Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل كشفت المواجهة العسكرية بين أذربيجان وأرمينيا التناقض الأوروبي؟

مراقبون أشاروا إلى أن باكو أرادت اختبار رد فعل الغرب بعد زيادة الاعتماد على غازها

قائد عسكري أرميني يتجول في بلدة جيرموك الحدودية مع أذربيجان بعد أسوأ اشتباكات منذ حرب عام 2020 (أ ف ب)

جاءت المواجهات على الحدود بين أذربيجان وأرمينيا في 13 سبتمبر (أيلول) الحالي لتقضي على آمال ولدتها اللقاءات في بروكسل بين رئيس أذربيجان إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان برعاية رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل في أبريل (نيسان) ومايو (أيار) وآخرها في 31 أغسطس (آب) وهدفت إلى التوصل لاتفاق حول فتح الاتصالات الإقليمية وبدء عمل لجنة ترسيم الحدود وأمنها.

الاشتباكات خلفت ضحايا من الجانبين إذ أسفرت عن مقتل 150 جندياً أرمينياً و70 جندياً أذربيجانياً وكانت الأعنف منذ نهاية المعارك في مرتفعات إقليم ناغورنو قرة باغ في 2020 التي استمرت 44 يوماً وانتهت باستعادة باكو السيطرة على شوشة عاصمة الإقليم وبعض الأجزاء فيما بقيت بعض المناطق تحت سيطرة يريفان.

المستجد في هذه المعركة أنها حصلت على الحدود بين البلدين وليس في مناطق النزاع التقليدية وامتدت إلى ثلاث نقاط شمال أرمينيا، "وهذا ما يجب التركيز عليه" كما يقول إيمانويل دوبوي رئيس مركز دراسة السياسات والاستشراف، وبرأيه أنه كان من الطبيعي أن تأتي هذه المعارك بهذا التوقيت، أي في وقت برزت فيه بعض بشائر التوصل إلى اتفاق بين البلدين، "لا أرى أي تناقض في الأمر كون الصقور من الطرفين الأرميني والأذربيجاني لا يريدون الحل فمن ناحية الأرمن الذين تدفعهم جالية مهمة في الاغتراب واللوبي الموجود في الخارج يغذون الشعور بالنقمة لاستعادة المناطق التي فقدتها أرمينيا في حرب 2020 وكانت خاضعة لسيطرتها طوال عقود، ومن الجانب الأذربيجاني هناك من يطالب باستعادة مزيد من المناطق في الإقليم".

رد فعل الغرب

النقطة الثانية التي أثارت الانتباه هي حدة المعارك، فالخروقات كانت مستمرة منذ توقيع وقف إطلاق النار تحت رعاية روسية في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، لكنها لم تصل إلى درجة العنف الذي وصلت إليه قبل أيام.

المحلل الاستراتيجي ريتشارد غيراغوسيان اعتبر في مقالته لمركز الأبحاث حول السلام والحرب أن "قوة القصف والأسلحة المستخدمة على مدى ثماني ساعات والأضرار الجسيمة التي خلفتها تعكس تحضيراً مسبقاً لها وأنها لم تكن وليدة اللحظة كرد على خروقات من الجانب الأرميني".

ومن ناحية التوقيت فإنه تزامن مع انسحاب روسيا من مناطق واسعة في أوكرانيا وانهماك موسكو بهذه الحرب وكذلك تزامن مع زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي للمنطقة، في إشارة إلى أن واشنطن المنهمكة في دورها بدحر نفوذ الصين غير بعيدة من المنطقة.

وموقف رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان لا يزال ضعيفاً، بحيث عارضته أصوات عدة داخل بلاده عند توقيع اتفاق وقف إطلاق النار برعاية روسيا وهي الأصوات ذاتها التي تتهمه بتقديم تنازلات مستمرة للجانب الأذربيجاني "حتى إن مستقبله السياسي بات مهدداً"، كما يشدد الباحث المتخصص في هذه المنطقة نيل واتسن.

ومن آثار انهماك موسكو بالحرب في أوكرانيا غياب دورها في مجموعة مينسك المنبثقة من منظمة الأمن والتعاون الغربية التي تضم روسيا مع فرنسا والولايات المتحدة فلم يعد بإمكانها المشاركة في هذه الاجتماعات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وما يمكن قوله هو إن أذربيجان أرادت اختبار مدى رد فعل الغرب، بخاصة أنها في موقع قوة بعد زيادة اعتماد أوروبا على الغاز الأذربيجاني أخيراً عبر أنبوب الغاز الذي يغذي دول جنوب أوروبا ويمر عبر إيطاليا بحيث بلغ حجم الغاز المصدر 7.3 مليار متر مكعب ومن المتوقع أن يصل إلى 12 مليار متر مكعب أي بزيادة 30 في المئة من حجم الصادرات إلى أوروبا، لكن ذلك يجب ألا يشكل ضمانة بالنسبة إلى باكو للذهاب بعيداً في مواجهتها مع جارتها.

يقول الباحث إيمانويل دوبوي إن "هذا العامل بالطبع كان له دوره وقد يعطي الشعور بحاجة أوروبا بشكل أساسي إلى هذا المصدر لكنه قوبل بحملة مضادة من قبل بعض وسائل الإعلام والرأي العام الذي اعتبر أن التناقض واضح لغياب أي رد فعل لما حصل مقارنة بردود الأفعال تجاه ما يحصل في أوكرانيا بحجة أننا بحاجة إلى الغاز. كما أن هذا لا يعني أن المجتمع الدولي قد يترك المجال مفتوحاً إلى ما لا نهاية أمام أذربيجان، بخاصة أن البلدان الاسكندينافية أكثر تمسكاً بقضايا حقوق الإنسان، مما يعني عدم وجود موقف موحد في أوروبا".

تأثير الاتحاد الأوروبي

لكن ما مدى تأثير الاتحاد الأوروبي في هذه البقعة الجغرافية، يجيب دوبوي، "علينا ألا نغفل أننا في هذه المنطقة وحتى لو تحدث إيمانويل ماكرون إلى باشينيان، فهذا لا يعني أن لدينا القدرة على حل الأمور وما حصل يظهر مدى عدم فاعلية مجموعة مينسك وحدود قدرة الاتحاد الأوروبي، فتوزيع الأدوار محكم في هذه المنطقة بين روسيا وتركيا، إذ لا بد من الإشارة إلى تشابك المواقف والبلدان ينتميان إلى منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي أنشئت عام 2000 وتنص المادة الرابعة منها على الدفاع عن البلد الآخر في حال تعرضه للاعتداء على غرار المادة الخامسة من اتفاق حلف الأطلسي".

ومن تداعيات الحرب في أوكرانيا المواجهات الأخيرة بين دولتين من الاتحاد السوفياتي سابقاً حيث لم يتم ترسيم الحدود بشكل قاطع وهما قرغيزستان وطاجيكستان، وبحسب دوبوي "يمكن القول إن التضامن ليس على أفضل حال بين دول معاهدة الأمن الجماعي".

وعليه يمكن اعتبار ما حصل كاختبار لمدى سيطرة روسيا على الوضع في هذه البقعة وعلى الرغم من المصاعب فهي ما زالت تملك الكلمة الفصل، إذ إن باشينيان والرئيس الإيراني تواصلا مع الرئيس الروسي وبوتين أمر بوقف العمليات العسكرية، "وما يمكن استخلاصه أن ما حصل يضعف مبادرة الاتحاد الأوروبي للتوصل إلى اتفاق سلام والوساطة التي أطلقها شارل ميشيل"، كما يقول دوبوي الذي يضيف "هذه المناوشات تضعف في الواقع روسيا لأنها تضمن أمن أرمينيا لكنها غير قادرة على حمايتها وهي التي دعت إلى الكف عن استخدام السلاح والأذربيجانيون يجربون قدرة الدول الغربية، ولا ننسى أنه في نوفمبر 2020 توزعت الأدوار بين تركيا وروسيا على أن تتولى الأخيرة الجانب العسكري من الاتفاق في حين تتولى الأولى الجانب السياسي وهناك توافق بالمواقف بين البلدين سواء في أوكرانيا أو أذربيجان أو البحر الأسود، حيث تطمح تركيا إلى لعب دور حلقة الوصل بين البحر الأسود وبحر قزوين".

ما يمكن استخلاصه أن عملية السلام بين البلدين حتمية وموقع باشينيان ومستقبله السياسي مهددان من قبل الصقور الذين يريدون استعادة قرة باغ وهو إقليم صدرت بشأنه أربعة قرارات دولية تؤكد وحدة أراضيه وسيادة أذربيجان عليه، على الرغم من أن غالبية سكانه من الأرمن.

لكن يريفان تعاني اقتصادياً وباتت معتمدة على روسيا والأرمن وباشينيان يدركان أن الحل الوحيد يكمن في التوصل إلى اتفاق سلام لتحقيق النمو الاقتصادي وتخفيف الاعتماد على موسكو.

في المقابل أذربيجان بدورها تدرك أهمية قنوات التواصل ولا يمكنها الاعتماد إلى ما لا نهاية على قوة السلاح، فمنطق القوة لا يوفر كثيراً من التقدم، لذا فإن تفعيل شبكة المواصلات وطرق التجارة يبقى السبيل الوحيد، إضافة إلى ترسيم الحدود والتوصل إلى اتفاق سلام كون وقف إطلاق النار لا يشكل الحل الدائم.

المزيد من تقارير