Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أوروبا يجب أن تعتمد على نفسها

لماذا يجب أن ترغب الولايات المتحدة في تحسين التسلح لدى القارة العجوز؟

جنود سلوفينيون يقيمون حواجز على طول الحدود مع كرواتيا بالقرب من جيبينا في سلوفينيا، نوفمبر 2015 (رويترز)

يشهد التحالف عبر الأطلسي ولادة جديدة، إذ وجهت الحرب في أوكرانيا انتباه واشنطن مرة أخرى الى أوروبا عبر طرق غير مسبوقة منذ تسعينيات القرن الماضي، حينما تدبرت الولايات المتحدة أمر توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى الشرق وخاضت حربين في البلقان. لقد دعمت الولايات المتحدة أوكرانيا بكميات هائلة من الأسلحة وحشدت الغرب حول عقوبات اقتصادية لا مثيل لها ضد موسكو وعززت "الناتو" من خلال نشر قوات إضافية. ومن الصعب أن تفكر في وقت كانت فيه العلاقات عبر الأطلسي خلال الجيل الماضي أقوى من حالها حاضراً.

في المقابل، إن ارتباط إدارة بايدن مع أوروبا غير مستدام في نهاية المطاف. ومن دون شك، ستبقى روسيا والحرب في أوكرانيا محور تركيز كبير بالنسبة إلى الولايات المتحدة في الأشهر والأعوام المقبلة. وعلى الرغم من أن الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة إلى أوكرانيا لن يتراجع في الغالب، إلا أنه ليست هناك طريقة يمكن لواشنطن بواسطتها أن تحافظ على المستوى الراهن للانخراط الدبلوماسي ونشر القوات وتوفير الموارد لأوروبا على المدى الطويل. وكذلك لم تنته بعد عملية جعل آسيا أولوية [بالنسبة إلى الولايات المتحدة]. ويمكن أن يؤدي خطر نشوب صراع في آسيا حيث ربما تهاجم الصين تايوان إلى تعديل أولويات الولايات المتحدة بشكل مفاجئ. وسوف يجتذب صعود الصين المتواصل انتباه الولايات المتحدة مرة ثانية إلى المحيط الهادئ. ومن المرجح أن تجد واشنطن أنه من المستحيل تحقيق توازن بين مطالب حلفائها في أوروبا وآسيا مع المحافظة على وجود قوة ضرورية تكفي من أجل ردع روسيا والصين. إن الولايات المتحدة تعمل فوق طاقتها.

لكن بدلاً من أن تطور إدراة بايدن استراتيجية في معالجة هذه المعضلة، خصوصاً مع تركيز أوروبا المستجد على الأمن، إضافة إلى أن عدد سكانها يفوق الـ450 مليون نسمة واقتصادها يعادل اقتصاد الولايات المتحدة، تظاهرت الإدارة الأميركية أن المعضلة غير موجودة. وفيما أظهرت الولايات المتحدة أنه لا يمكن الاستغناء عنها، إلا أنها لم تستغل هذه اللحظة من أجل معالجة المسائل البنوية العميقة الجذور التي تلحق الأذى بالدفاع الأوروبي. ينبغي أن تتبع الولايات المتحدة استراتيجية تدفع أوروبا الى تحمل مسؤولية أمنها بنفسها، وتحويل أوروبا قارة تابعة أمنياً [لأميركا] إلى شريك أمني حقيقي. ويجب أن تدعو الولايات المتحدة الى إقامة ركيزة أوروبية ضمن حلف "الناتو" وتدعم بشكل كامل تحول الاتحاد الأوروبي إلى طرف دفاعي أكثر قوة. ويكمن الخطر في أنه بدلاً من تبدل الدفاع الأوروبي ضمن سياق الرد على الغزو الروسي، مع التبشير ببدء حقبة جديدة، يرسخ هذا الرد ببساطة الوضع الراهن الذي يجده الطرفان على جانبي الأطلسي في نهاية المطاف مخيباً للغاية ولا يمكن الدفاع عنه.

التناقض الأميركي والتباساته

لا تعرف واشنطن ماذا تريد من أوروربا. ولقد دعا كل رئيس للولايات المتحدة الأوروبيين إلى زيادة الإنفاق على الدفاع، بيد أن الهدف المهيمن في سياسة الولايات المتحدة لم يتمثل في دفع أوروبا الى الوقوف على قدميها كي تكون نداً للولايات المتحدة. وربما اعتقد القادة السياسيون وكبار المسؤولين في أميركا أن الولايات المتحدة واضحة في شأن أنها تريد من أوروبا بذل مزيد من الجهد من أجل التعامل مع أمنها بنفسها. في المقابل، إن الدبلوماسيين والمسؤولين الذين يصنعون سياسة الولايات المتحدة حول أوروبا، يستمتعون بالتبعية الأوروبية والتأثير الذي يوفره ذلك [لهم]، إذ إن الولايات المتحدة هي من يتخذ القرارات وهم يريدون أكبر قدر ممكن من النفوذ الأميركي في أوروبا.

سلط اللورد جورج روبرتسون عام 2000 حينما شغل منصب الأمين العام لحلف "الناتو" الضوء على هذا الانقسام، إذ ذكر أن "الولايات المتحدة تعاني نوعاً من انفصام الشخصية. فمن جهة، يقول الأميركيون ’أنتم الأوروبيون عليكم أن تتحملوا مزيداً من العبء‘ ومن ثم حيناً يقول الأوروبيون ’حسناً، سنتحمل مزيداً من العبء‘، يرد الأميركيون ’حسناً، انتظروا قليلاً، هل تحاولون أن تقولوا لنا عودوا إلى بلادكم‘؟" وحين قاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد قرابة عقدين من الزمن [بعد روبرتسون] الضغط من أجل تحقيق "استقلال استراتيجي ذاتي" أوروبي، شعرت واشنطن بالضيق من تجدد مؤامرة فصل أوروبا عن حلف "الناتو". ونتيجة لذلك، استعملت الولايات المتحدة نفوذها الهائل في أوروبا من أجل عرقلة الجهود التي ربما تؤدي إلى جعل أوروبا أكثر استقلالاً.

يتمتع صانعو السياسة في الولايات المتحدة بالتبعية الأوروبية والتأثير الذي توفره لهم

سيكون من المقبول الحفاظ على كون أميركا ضرورية ولا غنى لأوروناس عنها لو أن اهتمام الولايات المتحدة ومواردها لا حدود لهما. بيد أن التحدي للولايات المتحدة يكمن في أنه  لا يوجد سوى قدر محدود من الاهتمام لدى المسؤولين الرفيعي المستوى لتوزيعه على القضايا شتى. إن الوقت ثمين والكفاح من أجل الحصول على الموارد ضمن الحكومة ومجلس الكونغرس، غالباً ما يكون لعبة صفرية [يعني ذلك أن ما يكسبه طرف، يخسره الطرف الآخر، فيكون المجموع لديهما صفراً]. علاوة على ذلك، ليست المصادر العسكرية الأميركية بلا حدود، على الرغم من وجود موازنة بـ750 مليار دولار (حوالى 754 مليار يورو). ويؤدي هذا إلى صراع داخلي بيروقراطي مكثف حول المنطقة أو مسرح العمليات الذي يجب أن يحظى بالأولوية لدى الولايات المتحدة كي ينال المقدار الأكبر من اهتمام كبار المسؤولين وموارد الدولة الأميركية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وباشرت إدارة بايدن مهماتها بإعطاء آسيا الأولوية. وأصابت حين وصفت الصين بأنها "التهديد الذي يحدد الإيقاع" [التهديد الأهم من كل ما عداه]. غير أن الغزو الروسي وضع حالياً أوروبا موقتاً في صدارة الصراع البيروقراطي من أجل الحصول على الموارد ونيل الاهتمام. ونتيجة لذلك، استقبلت أوروبا سيلاً من كبار المسؤولين في الولايات المتحدة ممن زاروها ومن القوات الأميركية الإضافية أيضاً، [إذ جاء] 20000 عسكري إضافي بحلول نهاية شهر يونيو (حزيران) 2022 الذين توجهوا إلى كل مكان في أوروبا، من دول البلطيق وبولندا إلى إيطاليا وإسبانبا.

واستطراداً، أشاد مسؤولون أوروبيون بعودة الولايات المتحدة إلى القارة. ولكن وفق ما بشرت به زيارة نانسي بيلوسي إلى تايوان، فإن رقاص ساعة السياسة الخارجية سيعود في نهاية المطاف إلى آسيا. وستفقد أوروبا هذه المعركة التي لا نتيجة لها حول اهتمام الولايات المتحدة ومواردها.

