Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل فشلت تونس في تأمين محصولها من القمح؟

البنك الدولي يرجح أن ترتفع الواردات من الحبوب مع نهاية العام الحالي

أعلن البنك الدولي منح تونس قرضاً مالياً بقيمة 130 مليون دولار لمواجهة التداعيات الغذائية لحرب أوكرانيا وتعزيز الأمن الغذائي للبلاد (اندبندنت عربية)

تظهر المؤشرات الرسمية أن تونس فشلت في تأمين موسم القموح لهذا العام في ظرف عالمي دقيق يتسم بأزمة غذائية عالمية جراء النزاع الروسي - الأوكراني ما أثر في نسق تأمين الحاجيات العالمية من الحبوب التي تؤمن روسيا وأوكرانيا وحدهما نحو 50 في المئة من الحبوب، وأقرت وزارة الزراعة التونسية وفق تقرير لها بشأن تقييم موسم تجميع الحبوب أن حصيلة تجميع الحبوب ضعيفة ولم تكن وفق الأهداف المرسومة. وكشف التقرير أن كميات الحبوب المجمعة حتى 31 أغسطس (آب) 2022 بلغت حوالى 750 ألف طن من جملة إنتاج جملي للحبوب بـ 1.8 مليون طن.

وأظهر التقرير أيضاً أن هناك عدم رضا من وزارة الزراعة على حصيلة التجميع التي بقيت دون الأهداف المرسومة والانتظارات في ظرف تعرف فيه تونس وضعاً صعباً جداً على مستوى تأمين الحبوب، ما أثر بشكل لافت في أسعار المواد الغذائية ولا سيما الحبوب. وتتوزع كميات حبوب الاستهلاك المجمعة بحسب الأنواع على القمح الصلب بحوالى 625 ألف طن والقمح اللين نحو 33 ألف طن، علماً أن أكثر من 80 في المئة من واردات تونس من القموح ترتكز على القمح اللين المستخدم لتصنيع الدقيق والخبز.

وساهم المجمعون الخواص في تجميع حوالى 58.3 في المئة، في حين لم تبلغ مساهمة ديوان الحبوب (حكومي) في عملية التجميع سوى 1.4 في المئة والشركات التعاونية المركزية نسبة 33.8 في المئة وشركات البذور الممتازة بـ 6.5 في المئة. وتعتبر وزارة الفلاحة التونسية أن نسبة التجميع ضعيفة وأقل من العادي على الرغم من كل الإجراءات المتخذة (الرفع في الأسعار عند الإنتاج، والحد من أسعار البذور الممتازة، وتشديد المراقبة على نقل الحبوب وغيرها من الإجراءات).

قروض خارجية لتوريد الحبوب

وفي 29 يونيو (حزيران) 2022 أعلن البنك الدولي منح تونس قرضاً مالياً بقيمة 130 مليون دولار لمواجهة التداعيات الغذائية لحرب أوكرانيا وتعزيز الأمن الغذائي للبلاد، وسيمكّن القرض من تمويل واردات البلاد من القمح اللين. وبحسب البنك، سيوجه القرض أيضاً لدعم عاجل لواردات تونس من الشعير الضروري لإنتاج الحليب والبذر بالنسبة لصغار المزارعين خلال الموسم الفلاحي المقبل.

وفي 25 أغسطس الماضي، أعلن البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية منح قرض سيادي مضمون لديوان الحبوب بهدف تمويل واردات القمح اللين والقمح الصلب والشعير، ما يمثّل قرابة 15 في المئة من احتياجات الاستهلاك السنوي للبلاد.

السوق العالمية

في الأثناء، تراجع معدل سعر القمح الصلب على مستوى السوق العالمية للحبوب خلال شهر أغسطس 2022 إلى حدود 490 دولاراً للطن ما شكل تقلّصاً بـ 15 في المئة مقارنة بأسعار شهر يوليو (تموز) 2022 و18 في المئة مقارنة بأسعار أغسطس 2021. وبلغ معدل سعر القمح اللين الأوروبي، وفق بيانات المرصد الوطني للفلاحة (حكومي)، على مستوى السوق العالمية 345 دولاراً للطن في أغسطس 2022 ما شكل تراجعاً 4 في المئة من أسعار يوليو 2022 وأعلى بـ 17 في المئة مما كان عليه خلال أغسطس من العام الماضي 2021.

