Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأزمة الليبية تعود لنقطة الصفر مع تكريس الانقسام

أحجم باشاغا عن دخول طرابلس والاصطدام مع الدبيبة وأعلن مباشرة أعماله من بنغازي

قوات موالية للدبيبة تؤمّن إحدى الطرق بطرابلس، في 19 سبتمبر الحالي (أ ب)

عاد المشهد الليبي لما كان عليه قبل توقيع الاتفاق السياسي في جنيف عام 2020، بعد إعلان رئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب فتحي باشاغا، مباشرة حكومته عملها من مدينتي بنغازي وسرت، وعدولها عن دخول العاصمة طرابلس، حيث لا تزال حكومة الوحدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة موجودة، بسبب التداعيات الأمنية لهذه الخطوة.
واعتبر إعلان باشاغا ترسيماً حقيقياً للانقسام السياسي الذي كان متوقعاً من قبل كثيرين، والذي دلت أثاره عليه قبل الإعلان الرسمي عنه، بسبب القرارات المتضاربة التي صدرت عن الحكومتين المتنازعتين الأسبوع الماضي وأربكت عدداً من قطاعات الدولة.
كما حذر مراقبون من تداعيات هذا الانقسام السياسي الذي بات حقيقة لا مفر منها على أكثر من صعيد، خصوصاً على المستويين العسكري والاقتصادي، إذ من المتوقع أن يطفو على سطح الأحداث خلال الأسابيع والأشهر المقبلة.

عودة لنقطة الصفر

وأعلن باشاغا أن حكومته ستمارس مهماتها من مدينتي سرت وبنغازي، بعد فشل محاولتها العمل من طرابلس لعدم رغبتها في إراقة الدماء أو إشعال الفتنة.
وتعهد باشاغا خلال كلمة من مطار بنغازي بأن يكون عمل حكومته "لمصلحة كل الليبيين مندون الاقتصار على منطقة بعينها"، وقال إن "بعض الليبيين يريدون استمرار الفوضى والانقسام في البلاد ويرون في ذلك مصلحة لهم، كما أن هناك وضعاً إقليمياً ودولياً لا يشجع على التقارب بين الليبيين أو المصالحة، بل استخدام ليبيا كورقة للتفاوض في مصالح أخرى".

مفاوضات خارجية 

ومرة أخرى أكد رئيس الحكومة المكلّف من البرلمان أنه "سيعلن عن خطة قريباً تركز على ما يحقق الاستقرار والسلام والازدهار لليبيا وشعبها، ويضمن الوصول إلى انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة حرة ونزيهة".
وفي السياق كشف باشاغا عن عقده اجتماعات عدة مع قادة دول وصفها بـ "الصديقة والشقيقة" بعد ساعات من زيارته تركيا، وقال إنه "لمس خلالها مواقف إيجابية واستعداداً للتعاون والعمل المشترك مع تلك الدول لمساعدة ليبيا في الخروج من أزمتها".

تبادل الاتهامات

ومع تأكد عودة ليبيا لدوامة الانقسام بعد إهدار سنوات من المفاوضات وتوقيع عشرات الاتفاقات بين أطراف النزاع السياسي والعسكري، بدأت هذه الأطراف في تبادل التهم حول المسؤولية عما آلت إليه الأمور، وصولاً إلى انسداد تام في المشهد السياسي.
واتهمت عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور نادية عمران مجلس النواب بالمسؤولية عن الوضع الحالي في ليبيا، قائلة إن "إرباك المشهد السياسي في ليبيا هو ديدن مجلس النواب منذ سنوات، فهو يحاول باستمرار إيجاد مبررات لخلق الأزمات وتعقيد المسار السياسي".
واتهمت عمران مجلس الدولة أيضاً بأنه صار شريكاً لمجلس النواب في تعميق الأزمة في البلاد، "وأصبح التلاعب واضحاً وبتواطؤ متعمد من مجلس الدولة، وبعد سنوات من التعطيل للمسار التفاوضي بخلافاتهم وصراعاتهم، ها هم الآن يتوافقون على الاستمرار في السلطة". وأضافت أنه "عندما فعلت الدائرة الدستورية خلال الفترة الماضية، تم اللجوء إلى الدرع الأخير بالنسبة إليهم وهو زعزعة السلطة القضائية وتقسيمها وإدخالها في مهاتراتهم السياسية لمنعها من مواجهة العبث التشريعي الحالي، مع محاولة الحصول على تأييد الدول المتنفذة في المشهد الليبي من كل الأطراف، وبهذه المعطيات سيبقى الوضع متجهاً للتأزم من دون حسم لمصلحة أي طرف".

تقاعس مجلس الدولة

من جانبه، قال الباحث السياسي عصام الزبير إن "مجلس الدولة تقاعس عن إثبات وجوده مع مجلس النواب للتوافق على إنهاء المراحل الانتقالية"، ورأى الزبير أن "كلا المجلسين تجاوز الصلاحيات والأهداف التي وضعت له بحكم الاتفاق السياسي، فمجلس النواب منح عاماً كاملاً لإقرار قاعدة انتخابية وهذا لم يحصل بالطبع، ومجلس الدولة أراد البقاء في المشهد فتقاعس عن إثبات وجوده مع مجلس النواب للتوافق نحو إنهاء المراحل الانتقالية".
وأشار إلى أن "كل الحكومات عينت أيضاً من أجل الانتخابات قبل أن تتوسع في تحقيق أهداف وأجندات ومصالح خاصة بها أو بأطراف أخرى مرتبطة بها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


حلقة مفرغة 

المحلل السياسي عبدالحكيم فنوش حذر من أن "ليبيا ستظل في حلقة مفرغة ما لم يتم فهم الأسباب الحقيقية التي حالت دون الوصول إلى حل للأزمة القائمة"،
واعتبر أن "الليبيين أصبحوا أسرى لذات الآلية المنتجة للأزمات، إذ يتم تشكيل حكومات وإرسالها إلى مناطق محتلة من الميليشيات"، في إشارة إلى العاصمة طرابلس.
وأشار فنوش إلى أن "الفئة المسيطرة على طرابلس تعمل بإرادة جهات خارجية وتقود ليبيا بغض النظر عن إرادة الليبيين، ومفاهيم الدولة غائبة في ليبيا، ومن يحكم الآن هم قطاع طرق وخارجون عن القانون، وجاء ذلك بسبب احتكار مفهوم الدولة ومؤسساتها في العاصمة".

أين الأمم المتحدة؟

ومع تأكد فشل أو تعثر الاتفاق السياسي الذي رعته الأمم المتحدة في جنيف في عام 2020 للخروج بليبيا من أزمتها والذهاب بها إلى انتخابات وطنية تنهي فوضى المراحل الانتقالية، بات كثير من الليبيين يطرحون السؤال التالي: لماذا لا تتدخل المنظمة الدولية الآن لحسم صراع الشرعية بين الحكومتين المتنازعتين وتقود مفاوضات لتحديد جدول زمني جديد للانتخابات؟".
المبعوث الأممي الأسبق إلى ليبيا إيان مارتن أجاب عن جزء من هذا السؤال في لقاء مع قناة تلفزيونية ليبية، وقال إن "الوضع في ليبيا تحول إلى صراع سياسي واصطفاف مسلح مدعوم من جهات خارجية، وتم إضعاف دور الأمم المتحدة في تقديم المساعدة للمسار السياسي في ليبيا".
ولمح مارتن إلى أن تولي المجتمع الدولي زمام الأزمة الليبية ربما شكل جزءاً من المشكلة وليس الحل، مشيراً إلى "وجود عوائق كبيرة حالياً تحول دون قدرة الليبيين على الخروج من أزمتهم".

وذكّر بأن أنجح انتخابات ليبية بعد الثورة تمت بقرار وإرادة ليبية، مضيفاً أن "توقيت الانتخابات عام 2012 كان قراراً ليبياً خالصاً، ولم يكن قراراً متأثراً بالمجتمع الدولي بشكل كبير، لكن بعدها حدث تدخل إقليمي أدى إلى ظهور انقسامات عميقة في التشكيلات المسلحة".

ذر للرماد في العيون

أما عضو مجلس الدولة أحمد لنقي فرأى أنه "لا أمل في المبادرات المحلية والدولية في ليبيا"، ووصفها بأنها "ذر للرماد في العيون"، ورأى أن "الهدف منها محلياً هو البحث عن النفوذ والسلطة، ودولياً البحث عن المصالح الاقتصادية ومناطق نفوذ استراتيجية في شمال أفريقيا وبوابة تجارية وأمنية لوسط أفريقيا".

أزمة مقصودة

في المقابل، قال مصطفى الزائدي وهو قيادي في النظام السابق الذي كان يترأسه معمر القذافي، إن "معظم الليبيين باتوا يدركون أن الغرب الذي صمم ونفذ أزمات المنطقة لديه العديد من المصالح في بقاء الوضع متأزماً كما هو الآن"، وأضاف أن "هدف المشروع الغربي المعلن من وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس منتصف التسعينيات، كان نشر حال م الفوضى التي يستفيد منها الغرب بتعزيز نفوذه في المنطقة واستفادته من ثرواتها."
وخلص الزائدي إلى أن "حل هذه الأزمة يتعلق بإرادة التغيير وليس بضرورته، ووجود نخبة قيادية تؤسس لذلك وتعمل على الاستفادة من صراع القوى الأجنبية للمصلحة الوطنية، بدل خوض صراع بين دول متنفذة على أرضنا وعلى حساب مستقبلنا".

المزيد من متابعات