بصورة منطقية، لم يكن مفترضاً أن تأتي بمثل تلك الروعة أغنيات فيلم "موسيقى وأشعار" Music and Lyrics، آخر عمل رومانسي كوميدي جيد قدمه الممثل هيو غرانت. ففي نهاية المطاف، إنها أغنيات غير حقيقية مكتوبة لفرق غير حقيقية. وقد أدى غرانت معظمها بصوته، الأمر الذي شكل تحدياً بالنسبة إليه في ذلك الوقت. وعلى الرغم من ذلك، حقق "موسيقى وأشعار" نجاحاً لا غبار عليه بفضل أغنياته، من "قلبي دق فجأة" التي تؤديها فرقة "بوب!" PoP! المتخلية وهميّاً بأنها تنتمي إلى فترة الثمانينيات من القرن العشرين، إلى أغنية تايلور سويفت الرقيقة "طريق يعيدني إلى الحب" Way Back Into Love.
تؤدي الموسيقى دوراً مهماً في العمل منذ اللحظة الأولى. إذ يبدأ الفيلم مع فيديو كليب أغنية "قلبي دق فجأة" لفرقة "بوب!" الوهمية، حيث نرى أعضاءها يتمايلون مع الموسيقى بقمصانهم المزينة بقماش من الكشكش الخفيف. في أحد المشاهد التي يرافقها إيقاع نابض، يكون بطل الفيلم أليكس (هيو غرانت) نائماً فوق سرير في المستشفى (وهو يعاني بالطبع بسبب قلبه المحطم)، ويحلم أنه يلهو مع حبيبته على شاطئ جرى تركيبه في المشهد بواسطة الحاسوب. حينما نرى قلبه يومض أضواء متوهجة من تحت قميصه، يقفز من السرير ويشرع في الرقص مع الممرضات الحسناوات الواقفات حوله. تقول كلمات الأغنية الإيقاعية التي يغنيها أليكس "تغير في القدر يجعل الحياة جديرة بالعيش. أنت كالذهب. وأنت كالفضة. هيه هيه".
في هذا الفيلم الرومانسي الكوميدي اللطيف، ولكن العادي إلى حد ما، يكون ذلك المشهد هو الذي يتذكره الناس حينما يسترجعون "موسيقى وأشعار" في أذهانهم. يعتبر غرانت شخصياً هذا العمل الذي صدر في يوم عيد الحب بالضبط قبل 15 عاماً، آخر فيلم ناجح له قبل مشاركته في سلسلة من الأعمال الفاشلة. يؤدي شخصية أليكس فليتشر، المغني الأقل أهمية في فرقة "بوب" PoP! التي كانت تقدم أغنيات عاطفية في مرحلة الثمانينيات من القرن العشرين (لم يبذل أي جهد في ابتكار اسم الفرقة لدرجة جعلها يبدو كفرقة حقيقية). بينما تلعب درو باريمور دور صوفي فيشر، السيدة الخرقاء التي تقوم بسقاية نباتات أليكس، ونكتشف بشكل غير متوقع أن لديها موهبة في كتابة الأغاني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تقتصر عروض أليكس الآن على حفلات لم شمل أصدقاء الدراسة وساحات المهرجانات المحلية، ويتقبل بكل رضا فكرة أن "أيام المجد قد ولت". لو كانت أحداث الفيلم تدور في عام 2022، كان من المحتمل أن يتنافس أليكس في برنامج تلفزيون الواقع "المطرب المقنع" The Masked Singer، لكن مسيرته المهنية تعطى فرصة للانطلاق من جديد عندما تطلب منه أيقونة موسيقى البوب الشابة كورا كورمان (الممثلة هيلي بينيت) أن يكتب أغنيتها الجديدة. نحن نعلم أن نجاح كورا "يفوق نجاح بريتني سبيرز وكريستينا أغيليرا مجتمعتين". كل ما تعرفه المطربة عن الأغنية هو أنها تريدها بعنوان "طريق يعيدني إلى الحب". تقول لأليكس وهي تنظر إليها بنظرة جامدة خالية من الحياة "ستصنع الأغنية مصيرك، أو تنهيه". عندما يواجه صعوبة في كتابة الأشعار، يتعاون مع صوفي، وبشكل طبيعي تشتعل شرارة الحب بين الثنائي. نعم، إنها حبكة يمكن التنبؤ بها منذ اللحظة الأولى، لكنها حلوة ومسلية أيضاً.
