الرابطة" وسيلفيو برلسكوني زعيم "فورزا إيطاليا" إلى التعهد في البيان الانتخابي المشترك "باحترام التزامات إيطاليا باعتبارها جزءاً من حلف الأطلسي والالتزام التام التكامل الأوروبي".

لم تتراجع علناً عن الرغبة في نظام رئاسي، لكنها أكدت الموقف الأوروبي من حرب أوكرانيا واستمرار تقديم المساعدات لكييف، وبدء إيطاليا "الدفاع عن مصالحها القومية". وليس واضحاً إن كان سالفيني وبرلسكوني سيتراجعان عن تأييد بوتين والصداقة معه. والبارز كان تأييد رجال الأعمال ميلوني، بعد أن كانوا وراء رئيس الحكومة والحاكم السابق للمصرف المركزي الأوروبي ماريو دراغي.

في بدايات القرن العشرين أصدر الزعيم الشيوعي فلاديمير لينين كتاب "مرض الطفولة اليساري". وفي بدايات القرن الحادي والعشرين يبدو مرض الطفولة اليميني الشعبوي هو العنوان الرائج. فهل عادت القارة العجوز التي تعبت من اليسار والوسط واليمين المعتدل إلى المراهقة الشعبوية؟ المعادلة في رأي وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، هي "الحركات الشعبوية تكبر دائماً، لكنها تنتهي دائماً بالطريقة نفسها: بكارثة".

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل