عاد إجراء انتخابات وطنية في ليبيا ليتصدر مجدداً الاهتمامات الدولية، إذ أكد بيان أميركي- بريطاني- فرنسي- ألماني- إيطالي مشترك، أنه "تم الاتفاق على هيئة تنفيذية موحدة (حكومة واحدة) لها تفويض يركز على التحضير للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا".
وشدد البيان الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية خلال الأيام الماضية على "أهمية وضع القاعدة الدستورية للانتخابات بوساطة الأمم المتحدة". وتحدث سفير الولايات المتحدة لدى ليبيا ريتشارد نورلاند عن "عدم إمكان استمرار الوضع القائم"، مطالباً "بضرورة التحرك بسرعة نحو الانتخابات".
وأكد نورلاند، خلال مقابلة صحافية مع قناة "سكاي نيوز عربية"، "أهمية الحاجة لاتفاق كامل على حكومة تحظى بالقوة وهذا لا يحدث إلا عبر الانتخابات".
من جانبها، أكدت مصر عبر وزير خارجيتها سامح شكري خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنها "تدعم إنجاز الإطار الدستوري لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الليبية في أسرع وقت".
وللخروج من أزمة الانسداد الدستوري اقترح بعض النواب "إجراء انتخابات وطنية في ظل وجود حكومتين"، في حين اعتبر مراقبون للشأن الليبي أن "الانتخابات ليست حلاً لتفادي حدوث انهيار سياسي جديد، والأجدر التوجه نحو توحيد المؤسسة الأمنية، لأن الميليشيات هي من تتحكم بخيوط العملية السياسية".
صراع على الحكم
تعيش ليبيا حالة من الصراع على سدة الحكم ما رفع من نسبة صعوبة تنظيم الانتخابات، إذ تحاول حكومة فتحي باشاغا، التي عينت من قبل مجلس النواب في الـ 10 من فبراير (شباط) الماضي، دخول العاصمة طرابلس والعمل منها، بينما ترفض حكومة الوحدة تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة، وجدد عبد الحميد الدبيبة، الخميس الماضي، تأكيده على "ضرورة تنظيم الانتخابات باعتبارها الخيار الوحيد للعبور نحو الاستقرار".
في يونيو (حزيران) الماضي، قال باشاغا خلال لقاء جمعه بمسؤولين أميركيين إن "حكومته تعمل على بناء مسار موثوق للمضي قدماً في إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية شفافة في ليبيا وإرساء الأمن فيها".
وكان من المقرر إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في الـ 24 من ديسمبر (كانون الأول) عام 2021 تلبية لرغبة مليوني ليبي، إلا أن الصراعات الداخلية بين القطبين الغربي والشرقي أفشلت التحاق ليبيا بالمسار الديمقراطي على غرار جارتها تونس بسبب ما وصف بـ"القوة القاهرة" من قبل رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السايح.
العودة لدستور 1951
تعليقاً على إمكان إجراء كل من باشاغا والدبيبة للانتخابات في مناطق نفوذيهما لتفادي الصراعات السياسية والأمنية التي تتخبط فيها البلاد منذ انهيار نظام معمر القذافي عام 2011، قال عضو البرلمان جبريل وحيدة إنه في حال المرور إلى هذا الحل لا يوجد أمامنا غير اللجوء إلى دستور 1951 الفيدرالي باعتبار أن هناك عدم ثقة في المركزية التي أوصلت البلد إلى ما هي عليه منذ 50 سنة حتى الآن".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف وحيدة لـ"اندبندنت عربية" أن "العودة إلى النظام الفيدرالي هي الحل حتى يكون لكل إقليم (طرابلس وفزان وبرقة) طريقته في حل مشكلاته الداخلية، وأشار إلى أنه حال تم اعتماد دستور 1951 يمكن إجراء الانتخابات في ظل وجود حكومتين (حكومة الدبيبة وحكومة باشاغا) في جميع المناطق بإشراف دولي.
ولفت إلى أن "الحديث عن قاعدة دستورية بناءً على محادثات القاهرة، التي كانت قد قادتها المستشارة السابقة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا ستيفاني وليامز، أمر مرفوض من إقليم الشرق ومن مجلس النواب تحديداً".
وأكد أن "الحل هو الذهاب نحو استفتاء شعبي على كل من دستور 1951 ومسودة الدستور لعام 2017 ونظام الحكم وشكل الدولة، لكن الأقرب هو اعتماد دستور 1951 لتنظيم انتخابات وطنية في ظل وجود حكومتين"، مبيناً أن "الخلاف القائم الآن يتمحور حول شكل نظام الحكم، هل يكون ملكياً أم جمهورياً".
العودة إلى المربع الأول
بدوره، قال عضو المجلس الأعلى للدولة عادل كرموس إنه "سبق أن اقترحت هذه الفرضية من قبل السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند غير أنها لم تلق ترحيباً من قبل جميع الأطراف الليبية، لأنها نظرياً تبدو حلاً مثالياً لإنهاء الأزمة الليبية، لكنها ستصطدم بالواقع الليبي وستفتت البلد إلى أجزاء عدة".
وشدد عضو مجلس الدولة على أن "هذا التوجه خطر على وحدة التراب الليبي، الذي لن يبقى مقسماً بين معسكري الغرب والشرق، بل سيخضع كل جزء منه إلى سيطرة قوة مسلحة معينة تبسط نفودها عليه من دون أي اعتبار لمؤسسات الدولة الرسمية الأمنية منها والخدمية".
وواصل كرموس شرحه لخطورة ذهاب البلد نحو انتخابات وطنية في ظل وجود حكومتين مبرزاً أن "القول بإجراء الانتخابات وفق هذا الطرح يعني عدم قبول النتائج من قبل أحد الأطراف إذا لم يكن له نصيب من الفوز فيها، ففي حال فوز قائد القوات المسلحة بالشرق خليفة حفتر لن يقبل بذلك القطب الغربي، وفي حال فوز الدبيبة لن يرضي بنتيجة صناديق الاقتراع لا حفتر ولا رئيس مجلس النواب عقيلة صالح وستدخل ليبيا في حرب أهلية ستكون الأطول لنعود بذلك إلى المربع الأول".
ويرى كرموس أنه "لا سبيل لتنظيم انتخابات نزيهة وشفافة من دون وجود حكومة واحدة قوية تبسط سيطرتها على كامل تراب الوطن وتكون قادرة على حماية صناديق الاقتراع في كل شبر وهو ما فشلت فيه جميع الحكومات المتعاقبة".
توحيد المؤسسات أولا
المحلل السياسي إبراهيم لاصيفر نفى أن تكون الانتخابات هي الحل للإشكالية الليبية باعتبار أن نجاح الانتخابات مرتبط بخطوات عدة وحزمة معالجات من بينها توحيد المؤسسات، وخصوصاً الأمنية والعسكرية، حتى نؤمن على العملية الانتخابية.
ويرى لاصيفر أن "الانتخابات عملية بعيدة المدى، فالحديث عنها كالحديث عن مدينة أفلاطون الفاضلة"، وأضاف أنه "خلال تطبيق خريطة طريق جنيف التزمت كل قوة سياسية تطبيق البنود والنصوص حسب رغباتها ومصالحها، لأن كلاً منها يمتلك قوة أمنية وترسانة سلاح ورجال إفتاء ديني وقاعدة شعبية خاصة بها".
ويعتقد المتحدث نفسه أنه ليس ممكناً إجراء انتخابات في هذه الظروف، لأن العملية الانتخابية يجب أن تسبقها تهيئة أمنية واقتصادية وسياسة واجتماعية تتمثل في الذهاب نحو مصالحة وطنية حقيقية.
وعن إجراء انتخابات في ظل وجود حكومتين قال المحلل السياسي إن "ما سيحدث سيكون خطير جداً، خصوصاً في ظل انتشار 29 مليون قطعة سلاح خارج الأطر القانونية، التي ستستخدم لفرض واقع سياسي معين".
وقال إن "الحديث عن إجراء الانتخابات كل حسب مناطق نفوذه سيعود بليبيا إلى ما قبل اتفاق الصخيرات (نهاية عام 2015) وستدخل البلاد في دوامة حرب ستكون الأطول مقارنة مع بقية الحروب التي عاشتها".
واقترح لاصيفر "التأسيس لعقد اجتماعي وسياسي وأمني واقتصادي جديد تشارك فيه كامل أطراف الصراع السياسي والأمني ومؤسسات المجتمع المدني يختتم بمدونة سلوك أو ميثاق موقع بين هؤلاء الفرقاء على عدم العودة إلى قعقعة السلاح".