Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بورصة بيروت "المعزولة" استقطبت الودائع الهاربة من المصارف

"صنفت كأفضل سوق مالية في المنطقة أوائل الخمسينيات مع انضمام نحو 50 شركة إليها والمدرجة حالياً 11 فقط"

منذ بداية الأزمة اللبنانية في عام 2019 هربت نسبة كبيرة من رؤوس الأموال المودعة لدى المصارف إلى أسهم في بورصة بيروت خوفاً من قانون لاقتطاع الودائع (الوكالة الوطنية للإعلام)

تأسست بورصة بيروت عام 1920 بموجب مرسوم من المفوض السامي الفرنسي الجنرال هنري غورو، وهي ثاني أقدم بورصة عربية بعد بورصة القاهرة التي تأسست عام 1883. وفي بداية مشوارها كان التداول يتركز على الذهب والعملات، لكنها تطورت في عام 1930، مع خلق أسهم متداولة في الوقت نفسه في بورصة بيروت وباريس.

ولمع نجم بورصة بيروت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، إذ وصل عدد السندات المطروحة للتداول إلى 50، مع طرح أسهم مصارف وشركات صناعية وخدماتية للتداول. إلا أن تألقها لم يستمر طويلاً، إذ أقفلت أبوابها منذ عام 1983، وانقطعت عن العمل بسبب الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان قبل أن تعود مجدداً في عام 1996 بعد انتهاء الحرب.

وعلى رغم عمرها الذي تجاوز الـ 100 عام بقيت بورصة بيروت في ذيل قائمة البورصات العربية، ويصفها البعض بـ "دكان" الأسهم، ويصر البعض الآخر على أن وجودها كعدمه، إذ لا يتجاوز عدد الشركات المعتمدة فيها 11 شركة. ويعتبر بعض المتخصصين في مجال المال أن ضعف بورصة بيروت هو كونها "معزولة" عن مجمل الاقتصاد اللبناني، فهي في واد والاقتصاد في واد آخر، بعكس الارتباط الشديد الذي يشهده الطرفان المتكاملان في الدول المتقدمة.

ثقافة المصارف

وأوضح رئيس بورصة بيروت غالب محمصاني أنه مع "إعادة افتتاحها تم تحديث قوانينها كأنظمة التداول، وتم طرح أدوات مالية جديدة"، مشيراً إلى أن "هدف البورصة الأساس هو تمويل الاقتصاد والتحوط من المخاطر التي قد تطاول الوضعيات في البورصة كما في الاقتصاد عموماً، وأن البورصة تعد خياراً آخر للشركات وللدولة للتمويل، وهذا الخيار يبقى من حصة الشركات التي تتأهل للعرض في البورصة، أما الشركات الأخرى فيتوجب عليها الاقتراض من المصارف التقليدية".

ورأى أن أحد أبرز أسباب ضعف بورصة بيروت تأثرها كغيرها من الأسواق بالأوضاع الأمنية العامة، ويعزو صغر حجمها إلى غياب ثقافة الأسواق المالية، مما يسهم بشكل مباشر في إضعاف دورها وتحجيمها، معتبراً "أن السياسة المالية العامة السائدة في البلاد تتعمد تغييبها، وهذا ما يبرر عدم مساهمة بعض الشركات المختلطة في البورصة كشركة طيران الشرق الأوسط، وكازينو لبنان المملوكة من مصرف لبنان"، ومشدداً على أهميتها لتنشيط حركتها، وتمهيد الطريق أمام الشركات العالمية، وإعطائها الثقة في سوقنا المالية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورداً على الانتقادات التي توجه إليها ووصفها بالبورصة الرضيعة، قال محمصاني في تصريح صحافي إن بورصة بيروت صنفت كأفضل سوق مالية في المنطقة أوائل الخمسينيات مع انضمام نحو 50 شركة إليها، إلا أن عدد الشركات المدرجة انخفض إلى 11 بسبب الذهنية السائدة في لبنان، وهي ثقافة المصارف لا البورصات، أي إن اللبناني غالباً ما يفضل الاستثمار أو الاستدانة من المصرف لتوسيع أعماله وتطويرها، بدلاً من طرح أسهمها في البورصة. ولفت إلى أن البورصة لا يمكن وحدها أن تكبر وتجذب شركات ومستثمرين، فهي بحاجة إلى جو عام ملائم يساعد على جذب الأموال، وفي الوقت الحالي هناك شبه توقف كامل لكل الاستثمارات في لبنان.

