Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الإفلات من العقاب يعزز الانتهاكات ويكسر "هيبة" السلطات في ليبيا

"القضاء يعاني تحديات جساماً في ظل حالة استثنائية مع انتشار للسلاح وسلطات الأمر الواقع"

 دق محققون أمميون في مايو الماضي ناقوس الخطر بشأن تجاوز معدلات الإفلات من العقاب في ليبيا (أ ف ب)

قيل قديماً "من أمن العقوبة أساء الأدب"، ويقول أحد الأمثال الشعبية الليبية "المال السايب يعلم السرقة"، ويؤكد واقع الحال في البلاد صدق القولين معاً. فبعد عقد على سقوط نظام معمر القذافي وانفراط عقد الدولة وتفتت أدواتها الرقابية وسلطتها تمدد الفساد وتفاقمت الانتهاكات بأشكالها وتعاظمت الجريمة المنظمة والعشوائية، مع تنامي ظاهرة الإفلات من العقاب عاماً بعد عام.

عقد كثرت فيه السجون غير الرسمية وغيب فيها الآلاف بشكل قسري، وسلبت فيه خزائن الدولة، وجرت فيه البلد الطافية على بحار من النفط إلى حافة الإفلاس، وباتت تتصدر التصنيفات الدولية في الفساد وتوضع عاصمتها في القائمة الحمراء لأكثر مدن العالم خطراً، من دون أن يحاسب مسؤول أو يحاكم متهم في أي قضية من القضايا التي تسببت في وصول البلاد إلى هذه الهاوية.

تحذير دولي

وفي مايو (أيار) الماضي دق محققون أمميون ناقوس الخطر في شأن تجاوز معدلات الإفلات من العقاب في ليبيا الحد المعقول، وحذروا من استمرار الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في معظم أنحاء ليبيا، والتي تشمل جرائم محتملة ضد الإنسانية، مما يعرقل انتقال البلاد إلى السلام والديمقراطية.

وفي تقرير مرفوع إلى مجلس الأمن حذر المحققون التابعون للجنة تحقيق دولية مستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا، من أن "الانتهاكات المتعددة والواسعة النطاق تهدد جهود التحرك نحو الديمقراطية".

وقال رئيس اللجنة محمد أوجار للصحافيين "لن يكون هناك سلام من دون وضع حد لهذه الانتهاكات، ولن تكون هناك ديمقراطية من دون وضع حد للإفلات من العقاب".

وأشارت اللجنة المكونة من ثلاثة أعضاء إلى ترهيب ومضايقة النشطاء والاعتداء على المحامين والقضاة والانتهاكات الجماعية ضد الفئات الضعيفة مثل المهاجرين والنساء والمحتجزين.

عجز العدالة المحلية والدولية

وبعد خمسة أشهر من هذا التقرير ما زالت السلطات الدولية والمحلية عاجزة عن ملاحقة المطلوبين في العشرات من القضايا المرفوعة ضدهم داخل ليبيا وخارجها، على رغم أن غالبهم صدرت في حقهم أحكام وطالبت أوامر قضائية بملاحقتهم أينما كانوا.

وعلى سبيل المثال لا الحصر ما زالت السلطات الليبية والشرطة الدولية غير قادرتين على تحديد مكان قائد حرس المنشآت النفطية السابق إبراهيم جضران، الذي أغلق الموانئ والحقول النفطية لمدة ثلاث سنوات، مما كلف البلاد خسائر تقدر بمئة مليار دولار ما زالت تعاني آثارها حتى اليوم، على رغم صدور أحكام قضائية في حقه بالداخل والخارج، ووضع اسمه على قائمة المطلوبين للعدالة في مجلس الأمن والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وإذا كان الجضران فاراً خارج البلاد من دون أن يستطيع أحد تحديد مكانه حتى الآن، فإن بعض المطلوبين الآخرين في قضايا مختلفة تتعلق بالفساد أو تهديد أمن البلاد ما زالوا طلقاء في ليبيا، بل ويظهرون علناً ويمارسون النشاطات نفسها التي حظرت عليهم، مثل القائد العسكري في مصراتة صلاح بادي، المتهم بحرق مطار طرابلس عام 2013 والصادرة في حقه مذكرة اعتقال في ليبيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

أما أشهر المطلوبين للعدالة الدولية الذين عجزت عن جلبهم للمحاكمة أو حتى الفصل نهائياً في قضاياهم، التي تتولاها المحكمة الجنائية الدولية منذ سنوات، فهو نجل الرئيس السابق سيف الإسلام معمر القذافي، الذي تلاحقه المحكمة منذ عام 2011، وأكثر من ذلك كان قريباً من العودة للحكم نهاية العام الماضي، بعد ترشحه للانتخابات الرئاسية التي تعثرت بعد ذلك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ضعف الآليات المتبعة

ويرى رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان أحمد عبدالحكيم حمزة أنه "على رغم وجود مطالبات عدة بضرورة محاسبة التشكيلات المسلحة مثلاً عما ترتكبه من أعمال تضر بالمواطنين، فإن ذلك لم يحدث لأسباب عدة متعلقة بضعف الآليات الدولية، وعدم التعاطي الجدي والسريع مع متطلبات المرحلة وتعزيز الجهود الوطنية في المساءلة ووقف الإفلات من العقاب".

وأضاف في تصريحات صحافية "كان لزاماً على المجتمع الدولي العمل سريعاً لدعم جهود عدم الإفلات من العقاب، وتعزيز سيادة القانون في ليبيا منعاً لتجدد الاشتباكات وأعمال العنف في حق المدنيين والأبرياء، الذين يدفعون ثمن هذه النزاعات المسلحة".

وتابع "القضاء يعاني تحديات جساماً في ظل حالة استثنائية مع انتشار للسلاح، وسلطات الأمر الواقع، التي تفرض سيطرتها، مما يعوق عمل السلطات القضائية الليبية".

وخلص إلى أن "القضاء في ليبيا بحاجة إلى التعاون مع نظيره الدولي بغية تعزيز سيادة القانون وإنهاء الإفلات من العقاب".

عرقلة العملية الانتخابية

عضو ملتقى الحوار السياسي إلهام السعودي ترى أن ضعف العدالة المحلية والدولية والأذرع الأمنية والقانونية في ليبيا، وتعزز حالات الإفلات من العقاب، كلها شكلت سبباً رئيساً في فشل العملية الانتخابية، نهاية العام الماضي، "الإفلات من العقاب مكن الفاسدين من إفشال الانتخابات التي كان يتطلع إليها 2.8 مليون ليبي سجلوا للتصويت".

وقالت السعودي خلال جلسة سابقة لمجلس الأمن في شأن ليبيا، إن "هناك أفراداً متهمين بارتكاب جرائم حرب رشحوا أنفسهم للانتخابات، وهو ما يعد محاولة للإفلات من العقاب".

وأشارت إلى أن "عدم المحاسبة على جرائم الحرب في ليبيا خلال السنوات الماضية عقد عملية المصالحة الوطنية، التي يمكن تحقيقها من أجل ضمان إعادة السلم والاستقرار إلى البلاد".

واعتبرت أن "مفاهيم العدالة في ليبيا أصبحت أكثر إلحاحاً، وأصبحت المساءلة عن جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان مطلباً بالغ الأهمية الآن، وأن التطورات الأخيرة في ليبيا تظهر تأثير الدول التي تمارس الولاية القضائية على الجرائم العالمية".

الحاجة إلى نهج جديد

المحامي والناشط الحقوقي عبدالحميد بن صريتي أشار إلى ضرورة تطوير الآلية المتبعة في تعاطي السلطات الليبية والمجتمع الدولي مع ملف الانتهاكات السياسية والاقتصادية والإنسانية في ليبيا، "ثمة حاجة إلى نهج جديد يضع المحاسبة على الانتهاكات الجارية للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني على رأس قائمة الأولويات، ووضع تمكين وحماية المجتمع المدني والمواطنين المعنيين بإرساء العدالة والمحاسبة على المستوى الوطني، في قلب عمليات صناعة القرار الدولية".

وشدد على أنه "ثمة خطوة أولى مطلوبة بشدة، هي إعادة مجلس حقوق الإنسان تشكيل لجنة تقصي الحقائق الدولية المعنية بليبيا، وتكليفها بولاية واضحة لجمع الأدلة على الجرائم المرتكبة في ليبيا، وتحديد المسؤولية الجنائية الفردية لمرتكبي هذه الجرائم، مع السعي إلى إنجاح الجهود الوطنية والدولية الرامية إلى حماية وتمكين المواطنين الليبيين الفاعلين بهذا المجال".

الجرائم الاقتصادية

واعتبر أن "تقارير مكتب النائب العام وديوان المحاسبة الأخيرة الخاصة بقضايا الفساد تظهر الحاجة إلى تعزيز الاهتمام بالجرائم الاقتصادية في ليبيا، وعدم التركيز فقط على الانتهاكات الحقوقية أو الخاصة بتجاوزات الحروب وقضايا حقوق الإنسان، لأن جرائم الفساد ونهب المال العام لا تقل خطورة على البلاد وأمنها ومستقبلها".

وأضاف بن صريتي "أنا هنا لا أتحدث عن القضايا الخاصة بالحكومات الحالية فقط، بل كل الحكومات والهيئات والمؤسسات الاقتصادية خلال السنوات العشر الأخيرة، التي أهدرت أكثر من 250 مليار دولار، من دون أي مردود حقيقي على البلاد والمستوى المعيشي لسكانها الذي تردى كثيراً، كما استثمرت جزءاً كبيراً من هذه الأموال في دعم أطراف عسكرية غير رسمية ارتكبت مجازر كثيرة في ليبيا".

المزيد من تقارير