Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فرنسا قلقة من أوضاع بريطانيا بعد أن صارت "رجل أوروبا المريض"

تحذيرات في المملكة المتحدة تدعو رواد الشواطئ لعدم السباحة في مياه البحر بسبب مخاوف تلوثها بالصرف الصحي

اكتشف الفرنسيون أن شركات المياه بالمملكة المتحدة تقوم بتصريف مياه المجاري في البحر (رويترز)

فقط لأن الوزراء الإنجليز ورؤساء تحرير صحف (التابلويد) الشعبية البريطانية لا يجيدون اللغة الفرنسية، لا يعني أن نظراءهم في الجهة المقابلة على شواطئ القنال الإنجليزي لا يجيدون اللغة الإنجليزية. 

فخلال بضعة أسابيع، تحولت بريطانيا إلى بطلة للمضحكات المتداولة في فرنسا حول رجل أوروبا العجوز الملطخ بالأوساخ، والدولة حيث تتكدس القمامة وروائحها الكريهة خلال فصل الصيف الحار في شوارع مدينة إدنبره الاسكتلندية التي تشهد حالياً فعاليات أكبر مهرجان صيفي من نوعه في أوروبا للفنون والموسيقى والمسرح والثفافة.   

إن الطوابير اللامتناهية للمسافرين الراغبين في قضاء عطلتهم الصيفية تسببت بها عملية "بريكست" على حدود مدينة كاليه الفرنسية ومرفأ دوفر البريطاني التي تثير الشفقة في فرنسا، وكذلك التقارير الدورية عن إضرابات بريطانيا التي تنقل أخبارها قنوات التلفزيون الفرنسي والإذاعات وتتحدث كلها عن سقوط المملكة المتحدة في فخ الإضرابات المستمرة والتي وصفها الإعلام الفرنسي بأنه "موسم صيف بريطاني يعمه الاستياء" summer of discontent، في تذكير لعقد السبعينيات من القرن الماضي عندما كان ينظر إلى بريطانيا على أنها رجل أوروبا المريض.

في فرنسا، أصبح مراسلو الصحف البريطانية ومن بينهم مراسل صحيفة "ديلي تيليغراف"، نجوماً في نقاشات برامج التلفزيون الحوارية التي تتناول أسباب تردي الأوضاع في بلد "الروست بيف" roast beef [في إشارة تهكمية إلى المطبخ الإنجليزي وطبق اللحم البقري الذي يتم طهيه في الفرن يوم الأحد والأعياد]. والمراسلون مسموح لهم أن يذكروا "بريكست" كأحد الأسباب (في تناقض صارخ للمتاح لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي BBC) التي أسهمت في مفاقمة الزيادة في مستوى التضخم وغلاء أسعار المنتجات الغذائية وانخفاض القدرة الشرائية لذوي الدخل المتواضع.

تابع الفرنسيون باهتمام كبير المسلسل الدارمي الذي أدى إلى إطاحة بوريس جونسون كرئيس للوزراء، ولا يزال الفرنسيون يتذكرون المناشدة التي أطلقها جونسون للرئيس ماكرون، مطالباً إياه بلغته الفرنسية "المأنجلزة" "امنحونا [بالفرنسية] فرصة [بالانجليزية] لو سمحتم!" donnez-nous un break في سياق الخلاف الفرنسي البريطاني على حقوق الصيد، ولا أحد في فرنسا نجح في فهم لماذا حظرت "بريكست" أيضاً على صغار الفنانين البريطانيين المشاركة في حفلات مهرجانات الصيف الكثيرة في فرنسا، أو لماذا فرض جونسون خروجاً قاسياً كهذا لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مما حظر على البريطانيين إمكان تملك منزل ثان بسعر منخفض في إحدى النواحي الفرنسية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن هناك أمراً وحيداً يرفض الفرنسيون تقبله، وهو أن يقوم البريطانيون الوسخون بتسميم طعامهم. إن أسواق السمك على سواحل فرنسا الأطلسية تعتبر قبلة المأكولات البحرية العالمية الفاخرة وأسماك الماكريل الطازجة والساحرة والقاروص البحري والكركند وسرطان البحر والهلبوت وبلح البحر والسلمون المرقط والسردين والمحار التي يتم صيدها صباح كل يوم من مياه البحر قبل الفجر لتباع إلى الراغبين بعد مدها على قطع كبيرة من الرخام في الأسواق الفرنسية، حيث يقوم بائعو السمك ومعظمهم من النساء بتقطيع الأسماك بحرفية كبيرة أو بفتح ثمار البحر وإعدادها ليتم استهلاكها خلال ساعات بعد شرائها.  

