Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يتدخل "المركزي التونسي" لزيادة أسعار الفائدة تحت طائلة التضخم؟

8.6 في المئة ارتفاع مؤشر الاستهلاك في أغسطس وتشديد منتظر على القروض الاستهلاكية

كان البنك المركزي التونسي قد اتخذ قراراً بترفيع نسبة الفائدة الرئيسة  بقيمة  75 نقطة قاعدية في مايو 2022 لاحتواء العجز (رويترز)

واصل مستوى التضخم في تونس نسقه التصاعدي وارتفع خلال أغسطس (آب) ليبلغ 8.6 في المئة مقابل 8.2 في المئة في يوليو (تموز)، وسجلت الأسعار ارتفاعاً لم يتوقف عند المواد الاستهلاكية والسلع فحسب بل امتد إلى الخدمات. وشهد مؤشر أسعار الاستهلاك العائلي ارتفاعاً بنسبة 0.4 في المئة خلال أغسطس بعد واحد في المئة في يوليو، و0.7 في المئة في يونيو. ويعود هذا التطور بالأساس إلى ارتفاع أسعار الأغذية والمشروبات ومواد وخدمات التعليم في الوقت الذي تراجعت  فيه أسعار الملابس. وقد أخذ التضخم منحى تصاعدياً منذ انطلاق السنة الحالية التي استهلت بنسبة 6.7 في المئة في يناير (كانون الثاني)، ثم 7 في المئة في فبراير (شباط) و7.2 في مارس (آذار) و7.5 في أبريل (نيسان) و7.8 في مايو (أيار) و8.1 في يونيو (حزيران). وحذر خبراء تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" من هذه المستويات القياسية التي لم يتعودها الاقتصاد التونسي متوقعين اتخاذ إجراءات استثنائية من قبل الحكومة الحالية والبنك المركزي التونسي بهدف محاولة كبح هذه الضغوط التضخمية، واعتبروها تضخماً مستورداً بالأساس مرتبطاً بمعطيات إقليمية وعالمية، وهي انعكاسات الحرب الأوكرانية التي أثرت في أسعار السلع.

وكان البنك المركزي التونسي قد اتخذ قراراً بترفيع نسبة الفائدة الرئيسة  بقيمة  75 نقطة قاعدية في مايو 2022 لاحتواء العجز والحفاظ على احتياطي العملات. وطالب الحكومة باتخاذ التدابير اللازمة لإنعاش الاقتصاد .

الأغذية وخدمات التعليم

وارتفع مؤشر أسعار المواد الغذائية بنسبة 1.4 في المئة وأسعار مواد وخدمات التعليم بنسبة 1.3 في المئة في أغسطس، وتراجعت في المقابل أسعار الملابس والأحذية بنسبة 4.5 في المئة بالنظر إلى موسم التخفيضات الصيفية، في حين زادت أسعار الأغذية والمشروبات بنسبة 1.4 في المئة بسبب الزيادة في أسعار لحم الدواجن بنسبة 9.4 في المئة، وأسعار البيض بنسبة 2.8 في المئة، وأسعار الأسماك بنسبة 1.8 في المئة، وأسعار لحم البقر بنسبة 1.6 في المئة، وكذلك أسعار مشتقات الحبوب بنسبة 1.4 في المئة، أما خدمات التعليم فقد سجلت ارتفاعاً في أسعارها بنسبة 1.3 في المئة بسبب ارتفاع أسعار الأدوات المدرسية بنسبة 4.1 في المئة.

ويعود  تصاعد التضخم بين يوليو وأغسطس إلى تسارع نسق ارتفاع أسعار الأغذية والمشروبات من 11 في المئة في يوليو إلى 11.9 في المئة في أغسطس، وأسعار الأثاث والتجهـيزات والخدمات المنزلية من 10.6 في المئة إلى 11.3 في المئة، وأسعار مواد وخدمات التعليم من 9.8 في المئة إلى 10 في المئة. وباحتساب الانزلاق السنوي ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 11.9 في المئة، فقد زادت أسعار البيض بنسبة 28.3 في المئة، وأسعار الدواجن بنسبة 22.1 في المئة، وأسعار الزيوت الغذائية بنسبة 21.4 في المئة، والغلال الطازجة بنسبة 18.4 في المئة، والخضر بنسبة 15.8 في المئة، ومشتقات الحبوب بنسبة 12.7 في المئة. ولم تشذّ المواد المصنعة التي شهدت ارتفاعاً في أسعارها بنسبة 8.8 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من السنة المنقضية بالنظر إلى الزيادات التي تعلقت بمواد البناء بنسبة 9.3 في المئة، وأسعار الملابس والأحذية بنسبة 10.2 في المئة، ومواد التنظيف بنسبة 8.5 في المئة. وفي السياق ذاته، عرفت أسعار الخدمات ارتفاعاً بنسبة 6.1 في المئة باحتساب الانزلاق السنوي. ويعزى ذلك بالأساس إلى ارتفاع أسعار خدمات المطاعم والمقاهي والنزل بنسبة 8.4 في المئة، وأسعار خدمات الإيجارات بنسبة 4.9 في المئة. وسجل التضخم الضمني لشهر أغسطس 2022 أي التضخم من دون احتساب الطاقة والتغذية ارتفاعاً ليصبح في حدود 7.1 في المئة بعد أن كان 6.8 خلال شهر يوليو 2022، وزادت أسعار المواد الحرة بنسبة 9.8 في المئة مقابل 5 في المئة بالنسبة للمواد المؤطرة، مع العلم أن نسبة الانزلاق السنوي للمواد الغذائية الحرة بلغت 14.1 في المئة مقابل 0.5 في المئة بالنسبة للمواد الغذائية المؤطرة.

