Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هكذا يشتغل "العقل الاستخباراتي" في المغرب

ما مصير "المجلس الأعلى للأمن"؟

عبد اللطيف حموشي مدير الأمن والمخابرات المغربية إلى جانب الملك محمد السادس (مواقع التواصل الاجتماعي)

فقد المغرب بوفاة عبدالحق الخيام المدير السابق للمكتب المركزي للأبحاث القضائية المتخصص في ملفات الإرهاب والجرائم المنظمة، الثلاثاء 23 أغسطس (آب)، أحد أبرز وأشهر الشخصيات الأمنية والاستخباراتية التي كان لها صيت وحضور قويان في هذا المجال الحساس، وحتى في وسائل الإعلام والشارع المغربي.

ويعتبر الخيام أحد الوجوه التي أسهمت في تشكيل "صورة جديدة" بددت إلى حد ما صورة "الغموض والخوف" الرائجة من قبل عن مؤسسة الأمن والاستخبارات في ذهن المغاربة، من خلال التفاعل مع شكاوى المواطنين، وخصوصاً التجاوب مع الصحافة والإعلام في المغرب، عبر بلاغات شبه يومية لتدخلات هذه الأجهزة، وحتى تصوير للتدخلات الاستباقية لتفكيك العديد من الخلايا الإرهابية، أو ضبط شحنات من المخدرات القوية.

واشتغل الخيام تحت إمرة عبداللطيف حموشي الذي يحمل قبعتين وظيفيتين هما: مدير الأمن الوطني، ومدير "مراقبة التراب المغربي"، أو ما يسمى اختصاراً جهاز الاستخبارات بالمغرب، وهو يعد النواة الرئيسة لـ"العقل الأمني والاستخباراتي" للمملكة، إلى جانب محمد ياسين المنصوري الذي يتكلف بجهاز المخابرات الخارجية، فضلاً عن "كوادر" ومسؤولين أمنيين كبار آخرين.

وعلى الرغم من ترشيح وسائل إعلام مغربية اسم حموشي بخصوص الإشراف على المجلس الأعلى للأمن في المغرب، فإنه لم يتم إلى حدود اليوم الإعلان عن تنزيل هذه المؤسسة الدستورية الحيوية والحساسة على أرض الواقع لأسباب إجرائية وعملية عدة.

عصرنة المخابرات

واشتهر الراحل الخيام بأنه كان وراء تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية وعصابات غسل الأموال وشبكات تهريب وترويج الكوكايين وغيرها من المخدرات والممنوعات، منذ إحداث المكتب المركزي للأبحاث القضائية سنة 2015 إلى حدود نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، عندما خلفه في هذا المنصب حبوب الشرقاوي، وأسهم هذا المكتب، الذي يقع في قلب مدينة سلا المجاورة للعاصمة الرباط، طيلة فترة عمله إلى غاية نهاية سنة 2021، في تفكيك 86 خلية إرهابية لها علاقة بتنظيمات متطرفة، بخاصة تنظيم "داعش"، كما تم اعتقال أكثر من 1400 شخص على ذمة قضايا الإرهاب.

وتعمل هذه المؤسسة التي تعد الذراع القضائية لجهاز الاستخبارات المغربية على ضوء المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية، وتختص في درء خطر جرائم الإرهاب والجماعات المتطرفة دينياً، والجرائم التي تمس بأمن الدولة، والاتجار في المخدرات والمؤثرات العقلية والاختطاف واحتجاز الرهائن، وأيضاً جرائم حماية الصحة العامة والأسلحة والذخيرة والمتفجرات والقتل والتسميم، واللافت أن الخيام كان كثير التواصل مع منابر الصحافة والإعلام، بخلاف مسؤولي المخابرات المعروف عنهم "التكتم والغموض"، وكان لا يبخل في منح حوارات وتصريحات صحافية، أو إقامة ندوات إعلامية للحديث عن حصيلة تدخلات المؤسسة الأمنية والاستخباراتية التي كان يديرها، والتي يلقبها المغاربة بـ"أف بي آي المغرب".

وكان لافتاً أكثر أن هذا المسؤول الاستخباراتي الكبير، كان يمارس حياته بشكل "عادي"، وشوهد مرات عديدة جالساً إلى جانب أصدقائه في مقاه شعبية بمدينة الدار البيضاء، كما كان لا يخفي تشجيعه لفريق الرجاء البيضاوي لكرة القدم، وكان كثير الاختلاط بالناس، وهو ما أثار انتباه المغاربة باعتبار أن باقي المسؤولين الاستخباراتيين يلتزمون عادة بمبدأي "التحفظ والتكتم" نظراً لطبيعة مهنتهم التي تستوجب ذلك، ويعزو مراقبون هذا "التحول" في هيكلة وبنية أجهزة الأمن والاستخبارات المغربية إلى رغبة صناع القرار الأمني والمخابراتي في "تحديث وعصرنة" هذه المؤسسات، ومحاولة تقريبها من المواطن المغربي الذي كان في عهد سابق، خصوصاً أيام وزير الداخلية القوي الراحل إدريس البصري في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، ينظر إليها بعين الريبة والرهبة معاً.

"عين المملكة التي لا تنام"

وخطف الخيام أنظار المغاربة إليه زهاء ست سنوات متتالية قبل قرار إعفائه من مهامه، الذي عزاه البعض إلى تخلي هذا المسؤول عن مبدأ "الحيادية" عندما تم ترويج مقطع فيديو له في جلسة مع بعض أصدقائه وهو يكيل المديح لفريقه المفضل الرجاء البيضاوي، ما أثار حفيظة أنصار فريق مغربي كبير آخر ينتمي إلى المدينة نفسها، الدار البيضاء، هو الوداد البيضاوي.

