ليست طيور القطرس الكبيرة، التي تكتفي بالتزاوج مرة واحدة في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية بمنأى عن الانفصال عن إناثها، وهو احتمال قائم بصورة أكبر لدى الفئة الخجولة من ذكور هذه الطيور، فهي تفضّل تجنب المواجهة مع ذكر منافس، على ما تفيد دراسة نشرت الأربعاء، الـ 14 من سبتمبر (أيلول) الحالي.
ويوضح رويجياو صن، وهو طالب دكتوراه في معهد "وودز هول" الأميركي لعلوم المحيطات، معد الدراسة المنشورة في دورية "بيولوجي ليترز" العلمية الصادرة عن الجمعية الملكية البريطانية، أن "الدراسة تظهر للمرة الأولى وجود صلة لدى فصيلة من الحيوانات البرية بين الشخصية والانفصال".
الشريكة الدائمة مدى العمر
ويظهر القطرس الجوال، وهو نوع من طيور القطرس الكبيرة، نموذجاً عن الإخلاص، إذ نادراً جداً ما يحصل الانفصال بين الذكر والأنثى المتزاوجين منه، وتبلغ نسبة الانفصال بين الذكور والإناث لدى هذا النوع الذي أخضعه عالم البيئة للدراسة 13 في المئة.
وفي حين تبلغ نسبة الطيور التي تتزاوج مرة واحدة 90 في المئة، تلتزم الطيور المائية كلها من دون استثناء تزاوجاً واحداً، لكن الحياة بعد التزاوج ليست هادئة حتى بالنسبة إلى الطيور المائية.
وكانت دراسات قد أوضحت أن نظام الانفصال لدى هذه الطيور "تكيفي"، بحسب تعبير المتخصصين، تحفزه الحاجة الدائمة إلى التكاثر.
ويقول صن إنه "إذا لاحظ أحد الطيور أن فرص التكاثر لديه منخفضة جداً مع أنثى معينة فإنه يبحث عن أخرى".
وتوصلت إحدى الدراسات إلى سلوك مماثل لدى طائر القطرس الأسود الجبين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن طيور القطرس الكبيرة لا تظهر اتجاهاً مماثلاً، بل تشكّل شخصية الطير الذي يعتبر خجولاً نوعاً ما "أحد العوامل التي تنبئ بالانفصال"، على ما توضح عالمة الأحياء البحرية ستيفاني جينوفرييه المشاركة في إعداد الدراسة. ويزيد احتمال انفصال طائر قطرس "خجول" عن شريكته ضعف الاحتمال الموجود لدى طائر قطرس "جريء".
وبهدف التحقق من هذه الفكرة وشرحها استند الباحثون إلى قاعدة بيانات أنشأها مركز الدراسات البيولوجية التابع لجامعة "لاروشيل" والمعهد القطبي الفرنسي "بول إميل فيكتور".
وتولى أعضاء المركز والمعهد منذ عام 1959 تسجيل المشكلات الحاصلة بين مستعمرة من طيور القطرس الكبيرة أقيمت في جزيرة "ليل دو لا بوسيسيون" في المياه الجليدية لأرخبيل كروزيه الذي يشكل أحد الأراضي الفرنسية الجنوبية والأنتارتيكية.
وتقول ستيفاني جونوفرييه التي عملت طويلاً لمصلحة مركز الدراسات البيولوجية في شيزيه، "نثبت على الطيور حلقات عليها أرقام وننشئ سنوياً خريطة بمواقع أعشاشها"، مضيفة أن "هذه الطيور ليست شرسة ويمكننا إجراء عمليات مراقبة لها من خلال التقدم نحوها ببطء".
ويمكن للعلماء تالياً أن "يعيدوا إنشاء كل تاريخ هذه الطيور" منذ ولادتها وحتى نفوقها، على ما توضح جونوفرييه.
معركة الفرار من الحب
وللقطرس الجوال الذي يمكن أن يصل عمره إلى 50 سنة عاداته الخاصة، إذ "يتكاثر الطائر الذي يتزاوج مرة واحدة فقط كل عامين، لأنه يحتاج إلى سنة لتربية صغيره الوحيد، ثم يرتاح عاماً قبل أن يتزاوج مرة أخرى"، على ما يشير رويجياو صن.
وفي هذه المرحلة تتعقد الأمور فتمضي ذكور هذه الطيور وإناثها شهوراً في التحليق بأجنحتها التي تمتد لأكثر من ثلاثة أمتار فوق مياه جنوب المحيط الهندي ولمسافة تصل يومياً إلى مئات الكيلو مترات، لكن في مناطق معينة تتجه ذكور الطيور جنوباً أكثر من الإناث التي تبحث عما تأكله في مناطق ترتادها بشكل كبير سفن الصيد.
وفي هذه المياه "إذا حاولت أن تلتقط المادة المثبتة على خيط الصيادين فستعلق"، بحسب ستيفاني جينوفرييه.
وتصبح أعداد الذكور نتيجة ذلك أكبر من أعداد الإناث مع نسبة منها خسرت شريكاتها، لكن لا تنوي البقاء على هذا النحو لمدة طويلة، وهنا يبرز عامل الشخصية.
وقاس الباحثون شخصيات نحو 2000 طائر على مدى 10 سنوات مع مقياس رد فعل مشابه لذلك الخاص بالإنسان، إذ يبدأ من الشخصية الأكثر "جرأة" التي تتجاهل الإناث وصولاً إلى تلك "الخجولة" التي نادراً ما تترك عشها.
ويقول رويجياو صن إن "بعضها جريء والآخر خجول جداً، بينما تبين أن شخصيات معظمها تراوح بين الخجولة والجريئة"، وبعد ضم هذه النتائج إلى معدل الانفصال خلص الباحثون إلى أن "الذكور التي تتمتع بشخصية خجولة تنفصل عن الإناث أكثر من تلك التي تتميز بشخصية جريئة"، إذ يفضل الطائر الذكر الفرار بدل مواجهة ذكر نفقت شريكته ويبحث عن أخرى.
لكن علماء كثر يعتبرون أن شخصية هذه الطيور لا تشكل تفسيراً كاملاً لتصرفها هذا، وتشير ستيفاني جونوفرييه إلى عوامل أخرى قائلة إن "الطيور التي تكون متزاوجة منذ فترة طويلة أقل عرضة للانفصال من تلك المتزاوجة حديثاً".