Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مؤسسات التوريد بتونس تواجه اضطرابات مالية في 2022

تخفيض السيولة المخصصة وعجز المالية في ميزانية الدعم عززا الأزمة

دعت الوزارة التونسيين إلى عدم الانسياق وراء الإشاعات في شأن نفاد المنتجات الاستهلاكية بما أربك توازن السوق (أ ف ب)

يواجه التونسيون نقصاً في المواد الأساسية التي سجل اضطراب في توفرها بالأسواق المحلية، أخيراً، وتتعلق بالأساس بمواد غذائية أهمها السكر والزيوت النباتية والقهوة والأرز مع اضطرابات في توفير الخبز، وظهرت بذور الأزمة منذ أشهر، لكنها تعمقت في الأسبوعين الماضيين، وأضحت تهدد باحتقان اجتماعي، إذ تسبب النقص المسجل في مادة السكر في توقف بعض وحدات التصنيع المعتمدة لهذه المادة عن العمل، ومن بينها مصانع للمشروبات والبسكويت في موازاة احتجاج العمال فيها، كما أدت إلى تجاوزات أهمها المضاربة والاحتكار، بالتالي ارتفاع الأسعار. واختلفت العوامل التي أدت إلى هذه الوضعية بالسوق المحلية بين تداعيات الحرب الأوكرانية التي ألقت بظلالها على سلاسل التوريد والتزود ببعض السلع والصعوبات التي تمر بها المالية العمومية التي حالت دون توفير موارد مالية للتزود بمواد شهدت أسعارها ارتفاعاً بالسوق العالمية، علاوة على الصعوبات المالية المستعصية التي تواجهها المؤسسات الحكومية المكلفة التوريد.

مواد موردة

وأعلنت وزارة التجارة التونسية عن توريد نحو 80 ألف طن من مادة السكر منها 50 ألف طن خلال الفترة القريبة المقبلة لسد النقص الحاد من هذه المادة المدعمة، وسيقع التزود بـ30 ألف طن من السكر سيتم توريدها بداية من 12 سبتمبر (أيلول) 2022. أضافت الوزارة أن مخازن ديوان التجارة، الهيكل العمومي المتخصص في احتكار توريد السكر والشاي والقهوة والأرز في تونس، تتوفر بها حالياً كميات من السكر بنحو سبعة آلاف طن. ودعت الوزارة التونسيين إلى عدم الانسياق وراء الإشاعات في شأن نفاد المنتجات الاستهلاكية بما أربك توازن السوق، وتبلغ حاجات مادة السكر 365 ألف طن في السنة، ويبلغ المخزون الاستراتيجي 90 ألف طن، وتستهلك السوق المحلية من هذه المادة 1000 طن يومياً، وفق للديوان التونسي للتجارة، وتسبب الاضطراب في توزيع مادة السكر المدعمة في توقف ثلاثة مصانع منتجة للمشروبات والبسكويت والشوكولاتة عن العمل واحتجاج العمال بأحدها بسبب تأخر صرف أجورهم على خلفية الأزمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتسعى الحكومة إلى تفادي امتداد الاحتقان إلى المقاهي والمطاعم بسبب النقص في مادة البن (القهوة) في الأسبوعين الأخيرين. وقالت وزيرة التجارة وتنمية الصادرات فضيلة الرابحي بن حمزة إن عملية التزويد بمادة القهوة ستصبح بوتيرة منتظمة مع نهاية الأسبوع الحالي، نافية وجود احتكار. وأضافت أن الاضطراب والتذبذب اللذين شهدتهما عملية التوريد هو نتيجة الوصول المتأخر للشحنة.

المخزون الاستراتيجي

وكشف الرئيس المدير العام للديوان التونسي للتجارة (حكومي) إلياس بن عامر عن أن الاضطرابات الحاصلة في التزويد بمادة السكر تعود إلى عدم التزام أحد المزودين الأجانب بعقد من جملة ثلاثة عقود كان أبرمها الديوان التونسي للتجارة، وأن اختلالات لوجيستية وراء الاضطراب الذي شهده التزويد بمادة البن خلال الأسبوع الأخير، كما أقر بوجود اختلال في الآونة الأخيرة في توزيع مادة القهوة على خلفية التأخير في إجراءات بعض العقود المتعلقة بتسريح البضاعة. وتابع أن الكميات المتوفرة في مخازن الديوان والميناء تناهز سبعة آلاف طن، ما يعادل الحاجات الاستهلاكية للأشهر الثلاثة المقبلة، مؤكداً أن المخزونات المتوفرة تؤمن تزويد السوق بنسق عادي، كما أعلن أن المخزونات المتوفرة من مادة الأرز تلبي الحاجات الاستهلاكية إلى حدود منتصف ديسمبر (كانون الأول) المقبل من دون اعتبار الشراءات المبرمجة للفترة المقبلة، لكنه عاد ليتحدث عن ارتفاع سعر مادتي القهوة والسكر في الأسواق العالمية بنسبة بين نحو 40 و50 في المئة على خلفية الحرب الروسية - الأوكرانية وجائحة كورونا.

