Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"راوي صدام" يسرد "همس وجهر" سنوات الحصار

كتاب يصدر قريبا لوزير التجارة العراقي الأسبق يلقي الضوء على شبح المجاعة وكواليس الحرب وعقوبات غزو الكويت

الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في صورة تعود للعام 1983  (غيتي)

يكشف كتاب "درء المجاعة عن العراق – مذكراتي عن سنين الحصار 1990 – 2003" الذي يصدر قريباً، صورة لما كان يدور سراً ويحكى به همساً أحياناً من نقاشات وخلافات بين أركان حكم الرئيس الراحل صدام حسين،  إذ يغوص في الجانبين السياسي والاقتصادي البحث للعقوبات والوسائل التي لجأ إليها العراقيون للالتفاف عليها خلال "سنوات الحصار" الطويلة.

واستعرضت صحيفة "الشرق الأوسط" الكتاب الجديد لمحمد مهدي صالح الراوي، وزير التجارة العراقي الأسبق، الذي سيصدر  عن دار "منتدى المعارف"، ويحمل رواية مفصلة عن جهود الراوي على رأس وزارته للتصدي للعقوبات التي فرضت على العراق في أعقاب غزو الكويت عام 1990 واستمرت حتى نظيره الأميركي للبلاد عام 2003.

يتحدث الراوي بصراحة لافتة عن الخلافات التي كانت تعصف بنظام حكم صدام، وجزء منها مرتبط بالفريق حسين كامل زوج ابنة الرئيس العراقي قبل انشقاقه عن عمه عام 1995، وينقل عن صدام قوله في أحد الاجتماعات لحسين كامل الذي كان رئيساً لهيئة التصنيع الحربي "صواريخك لا قيمة لها إذا جاع شعب العراق".

العلاقات مع أميركا

يشير الكتاب إلى أنه في فترة حكم الرئيس الراحل عبد الرحمن عارف "تم قطع العلاقات الكاملة مع الولايات المتحدة الأميركية لمساندتها العدوان الإسرائيلي عام 1967"، لافتاً إلى أن "تلك العلاقة بقيت مقطوعة بعد ثورة يوليو (تموز) عام 1968 وأن الجيش العراقي شارك بثقل كبير في حرب 1973". ثم في عام 1982 زار دونالد رامسفيلد بغداد مبعوثاً من الرئيس الأميركي رونالد ريغان واقترح مد أنبوب للنفط عن طريق الأردن إلى ميناء العقبة وإنشاء مصفى، وأن "الرئيس الراحل صدام حسين سأل رامسفيلد في ما إذا كانت أميركا ستقدم ضمانات بعدم تعرض هذا المشروع لعدوان إسرائيلي، ولكن المبعوث الأميركي لم يعط أي ضمانات".

 

الكتاب يذهب إلى أن صدام "لم يطلب أي مساعدة من أميركا في الحرب مع إيران بعد مرور ثلاث سنوات على اندلاعها التي كان يتوقع رامسفيلد أن يطلبها الرئيس العراقي الراحل، لكن كانت الزيارة تمثل بداية فتح علاقات تجارية ومن ثم دبلوماسية بين البلدين"، ويلفت إلى أن "العلاقات الدبلوماسية أعيدت بالفعل عام 1986، لكن سرعان ما انهارت بعد انتهاء الحرب العراقية - الإيرانية".

يسرد المؤلف أنه "في غمرة احتفالات الشعب العراقي بالنصر على إيران وافق مجلس النواب الأميركي، وبضغط من اللوبي الصهيوني المعادي للعراق، على فرض عقوبات على بغداد في 22-9-1988، وذلك بعد 45 يوماً من توقف الحرب. وتم إقرار مشروع فرض حصار أحادي الجانب من الولايات المتحدة على العراق بموجب لائحة التحريم (الإبادة الجماعية لعام 1988). ونص مشروع القرار على إدانة العراق باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد".

قوة العراق النفطية

كما تحدث المؤلف في كتابه عن قوة العراق النفطية قبل الحرب مع إيران وبعدها، وقال "لم يكن العراق بحاجة إلى القروض والتسهيلات الائتمانية في عقد السبعينيات، خصوصاً بعد تأميم النفط الذي اتخذ قراره الراحل صدام حسين حينما كان نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة مع رئيس مجلس قيادة الثورة رئيس الجمهورية الراحل أحمد حسن البكر، حيث ازدادت عائدات النفط من مليار دولار سنوياً إلى أن وصلت لـ 26.4 مليار دولار عام 1980".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح "لم يكن الإنفاق العسكري المتزايد طوال فترة السنوات الثماني للحرب العراقية - الإيرانية السبب الوحيد في تراكم الديون على العراق التي كانت بدايتها منتصف عام 1984، وإنما أيضاً بسبب الانخفاض الكبير في إيرادات النفط جراء توقف التصدير عبر المنفذ الجنوبي، حيث أصبح ضمن نطاق القصف الإيراني اليومي، إضافة إلى إيقاف سوريا التصدير من خلال الأنبوب المار عبر أراضيها إلى البحر المتوسط مساندة لإيران في حربها مع العراق، ما أسهم بالفعل في تراكم نصف ديون العراق البالغة 42 مليار دولار (عدا ديون الخليج) عند انتهاء الحرب عام 1988، ولم يبق سوى أنبوب النفط التركي بطاقة نصف مليون برميل يومياً".

التصنيع العسكري

وأوضح الراوي أنه "بعد تولي صهر صدام الفريق حسين كامل مهمة الإشراف على قطاع التصنيع العسكري تمكن من تأمين نسبة عالية من حاجات القوات المسلحة من الأعتدة الخفيفة وأعتدة المدفعية والقنابل"، إضافة إلى "تطوير مدى الصواريخ لتصل إلى طهران التي كان لها تأثير في نتيجة الحرب لصالح العراق". لكن "عائدات النفط كانت لا تلبي الأهداف العسكرية وسداد الديون وحاجات الشعب".

ويوجه وزير صدام السابق انتقادات لكشف هيئة التصنيع العسكري عن إنتاجها إعلامياً والمبالغة فيه، ويقول "بدلاً من المنهج السري المعتمد من الدول المنتجة للأسلحة وعدم الاعتراف بالمحظور منها على الرغم من إنتاجها لها، فإن المشرف على هيئة التصنيع العسكري وكوادره القيادية تبنوا سياسة مغايرة، وذلك بالإعلان عن برامج وخطط ومنتجات التصنيع العسكري من دون التحسب لردود الفعل الدولية، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل".

غزو الكويت والعقوبات

عن فترة ما بعد الغزو العراقي للكويت عام 1990، يقول الراوي "كوني وزيراً للتجارة، ووزيراً للمالية بالوكالة، عندما فرض الرئيس بوش الحصار الأميركي الشامل على العراق، وجمد أرصدته وممتلكاته في الولايات المتحدة، توجهت صباح يوم 3 أغسطس (آب) 1990 إلى البنك المركزي وطلبت من محافظه صبحي فرنكول أن يبدأ فوراً بتحويل أرصدة العراق المودعة في البنوك خارج العراق إلى البنك المركزي الأردني، لكن اعتذر عن تنفيذ ذلك باعتبار أن البنك المركزي ليس مرتبطاً بوزير المالية، وإنما مرتبط مباشرة بديوان الرئاسة في رئاسة الجمهورية. وطلب أن أستحصل موافقة رئيس الجمهورية. اتصلت بسكرتير رئيس الجمهورية حامد يوسف حمادي لعرض الموضوع على الرئيس لحصول موافقته الذي أجابني بعد ساعتين بموافقة الرئيس على السير بالإجراء".

وأضاف "في يوم 13-8-1990 طلبني الرئيس الراحل مع وزير الزراعة والري محمود الصباغ، واجتمعنا معه في كرفان في إحدى مزارع الرضوانية. وأبلغنا بأن نستعد للحرب. وأبلغني في الاجتماع أن أبداً فوراً بخزن القمح والشعير تحت الأرض (بطريقة الجفر باللغة المحلية) لحمايتها من الضربات الجوية المتوقعة على صوامع خزن الحبوب إذا نشبت الحرب، وكذلك تشتيت الخزين الغذائي في مواقع متفرقة في بغداد والمحافظات وللغرض نفسه".

 

وعن الاستعدادات العراقية لحرب تحرير الكويت عام 1991، أشار المؤلف إلى أنه "تم تأمين حاجات كل محافظة من المواد الغذائية والحبوب لكي لا يحصل عجز في خزين أي محافظة في أثناء الحرب ويصعب إيصال الغذاء لها من المحافظات الأخرى من خلال المناقلة التي تجري في الظروف الاعتيادية. وتم التركيز في الخزين الاستراتيجي على محافظتي كربلاء والنجف، لأنهما محافظتان دينيتان يستبعد أن تتعرضا للقصف الجوي. والأمر نفسه بالنسبة إلى محافظات الحكم الذاتي التي عدت هي ومحافظتا كربلاء والنجف من المحافظات الآمنة. ويضاف إلى ذلك إبلاغ أصحاب المطاحن والأفران في بغداد والمحافظات بتأمين خزين كاف من الوقود لاستمرار عملهم إذا تعرضت المنشآت النفطية للقصف الجوي".

الضربات الأميركية

يتحدث عن بدء الضربات الأميركية في يناير (كانون الثاني) 1991 قائلاً: "لقد كنت أتابع مع المديرين العامين نشاط شركات وزارة التجارة في بغداد ومديري الفروع في بقية المحافظات، اشتد القصف الجوي على الطريق، ورسم خطاً نارياً شكلته سلسلة القنابل من طائرات تبين لاحقاً أنها ’بـي-52‘ (B52) على يسارنا في الجهة الأخرى للطريق السريع المتوجه نحو البصرة يتحرك بالاتجاه الذي نسير فيه. كانت الكتلة النارية المتحركة لو انحرفت بالملليمترات من الجو لكنا داخلها. عندها شعرنا بأننا اقتربنا من النهاية، ولكن إرادة الله أنقذتنا. استمر الوضع على هذه الحال، والقصف المتبادل شديد لمدة ثلاثة أرباع الساعة".

وأضاف "بدأ القصف يخف فطلبت من السائق أن يفتح الضوء الجانبي ثم الضوء العادي لحين خروجنا من الطريق السريع إلى مدينة الناصرية عبر الطريق القديم. وصلنا إلى مدينة الناصرية منتصف الليل وهي في ظلام دامس، وعند دخولنا المستشفى أصبنا بصدمة لا تقل عما شاهدناه في الطريق، حيث جثث الشهداء من المدنيين مكدسة في ممرات المستشفى نتيجة حملة جوية عنيفة على الناصرية".

ويقول: "لقد تعدت الحملة الجوية لقوات التحالف هدف إخراج القوات العراقية من الكويت لتحمل خطة تدميرية للعراق وتقويض كل المنجزات التي حققها والتي ليس لها علاقة بالحرب".

"كنت سكرتيرا للرئيس"

يضيف الراوي "بتاريخ 4 أغسطس (آب) 2010، أخبرني سكرتير الرئيس الراحل حامد حمادي ونحن معاً في الزنزانة نفسها في سجن الحماية القصوى في الكاظمية العائد لوزارة العدل العراقية بعد انتقالنا من معتقل كروبر تحت سلطة القوات الأميركية منذ اعتقالي في 23 أبريل (نيسان) 2003، أن الرئيس الراحل قد كلفه بكتابة مذكراته، واقترح عليه عنوان (كنت سكرتيراً للرئيس صدام) وقد أكمل كتابتها في المعتقل، حيث يتمتع بذاكرة قوية صافية، وكان كفؤاً ودقيقاً في أداء عمله كسكرتير مع ميزة التغطية الكاملة والدقيقة للقاءات الرئيس مع الضيوف. وكانت القيود المفروضة على سرية المعلومات قد انتهت بعد احتلال العراق".

يتابع "لقد كان المتوقع أن ينشر تلك المذكرات، لكنه انتقل إلى جوار ربه بعد بقائه في غرفة الإنعاش على جهاز التنفس الصناعي في دبي لمدة تزيد على نصف عام، وجدت نفسي مضطراً لأن أشير إلى المعلومة التالية التي لها صلة بموضوع القوة العسكرية والصناعية التي خرج العراق بعد انتهاء الحرب الإيرانية - العراقية، وصلتها بقضية الصراع العربي – الصهيوني".

وأشار إلى أن "المعلومة تتلخص في أنه يوم 9 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 سافرت بطائرة خاصة إلى جنيف في سويسرا لتسلم رسالة من شقيقه برزان، ممثل العراق الدائم في جنيف، موجهة إلى الرئيس صدام حسين من جهة لم يشأ ذكرها. وتضمنت فحوى الرسالة الموجهة إلى الرئيس بأنكم خرجتم بقوة عسكرية وصناعية في التسليح لا يحتاج إليها العراق بهذا الحجم بعد انتهاء الحرب. ونحن لا نطلب منك أن تقبل بمشروع التسوية بين إسرائيل والفلسطينيين ولا أن تكون جزءًا منه، لكن الذي نطلبه أن تكف يدك عن إسرائيل، وألا تتدخل بين الطرفين في حل الموضوع، وتتخلى عن موقفك المتشدد. ونحن ليس لدينا تحفظ أن تكون أقوى زعيم في المنطقة".

ويكمل "يستطرد حامد يوسف حمادي: قدمت الرسالة في ملف البريد بعد عودتي. وبعد عشر دقائق عادت الرسالة وعليها تعليق الرئيس نص قول الرسول: "والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه". يقول دخلت على الرئيس وقلت له: سيدي ما التوجيه الذي أبلغ به؟ فأشار بيده إلى التعليق. واتصلت هاتفياً بشقيق الرئيس برزان لأبلغه بعدم الموافقة. وكان الرد: أريد جواباً واضحاً. فقلت له: تأتي إلى بغداد لتسلمه. وحينما وصل الجواب إلى مصدر الرسالة كان رد الفعل: ضاع العراق".

عمل الراوي في ديوان الرئاسة العراقية منذ عام 1982، وكان كما يقول، على "تواصل مباشر" في العمل مع صدام حسين على مدى سبعة أعوام ولغاية تعيينه وزيراً للتجارة عام 1987.

لكن بعد الغزو الأميركي عام 2003، اعتقل الراوي في سجن كروبر، وكان يحمل الرقم 35 على لائحة "المطلوبين" المشهورين للأميركيين من قادة النظام المنهار. وظل محتجزاً حتى عام 2012 وهو يعيش حالياً في الأردن.

اقرأ المزيد

المزيد من كتب