Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تساؤلات عن النظام الدولي والنفوذ الأميركي والشرق الأوسط

الحديث عن نظام دولي متعدد الأقطاب لوجود قوى وتكتلات اقتصادية لا يعنى أن الولايات المتحدة ستتخلى عن موقعها القيادي

لن تتخلى الولايات المتحدة عن موقعها القيادي في الحفاظ على توازن القوى العالمي (أ ف ب)

قد يميل بعض المحللين إلى تفسير التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا ضمن أسباب تتعلق بالجانب الروسي والرغبة في استعادة التاريخ، بما يعني روسيا قوية وذات مكانة على المسرح الدولي، وما يرتبط بها من أجواء الحرب الباردة.

لكن في تصوري يمكن النظر إلى الطرف الآخر من الأزمة، الطرف الأميركي وإلى جانبه الأوروبي، وهنا ربما يمكننا الحصول على أجوبة لتساؤلات عدة، هل نحن بصدد نظام دولي جديد كما يتوقع بعضهم؟ وهل حقاً هناك أفول للدور الأميركي في النظام العالمي لمصلحة الصعود الصيني والروسي؟ ولماذا شجع كل من الـ "ناتو" والدول الأوروبية وواشنطن أوكرانيا على الوقوف أمام روسيا؟ هل كانت هناك نية مسبقة للتدخل عسكرياً إلى جانبها أم كان الهدف استنزاف روسيا اقتصادياً وعسكرياً؟

ربما الإجابة عن هذه التساؤلات تفسر لنا كدول عربية لماذا أعلنت واشنطن أن الشرق الأوسط لم يعد على أولوية قائمة مصالحها الحيوية ومصادر التهديد، ومن ثم بدأت الانسحاب التدريجي من الانخراط في المنطقة.

أفول الدور العالمي للولايات المتحدة

بالنسبة إلى التساؤل، هل يتشكل حقاً نظام دولي جديد؟ على اعتبار أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا محركها الرئيس حرب بين روسيا والغرب، فالنظام الدولي كالكائن الحي ينمو ويتغير ويتداعى أحياناً وينهار. يعرف النظام الدولي بأنه مجموعة التفاعلات والأنشطة السياسية الدولية التي تنتج منها أنماط مختلفة من العلاقات ومرتبطة بقواعد ومعايير سلوكية وهياكل مؤسسية وأطر تنظيمية محددة، وتحدد آليات حل النزاعات وتسوية الخلافات، ومن ثم فإن سقوط النظام الدولي الذي تأسس منذ العام 1864 وحتى العام 1946، وكان مركز السياسة العالمية حينها أوروبياً، تتولى فيه بريطانيا مسؤولية الحفاظ على توازن القوى العالمي ضد أي صعود محتمل لقوى أخرى، كان مؤشراً إلى نظام دولي جديد وصعود قوة دولية جديدة متحكمة في السياسة العالمية التي اتسمت بالحرب الباردة وحروب الوكالة وسباق التسلح ونشأة منظمة الأمم المتحدة ووضع قواعد دولية جديدة، وانهار النظام بتفكك أحد لاعبيه الرئيسين وهو الاتحاد السوفياتي.

اليوم ومنذ سنوات والحديث يدور عن أفول الدور العالمي للولايات المتحدة مع الاستشهاد بمؤشرات التعددية القطبية وتنامي الكيانات الاقتصادية التي تنافس الولايات المتحدة والصعود الروسي والصيني، وإعادة توزيع القوة في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية مع استمرار احتفاظ الولايات المتحدة بالتفوق العسكري.

لكن للإجابة عن هل نحن بصدد نظام دولي جديد، يجب أن نتساءل هل استحدثت قواعد ومعايير للسلوك الدولي؟ هل هناك آليات جديدة للتنظيم الدولي، أم حتى أن الصين تتبع القواعد الغربية نفسها في الاقتصاد والتجارة الدولية، وتقترب من الغرب في تحركها الدولي في ما عدا احتفاظها بخصوصيتها الثقافية؟

أما التساؤل المتعلق بالدور الأميركي في النظام الدولي وما إذا كان يشهد أفول أو ضعف القوة الأميركية في بعض النواحي، فيمكن أن نقف على كيفية تحقق الهيمنة الأميركية واستمرارها لعقود، لنكتشف أن الولايات المتحدة تتبع النهج نفسه منذ العام 1783 وحتى الآن، وذلك للحفاظ على دورها في حفظ توازن قوى النظام الدولي ضد صعود المنافسين، ومن ثم ما زالت واشنطن تحاول الحفاظ مع شركائها على مكانتها وريادتها في النظام الدولي.

المهيمن الإقليمي

بشكل أكثر تفصيلاً، نجد أنه منذ حصولها على الاستقلال من بريطانيا عام 1783 حرصت على التخلص من أي قوى معادية لها في الأميركيتين لتتخلص من الإمبراطوريتين الإسبانية والبريطانية، ولتصبح القوى المهيمنة الوحيدة في نصف الكرة الغربي، وعملت السياسات الأميركية فيما بعد على ترسيخ هذا المبدأ وإبعاد أي وجود أوروبي في الأميركيتين، وصدر مبدأ "مونرو"، إذ حرصت الولايات المتحدة على الحفاظ على موقعها كالمهيمن الإقليمي في النظام العالمي، وقاومت أي صعود محتمل لأي قوى دولية جديدة، فالقوى العظمى تقاوم أي قوى صاعدة تتبع نهجها نفسه نحو الهيمنة، أي أنها بعدما طردت أي وجود أوروبي في الأميركيتين وأصبحت خاضعة للهيمنة الإقليمية، عملت الولايات المتحدة على التصدي للصعود النازي في ألمانيا واليابان والاتحاد السوفياتي والصين أخيراً، وبالتالي لا تريد الولايات المتحدة صعود منافسين إقليميين في النظم الإقليمية الأخرى لتناوئها في النظام الدولي، ولذا يشير مبدأ "مونرو" ومن بعده التوجيه الدفاعي لجورج بوش عام 1990 واستراتيجية الأمن القومي الأميركي خلال إدارة بوش الابن إلى أن الولايات المتحدة هي أقوى دولة في العالم، ولن تتسامح مع ظهور منافسين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبالنظر إلى استراتيجية الأمن القومي خلال أوباما التي أشارت إلى التحول نحو آسيا، وتلك التي صدرت خلال جو بايدن، نصت على أن أولويات الأمن القومي تتطلب ضمان أمن أميركا القومي، وفي جوهره ما يلي: الدفاع عن المصادر الأساس للقوة الأميركية، بما في ذلك الترويج لتوزيع ملائم للقوة لردع الخصوم ومنعهم من التهديد المباشر للولايات المتحدة وحلفائها، ومنع الوصول إلى الهيمنة على المناطق الرئيسة في العالم، وقيادة والحفاظ على نظام دولي مستقر ومنفتح.

أي أنه على الرغم من أن أولويات الإدارة الأميركية التي تركزت على إعادة التماسك الداخل الأميركي، لا سيما بعد ولاية دونالد ترمب وازدهار الاقتصاد وتعزيز فرص العمل، بما أوحى لبعضهم أن واشنطن أعطت الأولوية لقضاياها الداخلية الملحة، فإن هذا ارتبط بقضايا السياسة الخارجية الملحة المرتبطة بصعود قوى منافسة في النظام الدولي نتيجة إعادة توزيع مصادر القوة، بما قد يخل بتوازن القوى القائم في النظام الدولي الذي أسسته الولايات المتحدة، أي أن الولايات المتحدة شأنها شأن القوى العظمى عبر التاريخ، تكون أكثر حساسية تجاه أية تغييرات في توزيعات القوة العالمية.

استنزاف طاقات روسيا

ومن ثم فإن الحديث عن نظام دولي متعدد الأقطاب لوجود قوى وتكتلات اقتصادية لا يعنى أن الولايات المتحدة ستتخلى عن موقعها القيادي في الحفاظ على توازن القوى العالمي، وهو ما يفسر اتفاق "أوكوس" الأمني بين واشنطن وأستراليا وبريطانيا لمناهضة الهيمنة الإقليمية للصين في منطقة الـ "أندو باسيفيك"، كما يفسر تحالفها مع اليابان وسنغافورة والهند وكوريا الجنوبية لمقاومة الصعود الصيني في آسيا، وهو ما ينطبق بطبيعة الحال على وجود الـ "ناتو" في دول شرق أوروبا ودعم أوكرانيا في مواجهة روسيا من دون التدخل عسكرياً، بما يعني استنزاف طاقات روسيا اقتصادياً وعسكرياً وفرض عقوبات دولية عليها، لتعطيل الصعود الروسي الذى قد يخل بتوازن القوى في أوروبا.

أما عن موقع الشرق الأوسط ضمن الاستراتيجية الأميركية فيمكن تفسير غياب الشرق الأوسط عن استراتيجية الأمن القومي الأميركي أخيراً في أنها لم تعد مكوناً رئيساً في معادلات توازن القوى بين الولايات المتحدة والقوى المنافسة لها، على عكس الوضع في الخمسينيات حينما كان الشرق الأوسط جزءاً من الحرب الباردة واحتواء النفوذ السوفياتي.

اليوم قد تمثل بعض المصالح المرتبطة بضمان أمن وسلامة تدفق الطاقة ما يهم القوى الغربية عموماً، إلى جانب قضايا الهجرة غير الشرعية واللاجئين، أما إدارة جو بايدن فتعاملت مع الشرق الأوسط بأن أهم قضاياه هي الملف النووي الإيراني لارتباطه بأولويات الإدارة في مكافحة الانتشار النووي وسباق التسلح، لكن كلها قضايا لا تضع المنطقة ضمن المصالح أو مصادر التهديد التي تؤثر في الصراع بين القوى الكبرى والصاعدة حول توازن القوى العالمي، والسعي إلى الحفاظ عليه في مواجهة سعي القوى الصاعدة إلى تغييره.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل