Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"المطلوب رقم 35" يفتح الصندوق الأسود لحصار العراق (1-3)

مذكرات محمد مهدي صالح الراوي عن سنين الحصار 1990- 2003

أعتُقل محمد مهدي صالح في الأيام الأولى للاحتلال الأميركي للعراق (رويترز)

محمد مهدي صالح الراوي، وزير التجارة العراقي، هو "المطلوب رقم 35" في القائمة التي أصدرتها وزارة الدفاع الأميركية بشأن أسلحة الدمار الشامل في العراق. وقد قُبض عليه وأُدخل "معتقل كروبر الذي أنشأته سلطة الاحتلال الأميركي قرب مطار بغداد بعد احتلال العراق مباشرة". وبقي هناك تسع سنوات من 24 أبريل (نيسان) 2003 لغاية 18 مارس (آذار) 2012. وتدخّل الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز لإطلاق سراحه، طالباً ذلك من رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي عند زيارته السعودية في بداية يونيو (حزيران) 2006.

الغريب هو أن "المطلوب رقم 35" "وزير فنّي"، وفق تعبيره (الصفحة 208)، أي تكنوقراطي وليس سياسياً. وأُسندت إليه حقيبتا التجارة (1987- 2003) والمالية (بالوكالة من 1989- 1991)، بحكم اختصاصه ونيله شهادة الدكتوراه في التخطيط الإقليمي من جامعة مانشستر (1978). وعمل قبل ذلك، من 1981، مستشاراً اقتصادياً للرئيس العراقي صدام حسين.

وعلى الرغم من ذلك، أي من أنه ليس سياسياً وليس قيادياً حزبياً بعثياً بارزاً، إلا أنه كان مسموع الرأي عند "الرئيس الراحل" صدام حسين. وعلى الرغم من أنه كان يسمع بتعيين رؤساء الوزراء والوزراء عبر وسائل الإعلام، إلا أنه كان في معظم الأحيان هو من اقترح على صدام اختيار أولئك الأشخاص. وهو، أي صالح الراوي، مَن حَال دون وصول حسين كامل، صهر الرئيس صدام حسين وابن عمّه، والرجل الخطير الذي يحمّله صالح الراوي مسؤوليات ضخمة في الخراب الذي حل بالعراق، إلى رئاسة مجلس الوزراء. إضافة إلى هذا، كان يأخذ على عاتقه ومسؤوليته قرارات حساسة من دون الرجوع إلى "القيادة" صاحبة القرار الأول والأخير في العراق. كذلك، هو صالح الراوي مَن كان صلة الوصل السرية بين صدام حسين والسعودية.

فمن هو "المطلوب رقم 35"؟ نقرأ كتابه الجديد، الذي يروي فيه مذكراته عن سنين الحصار، وقد وضع قسماً منه خلال اعتقاله، لنعرف لغز خطورته وسر علاقته بصدام حسين.

لماذا صار "المطلوب رقم 35"؟

يروي: "لقد زارني فريق تقصّي الحقائق من مجلس الشيوخ الأميركي المكون من أربعة أشخاص في معتقل كروبر صيف عام 2005 وأجرى معي استجواباً لمدة خمس ساعات، وطلب تسجيل اللقاء. وكان محور الأسئلة منصبّاً على كيفية التغلّب على الحصار الدولي الذي كان متوقعاً بحسب تقديرات المعنيين في الولايات المتحدة الأميركية، الذين وضعوا صيغة الحصار الذي فرضته أميركا في 2 أغسطس 1990، بأن العراق لا يصمد أكثر من ستة أشهر وينهار، فكيف تمكن من الصمود أكثر من ثلاثة عشر عاماً" (87).

وفي صفحة أخرى، يقول: "كانت السنوات السبع الأولى الأشد خطورة والأقسى في تاريخ العراق الحديث. كانت المجاعة محتملة في أي فترة تنفد فيها الأموال الشحيحة في البنك المركزي، وتفشل الجهود التي بذلناها لتأمين مواد غذائية من مصادر غير مضمونة في أفق زمني مفتوح غير محدّد بفترة زمنية حول تاريخ رفع الحصار. وفي أحد لقاءاتي بالرئيس الراحل عام 1992 سألته عن وجهة نظره بخصوص الفترة التي يتوقع أن يُرفع فيها الحصار، أجاب باعتقاده في غضون سنتين. فالبطاقة التموينية تنهار كلياً إذا نفد خزين الغذاء الذي كان محتملاً في أي شهر تفشل فيه الجهود في تأمين مصادر تمويل لم تكن مضمونة على عكس الفترة التي سبقت الحصار حينما تتوافر المبالغ المطلوبة للغرض المذكور".

 

 

يتابع: "لا شك في أن اللجنة الخاصة بأسلحة الدمار الشامل التي تدار مباشرة من قبل أميركا، وبريطانيا، وبتدخل من إسرائيل، لا تخفي هدفها الأساسي في إطالة مدة الحصار لاستخدامه لأغراض سياسية لكي يحقق أهدافهم المعلنة في تغيير النظام السياسي. ومن جهة أخرى، فإن الإزعاجات التي كانت تقوم بها لجنة أسلحة الدمار الشامل ومماطلتها في إطالة أمد المفاوضات كانت بغرض سياسي وليس فنياً. وكان الجانب العراقي يشعر بأن غرض اللجنة في إطالة أمد التفاوض هو سياسي أيضاً، وكلما طال الزمن تهاوت قدرة العراق على الصمود، وزاد تأثير فعل الحصار في إيذاء الشعب اقتصادياً واجتماعياً. ولم يكن يخفى على أميركا وبريطانيا اللتين استمرتا في تشديد الحصار وتضييق سبل رفعه بسبب قدراته المالية المحدودة أن ذلك سيحقق الغرض الأساسي من فرض الحصار، وهو إضعاف العراق، والعمل على تغيير نظامه السياسي، وأهم فقرة تحقق غرضهم في أقصر فترة زمنية هي انقطاع الغذاء وتوقف تجهيزه بموجب البطاقة التموينية" (ص 164).

تكشف هذه السطور أهمية، بل خطورة، "المطلوب الرقم 35"، صالح الراوي. فهو من اقترح نظام البطاقة التموينية، والمسؤول عن تنفيذه، في السنوات السبع الأولى من الحصار وبعد الاتفاق مع الأمم المتحدة على برنامج النفط مقابل الغذاء في أواخر 1996، أي 13 عاماً.

ولا يَعتبر صالح الراوي أنه بات "المطلوب رقم 35" بسبب البطاقة التموينية ودوره المالي والتجاري كي يمدح نفسه أو كي يبرر لنفسه وللآخرين لماذا اعتُبر خطيراً وأُدرج في قائمة المطلوبين. إنما هو يعتقد ذلك ضمن إيمانه بأن العراق، نظراً لموقعه وقدراته وقيادته، كان مستهدفاً من الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل. وقد بدأ التخطيط للحصار، وفق الراوي، منذ خرج العراق منتصراً من الحرب مع إيران في 1988، وتدرّجت الإجراءات والقرارات الأميركية، والدولية، وصولاً إلى 1990.

وقد جُعل صالح الراوي مُتهماً وأُدرج في قائمة المطلوبين، على الرغم من أنه وزير فني، لكونه جعل العراق يتغلب تموينياً على الحصار. ولعل هذا هو الأهم بالنسبة إلى الراوي. فعلى الرغم من أهمية البعد الإنساني والإداري لـ"درء الحصار عن العراق"، الذي يعتد الراوي بالقيام به ويرغب في سرده وقد جعله العنوان الأول للكتاب، إلا أن هناك بُعداً سياسياً هو غايات الحصار والمدة المتوقعة له، وهو ما لا يغيب عن صفحات الكتاب.

فمن فرضوا الحصار كانوا يتوقعون أن يستمر "ستة أشهر"، فيما كان صدام حسين يتوقع أن يُرفع الحصار "في غضون سنتين"، لكن نظام البطاقة التموينية الذي بدأ بعد أسابيع من فرض الحصار "درأ المجاعة" لسبع سنوات شداد. و"لو أن الاتحاد السوفياتي كان قد طبق نظام البطاقة التموينية العراقي نفسه ما كان لينهار" (211).

دلائل استخبارية

ودلائل "المطلوب رقم 35" على أن الحصار "أُعد مسبقاً" وأن مَن فرضوه كانوا يتوقعون أن "يجوع" العراق خلال أشهر كثيرةٌ، وهي سياسية واستخبارية. يكتب: "كانت وزارة التجارة تقدم تقريراً دورياً عن خزين الغذاء إلى ديوان الرئاسة خلال فترة الحرب الإيرانية- العراقية. وكان الخزين الاستراتيجي للغذاء لا يقل عن ستة أشهر خلال فترة الحرب المذكورة، ثم قلّ التقيد بفترة الستة أشهر بعد انتهاء الحرب وبمعدل ثلاثة أشهر... وورد كتاب من ديوان الرئاسة في رئاسة الجمهورية في 17 يوليو (تموز) 1990 قبل أسبوعين من فرض الحصار يطلب فيه موقف خزين المواد الأساسية وفق أسلوب الكتب العادية الدورية التي لا تحمل عنوان (وعلى الفور) التي تعطي مؤشراً لوجود حالة طوارئ. وتمت إجابة ديوان الرئاسة بعد ثلاثة أيام في 22 يوليو 1990 بموجب كتاب وزارة الخارجية الذي أوضح فيه بأن خزين الغذاء بلغ 1.4 مليون طن تكفي لمدة أربعة أشهر... وفي الشهر نفسه، كانت الاستخبارات الأميركية تتقصى المعلومات عن خزين الحبوب من المستشار الزراعي الأميركي في السفارة الأميركية في بغداد والذي تولى مسؤولية متابعة تصدير الغذاء إلى العراق على القرض الزراعي الأميركي مع وزارة التجارة الذي توقف في فبراير (شباط) 1990، والذي قدم بدوره معلومات استندت إليها الإدارة الأميركية في فرض الحصار الشامل" (84).

 

 

وفي مكان آخر يروي: "أشار تقرير المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية- جامعة الدفاع الوطني في تقريره المسمى "كيف بقي صدام حسين- الحصار الاقتصادي" (How Sadam Hussein Survived-Economic Sanction, Institute For National Strategic Studies) إلى أن الحكومة العراقية قد تحركت بسرعة، وطبقت نظام البطاقة التموينية الذي بدأ يعمل بسلاسة نهاية سبتمبر (أيلول) 1990. وفي شهادة مدير الاستخبارات الأميركية وليام وبستر (William H. Webster) أمام لجنة الدفاع التابعة للكونغرس الأميركي في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) 1990 أن العراق لا يمكن أن يديم تأمين استهلاك الحبوب لغاية موسم الحصاد المقبل. فالمعلومات التي حصلت عليها الاستخبارات الأميركية من المستشار الزراعي في السفارة الأميركية في بغداد في يوليو تفيد بأن خزين الحبوب يبلغ 1.1 مليون طن والذي كان له تأثير في فرض الحصار على العراق. ولكن تبين أن العراق يمتلك 2.5 مليون طن. فالزيادة في حجم الخزين بواقع 1.4 مليون طن تكفي لستة أشهر إضافية. وتبين أن العراق يمتلك خزيناً كبيراً يوصل إلى خريف 1991 وربما إلى شتاء 1992. وفي الواقع أن العراق قد عمل أفضل من مدير الاستخبارات الأميركية وبستر في كل الحسابات... وفي واقع الأمر أن المعلومات التي نقلها المستشار الزراعي كانت أكثر من واقع الحال للخزين، ولكن إعادة استخدام الخزين وحصره للاستهلاك المباشر واستخدام الشعير مع القمح في إنتاج الدقيق، وتقنين توزيعه بموجب البطاقة التموينية هو الذي منع وقوع المجاعة، ومدّ كفايته إلى موسم الحصاد في يونيو (حزيران)، موسم حصاد 1990. وهذه المعلومة تذكر للمرة الأولى، وليس للاستخبارات الأميركية اطلاع عليها، ولم أذكر ذلك لفريق تقصّي الحقائق المرسل من مجلس الشيوخ الأميركي الذي استجوبني في المعتقل... ولا بد من الإشارة إلى أن قيام الاستخبارات الأميركية بجمع المعلومات من المستشار الزراعي الأميركي في بغداد عن خزين الحبوب لدى وزارة التجارة في يوليو (تموز) 1990، وقبل أن تنفجر الأزمة بين العراق والكويت يعكس النية الأميركية المبيتة مسبقاً لما حصل بعد ذلك، وفي فرض حصار شامل على العراق، وتعطيل الجهود التي أثمرت في انسحاب العراق من الكويت" (111).

أما الدليل الأقوى الذي يقدمه صالح الراوي على دور البطاقة التموينية في مقاومة المخطط الأميركي، فهو ما ورد في تقرير معهد الدفاع الوطني للدراسات الاستراتيجية "كيف بقي صدام- الحصار الاقتصادي 1990- 1993"، وهو أنه "من الصعب وجود سيناريو يؤدي إلى الإطاحة بصدام في المنظور القريب. هذه الإطاحة يمكن أن تنجم عن تمرد شعبي أو انقلاب أو مزيج من الاثنين. ومن الصعوبة حصول تمرد شعبي طالما أن الفقراء يتسلمون الخبز من خلال كوبونات البطاقة التموينية التي تزيد قيمتها على الأجور التي يتسلمونها" (355). 

البوصلة السياسية نحو واشنطن ولندن وإسرائيل

هذا، وفيما يُبقي "المطلوب رقم 35" بوصلة الخصومة السياسية تجاه الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وإسرائيل، يرصد تدرج موقف واشنطن بتحريض من اللوبي الصهيوني ولخدمة إسرائيل تجاه بغداد صدام حسين. ويصف صالح الراوي الذي كان أحد أوائل المسؤولين العراقيين الذين زاروا واشنطن ووثّقوا العلاقات معها بأنه انتقل من الإيجابي إلى السلبي ومن التعاون إلى العداء.

يقول: "الولايات المتحدة هي التي بادرت إلى فتح العلاقة مع العراق بعد انقطاع دام سبعة عشر عاماً بإرسال دونالد رامسفيلد مبعوثاً من الرئيس رونالد ريغان. وزودت العراق بتسهيلات ائتمانية وصلت إلى مليار دولار عند زيارتي إلى واشنطن للتوقيع على اتفاقية التعاون التجاري والاقتصادي والتكنولوجي بين العراق والولايات المتحدة في أغسطس (آب) 1987. وبعد خروج العراق منتصراً على إيران في حرب دامت ثماني سنوات، فرض الكونغرس الأميركي حصاراً على العراق في سبتمبر (أيلول) 1988، وبدأت الولايات المتحدة تتخذ إجراءات عدائية ضد العراق، منها تقليص القرض إلى النصف وإيقاف تصدير المواد الغذائية في فبراير (شباط) 1990. وأصبحت السياسة الأميركية تتمركز في ثلاثة أهداف: الهدف الأول، تحجيم الجيش العراقي كقوة عسكرية رئيسة في منطقة الشرق الأوسط. والهدف الثاني، تدمير أسلحة العراق الكيماوية والبيولوجية والنووية. والهدف الثالث، الضغط على العراق واحتوائه للقبول بمشروع التسوية في الشرق الأوسط وذلك لحماية الكيان الصهيوني من قدرات العراق المتنامية بعد انتهاء الحرب الإيرانية- العراقية" (63).

