Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هكذا تجعل أزمة المناخ الرحلات الجوية أكثر خطورة

في شتى أنحاء العالم، يقود الاحترار العالمي إلى تغير أنماط الرياح ويجعل التنبؤ بها أكثر صعوبة. لذا صارت رحلات الركاب أقل سلامة وكفاءة، ناهيك عن إطلاق كمية إضافية من انبعاثات غازات الدفيئة نفسها

تعزى الاضطرابات الهوائية إلى تيار عشوائي من الرياح يطرأ في مناطق جوية خالية من أي سحب في السماء عند الارتفاع المطلوب لطائرات الركاب (رويترز)

"حدث ذلك كله في خلال خمس إلى سبع دقائق"، يقول هيمال راجيش دوشي، أحد الركاب البالغ عددهم 195 راكباً على متن طائرة من طراز "بوينغ 787- 800" التي تديرها شركة طيران "سبايس جيت" الهندية، والتي واجهت اضطرابات هوائية شديدة أثناء التحليق إلى كولكاتا في طريقها من مومباي في الأول من مايو (أيار) الماضي.

للأسف، أسفرت الحادثة عن إصابة 14 راكباً وثلاثة موظفين من طاقم الطائرة.

"بعد مضي نحو ساعة ونصف الساعة من الرحلة، من دون أي إبلاغ عن خطب ما ربما يطرأ، بدا الأمر كما لو أن الطائرة سقطت فجأة وأصيب الركاب بالذعر. رأيت ما يقرب من أربعة إلى خمسة ركاب يتخبطون في الهواء حرفياً، وارتطم بعضهم بسقف الطائرة وسقط أرضا، كانت هذه اللحظات أشبه بركوب لعبة الأفعوانية (قطار الموت)" في مدينة الملاهي، أخبر دوشي "اندبندنت" مستذكراً ما يصفه بتجربة "مروعة ومهددة للحياة" على متن الطائرة.

بينما ما زالت نتائج التحقيق الرسمي في الحادثة معلقة، يشتبه الخبراء في أن الطائرة ربما واجهت عاصفة رعدية محلية شديدة الوطأة تسمى "نورويستر" Nor’wester في خضم محاولتها التحول بعيداً من تيارات هوائية متقلبة قبل وقت قصير من تنفيذها الهبوط.

في بيان أصدرته في هذا الشأن وقتذاك، قالت شركة "سبايس جيت" إن "قائد الطائرة انحرف إلى يساره كي يتفادى اضطرابات هوائية صادفها، ولكنه لم يتلق أي تنبيه بشأن المشكلة الآتية في مساره المنحرف".

في الحقيقة، تشير دراسات متزايدة إلى أن أنماط دوران الهواء غير المنتظمة على شاكلة ما اعترض الرحلة الهندية ما انفكت تستفحل نتيجة أزمة المناخ، ومن شأن عواقبها أن تطرح آثاراً خطيرة على سلامة الركاب. مثلاً، في مارس (آذار) 2019، واجهت طائرة من طراز "بوينغ 777" تديرها الخطوط الجوية التركية، انطلقت من إسطنبول متوجهة إلى نيويورك، حادثة "اضطرابات هوائية" أو جوية clear-air turbulence (اختصاراً CAT) شديدة الوقع فوق ولاية ماين الأميركية، فأصيب 30 شخصاً واحتاجوا إلى تلقي علاجات في المستشفى، من بينهم مضيفة طيران أصيبت بكسر في أحد ساقيها.

تعزى "الاضطرابات الهوائية" أو الجوية إلى تيار عشوائي من الرياح يطرأ في مناطق جوية خالية من أي سحب في السماء عند الارتفاع المطلوب لطائرات الركاب، وتنشأ من طريق "رياح القص" كما تسمى، علماً أنها عبارة عن تغير في اتجاه وسرعة الرياح التي في مقدورها أن تزيح الطائرات فجأة عن مسارها المقصود.

ويقول خبراء إن العواصف الرعدية والظواهر التي يشهدها الغلاف الجوي من قبيل "الاضطرابات الهوائية" و"التيارات النفاثة" أو المنطلقة تتأثر فعلاً بالاحترار العالمي، ما يؤدي إلى احتمال حدوث مزيد من الاضطرابات في رحلات شركات الطيران.

تواجه آلاف الطائرات فعلاً اضطرابات هوائية شديدة كل عام، مكلفةً قطاع الطيران ما يصل إلى مليار دولار سنوياً بسبب حالات التأخر في مواعيد الرحلات، والأضرار الهيكلية التي تلحق بالطائرات وإصابات الركاب وطاقم الطائرة.

في الواقع، "سيخلف تغير المناخ تأثيرات كثيرة في الطيران عموماً. نتوقع أن يصبح الجو يشهد اضطرابات هوائية أكثر، لذا ربما تواجه الرحلات الجوية في العقود القليلة المقبلة ضعف أو ثلاثة أضعاف الاضطرابات الجوية الحالية، بحسب ما علمت "اندبندنت" من بول ويليامز، بروفيسور في علوم الغلاف الجوي في "جامعة ريدينغ" في المملكة المتحدة.

وتشير دلائل مستجدة إلى أن التغيرات غير المنتظمة في درجات الحرارة الناجمة عن أزمة المناخ تعطل تدفق التيارات الهوائية في الغلاف الجوي بسبب التغيرات في سرعة الرياح واتجاهها.

"التيار النفاث الأطلسي" أحد تلك التيارات الذي تستعين به الطائرات الحالية بشكل روتيني لمساعدة الرحلات الجوية العابرة للقارات، وهو تيار سريع وضيق من الهواء يتدفق من الغرب إلى الشرق ويحيط بالكرة الأرضية.

تستخدم الطائرات، لا سيما التي تسافر باتجاه الشرق قادمة من أميركا الشمالية هذا التيار النفاث بغرض تقليص أوقات سفرها واستخدام الوقود كما تستخدم السلاحف في فيلم "فايندينغ نيمو" Finding Nemo (البحث عن نيمو) تيار المحيط الأسترالي الشرقي للهجرة، على ما يوضح كريشنا أشوتا راو، رئيس "مركز علوم الغلاف الجوي" في "المعهد الهندي للتكنولوجيا" (IIT) في دلهي.

ويقول الدكتور ويليامز، "نعلم أن التيار النفاث عند الارتفاعات المعتمدة لخطوط الطيران أصبح أكثر انكساراً بنسبة 15 في المئة فوق شمال الأطلسي منذ أن بدأت الأقمار الصناعية في رصده في سبعينيات القرن العشرين".

وكانت دراسة نشرت عام 2017 في مجلة "أدفانسيس إن أتموسفيرك ساينسس" Advances in Atmospheric Sciences،  قد عالجت التأثير الذي تطرحه رياح قص أكثر قوة (تغيير مفاجئ في سرعة الرياح أو اتجاهها على مسافة قصيرة وهو سبب رئيس للاضطرابات الجوية) في الرحلات الجوية عبر المحيط الأطلسي في فصل الشتاء.

ووجدت أن مضاعفة مستويات ثاني أكسيد الكربون العالمية ستزيد من متوسط كمية "الاضطرابات الهوائية" الشديدة عند ارتفاع 39 ألف قدم (نحو 11 كيلومتراً) بنسبة 149 في المئة، ما يعني أن ركاب شركات الطيران سيواجهون اضطرابات في المستقبل في حال استمرت الانبعاثات على ما هي عليه دونما هوادة.

عليه، لا بد من إدخال تحسينات على قدرات التنبؤ بالاضطرابات الجوية كي لا تقود التغييرات في المسار بهدف تجنب الاضطرابات الجوية إلى زيادة حرق الوقود، كما تقول "يوروكنترول" (المنظمة الأوروبية لسلامة الملاحة الجوية) Eurocontrol، منظمة دولية تعمل على تحقيق إدارة آمنة وسلسة للحركة الجوية في مختلف أنحاء أوروبا.

عموماً، "تفادي الاضطرابات الجوية غير المتوقعة من شأنه أن يؤدي إلى تمديد مسارات الطائرات، من ثم زيادة حرق الوقود وتباعاً مضاعفة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، لذا فإن تحسين القدرة على التنبؤ بالاضطرابات الجوية يعني وضع تخطيط أفضل للمسارات وخفض الأميال الإضافية في المسار"، حسبما أوضح متحدث باسم "يوروكنترول" لـ"اندبندنت".

ويحذر العلماء من أن أزمة المناخ لا تتهدد سلامة الركاب فقط بالاضطرابات الجوية الحالية، إنما أيضاً جراء الحوادث المناخية المتطرفة من قبيل العواصف والأعاصير المدارية، التي ثبت أن الاحترار العالمي جعلها أكثر شيوعاً وقوة.

كي توفر الوقود والوقت، ربما ترغب شركات الطيران في اختيار أقرب مسار ممكن للرحلة، يغطي أقصر مسافة بين نقطتين، ولكن حالات الخروج عن هذا المبدأ، المعروفة باسم "عدم كفاءة الطيران الأفقي" (اختصاراً "إتش أف أي" HFI)، سترتفع كثيراً بسبب تغير المناخ، وفق دراسة حديثة اضطلعت بها "يوروكنترول".

ويضيف المتحدث باسم "يوروكنترول" أنه بحلول 2050، يُتوقع أن تتفاقم حالات "عدم كفاءة الطيران الأفقي" بنحو 0.5 في المئة بسبب العواصف الشديدة، أي ما يعادل خمسة آلاف و700 طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً في المنطقة الأوروبية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع ارتفاع درجة حرارة البحار، تشير التوقعات إلى هبوب زوابع وأعاصير أكثر قوة، كما يقول الدكتور أشوثراو، أحد الباحثين المسهمين في التقرير السادس حول تغير المناخ الصادر عن لجنة "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" (IPCC) التابعة لـ"الأمم المتحدة".

ويشرح البروفسور أنه إذ تقاسي الأرض "احتراراً عالمياً شاملاً، يحتفظ الهواء الأكثر سخونة بنسبة أكبر من الرطوبة، لذا عندما تتكثف الرطوبة، ستؤدي إلى هطول كميات أكثر من الأمطار، بناء عليه، حتى الأمطار المعتادة ربما تزداد غزارة، وعند وجود كميات أكبر من الأمطار قرب مطارات المنطقة الساحلية، فإن تصريف المياه سيطرح مشكلة".

 بالتالي، فإن سخط الاحترار العالمي لن يلقي بثقله على الطائرات فحسب، بل على المطارات أيضاً. تشكل العواصف قرب المطارات تحديات لكفاءة السفر الجوي، قد تحتاج الطائرات إلى البقاء في مستوى طيران لفترات أطول مع ما يترتب على ذلك من آثار في حركة الطيران وحرق الوقود والانبعاثات.

علاوة على ذلك، ستتأثر عمليات الإقلاع والهبوط بشكل متزايد بموجات الحر، خصوصاً في المطارات ذات المدارج القصيرة. مثلاً، وجدت دراسات حديثة أن درجة حرارة الهواء السطحي قد زادت في شتى أنحاء آسيا خلال القرن الماضي، متسببة بموجات حر أقوى وأكثر تكراراً وأطول.

يوضح الدكتور ويليامز أن "لكل ارتفاع بمقدار ثلاث درجات مئوية في درجة حرارة الهواء، تنخفض كثافة الهواء بنسبة واحد في المئة، ما يعني أن قوة الرفع المتولدة عن الطائرات يمكن أن تنخفض أيضاً بنسبة واحد في المئة".

"ربما لا يترك هذا الأمر تأثيراً كبيراً في معظم الطائرات التي يبلغ وزنها عند الإقلاع أقل كثيراً من الوزن الأقصى للإقلاع الذي تتحمله [وزنها عند الإقلاع عندما تحمل الطاقم وأكبر عدد من الركاب وأثقل وزن للبضائع والوقود مع الالتزام بمعايير سلامة الطيران كافة]، ولكن إذا كانت الطائرة ثقيلة بوجود عدد كبير من الركاب وتحميل بضائع كثيرة والتزود بفائض من الوقود، سيحول الاحترار دون إقلاعها"، يوضح الدكتور ويليامز.

في هذا الصدد، أظهر تحليل تاريخي للرحلات في 10 مطارات مختلفة في اليونان أن الوزن الأقصى للإقلاع لطائرتي "إيرباص 320" و"أيرباصA320 " قد تقلص بنحو أربعة آلاف كيلوغرام في العقود الثلاثة الماضية.

"أي أربعة أطنان على مدى الثلاثين عاماً الماضية بسبب ارتفاع درجة الحرارة، إن (التوقعات التي ذكرناها) تحدث فعلاً"، يحذر الدكتور ويليامز.

ويتوقع البروفيسور في "جامعة ريدينغ" فرض مزيد من "قيود الوزن عند الإقلاع" في المستقبل، خصوصاً في المطارات ذات المدارج الأقصر، ويقول في هذا الشأن، "تسمح المدارج الأطول بسرعات أعلى وبقوة رفع أكبر، لذا تتعلق هذه المشكلة بالمدارج القصيرة بشكل أساس".

ومن المحتمل أن يترك هذا الواقع تأثيره السلبي في جداول الرحلات الجوية في أوروبا وفي أجزاء أخرى من العالم، حيث ترتفع درجات الحرارة بوتيرة أسرع.

ولما كانت توسعة المدارج لن تجدي نفعاً في معظم المطارات عبر الأجزاء المكتظة بالسكان في العالم، يقول الدكتور ويليامز إن المطارات في كثير من المناطق قد تبدأ في جدولة رحلات المغادرة الطويلة في الصباح الباكر أو في وقت متأخر من المساء.

ربما ينتقل المعنيون إلى الجدول المذكور آنفاً، علماً أنه شائع في مناطق مثل الشرق الأوسط، حيث ترتفع درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية، أو قد تتحول شركات الطيران إلى اقتناء طائرات أخف وزناً، كما يتوقع الدكتور ويليامز.

وفق حسابات موضوعة حديثاً، يتوقع أن تسجل ضربات الصواعق حول العالم زيادة بنسبة 12 في المئة لكل درجة مئوية من الاحترار العالمي، ما يشير إلى مزيد من الانحرافات في المسار.

يقول تيم رايلي، بروفيسور في الطيران في "جامعة غريفيث" في أستراليا إنه "بينما يشار إلى قطاع الطيران منذ فترة طويلة على أنه يسهم في أسباب تغير المناخ، لم يبحث بعد بشكل جيد في الحاجة إلى الطيران من أجل التكيف مع العواقب".

وفي حين يسود "فهم معقول" لبعض تأثيرات أزمة المناخ على الطيران، من قبيل التغيرات في أنماط العواصف وارتفاع مستوى سطح البحر، فإن التنبؤ بالعواقب على عمليات الطائرات والرياح السطحية "سيستفيد من النهوض ببحوث إضافية"، كما يقول المتحدث باسم "يوروكنترول".

وفي رأي دوشي، التدريبات لمساعدة الركاب عندما تضرب هذه الاضطرابات الهوائية الشديدة المفاجئة لا يجب أن تقتصر على الطيارين ومشغلي الطيران، وطاقم المقصورة وفرق الضيافة في شركات الطيران".

ويخلص الدكتور ويليامز إلى أن "الاضطرابات الهوائية تكلف مالاً، إغلاق المطارات بسبب تراكم المياه على المدرجات مكلف، وإلغاء الرحلات الجوية أو الاصطدام بالركاب بسبب قيود وزن الإقلاع مكلف، والصواعق مكلفة".

"في نهاية المطاف، سيكون الركاب الجهة التي ستتكبد التكلفة من طريق زيادة أسعار التذاكر."

© The Independent

المزيد من بيئة