وعلى الرغم من كل الانسجام الذي نراه على الشاشة بين غرانت وباريمور، فإن السبب في حب الجمهور فيلم "موسيقى وأشعار" ليس فعلياً بسبب قصة الحب الرومانسية التي يدور حولها. إنه بفضل الموسيقى التصويرية التي جذبت إعجاب المشاهدين، التي تضم أغنيات بوب مزيفة مقنعة جداً لدرجة أنها كانت تدرج في قوائم تشغيل الأغاني من دون اكتشاف أنها صنعت أساساً لعمل سينمائي. عملياً، كل أغنية لوحدها قادرة على أن تكون أغنية ناجحة جداً، سواء تلك التي قدمتها فرقة "بوب!" في الثمانينيات، أو أغنيات أليكس عندما كان مطرباً منفرداً لفترة قصيرة، أو التي تغنيها كورا في الفترة التي تدور خلالها أحداث الفيلم. فيديو كليب أغنية "قلبي دق فجأة" الذي نشاهده في بداية العمل باعتباره من تأليف أندرو وايت، المغني الرئيس في فرقة "ذي إيه أم" The AM لموسيقى الروك ومؤلف أعمال غناها ليام غلاغر وفرقة الروك "فلورنس أند ذا ماشين" Florence and the Machine. وقد بدت مقنعة جداً كأي أغنية أصدرها الثنائي "وام!" Wham! في موسيقى البوب. بفضل الشطر الانتقالي الجذاب الذي يعلق بالأذهان، تعتقدون أنها أغنية كفيلة برفع أي فرقة إلى الشهرة. كذلك طغت الرومانسية والمشاعر الصادقة الخالية من الابتذال على أغنية "طريق يعيدني إلى الحب" التي كتبها أليكس وصوفي معاً (على الرغم من أنها في الواقع من تأليف الراحل آدم شليسنجر عازف الغيتار الرئيس في فرقة الروك "فاونتنز أوف وين" Fountains of Wayne).
في المقابل، إنّ كتابة أغنيات مزيفة لفرق مزيفة مهمة صعبة مع أنها تبدو خلاف ذلك. من بين الأغاني الناجحة الأخرى، توليفة موسيقى الستينيات في أغنية "ذلك الشيء الذي تفعله" That Thing You Do! من أول تجربة إخراجية لتوم هانكس في عام 1996 تحمل العنوان نفسه. يحكي الفيلم قصة صعود وهبوط فرقة "ذي وندرز" The Oneders الخيالية المستوحاة من فرقة البيتلز. ولا تملك تلك الفرقة الوهمية سوى أغنية ناجحة وحيدة هي "ذلك الشيء الذي تفعله" من تأليف شليسنجر أيضاً. وهناك أغنية "الضحية" Black Sheep لفرقة "ذا كلاش آت ديمونهيد" The Clash at Demonhead الخيالية التي تؤديها الممثلة بري لارسون في فيلم "سكوت بيليغرام يواجه العالم" Scott Pilgrim vs The World، وهي أغنية طالب المعجبون بإصدارها كعمل منفرد لمدة أحد عشر عاماً قبل أن يستسلم المخرج إدغار رايت لمطالبتهم. ينطبق وصف مماثل على أغنيات "عش حياتك لأقصى الحدود" Drive It Like You Stole It من فيلم "شارع الغناء" Sing Street، و"خذني بعيداً" Take Me Away من فيلم "الجمعة العجيبة" Freaky Friday. وبكل بساطة، يمكن أن يضاف إلى ذلك أي أغنية من فيلم "نجم البوب، لا يمكن الوقوف في طريقه" Popstar: Never Stop Never Stopping.
في السنوات الأخيرة، رأينا حتى نجوم البوب الفعليين يجربون ذلك. يشمل ذلك أغنية أريانا غراندي "اكتَفِ بالنظر إلى الأعلى" Just Look Up من فيلم "لا تنظر للأعلى" Don't Look Up. وينطبق أيضاً على الأغاني التي أدتها ليدي غاغا بدور "ألي" في فيلم "ولادة نجمة" A Star is Born، إذ سُمِعَتْ أغنية "سطحي" Shallow، التي شارك في كتابتها أندرو وايت، أكثر من 1.7 مليار مرة على موقع "سبوتيفاي" للموسيقى وحده. وبالتالي، أصبح من الواضح أن الفنانين الحقيقيين يمتلكون موهبة في صناعة الأغاني المبهرة. إذ تسخر أغنية كورا "بهجة بوذا" Buddha’s Delight بشكل صريح من أداء بريتني سبيرز لأغنية "سلايف 4 يو" Slave 4 U [أنا عبدة لك] في دورة عام 2001 من حفل توزيع جوائز مهرجان "أم تي في" للموسيقى (لكن للأسف من دون التلويح بأفعى، على غرار ما فعلت بريتني سبيرز آنذاك). كذلك تظهر إثارة مذهلة في الأغنية ذات العنوان المدهش "دخول بلدة المؤخرات" Entering BootyTown، بالضبط على غرار ما يوحي إسمها. تنضم الأغنيتان السابقتان إلى أغنية "لماذا فعلت ذلك" Why Did You Do That من فيلم "ولادة نجمة"، وقد اشتُهِرَتْ بافتتاحيتها التي يرد فيها "لماذا تبدين جميلة جداً في سروال الجينز هذا؟ لماذا تأتين لرفقتي بمؤخرة مثل هذه؟"، في تمثيل ذلك التكرار الخالي من الروح في الأغنيات التي تنتجها آلة موسيقى البوب. في المقابل، لقد حققت تلك الأغنيات الثلاثة ضجة لا يمكن إنكارها.
حينما تعيد كورا تقديم أغنية "طريق يعيدني إلى الحب" بأسلوبها الخاص، حيث تضيف عليها رقصات من نوع "بريك داون" ورقص شرقي، حينها يفترض أن نكرهها لأنها، وفق تعبير أليكس، "تدمر ثقافتين موسيقيتين في آن معاً خلال أقل من دقيقة". لكن أغنيات كورا وألي لا تزال جذابة بشكل لا يصدق. يتطلب الأمر موهبة لصنع أغنيات مشتقة إلى هذا الحد (أو ملائمة ثقافياً كما في حالة كورا).
كذلك ورد في مراجعة موقع "أول ميوزيك" AllMusic للموسيقى التصويرية لفيلم "موسيقى وأشعار"، أنه "بدلاً من إقحام بعض الألحان الجذابة الموجودة مسبقاً، تتميز الموسيقى التصويرية بأغانٍ مكتوبة خصيصاً للعمل تنقلنا بحب إلى أجواء موسيقى البوب في [ثمانينيات القرن العشرين] والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ويبدو عدد قليل من الأغاني كأنه محاكاة ساخرة لأغنيات مشهورة. إنها أفضل التحسينات التي يمكنك إضافتها إلى مشروع كهذا". لم يحز الفيلم نفسه على استحسان كبير. إذ وصفه الناقد السينمائي في صحيفة "ذا غارديان" بأنه "فيلم رومانسي كوميدي عادي جداً" لكنه وصف فيديو كليب فرقة "بوب!" في بداية العمل بأنه عنصر مميز.
استكمالاً، لقد تمثّل عامل القوة الخفي في "موسيقى وأشعار" في آدم شليسنجر. إذ قدّم لنا ذلك الشاعر الغنائي، لحسن حظنا، أغنية "والدة ستيسي" Stacey’s Mom. وكذلك وقف شليسنجر وراء تأليف عدد من أعظم أغاني البوب المزيفة على الإطلاق. وجاءت مقنعة تماماً أغنية "ذلك الشيء الذي تفعله"، النموذج المثالي للنجاح المتفرد. إنها تعلق بالذهن بشكل يفوق الوصف، لكنها غير مبتذلة في الوقت نفسه. إنها الأغنية الوحيدة في الموسيقى التصويرية من تأليف شليسنجر وحصلت على ترشيح لجائزة الأوسكار. حينما يتطلب الأمر تأليف أغنيات مزيفة، يكون آدم الرجل المثالي لتلك المهمة. لذا، فحينما حلَّتْ وفاة شليسنجر المأساوية نتيجة إصابته بفيروس كورونا في أبريل (نيسان) عام 2020، أحيا هانكس ذكراه باعتباره الدافع الذي حول شركة الإنتاج الموسيقي المتخيلة في فيلم "ذلك الشيء الذي تفعله!" التي تحمل اسم "بلايتون" Playtone، إلى شركة حقيقية. نشر هانكس تغريدة "لن يكون هناك بلايتون من دون آدم شليسنجر، ومن دون أغنية (ذلك الشيء الذي تفعله) التي كتبها".
بسبب التأثير الواضح لشليسنجر، استثمر فيلم "موسيقى وأشعار" موهبته في كتابة الأغاني. ألّف ذلك الموسيقي كلمات عدة أغنيات تضمنها العمل، بدءاً من أغنيات البوب المؤثرة في مرحلة الثمانينيات الشعبية إلى الأغاني التي كانت تختفي بسرعة بعد رواجها في منتصف العقد الأول من الألفية الحالية. امتلك شليسنجر قدرة خارقة على التنقل بين الأنواع الموسيقية. وأثبت تلك الموهبة لاحقاً مرة أخرى في مسلسل الكوميديا السوداء الغنائي "حبيبة سابقة مجنونة" Crazy Ex-Girlfriend، الذي راكَمَ في رصيده أكثر من 140 أغنية أصلية ساخرة حينما وصل إلى نهايته في عام 2019 بعد أربعة مواسم. يعود الفضل إلى شليسنجر (إلى جانب المؤلفين المشاركين ريتشل بلوم وجاك دولجن) في تأليف أغنية الشارة "أيتها العاهرة الغبية" "You Stupid B ****" الناقدة للذات، وأغنية "صالحيني" Settle For Me المستوحاة من أعمال الموسيقي كول بورتر، وأغنية "فلنعمم حديثنا عن الرجال" التي تحاكي بشكل ساخر أغنية "السماء تمطر رجالاً" It is Raining Men لفرقة "ويذير غيرلز" Weather Girls.
في عام 2014 ، أخبر المؤلف الراحل مجلة "سونغرايتينغ ماغازين" الإلكترونية "أنا جيد في التلون مثل الحرباء، لكنه أمر خطر. أنت لا تريد أن تكتفي بإقحام الأغنيات فحسب، لكنني قادر على ذلك إذا قال لي أحدهم إنه يريد مني تأليف أغنية تبدو كأنها تعود إلى حقبة معينة، حينها يمكنني [اكتشاف] السمات المميزة للنمط الغنائي المطلوب".
في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان هيو غرانت لا يزال يركب موجة النجاح الذي حققته الأغنيات التي كتبها ريتشارد كورتيس لأفلامه الرومانسية الكوميدية، على الرغم من إدراكه حقيقة أن ألقه بدأ يتلاشى. في عام 2020 تذكر النجم تلك الفترة، "كان موقفي سيئاً منذ عام 2005 تقريباً فصاعداً. لم أعد قادراً على فعل المزيد بعد فترة وجيزة من (موسيقى وأشعار). في تلك المرحلة، لم أكن أنا من تخلى عن هوليوود. إن هوليوود هي التي تخلت عني". وعلى الرغم من أن هذا الفيلم أدى إلى توقف غرانت عن العمل، فإن النجم كان يعشق "موسيقى وأشعار". وحينما استضافته الممثلة درو باريمور [وقد شاركته بطولة "موسيقى وأشعار"] في برنامجها الحواري العام الماضي، صرح هيو غرانت "أحب أن أكره الأفلام التي شاركت فيها، وأنا أكره بعضها بالفعل، لكن من المستحيل أن أكره (موسيقى وأشعار). لقد كنا رائعين في العمل وساحرين جداً". ومن المثير للإعجاب أن صداقة النجمين قد استمرت على الرغم من قول غرانت إن باريمور "كرهتني بعض الشيء" أثناء التصوير.
وفي حين أن باريمور تحدّثت دائماً بإيجابية عن النجم الذي شاركها البطولة، أصر غرانت في المقابلات التي أجراها حينها أنه كان من "الخطأ" إسناد دور نجم موسيقى بوب (أو كان نجماً في السابق) إليه. لكن تلك الأغاني هي التي جعلت "موسيقى وأشعار" أحد الأفلام التي يصرح غرانت إنه "يحبها بشكل خاص" حتى يومنا هذا. وكذلك كانت بالضبط العنصر ذاته الذي جذب انتباه المعجبين. حينما توفي شليسنجر، أفاد غرانت إن خسارة الشاعر الغنائي جاءت "مروعة. يا له من عبقري". لم تكتفِ الأغنيات التي ألفها شليسنجر بإقناع الجماهير بأن فرقة "بوب!" والمغنية كورا كانت أسماء فنانين حقيقيين، بل إنها حققت إنجازاً نادراً متمثلاً في تحويل هيو غرانت في الواقع إلى الشخصية التي أداها في الفيلم. وعلى الرغم من عدم الحاجة إلى قول ذلك، لكن هذا دليل على أن "موسيقى وأشعار" فعل شيئاً صحيحاً بلا شك.
© The Independent