Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من ينقذ الجنيه الاسترليني من الانهيار؟

رفع أسعار الفائدة قد لا يوقف تراجع العملة البريطانية في ظل مشكلات الاقتصاد

الجنيه الإسترليني يتعرض لضغوط مستمرة بسبب مشاكل البلاد الإقتصادية المتفاقمة ( أ ب)

واصلت العملة البريطانية، الجنيه الاسترليني الهبوط المستمر في الأيام الماضية ليسجل سعر صرف الاسترليني مجدداً أدنى مستوى له في أكثر من 37 عاماً. ووصلت قيمة الجنيه الاسترليني إلى مستوى 1.13 دولار للجنيه و1.14 يورو للجنيه، مقتربة باضطراد من تساوي الجنيه بالدولار للمرة الأولى في تاريخه. وحتى الآن، فقد الجنيه الاسترليني نسبة تزيد على 16 في المئة من قيمته أمام الدولار هذا العام، بينما فقد أكثر من 3 في المئة من قيمته أمام اليورو – مع الأخذ في الاعتبار أن اليورو أيضاً يهبط أمام الدولار باستمرار منذ فترة. ومع أن أسعار العملات الرئيسية في العالم تتراجع مقابل الدولار الأميركي بسبب الارتفاع المضطرد في سعر صرف العملة الأميركية نتيجة رفع الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي" الأميركي سعر الفائدة بوتيرة أسرع وبشكل أكبر من بقية البنوك المركزية، إلا أن هبوط الجنيه الاسترليني أمام اليورو أيضاً يشير إلى أن إقبال المتعاملين على التخلص من الاسترليني يعود كذلك إلى مخاوف كبيرة بشأن الاقتصاد البريطاني ذاته. وكما قالت مديرة الاستثمار في "إنتراكتيف إنفستور" فيكتوريا شولار لصحيفة "فاينانشال تايمز" في وقت سابق من هذا الشهر فإن سبب هبوط سعر صرف الجنيه الاسترليني "ليس ارتفاع الدولار فقط، لكن الحقيقة أن المتعاملين يبيعون الاسترليني بسبب التقدير السلبي لتوقعات الاقتصاد البريطاني وتراجع ثقة المستثمرين فيه". ورفع بنك إنجلترا سعر الفائدة الرئيس إلى 2.25 في المئة من 1.75 في المئة، وأشار المصرف إلى أنه سيواصل "الاستجابة بقوة، بحسب الضرورة" للتضخم، على رغم دخول الاقتصاد في حال ركود. وبحسب تقديرات بنك إنجلترا فإن الاقتصاد البريطاني سينكمش بنسبة 0.1 في المئة في الربع الثالث. وتأتي خطوة بنك إنجلترا في أعقاب قرار رفع الفيدرالي الأميركي رفع سعر الفائدة الرئيس بمقدار ثلاثة أرباع النقطة المئوية.

البنك المركزي

الرهان الآن في الأسواق مع رفع البنك المركزي البريطاني سعر الفائدة والتي أعلنت اليوم يمكن أن توقف انهيار سعر صرف الاسترليني. بخاصة أن بنك إنجلترا، على رغم عدد المرات الأكثر، كان أقل تشديداً للسياسة النقدية من الاحتياطي الفيدرالي الأميركي ما جعل قوة الدولار لا توازيها قوة الاسترليني. إلا أن الاتجاه العام في المركزي البريطاني ربما رفع الفائدة بنسبة أقل، أي بنصف نقطة مئوية "0.5 في المئة"، في ظل ضعف الاقتصاد واحتمال أن يكون في حالة ركود بالفعل. إضافة إلى استمرار ارتفاع كلفة المعيشة في بريطانيا بقدر أكبر من بقية الدول المماثلة، حتى في أوروبا. وبغض النظر عن معدل رفع الفائدة هذا الأسبوع، فإن البنك قد لا يواصل الرفع بوتيرة سريعة وبقدر كبير كما هو متوقع أن يفعل الاحتياطي الفيدرالي. إذ تقدر الأسواق أن تكون نسبة الفائدة في بريطانيا بنهاية العام في حدود 3 في المئة أو أقل، بينما في الولايات المتحدة تصل التوقعات إلى أكثر من نسبة 3 في المئة لربما 4 في المئة أو أكثر. فالوضع الاقتصادي المتدهور في بريطانيا، بخاصة مع احتمالات زيادة عجز الميزانية نتيجة حزم الدعم الحكومي لقطاع الطاقة لخفض قيمة الفواتير للمستهلكين، يجعل البنك المركزي متردداً في رفع سعر الفائدة بقدر كبير لكبح جماح التضخم. إذ إن زيادة نسبة الفائدة ستعرقل أي انتعاش اقتصادي يعيد النمو ويتفادى الركود العميق. ولا يريد البنك المركزي أن يلقى عليه باللوم في فشل خطط الحكومة لإنعاش الاقتصاد، بخاصة أن حكومة رئيسة الوزراء الحالية ليز تراس تعتزم خفض الضرائب ما سيعني زيادة أخرى في الأسعار واستمرار ارتفاع معدلات التضخم التي تصل حالياً إلى خمسة أضعاف المستهدف من قبل بنك إنجلترا عند 2 في المئة. بخاصة أن رفع سعر الفائدة حتى الآن لا يبدو وأنه أثر كثيراً في