من منطقة بولوني في أقصى الشمال، إلى بياريتز في الجنوب، تتمتع كل مدينة أو حتى نصف منطقة على الساحل الغربي الفرنسي بسوق زاخرة وغنية بالأسماك الشهية، أسواق خسرناها هنا في بريطانيا منذ زمن طويل لمصلحة استهلاكنا لمجرد أصابع السمك المثلجة المعروفة بـ"فيش فينغرز" fish fingers، أو فيليه السمك الموضبة في صحن من البلاستيك التي نشتريها من متاجر "سينزبوريز" Sainsbury’s. 

في هذه الأيام وبسبب قراءتهم للصحف البريطانية، اكتشف الفرنسيون أن شركات المياه في المملكة المتحدة التي تمت خصخصتها تقوم بتصريف مياه المجاري في البحر. بعد مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي أصبح من الممكن إنتاج لحوم الأغنام والأبقار المعدلة جينياً، مما سيعني قتل تجارة المملكة المتحدة، خصوصاً صادرات لحم الغنم إلى القارة الأوروبية.

وكل ذلك يعني أيضاً أن المملكة المتحدة أصبحت في حل من التقيد بالقوانين القاسية للاتحاد الأوروبي وإجراءاته في ما يتعلق بما يمكن تصريفه في البحر من عدمه. فقد صوت نواب حزب المحافظين البريطاني لمصلحة تخفيف القيود على مسألة تصريف مياه المجاري نحو الأنهر التي تصب مباشرة في البحر، أو تحويل ما تنقله مجارير المدن الساحلية ومناطقها المختلفة ليصب في البحر.

في الآونة الأخيرة، ملأت تقارير العواصف والأمواج العاتية التي ضربت سواحل المناطق بين لا روشيل وبوردو قنوات التلفزيون الفرنسية، ولاحظنا رفع لافتات تحذر المواطنين من السباحة بسبب التيارات القوية التي قد تسحب من لا يتنبهون للأمر إلى الأعماق ليغرقوا.

ونشرت وسائل الإعلام الفرنسية أيضاً صوراً تحذر المصطافين البريطانيين من السباحة في أجزاء من سواحل إنجلترا وويلز المطلة على القنال الإنجليزي خوفاً من التقاط عدوى جراء التعرض لمياه المجاري وما تحويه من فضلات البراز، (و"تباً" لكم ولي)، التي قامت شركات المياه البريطانية التي تحقق أرباحاً خيالية بتصريفها في مياه البحر المشتركة مع فرنسا.

ولهذا طالب نواب فرنسيون في البرلمان الأوروبي يمثلون إقليم النورماندي ومناطق ساحلية فرنسية أخرى باريس باتخاذ إجراءات وفق اتفاق الخروج الموقع بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، داعين المفوضية الأوروبية ومحكمة العدل الأوروبية للعمل على محاولة دفع الحكومة البريطانية إلى فرض منع على شركات المياه في البلاد من مواصلة تدمير الثروة السمكية وثمار البحر التي تعتمد عليها مدن ساحلية فرنسية كثيرة لتأمين قوت أبنائها.

والمعلوم أن هناك معاهدات ومواثيق دولية، إضافة إلى تلك الأوروبية، تهدف إلى حماية جودة المياه في البحار حيث يسبح الإنسان والأسماك. لا شك في أن المجانين من حزب المحافظين البريطاني الذين يعانون من "رهاب فرنسا" (فرانكوفوبيا) ويكرهون الرئيس ماكرون، كما الصحافة المؤيدة لـ"بريكست" سيستنكرون أي إشارة إلى أن بريطانيا قد تأمر شركات المياه بعدم تسميم الأسماك الفرنسية أو ألا تسمح لأوساخها في الوصول إلى الشواطئ الفرنسية وتلويثها.

من وجهة النظر الاقتصادية، لقد حول "بريكست" بريطانيا إلى رجل أوروبا المريض، وبسبب بوريس جونسون أصبحت لدى البريطانيين سمعة أنهم رجل أوروبا العجوز والوسخ، وهذه كانت آخر هدية يقدمها جونسون إلى البريطانيين قبل سقوطه النهائي في مزبلة التاريخ. 

دينيس ماكشاين، وزير الشؤون الأوروبية السابق في حكومة توني بلير العمالية في المملكة المتحدة  

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 26 أغسطس 2022

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء