Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السودانيون يودعون الملكة إليزابيث باستدعاء زيارتها التاريخية إلى بلدهم

ألقت كلمتها الشهيرة في حديقة الموردة في أم درمان: صداقة الشجعان أقوى

الملكة الراحلة خلال جولتها مع التيجاني الماحي (غيتي)

بأرشيف حافل بذكريات زيارتها إلى السودان قبل 57 عاماً، ودع السودانيون الملكة إليزابيث الثانية وفي مخيلتهم جولتها بالعاصمة والأقاليم في شرق وغرب البلاد، وما زالت مقولتها الشهيرة في حديقة الموردة بأم درمان حاضرة، حيث قالت "يحدث كثيراً، وقد حدث في حالة السودان وبريطانيا أنه عندما يحترم اثنان شجاعة بعضهما بعضاً في أوقات الحرب فإن صداقتهما تكون أقوى في أوقات السلم، وقد أظهرت لي هذه الزيارة مدى التعاطف والتفاهم بين بلدينا".

تلك كانت كلمات الملكة الراحلة وهي تودع السودانيين وقتها في ختام زيارتها التاريخية للسودان في الـ11 من فبراير (شباط) 1965 خلال حفل شاي أقامه مجلس الخرطوم المحلي في حديقة الموردة بأم درمان على شرف الملكة، حيث ألقت كلمتها الشهيرة التي شكرت فيها الشعب السوداني على الترحيب اللافت بها.

تفاعلاً مع خبر رحيلها بعث السودانيون أرشيف زيارتها من جديد، فقد تداولوا على نطاق واسع صور وفيديوهات الزيارة التاريخية التي تجولت خلالها في مدن ومناطق عدة، معبرين عن حزنهم لرحيلها، ولا تكاد تخلو معظم الصفحات من صورة أرشيفية أو مقطع فيديو لتلك الزيارة.

وأظهرت الصور والمقاطع المتداولة مظاهر الاحتفاء وحفاوة الاستقبال والترحيب الرسمي والشعبي وتكدس المواطنين أمام مطار الخرطوم وعلى الطرقات الجانبية لتحية الملكة، كما امتلأت الشوارع بالحشود التي تقاطرت من كل أحياء الخرطوم للترحيب بالملكة.

وبعث رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان بتعازيه للعائلة المالكة في بريطانيا برحيل الملكة إليزابيث الثانية التي توفيت الخميس.

 

الدعوة والزيارة

في عام 1965، توجهت ملكة بريطانيا إلى السودان بدعوة رسمية من الرئيس السوداني وقتها الفريق إبراهيم عبود، عند زيارته إلى بريطانيا مطلع عام 1964، غير أنها عندما لبت الدعوة وزارت السودان لم يكن إبراهيم عبود حاكماً للسودان بعد أن أطاحت به ثورة أكتوبر (تشرين الأول) 1964، وجددت حكومة الثورة الدعوة للملكة التي وصلت السودان بعد  أشهر عدة من سقوط حكم عبود. 

عندما حطت طائرة الملكة إليزابيث الثانية بمطار الخرطوم في الثامن من فبراير 1965، وكان عمرها 39 سنة، استقبلها في مطار الخرطوم رئيس مجلس السيادة في السلطة الانتقالية آنذاك، التيجاني الماحي، الطبيب النفسي الشهير الذي كان يعمل مستشاراً إقليمياً في منظمة الصحة العالمية حول الصحة النفسية وتم اختياره عضواً ورئيساً بالتناوب في البرلمان ومجلس رأس الدولة، عقب ثورة أكتوبر.

كانت الخرطوم ما تزال تعيش أجواء توترات الصراع السياسي ما بعد ثورة أكتوبر، ولكن ذلك لم يمنع من احتفاء السودان الرسمي والشعبي بالملكة التي وجدت ترحيباً حاراً، وكانت أينما ذهبت وجدت الجماهير تصدح بالأهازيج وأغاني الفلكلور والطقوس السودانية والهدايا والورد من الجماهير المحتشدة.

طواف الملكة 

سافرت الملكة إلى مدينة الدمازين في إقليم النيل الأزرق الحالي لرؤية سد وخزان الروصيرص، كما زارت مشروع الجزيرة أكبر المشاريع المروية بالري الانسيابي في أفريقيا، الذي أنشأته الحكومة البريطانية خلال فترة الاستعمار الإنجليزي في ولاية الجزيرة وسط السودان، بجانب زيارتها إلى مدينة الأبيّض عاصمة إقليم كردفان وقتذاك وولاية شمال كردفان حالياً.

أما يومها الأول من الزيارة فقد أمضته الملكة متجولة في العاصمة الخرطوم يرافقها التيجاني الماحي، وشهدت احتفالاً لسباق الخيل قبل التوجه إلى مدينة الدمازين ومشروع الجزيرة.

كان لزيارة إليزابيث الثانية إلى مدينة الأبيض في إقليم كردفان وقع خاص، إذ كان في استقبالها حوالى 80 ألف فارس على صهوات الجياد، ومن الذكريات التي خلفتها الملكة إليزابيث هناك، الفيلا التي بنيت على الطراز الإنجليزي الكلاسيكي بمدينة الأبيِّض خصيصاً كنزل للملكة وأفراد طاقمها التي لا تزال قائمة كجزء من قصر الضيافة الحكومي المخصصة لكبار الزوار. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هدنة سياسية خاصة

يقول محجوب محمد صالح، عميد الصحافيين السودانيين وعضو برلمان حكومة ثورة أكتوبر 1964عن دوائر الخريجين، إن الاهتمام بزيارة الملكة إليزابيث الثانية إلى السودان كان خاصاً وكبيراً للغاية لدرجة أن القوى والأحزاب السياسية المتصارعة اتفقت على تهدئة الصراع خلال فترة زيارتها حتى تمر بهدوء وسلاسة، وبالفعل هدأت الساحة السياسية التي كانت تمور بالمعارك والمناورات وأوقف كل أنواع التصعيد السياسي بالتزام تام من كافة القوى السياسية، لكنها سرعان ما عادت الخلافات مرة أخرى إلى حالها القديم بعد انتهاء الزيارة.

أشار محمد صالح، إلى أن "ثورة أكتوبر شهدت أقصر فترة انتقالية لم أر لها مثيلاً في تاريخ السودان، وهي الفترة المتفق عليها في ميثاق قوى الثورة المحددة بستة أشهر فقط، وقد تم ذلك بالفعل فقد كان هناك صراع محتدم على أشده بين ثوار أكتوبر والأحزاب التقليدية خلال الفترة الانتقالية، لذلك قدم دعوة الزيارة للملكة عبود، ولكن عندما تمت الزيارة كان الوضع قد تغير بسرعة".

الزيارة والديمقراطية

يضيف عضو برلمان ثورة أكتوبر، "اكتسبت زيارة الملكة أهميتها من كونها كانت أول زيارة لها لقطر أفريقي هو الأول الذي نال استقلاله في منطقة جنوب الصحراء بعد الحرب العالمية الثانية في الأول من يناير (كانون الثاني) 1956، تلته في الاستقلال من الدول الأفريقية دولة غانا في عام 1957، كما أن السودان كان له دور بارز بين تلك الدول، وكان الناطق باسم الحركة التحررية في حياة الأمم وناشطاً دولياً وعضواً باللجنة الرابعة في الجمعية العامة للأمم المتحدة من كل ذلك اكتسبت الزيارة أهميتها سواء بالنسبة إلى الملكة أو السودان.

وقال محمد صالح إن "تزامن الزيارة مع نجاح ثورة أكتوبر واستردادها للديمقراطية منحتها نكهة انتصار ثورة ديمقراطية في السودان كأول قطر أفريقي ينجزها بعد أن كان قد فقدها في انقلاب 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 1957، كما أن الزيارة جاءت خلال مرحلة الترتيبات والإعداد للانتخابات واحتفاء بالديمقراطية السودانية التي تربطها وشائج قوية ببريطانيا كون الملكة تزور البلاد في هذا التوقيت".

ولاء الحزب الشيوعي

من الطرائف التي حدثت أثناء زيارة الملكة ولقاءاتها بالقيادات السياسية والأهلية، التي سردها محمد صالح أنه خلال تقديم القادة السياسيين لأنفسهم خلال لقاء الملكة بهم، قدم القيادي البارز في الحزب الشيوعي السوداني وقتها الراحل أحمد سليمان نفسه وحزبه للملكة قائلاً في لغة إنجليزية جيدة "أنا أحمد سليمان المحامي ممثل الحزب الشيوعي السوداني صاحب الولاء لجلالتكم".

ومن المصادفات الغريبة التي يرويها السودانيون ويتداولونها عبر الوسائط كون الفريق إبراهيم عبود الذي قدم الدعوة للملكة الراحلة لزيارة السودان توفي في تاريخ وفاة الملكة إليزابيث نفسه في الثامن من سبتمبر (أيلول) 2022، إذ في مثل اليوم نفسه عام 1983 توفي عبود وشيع تشييعاً رسمياً إلى مقابر المحجوب بالخرطوم بحري بتوجيه مباشر من الرئيس الراحل جعفر نميري وقتذاك. 

وكانت الملكة إليزابيث الثانية قد بعثت مطلع العام الماضي برسالة تهنئة للسودانيين بمناسبة الذكرى الـ65 لاستقلال السودان، أعربت فيها عن خالص وأطيب أمنياتها للسودان وشعبه بالاستقرار والتقدم، وتلقى التهنئة رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان.

كان اسم السودان في فترة الاحتلال الإنجليزي-المصري بين عامي 1899 و 1956 (السودان الإنجليزي-المصري)، وفي عام 1896 وجهت الحكومة البريطانية إنذاراً إلى فرنسا من الزحف باتجاه السودان، وأرسلت بعدها حملة عسكرية مشتركة مع مصر لاحتلال السودان بقيادة اللورد هربرت كتشنر الذي تمكن من هزيمة قوات الخليفة عبدالله التعايشي خليفة الإمام المهدي قائد الثورة المهدية في أم درمان في الثاني من سبتمبر 1898، لتسقط الخرطوم وتنتهي الدولة المهدية.

وعلى الرغم من فوز الحزب الوطني الاتحادي الداعم للاتحاد مع مصر بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية لعام 1953، الذي ينتمي إليه الزعيم إسماعيل لأزهري الذي كان أحد المنادين البارزين بوحدة وادي النيل، إلا أنه أدرك بأن تحولات عميقة حدثت وسط القوى السياسية والرأي العام فتجاهل موقف حزبه ودعم استقلال السودان، وفي 19 ديسمبر (كانون الأول) 1955، طرح الأمر على البرلمان السوداني الذي وافق بالإجماع على إعلان الاستقلال، وفي الأول من يناير 1956 أصبح قرار البرلمان نافذاً وأصبح السودان بلداً مستقلاً تحت اسم جمهورية السودان.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير