بصورة دائمة لم يكن العامل المتوسط في المملكة المتحدة يعيش حياة رخاء، خلافاً لما يتخيله المسؤولون عن السياسات الاقتصادية في البلاد، فقد بلغ متوسط دخل الأسرة المتوسطة [السنوي] بعد احتساب الضرائب 31383 جنيهاً إسترلينياً (37 ألف دولار تقريباً) عام 2021 وفق "مكتب الإحصاءات الوطنية".
ومن ناحية أخرى تشير "الهيئة الملكية للإيرادات والجمارك" إلى أن متوسط المداخيل بلغ 26 ألف جنيه قبل احتساب الضرائب و23500 جنيه بعد احتساب الضرائب بين عامي 2019 و2020.
في المقابل تنسى تلك الهيئة المساهمات [التي يدفعها المواطن] في التأمين الوطني التي قد تخفض هذا المبلغ بنحو 2000 جنيه، واشتراكات التقاعد شبه الإلزامية التي قد تحسم 800 جنيه أخرى بعد احتساب الإعفاءات الضريبية، ما يترك 20700 جنيه للإنفاق الحقيقي السنوي. ويعني ذلك أن الأسرة المتوسطة تحتاج إلى وجود شخصين بالغين يعملان حتى تتمكن من تلبية متطلباتها فعلياً، ويشير ذلك أيضاً إلى أن متوسط العوائد في المملكة المتحدة يعني كسب أقل من 15 جنيهاً في الساعة.
هل تستطيع أسرة كهذه أن تعيش أسلوب حياة لائقة بهذا المستوى من الدخل؟ لأن قدرة هذه الأسرة على تحمل كلف رهن عقاري [لشراء منزل] مستبعدة بشدة. تكتسب الإيجارات أهمية هنا، والآن تفوق الإيجارات المتوسطة في المملكة المتحدة 1100 جنيه في الشهر، أو أكثر 13 ألف جنيه في السنة.
ويبلغ متوسط الضريبة البلدية حوالى 2000 جنيه، وتبلغ قيمة فواتير المياه حوالى 400 جنيه كمعدل وسطي، وقد تكلف فواتير الهواتف العائلة ما يصل إلى 1000 جنيه في السنة، وتضيف خدمات الإنترنت بالنطاق العريض إلى تلك الكلفة ما يقدر بـ300 جنيه في السنة، ثم تأتي كلف الطاقة التي تقترب الآن من 2000 جنيه سنوياً، وتوشك أن ترتفع.
وإذا أضيفت إلى ذلك سيارة فستكلف ما لا يقل عن 3 آلاف جنيه في السنة وربما أكثر، وبينما يمكن إطعام عائلة بمبلغ 100 جنيه في الأسبوع، ويعد ذلك إنجازاً، إلا أنه يولد فاتورة تسوق بقيمة 5 آلاف جنيه أو ما إلى ذلك في السنة، وبعد إضافة هذه المبالغ كلها إلى بعضها بعضاً يصل المجموع إلى أكثر من 26 ألف جنيه في السنة، مما يترك للأسرة المتوسطة (قبل الزيادات في أسعار الطاقة وغيرها) دخلاً متبقياً متاحاً للإنفاق لا يتجاوز ربما 5 آلاف جنيه في السنة.
واستطراداً يتوجب أن يكون هذا المبلغ كافياً لتسديد كلف شراء الملابس، بما في ذلك الزي المدرسي وصيانة البيت وتمضية بعض الأمسيات خارج المنزل والسفر في عطلة متواضعة والاحتفال بعيد الميلاد والادخار للأيام العصيبة، ومن غير المرجح أن يتبقى أي شيء قبل أن يأتي استحقاق إضافي بمبلغ الـ 2000 جنيه الذي قد يطرأ على فواتير الطاقة قريباً جداً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتضح من هذا كله أن صاحب الدخل المتوسط في المملكة المتحدة يعاني بالفعل تلبية متطلباته، وبصراحة فمن المرجح أن يواجه كل شخص أو أسرة في هذا الوضع صعوبة مالية، وسيكون لزاماً عليهم بالفعل اتخاذ خيارات صعبة، وكل ما يخل بتوازن أوضاعهم المالية يضعهم حرفياً في وضع يتجاوز قدرتهم على التحمل.
ويصح ذلك لأسباب ليس أقلها أن هذه العائلات نادراً ما تحتفظ بأي مدخرات كبيرة، لأن موازناتها تخضع بالفعل إلى ضغوط قصوى، واستناداً إلى ذلك تعتبر فرصها في الادخار من أجل الحصول على دفعة أولى لشراء منزلها الخاص ضئيلة، في حين أصبح توفير أي مبلغ لأي شيء غير المعاش التقاعدي الأساس في حكم المستحيل، والواقع أن هاتين الضرورتين، المنزل والمعاش التقاعدي الأساس، اللتين وفرتا الضمانة المالية للأجيال السابقة، باتتا غير متوافرتين الآن للأسر المتوسطة.
ويصح الأمر نفسه على شيء آخر لم يعد في متناول هذه الأسر وقد تستاء بسببه إلى درجة أكبر حتى، فإذا كانت الأسرة المتوسطة قد صوتت ذات يوم لمصلحة حزب المحافظين فقد يرجع ذلك إلى تطلعاتها وقتذاك في شأن أطفالها.
لقد دعمت الأسر الأطفال الموهوبين في الرياضة أو الموسيقى أو أي شيء آخر، وكذلك ساعدت الأطفال الذين يعانون في تعلم مواد معينة بأن وفرت لهم التدريب وأرسلتهم في رحلات مدرسية أيضاً، استناداً إلى إيمانها بأن هذه الأنشطة جزء رئيس من "التقدم".
لم يعد هذا كله في متناول عائلات كهذه، وكانت المعاناة من أجل البقاء سبباً في اختلال التوازن في صفوف الأسر المتوسطة الدخل، ولقد رأت نفسها أو أطفالها في الطريق إلى أوضاع أفضل، وشكل ذلك الأمر قوام الحلم الذي روجت له [رئيسة الوزراء المحافظة السابقة مارغريت] تاتشر وخلفاؤها.
لقد مثل هذا الأمل بحياة آمنة قد تتحسن صلب ما حدد مصطلح "الحياة اللائقة"، وتمتع الأشخاص المندرجين ضمن الخُمسَين الأعلى في نطاق الدخل بتلك الحياة فعلياً، وبالتالي استنتج الأفراد المندرجون ضمن الخُمسَين الأدنى أن الحياة اللائقة ليست أملاً يستطيعون أو يجب عليهم المشاركة فيه، وذلك استناداً إلى المواقف المهينة التي استهدفت المستفيدين من المزايا أو المهددين بالاضطرار إلى الاستفادة منها، لكن كان من المفترض أن يكون في متناول الأسرة المتوسطة منزل ومعاش تقاعدي وسيارة من طراز "فورد" وعطلة في بلاد مشمسة، وتقدم أطفالها إلى أوضاع أفضل. هكذا كان تعريف الحياة اللائقة، والآن أصبح هذا التطلع ذكرى باهتة، وبدلاً من ذلك بات التوق والأمل منحصرين في القدرة على تسديد الفواتير الأساس الخاصة بالأسرة وتحمل كلف عيد الميلاد بطريقة ما، ويكمن وراء ذلك إدراك أن أياً من هذا قد لا يكون ممكناً وأن العجز عن التسديد والإعسار وانعدام الأمن الذي ينتج منهما تشكل كلها احتمالات حقيقية.
لقد غادر الأمل بحياة لائقة الأسرة المتوسطة، وصار الخوف هو كل ما تبقى لأولئك الذين كان لديهم أمل ذات يوم، وبعد مرور 40 سنة على تخلي العمل السياسي عن الإجماع الذي تلا الحرب العالمية الثانية [حول النظامين الاقتصادي والاجتماعي]، أصبح اقتصادنا الآن يخيب آمال الغالبية في هذا البلد، فلقد ولى عصر الحياة اللائقة بالأجر المتوسط.
* ريتشارد مورفي أستاذ في المحاسبة في مدرسة الإدارة بـ "جامعة شيفيلد"، وهو محاسب قانوني وناشط في مجال العدالة الاقتصادية
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 23 أغسطس 2022
© The Independent