Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غلاء الأسعار يبدل عادات وقائمة مشتريات الأسر في لبنان

التخلص من الكماليات أولاً وبعدها التوفير في الأساسيات نتيجة التضخم

الفاتورة مرتفعة في لبنان والسلة الغذائية فارغة (بيكساباي)

عندما يبدأ المركب في الغرق وأنت في عرض المحيط تبدأ حالاً برمي الكماليات التي حمّلتها في رحلتك، خصوصاً تلك التي تستطيع إكمال رحلتك من دونها. يتكوّن لديك وعيٌ مختلفٌ يخلقه الظرف الجديد، تقودك غريزتك وتجربتك لمعرفة ما هو الأهم، فتنفّذ طائعاً مجبراً ومتأسفاً، لأن الأهم لديك هو صراع البقاء.

قد تكون هذه المقدمة معبّرة حرفياً لما يحصل عندما تبدأ أسعار السلع والخدمات رحلة تصاعدية، ويصبح الحصول عليها مكلفاً. تبدأ أولاً بالتفكير بالحاجات الضرورية كالغذاء والأدوية واللباس والدراسة، حتى أنك قد تقلص من نوعيتها قدر الإمكان.

سلة الأسعار

مع بداية الأزمة الاقتصادية العالمية وبعد انتشار "كوفيد 19"، وانهيار أسعار عدد من العملات حول العالم مقابل الدولار، وتفاقم الأزمة أكثر مع اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، تدهورت الأوضاع المعيشية في معظم دول العالم، وأصبح غلاء الأسعار يرمي من السلة الاستهلاكية البضائع المستوردة والكثير من الكماليات وصولاً إلى الاكتفاء بما لا يمكن الاستغناء عنه.

ففي لبنان مثلاً، فُقد حليب الأطفال والدواء والمحروقات والخبز، وقلّص كثير من التجار استيراد البضائع، وبعضهم توقف استيراده كلياً. وفي مراجعة للتقرير الشهري لسلة أسعار وزارة الاقتصاد والتجارة، الذي يبدو أنه توقف عن إحصاء الغلاء، يمكن الملاحظة أن أسعار الخضار والفواكه والحبوب زادت في سنة واحدة أي من يناير (كانون الثاني) 2021 وحتى يناير 2022، وهو آخر تحديث للأسعار بنسبة معدلها نحو 350 في المئة. أما اللحوم فأسعارها ارتفعت أكثر من 450 في المئة ومثلها الأجبان والألبان والمكسرات. وبعض السلع وصلت نسبة ارتفاع أسعارها إلى 650 في المئة كالرز والمعكرونة والحمص والنعناع، وتجاوزت الـ 760 في المئة لبعض المعلبات كالسردين.

وفي حين اتخذت بعض الدول العربية إجراءات للحد من تأثير التضخم على مواطنيها، يتأرجح مواطنو دول عربية أخرى بين فكي الغلاء والفساد.

كذلك يكتسح الغلاء القارات كافة إذ يعاني الأميركيون والأوروبيون من غلاء فاحش، انعكس على تغيير عادات الناس في تفاصيل حياتهم.

الفواتير المتزايدة

تقول جيزيل جيلبيرت وهي لبنانية فرنسية تعيش في باريس، إنها كانت في السابق تشتري الثياب المستعملة بهدف التدوير وللحفاظ على البيئة، بينما اليوم بات الأمر لزاماً عليها لتوفير المال بعدما زادت أسعار السلع كلها. "أصبحنا نحسب حساب مصاريفنا لا سيما أننا أمام شتاء موجع، ففواتير التدفئة والكهرباء ستكون مكلفة بلا شك". وتخبر أنها للمرة الأولى تزور عائلتها في لبنان هذا الصيف من دون هدايا وأصناف الجبن واللحوم المقددة التي اعتادت إحضارها لهم، وقررت أن تصرفها في لبنان كون أسعار السلع ما زالت أرخص ثمناً على رغم ارتفاع سعر الدولار.

وتقول زهراء ستيوارت التي تعيش الآن في تكساس، إن الأسعار بدأت بالارتفاع بعد انتخاب الرئيس جو بايدن ووصلت إلى نسبة 8 في المئة، بحسب بيان البيت الأبيض، "لكننا كمواطنين نشعر بنار الأسعار، فمحلات الخضار شبه فارغة، وكل منتج زاد حوالى 3 دولارات. كنا ندفع أسبوعياً نحو 400 دولار للطعام، الآن ندفع أكثر من 550 دولاراً". وتضيف حتى أن أسعار المحروقات زادت بشكل جنوني، فبدأت السلطات باستخدام الاحتياط الذي يترك عادة للاستخدام في الحرب، ما جعل الاحتياط هذا العام الأقل منذ ثمانينيات القرن الماضي. وتخبر زهراء التي انتقلت العام الماضي من نيويورك الأغلى معيشة، أنها لم تكن لتقدر على تحمل ومواظبة الغلاء الذي طرأ، لولا وجود والدة زوجها للاهتمام بطفلها، موضحة أن تسجيله في الحضانة سيكلّف أكثر من ألفي دولار. وتشير إلى أنها أحياناً تستبدل بعض المأكولات بغيرها أقل ثمناً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الراتب بالدولار ولكن!