حقبة جديدة لأوروبا

في الظاهر، يبدو الغزو الروسي لأوكرانيا بمثابة الصدمة التي من شأنها أن تؤدي أخيراً إلى إجبار أوروبا على قبول مناشدة الولايات المتحدة لها من أجل زيادة إنفاقها الدفاعي. في الغالب، ستحقق الدول الأوروبية هدف الإنفاق على الدفاع الذي حدده حلف "الناتو" بـ2 في المئة من إجمالي الدخل الوطني. وأعلنت ألمانيا أن ثمة "حقبة جديدة" وأقرت زيادة في الإنفاق الدفاعي بلغت 100 مليار يورو (نحو 99.65 مليار دولار). كما التزمت أوروبا إنفاق حوالى 200 مليار دولار (نحو 199.24 مليار يورو) في الأعوام المقبلة. وينبغي أن يؤدي التمويل الإضافي إلى تحسين القدرات التعيسة للقوات المسلحة الأوروبية ويقوي حلف "الناتو" ويقلل بعض [جوانب] الاعتماد القتالي الأساسي لأوروبا على الولايات المتحدة.

في المقابل، من غير المرجح أن زيادة الإنفاق ستخفف كثيراً من وطأة الضغط على القوات الأميركية، أو تذهب بعيداً بما يكفي على المدى الطويل. وعلى امتداد الأشهر الستة الماضية، أرسلت دول أوروبية كميات هائلة من المعدات المتقدمة إلى كييف. وعمدت دول أوروبا الشرقية إلى تجريد أساطيلها من المعدات التي تعود إلى الحقبة السوفياتية ووضعها في أيد أوكرانية. كذلك بعثت دول غربية بمجموعة متطورة من الأسلحة المضادة للدبابات والمدفعية، مما أدى إلى استنفاد المخزونات [لديها] التي لا بد من تعويضها في النهاية. وعلاوة على ذلك، إن معدل التضخم الآخذ في الارتفاع يؤدي أيضاً إلى تآكل قيمة الزيادات في الإنفاق الدفاعي.

وتتمثل المشكلة البنيوية الأكثر أهمية في أن زيادات الإنفاق الدفاعي الأوروبي لا تصب في مصلحة الدفاع الأوروبي الجماعي بل تعزز الدفاع الوطني لكل دولة على انفراد. بالتالي، لا تنفق أوروبا المال من أجل حماية القارة ككل، لكن الولايات المتحدة هي التي تفعل ذلك. وتوفر واشنطن القدرات الدفاعية الحساسة، إضافة إلى المعدات المتطورة (النقل والتزود بالوقود جواً، والدفاع الجوي والصاروخي) التي تعطي أوروبا القدرة على القتال من أجل أوروبا. ولن يذهب أي قدر من الإنفاق الإضافي تقريباً إلى حيازة أشياء تمكن أوروبا من القتال كأوروبا [القارة الواحدة]، بالتالي تقليل الضغط على القوات المسلحة الأميركية. وبمقدور ألمانيا، نظراً إلى حجمها، أن تملأ بعض الثغرات، إلا أن حاجاتها كبيرة جداً في جوانب أخرى، منها مثلاً استبدال كميات ضخمة من المعدات ورفع جاهزية قواتها. تملك القوات المسلحة في الدول الأوروبية القدرات التي يحددها حلف "الناتو" ويضمن ذلك لتلك الدول إمكان أداء أدوار معينة. في المقابل، حددت تلك الأهداف وصممت من أجل مساعدة القوات الأوروبية في التكامل مع [قوات] الولايات المتحدة من خلال حلف "الناتو"، مما يعني أن الاعتماد على القوات المسلحة الأميركية يشكل جزءًا راسخاً فيها [القوات الأوروبية]. وعلى الرغم من إنفاق مبالغ هائلة على الدفاع، لا يزال من المرجح أن تعتمد أوروبا على الولايات المتحدة، مما يؤدي إلى التشديد على المشكلة الأوسع في النهج الحالي للأمن الأوروبي.

 

خلل وظيفي في الدفاع

ينبغي أن يكون الاتحاد الأوروبي قوة عسكرية عالمية إذ ينفق بشكل جماعي 200 مليار دولار سنوياً على الدفاع، وتعادل اقتصاداته اقتصاد الولايات المتحدة، وكذلك ترتبط دوله الأعضاء مع بعضها بعضاً في اتحاد سياسي. ومع ذلك، فإن الجيوش الأوروبية في حال يرثى لها، على الرغم من الزيادات في الإنفاق الدفاعي منذ عام 2014. لا تحتاج أوروبا إلى الاكتفاء بأن تنفق أكثر على الدفاع، بل يلزمها أن ترشد جهودها وتضمن تكاملها. في المقابل، تصطدم الاقتراحات الرامية إلى إصلاح الدفاع الأوروبي حتماً بمعارضة أميركية وحروب بيروقراطية على مناطق النفوذ (خصوصاً بين حلف "الناتو" والاتحاد الأوروبي) وبمواقف وطنية ضيقة، فضلاً عن مصالح تجارية وسياسية راسخة.

 

وبوصفها الضامن للأمن الأوروبي، يتعين على الولايات المتحدة أن تقود عملية التحول من خلال الإصرار على إنشاء ركيزة أوروبية قوية في حلف "الناتو" تكون قادرة على الدفاع عن القارة. وستسعى أوروبا جاهدة من أجل العمل كقوة واحدة ضمن "الناتو"، إذ سوف يركز الحلف على تحويل القوات الأوروبية إلى قوة قتالية مقتدرة مع الولايات المتحدة أو من دونها. وكذلك يتطلب صنع ركيزة أوروبية ضمن الحلف، تمكين الاتحاد الأوروبي بوصفه اتحاداً سياسياً واقتصادياً يرعى مصالح أوروبية أوسع. وتوفر العملة المشتركة للاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الدعامة المالية المحتملة بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، كي يتبنى دوراً دفاعياً بارزاً. يتمتع الاتحاد بنفوذ قانوني ومؤسساتي لتحفيز الامتثال والتنسيق على الصعيد الوطني، ولكل منهما أهمية بالغة في ترشيد قطاع الصناعات الدفاعية داخل أوروبا الذي يصعب التعامل معه بسبب تعقيداته وضخامته. إن هدف الاتحاد الأوروبي ليس تشكيل جيش أوروبي بل تمكين أوروبا من الدفاع عن نفسها.

يجب أن تصر الولايات المتحدة على إنشاء ركيزة أوروبية قوية في حلف شمال الأطلسي

يمكن للاتحاد الأوروبي أن يضطلع بدور الممول الرئيس للدفاع الأوروبي، ويسد الثغرات التي يفوق ملؤها قدرة الدول الأعضاء على غرار شراء [أنظمة] دفاع جوي وصاروخي وناقلات جوية و[معدات] نقل. ولا شيء يمنع الاتحاد الأوروبي من شراء معدات عسكرية بغية توفيرها للدول الأعضاء فيه أو لحلف "الناتو". ومثلاً، يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يمول استحواذ مخزونات ضخمة من الذخائر وقذائف المدفعية وصواريخ موجهة بدقة (التي نفدت لدى أوروبا خلال التدخل في ليبيا). وأدى الاتحاد الأوروبي فعلاً دوراً مشابها في أوكرانيا، إذ قدم 2.5 مليار يورو (حوالى 2.48 مليار دولار) من صندوق المساعدة الفتاكة الجديد من أجل إعادة الامتلاء إلى موازنات الدفاع لدول تزود أوكرانيا بالأسلحة. وفي يونيو، أعلنت المفوضية الأوروبية أيضاً إنشاء صندوق بـ500 مليون يورو (حوالى 497.42 مليون دولار) من أجل تحفيز الدول على تنسيق إنفاقها الدفاعي الجديد وإنجاز عمليات شراء مشتركة وزيادة قابلية التشغيل المتبادل وأداء الأعمال بكفاءة أفضل مع توسيع حجم الإنتاج.

واستكمالاً، إن الأمور الواردة آنفاً تعتبر مبادرات مهمة من أجل تكامل جهود الدفاع الأوروبية وترشيدها، ويجب على الولايات المتحدة أن تضغط على الاتحاد الأوروبي من أجل توسيع هذه البرامج بصورة كبيرة. وعلى الرغم من أن إدارة بايدن وصفت نفسها بأنها الإدارة الأكثر تأييداً لأوروبا على الإطلاق، فإن بوسعها أن تدعي أنها جديرة بهذا اللقب على أساس التعاون الاقتصادي وحده، إذ حافظت في ميدان الدفاع على الشكوك التقليدية للولايات المتحدة إلى حد كبير. ولم تشجع بشكل فاعل مبادرات الاتحاد الأوروبي الدفاعية ولم تحثه على توسيع هذه المبادرات. ومثلاً، حينما حضر الرئيس جو بايدن قمة "المجلس الأوروبي" في مارس (آذار) 2022 خلال الأسابيع الأولى من الحرب، فوت فرصة ذهبية لدعم اقتراح كان مطروحاً على طاولة البحث من أجل اقتراض الاتحاد الأوروبي الأموال بهدف الاستثمار في الدفاع. وببساطة، لو أخبر الرئيس بايدن القادة الأوروبيين أن الاتحاد الأوروبي بوسعه أن يستدين المال لأغراض عسكرية، تماماً على غرار ما فعل مع جائحة "كوفيد- 19"، لاستطاع أن يساعد على التبشير ببدء حقبة جديدة في مجال الدفاع الأوروبي. تحتفظ الولايات المتحدة بنفوذ هائل في أوروبا،  لا سيما في ما يتعلق بالدفاع. وإذا أراد الاتحاد الأوروبي أن يؤدي دوراً دفاعياً أكثر تميزاً، فسيحتاج إلى دعم قوي من الولايات المتحدة.

من تابع إلى شريك

يتمحور السؤال الذي يجب أن يطرحه المسؤولون الأميركيون على أنفسهم حول كون هدفهم متمثلاً في جعل الولايات المتحدة جهة لا غنى عنها بالنسبة إلى أوروبا، أو أنه يتجسد في جعل أوروبا شريكاً لا غنى عنه بالنسبة إلى الولايات المتحدة، إذ لن تؤدي أوروبا القادرة على الاهتمام بأمنها إلى تصدع حلف "الناتو"، أو إلى حضه على الانفصال عن الولايات المتحدة. وسوف تتعزز الروابط عبر الأطلسي مع تعزيز قوة أوروبا.

وما على المرء إلا أن ينظر إلى ما يحصل على الصعيد الاقتصادي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. إن الحاجة إلى تعاون عبر الأطلسي من أجل إرساء القواعد الاقتصادية للطريق التي ينبغي التزامها في مواجهة الصين الصاعدة، شجعت على إطلاق "مجلس التجارة والتكنولوجيا  للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي" U.S.-EU Trade and Technology Council. وبشكل عام، أدى [المجلس] إلى تحسين العلاقات عبر الأطلسي بشكل دراماتيكي. إن أوروبا الأكثر قوة التي تملك قوى برية وجوية وبحرية مقتدرة، ستكون بمثابة النعمة للولايات المتحدة وحلفائها الآسيويين. ومن شأنها أيضاً أن تشجع على تحقيق تنسيق أقوى ضمن حلف "الناتو" إذ ستتوقف الولايات المتحدة عن الاستهانة بأوروبا.

واستطراداً، ينبع التهديد الحقيقي للتحالف عبر الأطلسي من الوضع الراهن. ولقد كانت الجهود التي قادتها الولايات المتحدة على امتداد 25 عاماً من أجل منع الاتحاد الأوروبي من أن يكون قوة عسكرية مستقلة، ناجحة إلى حد كبير. وعلى الرغم من أن هذا الأمر حافظ على أن تكون الولايات المتحدة لا غنى عنها [لأوروبا]، لكنه جعل الدفاع الأوروبي في وضع يكاد لا يبارى في مدى سوئه. وهناك أيضاً خطر واضح من أن تقرر الولايات المتحدة مستقبلاً أنها لم تعد راغبة في أن تكون [قوة] لا غنى عنها بالنسبة إلى أوروبا. ويمكن أن يكون الرئيس المقبل مناهضاً للتعاون عبر الأطلسي تماماً على غرار ما كانه دونالد ترمب أو جوش هاولي [سيناتور عن ولاية ميسوري]، وقد صوت الأخير ضد عضوية السويد وفنلندا لحلف "الناتو" في 3 أغسطس (آب) 2022. ولكن، من المحتمل بالقدر ذاته أن ينتهي الأمر إلى نتيجة تتضمن تخفيض مستوى أوروبا، والاستهانة بروسيا مرة أخرى مع اعتبار أنها، بشكل خاطئ، ليست سوى نمر من ورق، ويعاني التحالف عبر الأطلسي لأن الشريك الذي لا غنى عنه [أميركا] يفقد اهتمامه [بالشراكة].

ولتفادي هذا المستقبل، يجب أن تعترف الولايات المتحدة أنها تريد من أوروبا أن تكون شريكاً لا غنى عنه يمكنه أن يتمتع بالندية مع أميركا. بالتالي، سيكون اتباع مثل هذه الاستراتيجية وبناء ركيزة أوروبية داخل حلف "الناتو"، عملية يستغرق إنجازها جيلاً كاملاً وتستدعي مشاركة مكثفة من الولايات المتحدة وتدفع الحلفاء والشركاء الأوروبيين نحو اتجاه جديد. لقد حان الوقت الآن لبدء عملية التحول.

ماكس بيرغمان هو مدير برنامج أوروبا في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" وعمل في وزراة الخارجية الأميركية بين عامي 2011 و2017

فورين أفيرز

يوليو (تموز)/ أغسطس (آب) 2022

المزيد من آراء