Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

علينا أن نتذكر ميخائيل غورباتشوف لشجاعته

على النقيض من بوتين أدرك الراحل في النهاية أن إرادة الشعب أكثر أهمية مما قد يتأتى عنها

ميخائيل غورباتشوف وخلفه زوجته رايسا (غيتي)

كان ميخائيل غورباتشوف بمثابة عملاق حقيقي من عمالقة العمل السياسي العالمي في القرن العشرين، فما بدأه لينين وتروتسكي والبلاشفة عام 1917، أنهاه بعد أقل بقليل من سبعة عقود. فبصفته زعيماً للاتحاد السوفياتي بدءاً من عام 1985، اتخذ غورباتشوف قرارات، باتباع سياسة "بيريسترويكا" (الإصلاح) في الداخل والسلام في الخارج، أنتجت في نهاية المطاف الظروف التي طويت فيها صفحة الحرب الباردة وكف الاتحاد السوفياتي عن الوجود [انفرط عقده].

لقد ساعد، على حد تعبير فرانسيس فوكوياما في أطروحته الشهيرة، في تحقيق "نهاية التاريخ"، ولو أن تلك "النهاية" أثبتت كونها مجرد توقف مؤقت، أما فلاديمير بوتين فيحاول قلب اتجاه موجة التاريخ التي ركبها غورباتشوف. بالفعل، غورباتشوف، اليوم، نبي مزدرى في وطنه.

وهو طفل، شهد غورباتشوف عن كثب الوحشية المركزية التي مارسها النظام الشيوعي، فقد أمضى كل من جديه بعض الوقت في معسكرات العمل القسري أو في زنزانات السجون، تعرض أحدهما إلى تعذيب لأشهر بسبب مزاعم بتورطه في منظمة مناهضة للثورة.

لكن على الرغم من هذه التجارب المبكرة، كان غورباتشوف ابن الأفكار المنتشرة والسائدة في الاتحاد السوفياتي حول المركزية الديمقراطية اللينينية. كان والداه عاملين في مزرعة جماعية [كولخوز]، وحصل المراهق ميخائيل على "وسام الراية الحمراء للعمل" بفضل نتائج مذهلة حققها خلال حصاد عام 1949. وفي وقت لاحق، وبعد أن درس غورباتشوف القانون في جامعة موسكو، انهمك في العمل السياسي.

وبينما ارتقى بثبات صفوف الحزب أثناء الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، لم يكن هناك ما يشير إلى أن الشيوعية السوفياتية كانت قادرة على القيام بأي شيء غير اتباع المسار الصارم الذي كان ستالين قد رسمه– وأبقي المسار كما هو، على الرغم من انحرافات عرضية، في ظل سلسلة من الحكام اللاحقين. كان غورباتشوف حزبياً مخلصاً، أياً كانت شكوكه الخاصة. وهكذا، وكما اعترف في ما بعد: "لقد تملقنا جميعاً بريجنيف، جميعنا".

بوصول أندروبوف على رأس السلطة، من المؤكد بما فيه الكفاية أن غورباتشوف كان يهيأ في شكل واضح لتولي المنصب الأعلى، وكان منافساً واضحاً بعد حكم قسطنطين تشيرنينكو الوجيز. اشتبه بعض رجال الدولة الحزبيين الأكبر سناً في أن غورباتشوف كان يريد وضع الاتحاد السوفياتي على مسار جديد– إلا أنه نجح في تأمين حلفاء رئيسين، لا سيما في شخص أندريه غروميكو، وأثبت قدرته على إدارة البلاد عندما كان تشيرنينكو غائباً بسبب المرض، فضلاً عن ذلك كانت وفاة ثلاثة قادة دولة مسنين نسبياً خلال سنتين ونصف السنة فقط، مفيدة لغورباتشوف الأكثر شباباً.

إدراكاً منه للحاجة إلى إثبات مؤهلاته في الخارج، بذل غورباتشوف أيضاً جهوداً مضنية لصياغة علاقات مع كبار رجال الدول ونسائها الأجانب، فقد زار مارغريت تاتشر عام 1984، وسرعان ما انسجم الاثنان، كذلك أثار إعجاب الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران. وما لبث أن أصبح إنشاء علاقة عمل قابلة للاستمرار مع زعماء الديمقراطيات الغربية أمراً بالغ الأهمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن على الرغم من هذه المناورات [اللقاءات] كلها في الداخل والخارج، وعلى الرغم من مخاوف بعض الحرس القديم، لم يخيل لأحد لدى تولي غورباتشوف السلطة باقتراب أحداث عالمية مزلزلة. كانت الأجندة تدور حول التحديث وليس الثورة.

هذا لا يعني أن غورباتشوف لم يكن مهتماً بالانفتاح والشفافية من أجل الانفتاح والشفافية، لكن الأمر البالغ الأهمية هو أنه أدرك– كما أقرت قلة من الناس في الاتحاد السوفياتي– بأن الركود الاقتصادي الذي بدأ أثناء سنوات بريجنيف سيصبح قريباً خانقاً. كانت الرغبة حقاً في تجنب الانهيار الاقتصادي هي التي دفعت بتبني إصلاحات غورباتشوف– بما في ذلك الشراكة الجريئة مع رونالد ريغان التي أنهت الحرب الباردة.

يستلزم تحقيق السلام تعاون الجميع، ولم يحصل غورباتشوف على التقدير الكافي لدوره. كان هو، إلى جانب الاتحاد السوفياتي، من قدم نصيب الأسد من التضحيات والتنازلات. لم ينته المطاف بالرئيس ريغان وقد حل الولايات المتحدة، وتخلى عن نظامها السياسي والاقتصادي، وحل حلف شمال الأطلسي، وأنهى حياته المهنية السياسية. لقد شهد غورباتشوف نهاية الاتحاد السوفياتي (ولو أن هذا لم يكن في نيته)، وأنهى حلف وارسو، وأنهى جنون الشيوعية، لكن مع انتهاء المهمة، لم يبق له دور.

لعل نهاية الاتحاد السوفياتي كانت حتمية، ولو أنها لم تكن تبدو هكذا حتى وقت متأخر نسبياً وقتذاك. وعلى أي حال، ترك العديد من مواطنيه يشعرون بالحيرة والمهانة إزاء الخسارة المفاجئة للإمبراطورية ووضع القوة العظمى، ومن بين هؤلاء الروس المحبطين كان أحد ضباط لجنة أمن الدولة (كي جي بي) الشباب، الذي خدم في برلين الشرقية ويدعى فلاديمير بوتين. بحلول الوقت الذي غزا فيه الرئيس بوتين شبه جزيرة القرم عام 2014، ربما أعاد غورباتشوف نفسه تقييم أثره الخاص. وعلى الرغم من ذلك، قيل إنه كان يشعر بالأسى إزاء حرب روسيا العدوانية على أوكرانيا.

الواقع أن المفارقة الكبرى التي تحيط بحكم غورباتشوف هي أن خططه الكبرى للتحول الاقتصادي كانت غير ناجحة إلى حد كبير، وفشل الغرب بإصرار في دعم روسيا في انتقالها إلى الرأسمالية، كما يقال، ارتكبت أخطاء بالفعل.

على النقيض من السيد بوتين، أدرك غورباتشوف في النهاية أن إرادة الشعب أكثر أهمية مما قد يتأتى عنها. وعلى هذا استمر في الإصلاح، واستمر في مقاومة المتشددين الشيوعيين، إلى حد أصبح معه تفكيك الشيوعية السوفياتية أمراً حتمياً– كل هذا على الرغم من إيمانه الجوهري بالروحية التي تقوم عليها [هذه الإصلاحات]. ولا تكاد "الشجاعة" تكفي لوصف هذا الإنجاز.

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 1 سبتمبر 2022

© The Independent

المزيد من آراء