 

ومطلع عام 1991، يكتب صالح الراوي: "تعدّت الحملة الجوية لقوات التحالف هدف إخراج القوات العراقية من الكويت لتحمل خطة تدميرية للعراق وتقويض كل المنجزات التي حققها والتي ليست لها علاقة بالحرب، والتي ذكرها جيمس بيكر لوزير الخارجية طارق عزيز في اجتماع جنيف بأن العراق سيعود إلى مرحلة ما قبل الصناعة، والتي ذكرها تقرير نائب الأمين العام للأمم المتحدة الذي قدمه إلى الأمم المتحدة بعد زيارته بغداد بيوم القيامة. وأشار إلى ذلك ملك الأردن الراحل الذي لا يرى فيه "مبرراً" حسين بن طلال في خطابه إلى الأمة" (143).

"وبعد إخراج العراق من الكويت، وتحقق الغرض الرئيس من القرار 661 صدر القرار 687 في 2 أبريل (نيسان) 1991 الذي تضمّن في ديباجته "يرحب برجوع السيادة والاستقلال والسلامة الإقليمية للكويت وبعودة حكومتها الشرعية" كان لزاماً على مجلس الأمن الدولي وفقاً لنصوص القرار 661 (1990) واستناداً إلى أحكام القانون الدولي أن يلتزم بالنصوص الواردة في القرار المذكور، ويرفع الحصار عن العراق، كما فعل في جميع قرارات مجلس الأمن الأخرى التي تم رفع الحصار الكلي أو الجزئي عن الدولة التي فرض الحصار عليها بعد تحقق الهدف المحدد في بنود كل قرار، إلا أن مجلس الأمن أبقى الحصار على العراق، وأضاف شرطاً جديداً ليست له علاقة بقضية الكويت، وهو تدمير أسلحة العراق الكيماوية والبيولوجية والنووية التي لم يرد ذكرها في القرارين 660 و661. وذلك لأن الغرض الاستراتيجي من فرض الحصار على العراق ليس إخراج القوات العراقية من الكويت، حيث كان بالإمكان حل الأزمة من دون قتال، وإنما الهدف تدمير أسلحة العراق الكيماوية والبيولوجية والنووية الواردة في الفقرات (9، 10، 11 و12) من القرار 687 وتدمير القوة العسكرية والصناعية والاقتصادية، وإعادته إلى عصر ما قبل الصناعة كما ذكر وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر لوزير الخارجية العراقي طارق عزيز، وإخراجه كقوة إقليمية تهدد أمن إسرائيل. مع الإشارة إلى أن هذه الشروط الجديدة الواردة في القرار 687 (1991) الخاصة بتدمير أسلحة العراق تتطابق مع الصيغة الواردة في مشروع القرار الذي صادق عليه الكونغرس الأميركي في 27 يوليو (تموز) 1990 بموجب اللائحة التشريعية رقم 4585. وفي السنة نفسها عُقد اجتماع مدريد في 30 أكتوبر (تشرين الأول) لتسوية القضية الفلسطينية شارك فيه عدد من الدول العربية ودول العالم الرئيسية" (155).

وفي سياق استكمال صورة تدرج الموقف الأميركي تجاه العراق، يقول "المطلوب رقم 35": "وفي عام 1996 وضعت أميركا خطة احتلال العراق برقم 1002، وأقر الكونغرس قانون تحرير العراق عام 1998 في زمن الرئيس الأميركي بيل كلينتون. وتم احتلال العراق عام 2003 في زمن الرئيس جورج بوش الابن. ولم تعثر الولايات المتحدة وبريطانيا على سلاح من أسلحة الدمار الشامل. وكان الرئيس الأميركي جورج بوش الأب قد أقر العمل على إزاحة الرئيس صدام من السلطة منذ عام 1991، واستمر خلفه كلينتون على السياسة نفسها وفقاً لما أشار إليه كتاب المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية لمؤلفه باتريك كلاوسن" (203).

إخلاص مزدوج

اللافت حقاً، في هذا الإطار، هو أن صالح الراوي، الذي يعرض لتجربته بمنهجية أكاديمية ويلتزم إلى حد بعيد بالصراحة والشفافية، لا يربط، مثلاً، ما بين قرار الكونغرس وما يسميه هو نفسه "الإبادة الجماعية" بالأسلحة الكيماوية في حلبجة في 1988. وكذلك الأمر بالنسبة إلى غزو الكويت، الذي لا يعتبره "مبرراً" لقرار الرئيس الأميركي فرض حصار أحادي شامل على العراق.