وتسير الأجهزة الأمنية والاستخباراتية بقبعة وظيفية واحدة تتمثل في قيادة عبداللطيف حموشي هاتين المؤسستين معاً، وهو ما يراه مراقبون نوعاً من توحيد الجهود والرؤى، بهدف تعزيز التنسيق بين إدارتي الأمن والاستخبارات، بالنظر إلى تكامل مهام كل منهما، وكثيراً ما يمد مكتب "أف بي آي" المغربي معلومات دقيقة إلى أجهزة الأمن المعنية في قضايا معينة تتعلق بالجريمة المنظمة، أو أنشطة غسل الأموال، أو تمويل الإرهاب، من أجل توقيف واعتقال الأشخاص المشتبه فيهم.

ويلقب حموشي في المغرب بـ"عين المملكة التي لا تنام" باعتبار أنه المسؤول الأول عن جهازي الأمن والمخابرات الداخلية، وهو ما يطوق عنقه بمسؤوليات جسيمة في استتباب الأمن والسلم الاجتماعيين، وأيضاً اقتفاء أثر الجماعات والخلايا المتطرفة ذات الامتدادات الدولية، ما جعله يحظى باعتراف دولي وتوشيحه بأوسمة رفيعة من طرف قصر الإليزيه وملك إسبانيا أيضاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبخلاف الخيام الذي كان يكثر من التواصل والظهور الإعلامي في العديد من المناسبات، فإن حموشي "يفضل العمل في الظل ولا يحب الأضواء"، وفق أمنيين اشتغلوا إلى جانبه، كما أنه اشتهر بصرامته المهنية التي أفضت في أكثر من مرة إلى إعفاء مسؤولين أمنيين كبار بسبب ارتكاب أخطاء مهنية جسيمة.

من جهته، يتصف محمد ياسين المنصوري الذي يشغل منصباً استخباراتياً رئيسياً في المملكة، حيث يقود "المديرية العامة للدراسات والمستندات"، المعروفة بكونها المخابرات الخارجية للمغرب، بالتكتم وقلة الظهور الإعلامي إلى حد "الندرة"، لكنه يشرف على إدارة ملفات خارجية ذات حساسية بالنسبة للمملكة، من قبيل ملف الصحراء، ومكانة المغرب داخل القارة الأفريقية.

مصير المجلس الأعلى للأمن

ووسط هذا الزخم من الكوادر الأمنية رفيعة المستوى بالمغرب تردد مراراً اسم حموشي ليقود مهام المجلس الأعلى للأمن، الذي يرأسه الملك بحسب النص الدستوري في الفصل 54، والذي لم يتم الإعلان عن إحداثه رسمياً على الرغم من مرور 11 سنة، ويورد النص المذكور، "يحدث مجلس أعلى للأمن، بصفته هيئة للتشاور بشأن استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات والسهر أيضاً على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة، ويرأس الملك هذا المجلس، وله أن يفوض رئيس الحكومة صلاحية رئاسة اجتماع هذا المجلس، على أساس جدول أعمال محدد، كما يضم المجلس الأعلى للأمن في تركيبته، علاوة على رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين، والرئيس المنتدب للسلطة القضائية، الوزراء المكلفين بالداخلية والشؤون الخارجية والعدل وإدارة الدفاع الوطني، والمسؤولين عن الإدارات الأمنية، وضباط سامين بالقوات المسلحة الملكية".

ويقول في هذا السياق الخبير في السياسات الأمنية إحسان الحافظي، إن "الغاية من إحداث المجلس الأعلى للأمن مأسسة إنتاج السياسات الأمنية بالمغرب، باعتبار أن البلاد ستدخل تجربة غير مسبوقة تهم وضع آلية مؤسسية لتحليل وتقدير المخاطر وصياغة القرارات الأمنية وتنويع ميكانيزمات تتبعها من خلال هذا المجلس"، ويضيف الحافظي، أن التنصيص الدستوري على إحداث المجلس بموجب الفصل 54 منه، يعطي للهيئة مكانة دستورية، وهذا أمر مهم، كما يدعم حضور العامل السياسي في إنتاج القرار الأمني عبر تمثيلية رئيس البرلمان إلى جانب "كل شخصية مفيدة"، وفق تعبير النص الدستوري، وهذا يعني أن المجتمع من خلال تمثيلية البرلمان، هو جزء من هذه البنية المؤسسية، ما يجعلنا أمام تصور متقدم للغاية قياساً مع تجارب مماثلة.

وبخصوص التأخير الحاصل في إصدار النظام الداخلي لإحداث هذا المجلس، رجح المتحدث أن يكون مرده إلى طبيعة القانون نفسه، فالدستور لم ينص على تنصيب المجلس بموجب قانون تنظيمي يصدر عن المؤسسة التشريعية كما هو الشأن بالنسبة إلى باقي المؤسسات الدستورية وهيئات الحكامة المنصوص عليها في دستور المملكة، ووفق هذا التصور، يكمل الحافظي، فإن استمرار غياب المجلس الأعلى للأمن قد يكون لأسباب موضوعية، منها أن الحالة الأمنية مستقرة بالمملكة، بحسب مؤشرات دولية، ولا تدفع القائمين عليه إلى الاستعجال بإخراج المجلس للوجود، كما أن نجاعة آليات إنتاج وتنفيذ القرار الأمني اليوم تفرض نوعاً من التريث، لأجل بلورة مجلس قادر على إعطاء قيمة نوعية وإضافية للشأن الأمني الذي تديره مؤسسات وسياسات أظهرت نجاعة وفعالية في الحد من كثير من التهديدات الأمنية الناشئة.

المزيد من تحقيقات ومطولات