جميل جبور من جهته، يخبر أنه في بداية صعود الدولار في لبنان خلال السنتين الماضيتين، كان وضعه المادي ممتازاً لأنه يتقاضى راتبه من الخارج بالدولار، فعوّض إلى حد ما عن السنوات السابقة خصوصاً أن لديه فاتورة الإسكان التي كانت تبلغ نحو 1000 دولار (أي مليون ونصف المليون ليرة لبنانية) لتصبح قيمتها الآن 40 دولاراً أميركياً. ولكن مع رفع الدعم عن السلع وارتفاع أسعار السلة الغذائية والمحروقات وكافة السلع، عاد ليعيش بما يشبه القلّة. ولم يعد راتبه يكفي، خصوصاً مع دخول المدارس وتكلفة التسجيل والقرطاسية والكتب والمازوت.

وتقول ريا عواد إن بعض عاداتها الشرائية تأثرت بغلاء الأسعار، لكنها لم تشعر بالحرمان مثل بعض معارفها لأن زوجها لا يزال يتقاضى راتبه بالدولار الأميركي، على رغم أن راتبها ما زال بالليرة اللبنانية. تخبر ريا أنها ما عادت تفرّط بملابسها القديمة إذا كانت صالحة للباس ومرتبة، مع أنها اعتادت سابقاً كل عام تغيير كامل خزانتها. "الملابس أصبحت غالية جداً بشكل غير منطقي، لذا أصبحت أختار كيف أوزع ملابسي واحتفظ بتلك التي لم أرتديها بالقدر الكافي. وأصبحت أشتري مستحضرات تجميل مختلفة بسعر أقل. ما خففت فعله هو الخروج مع الأصدقاء، خصوصاً أن البعض منهم لم يعد قادراً على تناول القهوة في الكافيهات، وأصبحنا نلتقي أكثر في البيوت". وتضيف بأنها قامت بتحضير لائحة طعام تطبخها لأسبوع كامل فتوفر في المكونات، وتتجنب طلب الطعام أثناء عملها من المطاعم.

العودة للمنتجات المحلية

كمال سعيد اختلفت حياته كلياً مع غلاء الأسعار، يقول إنه توقف عن تناول بعض الحلويات والشوكولاتة التي أصبحت "أسعارها صاعقة"، وأصبحت عائلته تستهلك المنتجات المحلية. فالخضار والفواكه والحبوب من قريته، وأصبحت زوجته تموّن البصل والثوم والبامية، وتقدد الكوسا والباذنجان، وتقوم بصناعة اللبنة والجبنة المنزلية. أما اللحوم فأصبحت طعام المناسبات، مرة كل أسبوع أو كل عشرة أيام. وفي ما يخص مستحضرات التنظيف، يشتري كمال ما يصنّع في بعض المحلات والبيوت بأقل من ربع قيمة المستحضرات المعروفة الموجودة في السوبرماركت، كأدوية الغسيل والتنظيف والجلي وغير ذلك. "كنا نسافر أنا وزوجتي وولدي مرة في السنة أو مرتين، ولكن منذ جائحة كورونا نسينا السفر والخروجات أولاً بسبب الخوف من العدوى، وجاء الغلاء ليقضي على ما تبقّى من أمل في استرجاع حياتنا، ولكن الحمد لله أننا لم نضطر للاستشفاء وإلا كنّا سنحتاج لنقترض من الأهل والأصدقاء".

وتقول دارين إنها منذ بدء الغلاء عزلت نفسها "ربما أعيش في نكران تام، انتقلت إلى بيت أهلي في القرية، لم أعد قادرة على دفع إيجار منزلي، بعت سيارتي لحاجة صحية، الآن لدي دراجة هوائية فقط، وأساعد والدتي في قطف الأعشاب البرية كل عام، أحاول ألا أفكر بأي شيء، توقفت عن الاستماع للأخبار". دارين خسرت عملها بعد أن أقفل المطعم الذي كانت تعمل فيه، حاولت الاستفادة من خبرتها في الطبخ للبدء بعمل جديد لكنها لم توفق. تخبر أنها منذ أيام الانتفاضة في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019، وكانت تشارك بالتظاهرات والنشاطات كل يوم وتحلم ببناء وطن جديد، وأنها لم تشترِ شيئاً لنفسها سوى الدواء. وتختم "تغيّرت حياتي؟ تبدو كلمة بسيطة نسبة لما حدث من تبدل بحياتي، الأصح أن حياتي وحياة كثر تدمّرت. ونحاول أن نجمّل الركام بأيامنا الباقية".

اقرأ المزيد