والحقيقة أن هذا ليس نتيجة نكران بقدر ما هو ناتج من إخلاص صالح الراوي لثابتين لا يجد أنهما منفصلان، هما:

الثابت الأول هو "الرئيس الراحل" صدام حسين، إذ لا يقارب صالح الراوي شخصه أو أي قرار اتخذه بالنقد، بما في ذلك "الإبادة الجماعية" في حلبجة واجتياح الكويت. واللانقدية هذه تجاه صدام حسين هي ما يجعل صالح الراوي إما يحمل مسؤولية الأخطاء للآخرين وإما يعلق النتائج السلبية والكوارث والمصائب على مشجب المؤامرة، الأميركية- البريطانية- الإسرائيلية.   

والثابت الثاني هو أن العراق مستهدف من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل، عبر الحصار الذي يهدف إلى تغيير النظام السياسي في بغداد، لا سيما بعد رفض "الرئيس الراحل" "عرضاً قدم في نهاية عام 1989 حول التسوية في الشرق الأوسط" (54).

 

 

وينقل صالح الراوي عن سكرتير الرئيس الراحل حامد حمادي أنه أخبره حين كانا في سجن الحماية القصوى في الكاظمية العائد لوزارة العدل العراقية: "في يوم 9 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 سافرت بطائرة خاصة إلى جنيف في سويسرا لاستلام رسالة من شقيقه (الرئيس) برزان ممثل العراق الدائم في جنيف موجهة إلى الرئيس صدام حسين من جهة لم يشأ ذكرها. وتضمنت الرسالة أنكم خرجتم بقوات عسكرية وصناعية في التسليح لا يحتاج إليها العراق بهذا الحجم بعد انتهاء الحرب. ونحن لا نطلب منك أن تقبل بمشروع التسوية بين إسرائيل والفلسطينيين ولا أن تكون جزءاً منها. ولكن ما نطلبه هو أن تكفّ يدك عن إسرائيل، وأن لا تتدخل بين الطرفين في حل الموضوع، وتتخلى عن موقفك المتشدد. ونحن ليس لدينا تحفّظ أن تكون أقوى زعيم في المنطقة. ويستطرد حامد يوسف حمادي، قدمت الرسالة في ملف البريد بعد عودتي. وبعد عشر دقائق عادت الرسالة وعليها تعليق الرئيس نصّ قول الرسول: والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهر الله أو أهلك دونه. ويقول دخلت على الرئيس وقلت له سيدي ما هو التوجه الذي أبلغ به وأشار بيده إلى التعليق. واتصلت هاتفياً بشقيق الرئيس برزان لأبلغه بعدم الموافقة. وكان الرد أريد جواباً واضحاً فقلت له تأتي إلى بغداد لاستلامه. وحينما وصل الجواب إلى مصدر الرسالة كان رد الفعل ضاع العراق" (56).

ويروي: "كان الرئيس الراحل صدام حسين هو الذي يكتب كلماته وخطاباته في جميع المناسبات والمؤتمرات. وكان يرسلها إلى عضو القيادة القطرية نائب رئيس الوزراء طارق عزيز لتدقيقها وإبداء أي ملاحظة عليها... ثم تُرسل إلى أعضاء القيادة للاطلاع عليها وإبداء أي ملاحظات إضافية قبل أن تعد بصيغتها النهائية. ولقد كانت الكلمة التي ألقاها في قمة عمان (1990) هي الأقوى والأعنف ضد أميركا والصهيونية، وخصوصاً بشأن الهجرة الواسعة لليهود إلى فلسطين، وتلميحه باتخاذ الخطوات لتحرير القدس، وكذلك ضد إيران في تهديداتها لدول الخليج، وبخاصة الكويت. وطالب في خطابه بانسحاب الأسطول الأميركي من الخليج ومساندة الاتحاد السوفياتي المنهار. وكان الخطاب بشدّته وعنفه قد لفت انتباه العالم وأخذته كل من الولايات المتحدة وإسرائيل على محمل الجد. وأقام الملك الحسين بن طلال عشاء للوفود المشاركة في المؤتمر في أحد القصور الملكية في عمان. وكانت قاعة الضيوف تشرف على فلسطين، ويرى الجالس فيها أضواء القدس. ولقد أحدث هذا المنظر رد فعل مباشراً على وجه الرئيس، وكنت قريباً منه، حيث أخذت الدموع تنهمر من عينيه تلقائياً. وبعد انتهاء أعمال المؤتمر بفترة قصيرة، وعلى أثر رد فعل الرئيس الراحل تجاه تهديد إسرائيل في أبريل (نيسان) 1990 بحرق نصف إسرائيل بالكيماوي المزدوج في حال اعتدائها على العراق، استقبل الرئيس الراحل كلاً من بوب دول زعيم الأقلية في الكونغرس الأميركي وهوارد بيرمان رئيس الشؤون الخارجية في الكونغرس في فندق أوبروي في الموصل بعد وصولهما إلى العراق لهذا الغرض. وذكر لي سكرتير الرئيس الراحل حامد يوسف حمادي في الزنزانة والذي كان يوثّق حديث الزائرين مع الرئيس بأنه دار حوار واسع وصريح شمل كل أوجه العلاقة بين العراق والولايات المتحدة، وكان التركيز في الحوار من قبل الوفد الأميركي على أمن إسرائيل. ودار حوار فكري وتاريخي عميق حول هذا الموضوع وعن القضية الفلسطينية وعن تهديد الرئيس بحرق نصف إسرائيل (الذي ركز عليه الإعلام الأميركي وأهمل الشق الثاني في حال الاعتداء على العراق). وخلص الوفد الأميركي كما يقول حامد يوسف حمادي إلى أن الرئيس صدام حسين مغلق تماماً في موقفه المناهض لإسرائيل والمساند للقضية الفلسطينية وليس لديه أي مرونة على الإطلاق. وبعد عودة الوفد الأميركي قدم هوارد بيرمان في 24 أبريل (نيسان) 1990 لائحة فرض حصار ذي طابع دولي على العراق ولكن ليس شاملاً... وفي 27 يوليو (تموز) 1990 قدمت اللائحة التشريعية المرقمة 4585... وفي الشهر نفسه كانت الاستخبارات الأميركية تتقصى المعلومات عن خزين الحبوب من المستشار الزراعي في السفارة الأميركية في بغداد الذي كان يتابع تنفيذ القرض الزراعي الأميركي قبل توقيفه في فبراير (شباط) 1990" (59).

"الإبادة الجماعية" وغزو الكويت؟

ومقيداً، أو معصوباً، بهذا الإخلاص المزدوج، الشخصي والعقائدي القومي، يغدو صالح الراوي عاجزاً عن رؤية "الإبادة الجماعية" في حلبجة أو اجتياح الكويت ولو كذريعتين يمكن أن تستخدمهما الولايات المتحدة، بتحريض من اللوبي الصهيوني وإسرائيل، ضد العراق ونظامه السياسي. وبناء على هذا "المنطق"، مثلاً، تغدو موافقة صدام حسين على الانسحاب من الكويت، بالنسبة إلى صالح الراوي، ممحاة للغزو نفسه، ويغدو القرار الأميركي بحصار العراق "معداً مسبقاً". فالإخلاص المزدوج لصالح الراوي يجعله لا يرى أي فعل سياسي عراقي، حتى بحجم "الإبادة الجماعية" واجتياح الكويت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يكتب: "في صباح 3 أغسطس (آب) 1990، توجه الملك الحسين إلى بغداد حيث اجتمع بالرئيس صدام حسين، وحصل منه على موافقته على حل الأزمة في الإطار العربي، واتفق معه على أن يحضر العراق القمة العربية المصغرة في جدة، في 5 أغسطس 1990، والتي ستضم زعماء الأردن ومصر والسعودية واليمن. واتفق على الخطوط العريضة للحل الذي كان الملك الحسين قد بحثه مع الرئيس حسني مبارك وخادم الحرمين الشريفين فهد بن عبد العزيز والذي بموجبه سيبدأ العراق بالانسحاب المبكر جداً، والذي سيقرر مؤتمر القمة تاريخه وتوقيت البدء بتنفيذه، أي خلال ساعات. واتفق أيضاً على أن يبلغ الرئيس صدام حسين الملك الحسين بتفاصيل الموقف العراقي، قبل أن تصل طائرة الملك الحسين إلى مطار عمان لدى عودتها من بغداد".

يتابع: "على أن الرئيس العراقي أكد بوضوح تصميمه على أن جواب العراق على المقترحات العربية سيكون إيجابياً في حال امتناع الجامعة العربية عن إدانة العراق، وهي الإدانة التي من شأنها أن تمهد الطريق لتدخل خارجي. وأعلنت الحكومة العراقية في اليوم نفسه نيتها البدء بسحب قواتها من الكويت اعتباراً من الساعة السابعة بعد ظهر 3 أغسطس 1990. ولكن، وفي الوقت الذي كان فيه الملك حسين يتابع جهوده بشأن المقترحات التي اتفق عليها مع الرئيس حسني مبارك، أصدرت الحكومة المصرية بياناً يدين الغزو العراقي للكويت. وما إن وصل جلالته إلى عمان، حتى اتصل بالرئيس مبارك، وأبلغه بالاتفاق الذي تم مع الرئيس صدام حسين، وعبر عن أسفه من البيان المصري. وفي شرحه للموقف المصري، قال الرئيس مبارك إنه يتعرض لضغوطات كبيرة، وإنه تحدث مع الملك فهد بن عبد العزيز، الذي كان غاضباً من الوضع. وأبلغ الرئيس مبارك الملك حسين أنه الآن لا يقبل بالاتفاق الذي تم بين الملك حسين والرئيس صدام حسين، ويصر على ضرورة الانسحاب العراقي غير المشروط من الكويت والعودة الفورية للعائلة الكويتية الحاكمة. وبذلك يكون الرئيس المصري قد اعتمد الموقف نفسه الذي تبناه وزراء خارجية الجامعة العربية والذي يدين الاجتياح العراقي للكويت ويطالب بالانسحاب الفوري" (70).

ومرة أخرى، وفيما يتنامى السؤال خلال قراءة مذكرات صالح الراوي كيف لشخص علمي أكاديمي، وغير سياسي، أن يتجاوز الاعتراف بدور حدثين ضخمين ("الإبادة الجماعية" وغزو الكويت) وتأثيرهما، وحتى "استخدامهما" من قبل الخصوم والأعداء، ويركز طاقته على إثبات المؤامرة الخارجية على العراق وكأن القيادة في بغداد وعلى رأسها صدام حسين لم تفعل شيئاً، يحضر ما نقله محقق الاستخبارات الأميركية جون نيكسون عن صدام حسين.