دون المأمول

عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (منظمة مهنية وطنية) محمد رجايبية قال إن صابة الحبوب للموسم الحالي كانت دون المأمول. ولفت إلى أن الصابة المقدرة كانت في حدود 1.8 مليون طن بينما هي في الواقع لم تتجاوز 750 ألف طن بنقص يناهز سبعة في المئة مقارنة بالموسم الماضي. وأشار إلى أن هناك عوامل عدة حالت دون تحقيق الصابة التي كانت مقدرة على مستوى توفير مستلزمات الإنتاج والأسمدة وغير ذلك من الحاجيات الضرورية في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الفلاح التونسي. ولفت عضو اتحاد الفلاحة إلى أنه يتم إنتاج 30 في المئة تقريباً من حاجيات السوق من الحبوب بينما هناك استهلاك قرابة 2.4 مليون طن، مضيفاً أن "نحو 92 في المئة من حاجيات تونس من القمح اللين يقع توريدها من الخارج".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبخصوص الاستراتيجية التي وضعتها البلاد لتحقيق اكتفائها الذاتي من القمح الصلب، قال رجايبية "إذا توافرت كل شروط النجاح قد نصل إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في غضون ثلاثة أو أربعة مواسم"، لافتاً في الوقت عينه إلى أنه لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الحبوب، "لا بدّ من مقاربات وإجراءات وخطة وطنية لحوكمة منظومة الحبوب والوقوف على الإشكاليات الحقيقية". وذكر في هذا الصدد أن "عدداً من فلّاحي الزراعات الكبرى غادر المنظومة لأن النشاط غير مربح"، مشدداً على "ضرورة التفكير في برامج تتيح للفلاح هامش ربح ليواصل نشاطه فضلاً عن ضرورة بعث برنامج للحفاظ على التربة وعدم تفقيرها".

أهداف استراتيجية

وأمام حدة الوضع وخطورته، وضعت تونس أهدافاً استراتيجية للنهوض بمنظومة الحبوب من خلال الترفيع في إنتاج الحبوب بصفة مستدامة وتحسين قدرتها على التأقلم مع التغيرات المناخية، وتشجيع الفلاحين على تطبيق التداول الزراعي والتوسع في مساحات الأعلاف والبقوليات الغذائية والزراعات الصناعية، وبخاصة تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح الصلب. وفي هذا الإطار، تم استهداف بلوغ الاكتفاء الذاتي من القمح الصلب أي ما يعادل تجميع حوالى 1.2 مليون طن بإنتاج نحو 1.5 مليون طن. ولتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي تراهن وزارة الزراعة على التوسع في مساحات القمح الصلب انطلاقاً من موسم 2022-2023 والتوسع في الزراعات المروية للقمح الصلب (وضع برنامج عملي للتوسع في الري التكميلي للحبوب بالشمال).

ومن ضمن الأهداف الاستراتيجية التي رسمتها تونس، الرفع من إنتاجية المساحات المستغلة بتحقيق أقصى مردود ممكن للزراعات المطرية في المناطق الملائمة والزراعات المروية.

إصلاح منظومة دعم الحبوب

في الأثناء، دعا البنك الدولي تونس إلى إصلاح منظومة دعم الحبوب المكلفة على مستوى الدعم المباشر والتوريد لضمان صلابة النظام الغذائي، معتبراً أن هذه الإصلاحات التي وصفها بالحساسة سياسياً واجتماعياً، تتطلب دراسة معمقة ورزنامة لمواعيد تنفيذها. وأكد البنك الدولي في تقرير صدر حديثاً حول الظرف الاقتصادي لتونس تحت عنوان "إدارة الأزمة في وضع اقتصادي مضطرب"، أن تونس وضعت منذ عقود سياسة دعم قائمة على المحافظة على أسعار منتوجات عدة تعتبر ذات أولوية، دون أسعار السوق، على امتداد كامل سلسلة الإنتاج والتحويل وصولاً إلى المستهلك". وارتفعت قيمة الدعم المخصص للحبوب في تونس من 730 مليون دينار (243.3 مليون دولار) عام 2010 إلى 2569 مليون دينار(828.7 مليون دولار) عام 2020 مع ارتفاع مستمر للطلب الداخلي، وذلك على الرغم من تطور الأسعار في السوق الدولية.

وزادت حدة هذا الارتفاع مع تفجر الأسعار في السوق العالمية جراء الحرب في أوكرانيا، وإذا ما استمر متوسط الأسعار لكامل 2022 على شاكلة الأسعار المسجلة خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2022، فإن الدعم المخصص للحبوب سيرتفع بنسبة 63 في المئة ليصل إلى 3600 مليون دينار (1161.2 مليون دولار) خلال السنة الحالية. واستحوذت الحبوب على أكثر من ثلاثة أرباع قيمة الدعم الإجمالي المباشر للمواد الغذائية، ويعدّ الخبز والعجين الغذائي والسميد والكسكسي والطحين من بين أكثر هذه المواد دعماً على شكل سلع استهلاكية نهائية. وأسهم نظام الدعم الشامل الذي يتم العمل به حالياً بشكل كبير في رفع استهلاك القمح ومشتقاته، وأدى إلى وجود حالات تسريب وتبذير مكلفة اقتصادياً.

واعتبر التقرير أيضاً أن الطلب العالي جداً على الحبوب يعكس أساساً سعي محولي الحبوب إلى الإنتاج أكثر بهدف الحصول على المزيد من أموال الدعم، وأفضى إلى تبذير مرتفع لمنتوجات الحبوب. وبيّن البنك أن الدعم الحكومي المخصص للحبوب بات مكلفاً أكثر وزادت وتيرته بفعل الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا والتي أثرت على إمدادات الحبوب في السوق العالمية، و"بقدر ما أسهمت طريقة الدعم في المحافظة على الأسعار الدنيا وعلى استقرارها لدى المستهلك النهائي، إلا أنها أدت إلى نتائج سلبية على مستوى ميزانية الدولة" يضيف التقرير. ولئن أقدمت الحكومة على رفع أسعار الإنتاج خلال أبريل (نيسان) 2022، إلا أن ذلك يبقى دون مستويات الأسعار المتداولة عالمياً، وقد جعل نظام مراقبة الأسعار عملية تحويل الحبوب أقل تنافسية مقارنة بقطاعات غذائية تحويلية أخرى لا تخضع لتحديد الأسعار، وفق التقرير، وأصبح نظام الدعم في تونس أكثر كلفة ليس فقط على مستوى الميزانية بل كذلك على مستوى العجز التجاري ما جعله أقل قدرة على مجابهة الصدمات على غرار الوضعية التي يمر بها حالياً. وألقى ارتفاع الأسعار على المستوى الدولي بثقله، إلى جانب التأثير في ميزانية الدولة، على الواردات ما أفضى إلى ارتفاع مستمر لقيمة واردات تونس من الحبوب في ظل استمرار صعود وتيرة الاستهلاك.

الواردات مرشحة أن تزيد أكثر

وتوقع التقرير أن ترتفع قيمة واردات تونس من الحبوب إلى 4500 مليون دينار (1451.6 مليون دولار) عام 2022 إذا ما تواصلت الأسعار العالمية عند معدل الأسعار المتداولة خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري. واعتبر البنك الدولي أن استبدال دعم أسعار الحبوب عند الاستهلاك من خلال إرساء آلية التحويل لفائدة العائلات سيمكّن من تعزيز فاعلية هذا القطاع والتقليص من التمويلات المخصصة للدعم وكلفة التوريد ويزيد من صلابة المنظومة الغذائية. وبيّن أن استبدال الدعم الموجه للحبوب لفائدة المستهلك من خلال منح تحويلات نقدية إلى المستفيدين تعادل الزيادات التدريجية على مستوى الأسعار ستفضي إلى تقليص الاستهلاك الزائد والتبذير الغذائي وتوفر حزمة خيارات أوسع للمستهلك. ولفت البنك إلى أن ارتفاع أسعار الحبوب يمكن أن يتم تعويضه من خلال التحويلات النقدية لفائدة العائلات بالاعتماد على قاعدة الاستهلاك أو الدخل، ويمكن أن يسهم تعويض جزء من استهلاك منتوجات الحبوب باستهلاك منتوجات أخرى في تقليص الواردات والدعم ما يسهم في صلابة المنظومة الغذائية. وخلص التقرير إلى أن مرور مختلف القطاعات إلى أسعار السوق ستزيد من المنافسة واستثمارات الفلاحين ومحولي المنتوجات الغذائية مع تحقيق أرباح على مستوى الإنتاجية والنجاعة، وسيمكّن ذلك من مزيد تقليص الكلفة الجبائية المتصلة بالدعم المباشر للمنتجين على أساس كمي.