"لولرة" الأسهم

ومنذ بداية الأزمة السياسية اللبنانية في عام 2019 وما شهدته من تداعيات اقتصادية ومالية انعكس تعدد أسعار صرف الليرة اللبنانية في الأسواق مع استمرار اعتماد سعر الصرف الرسمي 1520 ليرة للدولار في حين انهار سعر الصرف المعتمد في الأسواق وتخطى عتبة الـ 38 ألف ليرة للدولار الواحد، الأمر الذي خلق حالاً من الإرباك في الأسواق المالية وبورصة بيروت وباتت تداولات ضائعة بين تعدد أسعار صرف الليرة اللبنانية من جهة، والدولار الأميركي من ناحية أخرى، وأفرز الانهيار عملة جديدة عرفت بـ "اللولار"، وهي الدولار الأميركي المحتجز في المصارف، والذي باتت قيمته المتداولة ما يقارب 15 في المئة من الدولار النقدي.

وفي هذا السياق شرح نائب الأمين العام لبورصة بيروت يوسف صادق أن بورصة بيروت لا تمتلك أي دور في تعدد أسعار الصرف، كون العملات لا تتداول على البورصة، بل يتم تداولها في سوق غير نظامية كما يجري في عديد من دول العالم، أما بالنسبة إلى الشركات المدرجة على البورصة، فأوضح أنه عندما أعيد انطلاق البورصة عام 1996 أصبحت أسهم الشركات المدرجة عليها تتداول بالدولار الأميركي وليس بالليرة اللبنانية، كاشفاً عن وجود 10 شركات مدرجة على بورصة بيروت منها "سوليدير" وشركات الأسمنت فضلاً عن مصارف، وبعد الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي ضربت لبنان منذ عام 2019، تحول الدولار الأميركي إلى دولار مصرفي، مما يعني أن الأسهم على البورصة يتم تسعيرها بـ "الدولار اللبناني" أو ما يعرف بـ "اللولار". وأوضح أن أسهم الشركات اللبنانية وأرباحها تحتسب بحسب العرض والطلب، فنظام التداول في البورصة اللبنانية هو نظام عالمي، مضيفاً "أنه منذ بداية الأزمة المالية لاحظنا أن أسعار معظم الشركات المدرجة على البورصة ارتفعت، كما نلاحظ أنه في عام 2019 كان سعر السهم يتراوح بين 5.5 وسبعة دولارات، أما اليوم فيصل سعره إلى 60 دولاراً".

وبين أن عديداً من المستثمرين الذين يمتلكون مبالغ مالية كبيرة داخل المصارف عمدوا إلى شراء أسهم على البورصة عندما سمعوا بنظام تقييد الودائع "الكابيتال كونترول"، أو إمكانية اقتطاع أجزاء من الودائع المعروف باسم الـ"Haircut" كنوع من الهرب خوفاً من أن تجبرهم الدولة على إعطائهم بدل ودائعهم أسهماً في شركات لا يريدونها.

حذفها من التداول

وكشف المحلل الاقتصادي والمتخصص في أسواق التداول جهاد الحكيم عن أن مجموعة البلدان الناشئة MSCI خفضت منذ أكثر من سنة تصنيف لبنان من أسواق مبتدئة إلى أسواق مستقلة، الأمر الذي سيؤدي إلى خروج سهمي سوليدير "أ" وسوليدير "ب" وحذفهما من مؤشر MSCI للأسواق المبتدئة بقيمة 80 في المئة أقل من آخر أسعار تداولها اعتباراً من إغلاق 26 فبراير (شباط) 2021، لافتاً إلى أن غياب الثقة بالمؤسسات المالية اللبنانية بشكل عام أسهم في تراجع تصنيف لبنان عالمياً. وشرح الحكيم أن سهم "سوليدير" أقفل على سعر 19.4، لكن في حال بيعه المبلغ الذي سيتقاضاه نقداً يتراوح بين 3.88 و5.82 دولار، أي إن القيمة الدفترية للأسهم اللبنانية مختلفة عن قيمتها الحقيقية. وتابع أنه قبل الأزمة المالية اللبنانية كان الطابع العائلي يطغى على أغلبية الشركات اللبنانية، أي إنها في هذه الحال لا تحتاج إلى كشف قراراتها ولا لتدخل في شؤون إدارتها، وتمويل الشركات وقتها كان يأتي من المصارف التي كانت مسيطرة وطاغية على السوق المالية في لبنان، معتبراً أن المصارف أسهمت في عدم تطور البورصة كي لا يصبح هناك أي منافس لها عبر التمويل من خلال البورصة. أضاف أنه عندما تخفض الشركات العالمية تصنيف دولة معينة كما حصل في لبنان، فهذا يعني أن نسبة مخاطر الاستثمار ارتفعت في لبنان أو في بورصة بيروت، وهذا أمر مقلق بالنسبة إلى المستثمرين، فالبورصة هي انعكاس لاقتصاد البلد، والأزمة المصرفية والمالية ألقت بثقلها عليها.

في المقابل قال الحكيم إن الشركات العربية والأجنبية ليست لديها مصلحة ومنفعة كي تدرج على بورصة بيروت ويضمحل دورها يوماً بعد آخر نظراً إلى غياب الرؤية الإصلاحية.

اقرأ المزيد