يكتب المحقق، بمعزل عن تصديقه أم لا، في كتاب "استجواب الرئيس": "صدام لم يقر بذنبه في أي جريمة من الجرائم المنسوبة إليه. المرة الوحيدة التي اقترب فيها من الاعتراف بالخطأ جاءت لدى تداولنا موضوع غزو الكويت عام 1990. في اللقاء الأول لنا مع صدام بدا كأنه يجفل من ذكر غزو الكويت. ولدى تكراري ذكر الموضوع، بدت على وجهه علامات ألم قبل أن يحاول تغيير الموضوع. وفي الاجتماع التالي، عدت وأثرت موضوع الكويت، فوضع صدام يده فوق رأسه وقال إن هذا الموضوع يصيبني بالصداع الشديد. كان ذلك أقرب ما بلغه صدام من الإقرار بأن غزو الكويت كان خطأ لم ينسه أحد".

وفي مسألة "الإبادة الجماعية" في حلبجة يرجح نيكسون رواية أن يكون المسؤولون العسكريون الميدانيون، وفي مقدمتهم إبراهيم الخزرجي، هم من اتخذوا القرار بشأنها، من دون الرجوع إلى صدام حسين. ويؤكد أن لا أدلة لدى مؤسسته الأمنية تثبت أن الرئيس العراقي هو من اتخذ القرار.

الأكيد أن هناك فارقاً، في هذا الموضوع، بين موقع صدام حسين وصالح الراوي. فالأول في موقع المسؤول عن الحدثين ومواجهة حقيقتهما ونتائجهما، بينما الثاني كان وزيراً فنياً غير سياسي. إلا أن المسألة الآن، في مذكرات صالح الراوي، هي مقاربة الحدثين. وفي حين لدينا، كقراء، رواية عن مقاربة صدام حسين، نجد أن "المطلوب رقم 35" يتجاوزهما وكأنهما لم يحصلا ولم يستدعيا، سواء كان ذلك عن حق أم لا، ردود فعل خارجية، سياسية وعسكرية وإنسانية.

حماسة للمصالحة مع الكويت

ما يعزز القول إن موقف صالح الراوي من "الإبادة الجماعية" في حلبجة وغزو الكويت ناتج من إخلاصه المزدوج، الشخصي والعقائدي القومي، هو أن صالح الراوي لا يُبدي عداء للكرد أو الكويت والكويتيين، بل على العكس. ففي ما يخص الكرد، يروي أنه خلال التفاوض مع الأمم المتحدة بشأن برنامج النفط مقابل الغذاء، أواخر 1996، أبلغ المسؤول الأممي، وطلب منه إبلاغ المسؤولين في أربيل والسليمانية بأن "حكومة جمهورية العراق لن تقبل أن يحصل سكان منطقة الحكم الذاتي على كميات أقل من سكان بقية المحافظات الأخرى" (213).

 

 

وفي شأن الكويت، يروي أنه "في ظهر اليوم الثاني الذي سبق انتهاء أعمال المؤتمر (القمة العربية في الأردن، 2001) استوقف عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية وزير الخارجية (محمد سعيد) الصحاف، وكنت معه في باحة الفندق. وكانت لي علاقة سابقة مع عمرو موسى باعتباري رئيس الجانب العراقي في اللجنة العراقية- المصرية المشتركة للتعاون الاقتصادي والتجاري والفني. ووجه كلامه إلى الصحاف: "أبو زياد كل النقاط تم الاتفاق عليها بين العراق والكويت لتحقيق المصالحة وبقيت نقطة واحدة تتطلب الموافقة عليها من الوفد العراقي. وأرجو أن تتم الموافقة عليها ليتم إعلان المصالحة بين العراق والكويت". ومن تلك النقاط التي تمت الموافقة عليها مطالبة القمة العربية لمجلس الأمن والأمم المتحدة برفع الحصار عن العراق بعد أن تمت المصالحة، وكذلك تسيير الطيران المدني بين الدول العربية والعراق، وإدانة خطوط العرض التي فرضتها أميركا في الجنوب والشمال. وكان فحوى طلب الكويت أن لا يكرر العراق غزوه الكويت".

يتابع: "ذهبت مباشرة إلى نائب رئيس الوزراء طارق عزيز في غرفته في الفندق، وقلت له ما ذكره عمرو موسى عن الطلب حيث لم تبق سوى هذه العبارة التي طلبها الوفد الكويتي. أجابني: "لا أوافق ولن أوافق في هذه الدورة". علماً أنه كان الوحيد من بين أعضاء القيادة الذي حذّر الرئيس من غزو الكويت وعارضه كما علمنا في المعتقل".

يضيف: "شرحت للسيد عزت إبراهيم نص حديث عمرو موسى للصحاف، والحديث الذي حصل مع السيد طارق عزيز، مركزاً على أهمية الموافقة على طلب الكويت لتحقيق المصالحة والوصول لرفع الحصار عن العراق بعد أن نجحت استراتيجية القيادة من خلال اللجنة القيادية لمذكرة التفاهم بتفكيك الحصار، وعودة اللجان المشتركة للتعاون الاقتصادي والتجاري مع العديد من الدول العربية والأجنبية، وكان متجاوباً. ولحسم هذه الفقرة عقد جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين رئيس القمة مساء اليوم اجتماعاً حضره رئيس الوزراء الأردني علي أبو الراغب، وزير خارجية الأردن عبد الإله الخطيب. وحضر من الجانب العراقي مع رئيس الوفد عزت إبراهيم كل من طارق عزيز والصحاف. وانتهى الاجتماع من دون التوصل إلى نتيجة".

وعلى الرغم من الجهود خرج المؤتمر بتوصية: ويقرر القادة أن يُعهد لجلالة الملك عبدالله بن الحسين، رئيس القمة، بإجراء المشاورات، مع إخوته القادة العرب والأمين العام لجامعة الدول العربية، والقيام بالاتصالات اللازمة لمواصلة بحث موضوع الحالة بين العراق والكويت من أجل تحقيق التضامن العربي" (268).

وهذه الإيجابية والحماسة للمصالحة أبداهما صالح الراوي، بعد سنة. يروي" "قبل انعقاد القمة في بيروت المقررة في 27 و28 مارس (آذار) 2002، كلّف الرئيس الراحل نائب رئيس مجلس قيادة الثورة عزت إبراهيم بزيارة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان وقطر والبحرين، التي وافقت على استقبال الوفد العراقي، وكذلك للتعبئة لتعزيز التضامن العربي. وقبل سفر الوفد اتصل بي هاتفياً رئيس ديوان الرئاسة أحمد حسين، وأبلغني بأن الرئيس اتصل بي هاتفياً وكنت خارج الوزارة، وطلب أن نتصل بالجانب السعودي لإبلاغ القيادة السعودية بأننا لا نريد أن نتجاوز السعودية في هذه الجولة، فإذا كانت لديهم رغبة في استقبال الوفد العراقي لكي نعدل البرنامج وتبدأ الزيارة من السعودية ثم الدول الخليجية الأخرى المشار إليها أعلاه. اتصلت هاتفياً بالأمير بندر بن محمد بن عبد الرحمن آل سعود، ونقلت له رسالة الرئيس صدام حسين. وأبلغني بأنهم يفضلون اللقاء في إطار اجتماع الجامعة العربية" (270).

يتابع: "قلت للأستاذ عزت: "سيادة النائب في العام الماضي فشلنا في قمة عمان في التوصل إلى المصالحة مع الكويت، ولغاية الآن تبدو الأمور تسير بهذا الاتجاه، وغداً الجلسة الختامية". وقلت باللهجة العراقية الدارجة سيادة النائب: "خلي نوافق على طلبات الكويت ليش شراح يسوينا الرئيس". أجاب باللهجة العامية العراقية هذا مستحيل. قلت إذاً سيادة النائب أرى أن ترسل مطالب الوفد الكويتي للرئيس الآن. أجاب: "هذا صحيح. استدعوا القائم بالأعمال في السفارة". وصل القائم بالأعمال بعد فترة قصيرة، ووجهه بإرسال مقترحات الوفد الكويتي ببرقية مشفّرة إلى الرئيس. وكان الوقت حوالى الساعة الحادية عشرة مساء. ووصل رد الرئيس الراحل الساعة السابعة صباحاً، وقبل انعقاد الجلسة الختامية للقمة المقررة في الساعة العاشرة من يوم 28 مارس. وتضمنت الإجابة: "موافق على كل طلبات الكويت، ويخوّل الوفد كامل الصلاحية للاتفاق مع الوفد الكويتي". وقبل بدء جلسة الافتتاح حصل لقاء ثلاثي رعاه الأمير - الملك لاحقا - عبدالله بن عبد العزيز رئيس الوفد السعودي والسيد عزت إبراهيم رئيس الوفد العراقي والشيخ صباح الأحمد الصباح نائب رئيس الوزراء، وتمت المصالحة، وأبلغوا بموافقة الرئيس الراحل وحصلت المصافحة والتقبيل بين الحاضرين الثلاثة. وبعدها قال الأمير عبدالله - آنذاك - طالما انتهى كل شيء أترككم لوحدكم كما ذكر لنا الأستاذ عزت إبراهيم. ويقول الأستاذ عزت بعد أن تركنا الأمير عبدالله حصل حوار أخوي وكلام ونكات دفعت بالشيخ صباح إلى أن يقول للأستاذ عزت مازحاً، لا تزيد أبو أحمد (عزت) لأن استمراري بالضحك وأنا أحمل بطاريتين في جسمي قد يقود إلى موتي، وأنتم تبتلون بذلك. وبعد انتهاء اللقاء الثاني دخل قاعة المؤتمر الأمير عبدالله بن عبد العزيز ماسكاً بيد الأستاذ عزت إبراهيم دليلاً على الانفراج، وسلمنا كأعضاء الوفد العراقي على الأمير عبدالله قبل أن يجلس رؤساء الوفود في أماكنهم لبدء الجلسة الختامية" (271).

المزيد من كتب