تدخل المركزي

ووصف مروان العباسي محافظ البنك المركزي التونسي تدخل البنك المركزي التونسي لمواجهة الضغوط التضخمية بالحازم والمدروس من خلال الترفيع في نسبة الفائدة الرئيسة بـ 75 نقطة أساسية في مايو 2022 لتصل إلى سبعة في المئة. وقال إن الإجراء ضروري لكبح جموح التضخم واحتواء العجز الجاري وبالتالي الحفاظ على الاحتياطي من العملة الأجنبية وعلى سعر صرف العملة الوطنية، ما من شأنه الإبقاء على بيئة صرف مستقرة بما يدعم تماسك القطاع الخارجي ويرسخ التوقعات، مضيفاً أنه قد تمّ تدعيم هذا الإجراء من خلال الترفيع في نسبة تأجير الادخار بنقطة مئوية واحدة في المئة من أجل التشجيع على الادخار الوطني وتمويل الاستثمار بصفته المحرك الرئيس للنمو. وتابع محافظ المركزي أن تسارع الضغوط التضخمية التي ظهرت في جميع أنحاء العالم بالتزامن مع الانتعاش الاقتصادي ما بعد جائحة كورونا بلغت مستويات تبعث على الانشغال، تبعاً للارتفاع الحاد في الأسعار العالمية للمواد الأساسية، وبخاصة الطاقة والحبوب والاضطراب على مستوى سلاسل  التزويد، وأن البنك المركزي التونسي اتبع فترة من الإمهال بدافع تجنيب العناصر الاقتصادية أعباء مالية إضافية، ثم تدخل أمام هذه التطورات المثيرة للقلق وبعد أن شرعت أكبر البنوك المركزية في العالم في حركة تشديد لسياساتها النقدية. وطالب العباسي الحكومة بضرورة إرساء إصلاحات هيكلية بصفتها ركيزة استرجاع ديناميكية النمو الاقتصادي، لكنه لم يشر إلى نية المركزي الترفيع في نسبة الفائدة الرئيسة مجدداً بعد ثلاثة أشهر من الإجراء المذكور واتخاذ التضخم منحى تصاعدياً صعب كبحه.

تشديد  منتظر

وتوقع الخبير الاقتصادي آرام بالحاج استمرار الارتفاع المسجل في التضخم مستقبلاً بالنظر إلى ارتباطه بأسعار المنتوجات بأنواعها في السوق العالمية، على الرغم من الانخفاض الطفيف الذي وسم الأيام القليلة الماضية وتوقع إقدام البنك المركزي التونسي على اتخاذ قرار بالترفيع في نسبة الفائدة المديرية من أجل تشديد القيود على القروض بحكم غياب حلول جوهرية لتفاقم نسبة التضخم في تونس، لكنه أشار إلى تزامن هذه التطورات المتوقعة مع مستجدات الملف التونسي لدى صندوق النقد الدولي بالنظر إلى التزامات تونس في مشروعها المقدم للجهة المانحة بإصلاحات أهمها ترشيد الدعم ما يؤدي رأساً إلى الزيادة في الأسعار وما يمكن أن يتسبب فيه من احتقان اجتماعي بسبب تحفظ الأطراف الاجتماعية تجاه هذا الملف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بدوره، اعتبر محمد صالح سويلم المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي أن التضخم المسجل أضحى خارج السيطرة بحكم أنه شمل كل السلع والخدمات على الرغم من تواصل تدخل الدولة بتمسكها بالدعم إلى حدّ اللحظة وعدم الترفيع في أسعار المحروقات منذ مايو. وقد بدا كبح التضخم والعودة إلى المستويات المعهودة تاريخياً منه، وهي أربعة في المئة في الظروف الراهنة، غير متاح بالنظر إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية والجاهزة في العالم ناهيك عن خدمات النقل والتأمين بفعل الحرب. وتواجه الحكومة امتحاناً عسيراً وغير مسبوق إذ لا ينطوي تاريخ الاقتصاد التونسي على تقاليد تضخمية. وتحكمت الحكومات المتعاقبة في مستويات التضخم، وسجلت البلاد أعلى مستوى تضخم في ثمانينيات القرن الماضي حيث بلغ 14 في المئة وهو أقصاه، إذ يبلغ معدل مستوى التضخم في تونس منذ ستينيات القرن الماضي 5.2 في المئة.

ويتمثل المؤشر الخطير في النسق الذي اتخذه التضخم في الأشهر الماضية، وفق سويلم، فهو صدق التوقعات الاستباقية للأعوان الاقتصاديين من شركات وأشخاص ومؤسسات أضحت لديها القناعة نفسها وهي تواصل هذا النسق التصاعدي ما يستوجب تدخل البنك المركزي التونسي لرفع سعر الفائدة الرئيسة للضغط على القروض الاستهلاكية، والمنحى التصاعدي الجنوني للتضخم، بينما ينتظر من الحكومة رفع أسعار المواد المدعمة بسبب الآثار الوخيمة التي تهدد ميزانية الدولة بسبب كلفة الدعم المتنامية، إذ أضحت المخاطر محدقة بالتوازنات المالية العمومية والاقتصادية والاقتصاد التونسي في المجمل. وتعجز الدولة في الوقت الراهن على تحمل الفارق بين الأسعار الحقيقية للمواد في السوق العالمية والأسعار المحددة بعد الدعم. وأصبح تحمل الفارق مهدداً بانفجار المالية العمومية، إذ لا مناص من تعديل الأسعار تدريجاً حفاظاً على المقدرة الشرائية للتونسيين.

اقرأ المزيد