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في النهاية، يشكك كثيرون في قدرة البنك المركزي البريطاني، أياً كانت سياسته النقدية، في إنقاذ الجنيه الاسترليني. ربما رفع سعر الفائدة يؤدي إلى تحسن طفيف في سعر صرف العملة الوطنية، لكنه سيكون تحسناً قصير الأجل جداً. في النهاية، لا يعود هبوط قيمة الاسترليني إلى السياسة النقدية "سعر الفائدة" فحسب، بل هناك عوامل أخرى كثيرة تتعلق بالوضع الاقتصادي البريطاني تضغط على العملة نزولاً. ومن المفارقات المثيرة أن يعاني الجنيه الاسترليني من كل هذا الضغط في ذكرى مرور 30 عاماً على "الأربعاء الأسود" الذي انهارت فيه العملة البريطانية مع خروجها من آلية سعر الصرف الأوروبية الموحدة – وكان ذلك قبل إصدار اليورو. من بين العوامل التي تضعف قيمة الاسترليني مؤشرات الاقتصاد المتراجعة في الآونة الأخيرة. فأحدث الأرقام حول النشاط الصناعي ومبيعات التجزئة في بريطانيا تشير إلى استمرار التراجع، ما جعل المستثمرين يقدرون أن معدلات التضخم وارتفاع كلفة المعيشة سيقودان إلى مزيد من الانكماش في الاقتصاد. ومع استمرار ارتفاع الأسعار واحتمالات الركود، يبدو الوضع نموذجياً للدخول في "ركود تضخمي" أكثر ضرراً وأطول أمداً من الركود المعتاد.

 

وبحسب مكتب الاحصاء الوطني، تراجت مبيعات التجزئة الشهر الماضي بنسبة 1.6 في المئة بعد تحسن طفيف في شهر يوليو (تموز).وقبل أيام، نقلت صحيفة "الغارديان" عن كبير الاستشاريين الاقتصاديين في "أيتم كلوب" مارتين بك قوله: "تظل دخول الأسر في بريطانيا بانتظار مزيد من التدهور على مدى 12 شهراً المقبلة، ومع احتمال ارتفاع معدلات البطالة ولو بشكل طفيف نسبياً والوضع الجيوسياسي المضطرب فمن غير المحتمل أن تعود ثقة المستثمرين في الاقتصاد البريطاني لذا، يتوقع أن يستمر الركود الذي يشعر به تجار التجزئة حالياً حتى القدر الأكبر من العام المقبل 2023".

عوامل ضاغطة

من العوامل الضاغطة نزولاً على سعر صرف الاسترليني أيضاً ضعف الوضع المالي للحكومة البريطانية بشكل عام. ويشهد ميزان الحساب الجاري، أي الفارق بين الأموال التي تدخل إلى بريطانيا والأموال التي تخرج منها، اتساعاً مضطرداً. وبلغت نسبة العجز 8.3 في المئة في الربع الأول من هذا العام، وهي مرشحة للزيادة مع ارتفاع تكاليف خدمة الدين البريطاني الذي يدور الآن حول نسبة 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ويتوقع ارتفاع كلفة خدمة الدين أكثر مع استمرار ارتفاع معدلات التضخم العالية، ورفع سعر الفائدة. كما ستتسع هوة العجز في الحساب الجاري، وعجز الميزانية عموماً، مع اقتراض الحكومة لتمويل خطة مواجهة ارتفاع أسعار الطاقة. وفي تلك الحالة سيزيد حجم الدين البريطاني ليتجاوز الناتج المحلي الإجمالي كله، وقد يصل إلى 2.75 ترليون دولار (2.4 ترليون جنيه استرليني). وستعني خطط حكومة ليز تراس بخفض الضرائب مزيداً من التدهور في عائدات الخزينة البريطانية. ويفاقم ذلك مجدداً من العجز في الميزانية وفي الحساب الجاري.   كل تلك العوامل تشكل ضغطاً على قيمة العملة يجعل أي جهد من قبل واضعي السياسة النقدية لانقاذ الجنيه الاسترليني ووقف تدهور سعر صرفه مقابل العملات الرئيسية الأخرى بلا طائل تقريباً.