Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صديقي العزيز ميخائيل غورباتشوف الذي غير وجه العالم

أنهى الحرب الباردة وسباق التسلح النووي. في هذه المقالة يستذكر يفغيني ليبيديف واحداً من جبابرة السياسة والزوج المحب ذا القلب الكبير

"سألت ميخائيل في اجتماعنا الأخير كيف يأمل أن تتذكره الأجيال القادمة" (اندبندنت)

في آخر مرة رأيت فيها ميخائيل بدا من الواضح أن صحته كانت تتدهور وأن النهاية تدنو، لقد ابيض شعره تماماً الآن، وتراجعت تلك الوحمة الشهيرة إلى مجرد لطخة في وجه ترك عليه تقدم السن ما شاء من بقع، من المؤكد أنه كان يدري بنفاد الوقت، "إنها في حالة مزرية،" قال عن صحته، "لا جدوى من إضاعة الوقت الآن، ليس في حال كحالي".

كنت التقيته للمرة الأولى في باريس بعيد حلول الألفية الجديدة، كان يتناول الغداء مع والدي في المطعم الكائن في برج إيفل، وقد تشاركا ملكية صحيفة "نوفايا غازيتا" Novaya Gazeta الروسية، التي فاز محررها ديمتري موراتوف بجائزة نوبل للسلام في عام 2021 لما حققته المجلة.

ومن واجبي الاعتراف بأنني كنت متوتراً من احتمال لقاء عملاق مثل غورباتشوف، على الأقل لأنني توقعت أنه سيكون رسمياً ومهيباً، إلا أنني كنت على خطأ.

لقد كانت وليمة الغداء سلسلة من الطرائف والنوادر، وعندما هممنا بالوداع عانقني ميخائيل. بعد ذلك، وعلى مدار السنوات التي تلت، خبرته معانقاً [ودوداً] ولا أروع. وكانت تلك إحدى الخصال الكثيرة التي جعلت الناس يبادلونه المودة.

عندما أسس جمعية خيرية للسرطان تكريماً لذكرى زوجته رايسا التي توفيت بسبب سرطان الدم في عام 1999، طلب مني ترؤس الجمعية، وقد جمعنا أكثر من 10 ملايين جنيه استرليني، لا سيما لمركز رايسا غورباتشوف الجديد لطب الدم وزراعة النخاع للأطفال في سان بطرسبورغ الذي أصبح بعد افتتاحه في عام 2007 أول عيادة مخصصة للأطفال المصابين بالسرطان في روسيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لذا فقد كانت لي فرصة أن أراه مع المرضى الذين زرناهم مستعداً دائماً لبذل وقته ودائماً ما كان يعرض تقديم المواساة التي بوسعه تقديمها، لقد جمعت الرجل علاقات شخصية تتخطى الرسميات مع الرؤساء والملوك ممن رسموا مصائر الأمم، ومع ذلك لم تظهر عليه علامات التكبر والتعالي، وكان من المستحيل ألا يشعر المرء بالإنسانية الواضحة التي استمد منها غورباتشوف قوته.

في حفل لجمع التبرعات عام 2009 إحياء للذكرى السنوية العاشرة لوفاة زوجته، قطع ميخائيل الحديث بأغنية شعبية من التراث الروسي اسمها "رسائل قديمة" غناها للضيوف المجتمعين. وقد شرح أولاً كيف أنه وخلال محاولة انقلاب 1991 التي قام بها المتشددون لإطاحته وجد رايسا تحرق رسائلهما القديمة. قال للحضور: "عندما كنت أعمل بعيداً، كنا نتحدث عن كل شيء من خلال الرسائل، وعندما عدت لأجدها تحرق هذه الرسائل غنيت هذه الأغنية الروسية القديمة التي تتحدث عن أن الرسائل القديمة ينبغي ألا تقرأ، وهذه الأغنية تجعلني أفكر فيها".

وبينما راح يغني، أخذت الدموع تتدحرج على وجنتيه، وما إن انتهى من الغناء حتى نهض الحاضرون على أقدامهم جميعاً.

في زيارة لي إلى مكاتب مؤسسته، كان الحزن الذي ألم به عند وفاة زوجته لا يزال جلياً في نفسه، كان جناح الغرف مليئاً بالجوائز ومن بينها جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها في عام 1990 وصور من تاريخه في السياسة، إلا أن صور رايسا كانت الأكثر بروزاً، حتى إن صورتها كانت تحتل موقع الصدارة على الحائط مباشرة خلف الطاولة المكسوة بالجلد في مكتبه.

قال وهو ينظر إليها: "ذات يوم شبكنا أيدينا وذهبنا في نزهة مسائية وسرنا هكذا طيلة حياتنا، أعتقد أن ما حدث هو أن كلينا عثر على نصفه الآخر، لقد من الله علي بأن أصبحت لي".

ثم قرأ لي من سيرته الذاتية التي صدرت بعنوان "وحيداً مع نفسي" Alone With Myself، وهي تضم مقتطفات من المذكرات التي كتبها في اليوم الذي توفيت فيه زوجته يخبرها فيها كيف أنه هو وابنته إيرينا قد اجتمعا عند سرير مرضها.

حين أخذت تتلاشى، توسل إليها غورباتشوف ألا تتركه لأن الحياة ستغدو بلا أي معنى بالنسبة له إذا رحلت. "لم أشعر بوحدة كهذه من قبل". قال لي غورباتشوف. غير أن العزاء الوحيد الذي يمكنني استخلاصه من خبر وفاته هو أن ميخائيل لن يضطر بعد الآن إلى العيش مع هذا الإحساس بالفقد.

ويجب ألا ننسى أن ميخائيل غورباتشوف هو الذي غير كل شيء، لقد كان صاحب سيرة من أهم السير في السنوات المئة الماضية.

لقد حرر أوروبا الشرقية بلا دماء، وأنهى سباق التسلح النووي، وفي بلاده سمح بحرية التعبير والمعارضة السياسية والعبادة الدينية والسفر إلى الخارج، سألت ميخائيل في اجتماعنا الأخير كيف يأمل أن تتذكره الأجيال القادمة.

"على أساس حقيقة أنني أنهيت الحرب الباردة، وأنني أتحت الفرصة لألمانيا لتكون موحدة، وبسبب ذلك، الألمان أصدقاؤنا اليوم. وبالطبع، أعتقد أنهم سيتذكرون المزايا العظيمة لـلغلاسنوست (المصارحة) والبيريسترويكا، ثمة ما هو جدير بتذكره".

ثم مد يده ليربت على ساقي وأضاف، "وكذلك حقيقة أنني كنت شخصاً لا بأس به". ولعل هذا أهم تعبير على الإطلاق.

اللورد ليبيديف عضو في هيئة مساهمي "اندبندنت" و"إيفنينغ ستاندرد"

© The Independent

المزيد من آراء