Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من يمول الأحزاب السياسية في السودان؟

وجهت اتهامات لبعض الجهات الحزبية بتلقي أموال من الداخل والخارج قد تؤثر في نشاطها السياسي

نسبة إلى طول فترات الحكم العسكري خلال تاريخه ظل السودان يعاني انسداد المسار السياسي (اندبندنت عربية - حسن حامد)

كان السودان من ضمن الدول العربية والأفريقية التي تبنت باكراً التعددية الحزبية، فمنذ استقلاله عن بريطانيا في عام 1956 نبعت ضرورات سياسية واجتماعية للعب دور نشط يسهم في تطوير هوية وطنية متسقة مع التغيير الكبير ومواكبة لمرحلة الانتقال السياسي كانت قد صاغتها "الحركة الوطنية"، ولكن نسبة إلى طول فترات الحكم العسكري خلال تاريخه ظل السودان يعاني انسداد المسار السياسي و"تكلس" نشاط الأحزاب السياسية.
وتلتقي مشكلة الأحزاب مع تزايد الانشغال بعملية الانتقال الديمقراطي المعقدة خلال الفترة الانتقالية الحالية، بالتحديات المؤسساتية ومدى قدرتها على اجتياز مراحل هذا الانتقال لتكون البديل المنطقي والأنسب للمنافسة على السلطة، ولذلك فإن الانتقال الديمقراطي يؤسس على انفتاح القوى السياسية الفاعلة ممثلة في الأحزاب على المجتمع، ويأتي على رأس مسؤولياتها تحقيق مطالبه الأساسية.
وتراهن القوى السياسية منذ الإجراءات التي فرضها رئيس المجلس العسكري الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، في الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021، على عدم السماح باحتكار السلطة. وكما يقتضي الوفاء بمهماتها أن تزاول نشاطها في بيئة ديمقراطية، فكذلك يلزمها ولوج النشاط في هذه المرحلة الدقيقة إزالة اللبس حول مصادر تمويلها. وهذا ما تفرضه مقتضيات الشفافية التي تنطلق منها العلاقة المميزة بين الديمقراطية والحزب السياسي من أجل ترسيخ منظومة تعد مدخلاً لإصلاح هياكل ومؤسسات الدولة، مما ينعكس على النهوض بالمجتمع.
وأهمية ذلك تنبع من واقع الاتهامات التي وجهت لبعض الأحزاب بتلقي أموال من جهات داخلية وخارجية قد تؤثر في نشاطها السياسي، وهي اتهامات متبادلة بين مكونات الثورة والفاعلين في الحراك الثوري من لجان مقاومة ومنظمات مجتمع مدني من جهة، وبين الأحزاب السياسية وتحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير" من جهة أخرى التي ظلت تواجه اتهامها من قبل الثوار بممارسة التمييز السياسي بالإنكار. ودارت معارك كلامية أخيراً بخصوص حجم الدعم المقدم للأحزاب وبرامجها السياسية، وترد عليه باتهام آخر بأن منظمات الحراك الثوري تستميل المجتمع الدولي بدعوى الحراك من أجل الوصول إلى الديمقراطية والتأليب على حكومة الفترة الانتقالية والمجلس السيادي.


تمويل "النفرة"

وقال رئيس لجنة السياسات في المكتب السياسي لحزب الأمة القومي إمام الحلو عن الأسلوب المتبع في تمويل حزب الأمة إنه "على الرغم من جماهيريته إلا أن حزب الأمة لم يعتمد على الاشتراكات الدورية وتبرعات الأعضاء مع أنها منصوص عليها في الدستور، باستثناء مساهمات رجال الأعمال أعضاء الحزب. وينص دستور الحزب على أنه بإمكانه إنشاء مؤسسات استثمارية لتمويل نفسه أو الدعم من جهات مشروعة داخل السودان وفق قانون معين".

ولفت الحلو إلى أن "لدى الحزب موازنتين، الأولى تسييرية تغطي مصاريف التشغيل العادي في دوائر الحزب ومؤسساته، وبحسب النظام اللامركزي لحزب الأمة فإن تسيير مؤسساته في الولايات يمولها الحزب في كل ولاية، وأما المركز فيمول موازنته الإدارية واللوجستية".

وأوضح الحلو "في الحملات التعبوية فإن قيادات الحزب تمر على الولايات وتلتقي جماهيره عبر الندوات السياسية واللقاءات الداخلية، ويتكفل المركز بمصاريف وصول القيادات المركزية إلى المناطق التي تزورها، ويغطي الحزب في المنطقة مصاريف الاستقبال". وأضاف "أما في موسم الانتخابات فإن الحزب يعمل بنظام ’النفرة‘، وهو مفهوم شعبي عبارة عن تبرعات وتطوع جماعي مالي أو عيني بحسب منتجات كل منطقة ومقدرات الأشخاص، وتم ذلك في آخر انتخابات حاول الحزب خوضها في عام 2010 ولكنه انسحب في آخر لحظة".
وفي ما يتعلق بالموازنة الثانية قال المسؤول الحزبي إنها "هي الموازنة التشغيلية التي اعتمدها الحزب منذ تاريخ بدايته في مارس (آذار) 1945، فقد كان الممول الرئيس له هو دائرة الإمام عبدالرحمن المهدي، وبعدها دخل رجال أعمال ومؤسسات رأسمالية لتمويل أعمال الحزب سواء بالنفرات أو بشكل آخر مؤسسي، وهذا سار إلى الآن".
ويرى الحلو أنه "يفترض أن يخضع تمويل الأحزاب لقانون يحدد كيفية تمويل الدولة لها في العملية الانتخابية حتى لا تكون عرضة لاستهداف ودخول المال السياسي، ولكن تاريخ السودان ليس فيه ممارسات ديمقراطية مستمرة، ففي ظل التجربة الديمقراطية القصيرة لم يكن هناك نظام حزبي يحدد كيفية تمويلها وهي إحدى نواقص العملية الديمقراطية في السودان، وخلال الأنظمة العسكرية كانت أغلب الأحزاب مجمدة أو محلولة أو مدجنة فلم يكن هناك معيار".


ثمن الدعم

ويشير رئيس لجنة السياسات بحزب الأمة إلى أن "حزب الأمة ليس لديه ارتباطات فكرية أو سياسية مع أية جهة خارجية، ولكنه تاريخياً كانت له علاقات مؤثرة مع ليبيا، وقد وفر العقيد معمر القذافي له معسكرات التدريب والسلاح في فترة المواجهة مع نظام العقيد محمد جعفر النميري، وهذا أنتج حركة يوليو (تموز) 1976. كذلك في مواجهة حزب الأمة لنظام الإنقاذ وجد الحزب دعماً من إريتريا، وقد وفرت له معسكرات التدريب والسلاح، وغير ذلك لا يوجد أي دعم مالي من أية دولة خارجية".
وعن تأثير التمويل في العملية السياسية ذكر الحلو أن "التمويل في ظل النظام السابق كان حزب المؤتمر الوطني هو حزب الحكومة ولذلك تمويله من الحكومة والدولة، أما بالنسبة إلى النظم الديمقراطية فأية عملية سياسية يدخل فيها تمويل من خارج السودان أو من خارج منظمات الحزب المعني ومؤسساته يكون عندها لذلك ثمن".

وتابع "أغلب الأحزاب قبل الثورة لديها ارتباطات خارجية، فاليسار مثل الحزب الشيوعي وحزب البعث والناصريين ترتبط ببعض الدول العربية، واليمين مثل الإخوان المسلمين لديه ارتباط بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين وبعض الدول مثل إيران أو تركيا. أما حزب الأمة فهو حزب متجذر في الأرض السودانية وفكره منطلق من فكر الدعوة المهدية، إذ تحول الفكر العقدي إلى فكر سياسي بظهور السيد الصادق المهدي الذي أحدث نقلة نوعية في إطار العمل المؤسسي بالحزب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ظلال الشك

من جانبه قال عضو مركزية الحزب الشيوعي السوداني كمال كرار إن "عملية تمويل الأحزاب السياسية السودانية تحكمها نصوص قانونية في تسجيل الأحزاب بأن تعتمد على تبرعات واشتراكات الأعضاء بطرق شفافة وبموازنة قابلة للمراجعة، ويحظر على الأحزاب أن تتلقى أمولاً من الخارج أو جهات غير معلومة". وأضاف كرار أن "الحكومة السودانية لا تمول الأحزاب بصورة قانونية لتدشين حملاتها الانتخابية كما يحدث في دول أخرى، وخصوصاً الحكومات الديكتاتورية التي تحاول جذب الأحزاب عبر التمويل غير المعلن، كما حدث خلال حكم النظام السابق". وتابع "كثير من الأحزاب التي تحالفت مع نظام الإنقاذ أو دخلت في شراكات أو اتفاقات معه كانت تتلقى منه أموالاً على حساب الموازنة العامة، وهذا يلقي بظلال من الشك حول أغراض التمويل ويتضح أنه لشراء الذمم ومحاولة لخلق قاعدة اجتماعية للنظام، ورشاوى سياسية عن طريق تعيين منسوبيها في السلطة أو توفير دور لها لخلق اصطفاف يعزز من نفوذ النظام".
وأشار عضو الحزب الشيوعي السوداني إلى أنه "بحسب نصوص دستور الحزب الشيوعي السوداني فإن تمويله من اشتراكات العضوية ومن تبرعات الأصدقاء والديمقراطيين بحملات معلنة. وفي المؤتمر الصحافي الأخير بدأ الحزب حملة تبرعات لشراء دار للحزب، وفي غيره من المؤتمرات فتح حملة تبرعات معلنة من أجل المساهمة في تمويل المؤتمر، وفق موازنة شفافة تعرض على الأعضاء بموجب قانون تسجيل الأحزاب وهو المصدر الوحيد لتمويل أنشطته الحزبية".
ولفت كرار إلى أنه "في القوانين السودانية هناك ما يرغم الدولة على تمويل الأحزاب سواء أكان دعماً مادياً أم معنوياً، لكن إذا أرادت الأحزاب ممارسة سياسية رشيدة يجب أن يكون تمويل الأحزاب ذاتياً، عن طريق عضويتها أو إذا كانت تمتلك استثمارات أو غيرها من أشكال التمويل المشروعة، لكن لا يكون من الدولة باعتبار أن السلطة القابضة في الدولة وفي هذه الظروف دائماً تعبر عن مصلحة ما أو عن طبقة سياسية معينة خصوصاً في ظل النظام العسكري".


تمويل داخلي

وعن آليات تنظيم التمويل أوضح كرار "يجب أن تشمل دساتير الأحزاب ولوائحها بأن تكون هناك آليات معروفة بأن يقتصر على التمويل الداخلي المشروع، ويكون متفقاً مع القوانين السودانية التي تنظم العمل السياسي وفق تنافس شريف على السلطة، وألا يكون هناك استقطاب سياسي داخلي أو خارجي، لتبعد الشبهات من حول الأحزاب حتى لا تُتهم بالعمالة لدول بعينها أو جهات مخابراتية دولية تمرر أية أجندات في السودان، فإن الممول يفرض أجنداته بمقابل ما يشكل خطراً على الممارسة السياسية وعلى نزاهة الانتخابات".
وزاد أن "الحزب الشيوعي لديه موازنة معلنة ودستور يحدد طبيعة مصادر التمويل الحزبي والحملات المعلنة للتبرع، ولها علاقة بأنشطة الحزب الجماهيرية. وللحقيقة فإنه في مؤتمر الحزب الخامس عرض حزب المؤتمر الوطني أن يمول بعض التكاليف فرفضها الحزب رفضاً قاطعاً وخاطبه بأن المال مال الدولة والشعب".

فساد سياسي

أما المحامي المعز حضرة فذكر أنه "يفترض كما في كل الدول الديمقراطية إسهام الدولة في موازنة الأحزاب، لكن في السودان تمول الأحزاب من قبل منسوبيها الذين ليسوا ملتزمين بدفع اشتراكاتهم الشهرية، ويمول العمل من بعض رجال الأعمال لأن أغلبية عضوية الأحزاب من متوسطي الدخل، هنالك قلة تقوم بالتبرعات والاشتراكات لسداد نفقات الأحزاب وتسيير عملها وإيجار الدور. وفي الفترة الأخيرة فإن السودانيين المقيمين خارج السودان يتحملون تكاليف كثيرة مع غيرهم من المقتدرين بالداخل". وأضاف "توجد تقاطعات سياسية، فهنالك عدد من دول المحاور يحاول أن يمول بعض الأحزاب والأفراد داخلها لخلق مواقف متضامنة معهم ومصالح بينهم وبين تلك الجهات، وهذا سلوك مرفوض كونه يمثل أحد أنواع الفساد السياسي، ويفترض أن تمول الأحزاب من أفرادها المؤمنين بفكرة الحزب داخل السودان أو خارجها".

المزيد من تحقيقات ومطولات