Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاتفاق مع صندوق النقد الدولي يتأرجح "لبنان لم يفعل شيئا"

في حال الفشل لا يبقى أمام السلطة اللبنانية سوى البنك الدولي والمفاوضة على برامج الدول الأكثر فقراً

يسود تشكيك في قدرة المجلس النيابي الحالي على تحقيق الإصلاحات المطلوبة (أ ف ب)

الوقت يضيق أمام لبنان للوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي انطباع تتساوى فيه الإيجابية بالسلبية، ففي وقت يحاول الفريق اللبناني المفاوض إشاعة أجواء من التفاؤل بأن الاتفاق بات وشيكاً وإن كان يسير ببطء، فإن سير الأحداث يشي بأن عقبات كبيرة ما زالت قائمة في مقدمتها الإصلاحات التي لم تتحقق والقوانين المطلوبة التي لم يتم إقرارها وهي أربعة: تعديل قانون السرية المصرفية والكابيتال كونترول (التحكم برؤوس الأموال) والموازنة العامة وإعادة هيكلة المصارف، كما ظهرت مشكلة إضافية حول حصة لبنان من التمويل البالغة سبعة مليارات دولار، والتي يصعب أن تتأمن في غياب الحاضنة العربية والدولية للواقع القائم. ويؤدي التأخير في إنجاز الإصلاحات إلى تفاقم الانهيار المالي والاقتصادي وتحلل مؤسسات الدولة والمرافق العامة وتسارع انهيار العملة الوطنية مقابل الدولار واتساع الهوة المجتمعية.

الخطة باء

ومن باب الاحتياط والبحث عن الخطة باء، يبرز التساؤل عن سيناريوهات مرحلة ما بعد فشل المفاوضات بين لبنان وصندوق النقد الدولي، بالتالي ما طاقة لبنان على الصمود بعد أن عقدت السلطة كل آمالها على هذا الاتفاق من أجل وقف الانهيار، وتهيئة الاقتصاد للعودة إلى مرحلة النمو. في المقابل يسود تشكيك في قدرة المجلس النيابي الحالي على تحقيق الإصلاحات في ظل تجنب الأطراف المتنافسة تحمل أعباء "الإصلاحات البنيوية من جهة"، و"البرامج التقشفية" من جهة أخرى، في ظل فكر سائد، ينظر إلى الدولة كـخزنة للمغانم أو كما اشتهرت بـ"البقرة الحلوب".

الوقت يضيق

مجدداً عاد وفد صندوق النقد الدولي إلى بيروت ليس من أجل التقاط الصور أو الجولات البروتوكولية وإنما من أجل تقييم ما توصل إليه لبنان على مستوى الالتزام بالشروط وكان الانطباع بأن مسيرة الاتفاق تسير ببطء شديد وأن تأخير الإصلاحات سيزيد من معاناة اللبنانيين. وفي نيويورك سمع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ما يشبه التنبيه لإمكانية فوات الفرصة إذ أكدت المدير العام لصندوق النقد الدولي كريستينا جورجيفا "حرص صندوق النقد على إنجاز الاتفاق النهائي مع لبنان في أسرع وقت واستكمال الخطوات المطلوبة لبنانياً وهي إقرار المشاريع الإصلاحية في مجلس النواب ومعالجة موضوع سعر الصرف"، كما عبرت عن استمرار الاهتمام الدولي بلبنان، ولكن "ينبغي الإسراع بتنفيذ الخطوات المطلوبة من لبنان، لأن الوقت بات داهماً في ضوء الركود الاقتصادي العالمي والمخاوف من صعوبات عالمية في مجال الطاقة وتوريد المنتجات الاستهلاكية".

وصرح وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام (أحد أعضاء الوفد المفاوض) "لمسنا تمسكاً من صندوق النقد الدولي بمساعدة لبنان من خلال اتفاق إقراض على مدى أربع سنوات بقيمة ثلاثة مليارات دولار"، ووصف أجواء اللقاءات بـ"التحفيز" على تطبيق الإصلاحات. وعن التأثير السلبي لمرور الوقت بالنسبة إلى وفد الصندوق، أكد سلام "سماع كلام في شأن ضيق الوقت، ووجود أزمات دولية كبيرة قد تعوق الاتفاق بحال التأخير الإضافي في تنفيذ الإصلاحات"، لافتاً إلى أن "المهلة غير مفتوحة لإنجاز الاتفاق، خصوصاً في حال شعر الصندوق بعدم جدية المسؤولين اللبنانيين".

خطوط حمر

وتابع سلام أن "المسؤولين اللبنانيين سمعوا من الوفد الدولي أن هناك خطوط حمر، في حال كانت الإجراءات لا تتوافق مع إطار العمل العام لصندوق النقد الدولي بما يضمن استعادته للأموال المقرضة، وتحسين أوضاع الاقتصاد وإلا فقد ينسحب الصندوق، في حين أن لبنان غير مستعد لذلك الاحتمال لأن مسار التعافي وإعادة الثقة يبدأ من الاتفاق مع الصندوق"، واصفاً ذلك بـ"الدبلوماسية الناعمة للحث على الإسراع في العمل".
ورفع سلام المسؤولية عن الحكومة فهي "قامت بما عليها لناحية إعداد مشاريع القوانين الأربعة المطلوبة من قبل الصندوق"، معتبراً أن "على المجلس النيابي القيام بواجباته بعيداً من الشعبوية السياسية". ولدى سؤاله عن واقع "تجويف القوانين من مضمونها الإصلاحي"، أجاب سلام أن "الحكومة تلتزم في مشاريعها البعد الإصلاحي وترسلها إلى البرلمان للدراسة فيتم تفريغ مشاريع القوانين من مضمونها أحياناً داخل اللجان النيابية قبل إرسالها إلى الهيئة العامة للتصويت عليها وإقرارها، بالتالي لا بد من الوعي لأهمية الاتفاق وتقديم تنازلات لمصلحة البلد بعيداً من الشعبوية وترجمة الإرادة السياسية بإقرار القوانين المتبقية لعدم انسحاب الصندوق النقد".

ودافع سلام عن الحكومة الحالية (التي باتت في طور تصريف الأعمال)، فهي برأيه "قامت بواجبها إلى حد ما وأرسلت الموازنة العامة باكراً إلى البرلمان واستغرقت وقتاً طويلاً قبل بدء مناقشتها أخيراً في مجلس النواب" (منتصف سبتمبر (أيلول) 2022). وأمل سلام التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي "لأنه لا بديل عنه في الوضع الحالي"، متوقعاً حصوله "قبل نهاية أكتوبر المقبل (تاريخ نهاية عهد الرئيس ميشال عون والتخوف من الفراغ الرئاسي)، من هنا يتم الدفع لتشكيل حكومة جديدة خلال الفترة القليلة المقبلة لتجنب فرضية إدارة البلاد من حكومة مستقيلة".

ما زال بعيد المنال

في المقابل يقول المتخصص في القانون المالي والضريبي كريم ضاهر إن "تأخر الاتفاق بين لبنان وصندوق النقد الدولي، ليس جيداً. وكل ما تم التوصل إليه حتى الوقت الحاضر، هو اتفاق أولي على مستوى الموظفين بين لبنان والصندوق، وهو اتفاق غير ملزم للصندوق". ولفت ضاهر إلى أن "هناك شروطاً لا بد للبنان الالتزام بها، وبعد التحقق منها يجتمع مجلس إدارة الصندوق لدراسة الخطوات المتبعة في البلاد لناحية الإصلاح والمسار العام للاقتصاد".
وأوضح ضاهر أن "لبنان يتفاوض مع صندوق النقد الدولي من أجل اعتماد برنامج إصلاحي بميزانية 10 مليارات دولار لمدة أربع سنوات ريثما تعود العجلة الاقتصادية للعمل، يتولى الصندوق تأمين ثلاثة مليار دولار، في مقابل وجوب تأمين لبنان سبعة مليارات دولار وهو أمر يغفل عنه كثير من اللبنانيين بفعل التضليل"، مشيراً إلى أن "الصندوق حريص على تأمين استرداد الأموال". ونبه ضاهر إلى أن "مهمة صندوق النقد الدولي ليست الإقراض بل المشورة والمساعدة وتقييم ومراقبة التزام الدول بالبرامج الإصلاحية والحوكمة"، معبراً عن تخوفه من فشل الاتفاق والوصول إلى تقاذف المسؤوليات بين فرقاء الحكم.

أين القوانين الأربعة؟

تعتبر القوانين الأربعة المطلوب إقرارها عناصر أساسية سابقة لأي اتفاق محتمل بين لبنان وصندوق النقد الدولي، وهي: السرية المصرفية والكابيتال كونترول والموازنة العامة وإعادة هيكلة المصارف. حتى اليوم لم يسلك أي منها مسار التطبيق وحده قانون السرية المصرفية تمت دراسته وإقراره في البرلمان قبل رده من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون بموجب صلاحياته الدستورية، بالتالي عاد القانون إلى المجلس النيابي من أجل إعادة دراسته والتصويت عليه. ولفت المحامي كريم ضاهر في هذا الصدد إلى أن "القانون الذي أقره مجلس النواب حاول الالتفاف على الطرح الإصلاحي المطلوب من قبل صندوق النقد الدولي، من خلال عدم إمكانية العودة إلى الماضي لناحية السماح باسترداد الأموال المنهوبة بمفعول رجعي وإمكانية قيام المؤسسات الضريبية باستعادة الضرائب المتهرب منها". وعبر ضاهر عن أن "هناك تماهياً بين رد رئيس الجمهورية للقانون وموقف صندوق النقد، حيث تم تسريب ملاحظات الأخير على القانون الجديد".
وتطرح واقعة قانون السرية المصرفية إمكانية إقرار نصوص إصلاحية في الشكل، أما المضمون فهو تكرار لتشريعات قائمة. وقال ضاهر في هذا الشأن إن "صندوق النقد لا يريد قوانين صورية، وسبق أن تحفظ على الخطوات التي انحرفت عن الهدف المطلوب، فعلى سبيل المثال فإن السلطة القائمة حاولت من خلال اقتراح قانون الكابيتال كونترول حماية ميزان المدفوعات والمصارف بدل الحفاظ على حقوق المودعين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


هيكلة المصارف مؤجلة

وتطرق ضاهر إلى قانون إعادة هيكلة المصارف، وما يتم التحضير له في هذا الشأن والحديث عن "ودائع مؤهلة وودائع غير مؤهلة"، إلا أن المطلوب هو التمييز بين ودائع مشروعة وتلك غير المشروعة المتأتية من إثراء غير مشروع، مخدرات، أو تبييض الأموال. ويعتقد بوجوب تحميل المسؤوليات قبل توزيع الخسائر وإعادة هيكلة المصارف، لأن المصارف أخطأت في توظيف ودائع المودعين وأدت إلى خسائر كبيرة. وظهرت الخطوط العريضة لقانون إعادة هيكلة المصارف في خطة التعافي التي أقرتها الحكومة، فالقانون يضمن 100 ألف دولار وكل مصرف حسب قدرته، بالتالي فإن بعضها قد لا يتمكن من إعادة 20 ألف وبعضها الآخر سيكون سقفها 30 ألف دولار كحد أقصى، أما بحسب رأي ضاهر فيجب اتباع فكرة مختلفة وهي "الـ100 ألف دولار كضمان للمودعين، والمصارف التي تعجز عن السداد، يتم تصفيتها أو دمجها بأخرى".
في سياق متصل، أشار المتحدث ذاته إلى فكرة صندوق ضمان الودائع و"الصندوق السيادي"، حيث تقوم الدولة بضمان الودائع بجزء من أصولها بعد تأمين فائض أولي، وبناء شبكة أمان اجتماعي، مطالباً بأن يتم حفظ ملكية الصندوق للدولة وليس القطاع الخاص. ولفت إلى أن القانون 32/2010 أي قانون الموارد البترولية في المياه البحرية، وقانون 57/ 2017 القانون المكمل والمتصل بقانون البترول، لناحية تخصيص 20 في المئة من إيرادات الدولة إلى تسديد الدين العام، انطلاقاً من فكرة إقامة صندوق سيادي.

الشروط الإضافية للاتفاق

لا تتوقف شروط صندوق النقد الدولي عند إقرار القوانين الأربعة، وإنما هناك مجموعة من الإجراءات لا بد منها، بدءاً من توحيد سعر الصرف والانتهاء من تقييم وضع المصارف المالي وسبائك الذهب للتأكد من أنها تتطابق مع القيم المعلنة.
كما يفترض دراسة وإجراء تقييم لأوضاع المصارف الـ14 في لبنان، إضافة إلى تأمين التمويل المكمل على مدى 4 سنوات. ويلتزم لبنان بتأمين سبعة مليارات دولار، بينما تواجه البلاد صعوبة في تأمينه بسبب عدم الاستقرار المالي والسياسي، وتراجع الحاضنة العربية والدولية.

فشل الاتفاق غير محمود

يبدو أن لبنان يدور في حلقة مفرغة بسبب عدم الالتزام بالشروط الواجبة عليه مما يترك الباب مفتوحاً أمام جميع الاحتمالات، ومن ضمنها فشل المفاوضات وسقوط الاتفاق. وصرح كريم ضاهر بأنه "في حال فشل الاتفاق لا يعود أمام لبنان إلا التوجه إلى البنك الدولي، World Bank، والمفاوضة على برامج الدول الأكثر فقراً، والتي تهدف إلى البقاء على قيد الحياة ومنع موت المجتمع، وليس بدء مسار النمو والاستقرار المالي والاقتصادي". واعتبر ضاهر أن "الأوضاع خطرة ولا أحد يستدرك الأمور حالياً"، مضيفاً أنه خلال العامين الماضيين تم تخسير المودعين 75 في المئة من قيمة ودائعهم، فيما تآكلت القدرة الشرائية بفعل التضخم المفرط، واختفاء الطبقة الوسطى، فيما سادت النزعة الاستغلالية في المجتمع بين مختلف المكونات".

المزيد من متابعات