كلفة الدعم وهياكل التوريد

يذكر أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية بالسوق العالمية تسبب في الزيادة بكلفة الدعم لهذه المواد، وخصصت الحكومة التونسية بموازنة سنة 2022 ميزانية خاصة للدعم تساوي 7.26 مليار دينار (2.27 مليار دولار)، منها 3.77 مليار دينار (1.18 مليار دولار) لدعم المواد الأساسية و2.89 مليار دينار (905 ملايين دولار) لدعم المحروقات و600 مليون دينار (188 مليون دولار) لدعم النقل.

وارتفعت نفقات الدعم خلال السداسي الأول من سنة 2022، بنسبة 51 في المئة بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، وفق وزارة المالية، وتعود هذه الزيادة أساساً إلى ارتفاع دعم المحروقات بنسبة 370 في المئة مقارنة بالنصف الأول من سنة 2021، في المقابل، تراجعت الاعتمادات المخصصة لدعم المواد الأساسية بنسبة 53 في المئة لتستقر في حدود 400 مليون دينار (125 مليون دولار) في النصف الأول من السنة، وشهدت الاعتمادات المخصصة للنقل ارتفاعاً طفيفاً بنسبة 20 في المئة لتصل إلى 300 مليون دينار (94 مليون دولار).

وذكر عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة مستقلة)، منير حسين، أن عوامل عدة تسببت في الاضطرابات بالتزويد في تونس، ومن أهمها عجز المالية العمومية على الترفيع في ميزانية الدعم، إذ يحتاج صندوق الدعم إلى ضخ أموال إضافية لمسايرة أسعار المواد الموردة التي تضاعفت بعد الحرب الأوكرانية، علاوة على الأزمة المالية الخانقة التي تعانيها الهياكل الحكومية المكلفة توريد المواد المدعمة، وهي الديوان التونسي للتجارة المكلف تأمين حاجات السوق الداخلية من بعض المواد الاستهلاكية الأساسية وبالخصوص السكر والقهوة والشاي والأرز، وبصفة استثنائية من المواد الظرفية إذا اقتضت الحاجة ذلك مثل البطاطا والحليب، وديوان الحبوب المكلف توريد الحبوب، وقد تجاوزت ديون ديوان الحبوب ثلاثة مليارات دينار (940 مليون دولار)، وتوقف البنك القومي الفلاحي عن إقراضه بسبب بلوغ مستوى ديونه إلى حدود سقف المخاطر.

وقد تفاقم العجز المالي للديوان التونسي للتجارة إلى درجة عجزه عن تسديد ديون زادت عن 370 مليون دينار (116 مليون دولار) في شكل قروض بنكية حصل عليها الديوان بضمان من الدولة، وبلغت خسائر الديوان خلال الفترة الممتدة بين 2006 و2015 نحو 517 مليون دينار (162 مليون دولار)، وتعود 88 في المئة من هذه الخسائر إلى عمليات توريد المواد الأساسية منذ 2011.

وتتوزع تركيبة الخسائر للفترة الممتد من 2010 إلى 2015  بين 329 مليون دينار (103.1 مليون دولار) عائدة لاقتناء السكر، و199 مليون دينار (62.3 مليون دولار) لمادة القهوة، ويرجع اختلال التوازنات المالية للديوان التونسي للتجارة إلى الارتفاع المطرد لأسعار المواد الأساسية في الأسواق العالمية في العشرية الأخيرة التي تعمقت بفعل الحرب الأوكرانية، كما ينعكس تدهور سعر صرف الدينار على كلفة التوريد، ويشكو الديوان من تعمق التباين بين أسعار المواد الموردة على مستوى الأسواق الدولية والسوق المحلية وعدم انتفاع المواد الأساسية الموردة من قبل الديوان بمنحة دعم ملائمة، ولم تتدخل الدولة لإنقاذ هذا الهيكل العمومي بتمكينه من منحة التوازن لتغطية خسائره المالية.

وقال عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى أن الدولة خفضت من حجم السيولة الموجهة إلى هذه الدواوين بسبب أزمة المالية العمومية، وترتيب الأولويات لديها، إذ تولي تسديد ديون الدولة الأولوية القصوى ونتج عن تخفيض حجم السيولة المخصصة لهذه الهياكل التأخير في تسديد التزاماتها المالية تجاه عملائها في الخارج، مما أدى إلى العجز عن تأمين الكميات اللازمة من الواردات.

اقرأ المزيد