حلّ المفتش العام للشرطة الإسرائيلية الجنرال يعقوب شبتاي رفقة رئيس شعبة المخابرات ورئيس وحدة العلاقات الخارجية الإسرائيلية على المغرب في زيارة تستمر خمسة أيام، بدأت الإثنين، الأول من أغسطس (آب) الحالي، وتنتهي يوم الجمعة.
وحددت الشرطة الإسرائيلية في بيان لها سياقات وأجندة زيارة المسؤول الأمني الكبير في كونها تهدف إلى "تعزيز التعاون الميداني والاستخباراتي والتحقيقي، بهدف تعزيز العلاقة بين الدولتين وأجهزة الشرطة فيهما".
وبخصوص أنشطة وتحركات قائد الشرطة وأعضاء الوفد المرافق له، أورد المصدر عينه أنهم سيلتقون كبار المسؤولين الأمنيين في المغرب، كما سيزورون مؤسسات ومنشآت للشرطة ويجتمعون عدداً من ممثلي الجالية اليهودية بالمغرب.
ويرى مراقبون أنه إذا كان الهدف المعلن لزيارة رئيس الشرطة الإسرائيلية هو تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي مع الرباط، فإن الهدف الأعمق يتمثل في "مراهنة تل أبيب على المغرب لفرض الأمر الواقع ما بعد ’اتفاقات أبراهام‘".
تنسيق أمني ثنائي
تأتي زيارة رئيس الشرطة الإسرائيلية ورئيس شعبة المخابرات في الدولة العبرية إلى المغرب في سياق زيارات مسؤولين إسرائيليين كبار إلى الرباط خلال الفترة الأخيرة، آخرها زيارة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي الشهر الماضي التي التقى خلالها كبار الشخصيات العسكرية المغربية، وعلى رأسها المفتش العام للقوات المسلحة الملكية قائد المنطقة الجنوبية الجنرال الفاروق بلخير.
كما زار وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس المغرب خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ووقع مع الجانب المغربي اتفاق إطار للتعاون الأمني لمواجهة "التهديدات والتحديات التي تشهدها المنطقة".
وبموجب الاتفاق ينتظر أن يحصل المغرب على معدات أمنية إسرائيلية ذات تكنولوجيا عالية، فضلاً عن مشاريع صفقات أسلحة عسكرية متطورة، إضافة إلى التعاون الثنائي في شأن التخطيط والتشاور الأمني والعسكري.
ووفق مصادر مغربية مسؤولة فإن زيارة المفتش العام للشرطة الإسرائيلية ورئيس شعبة المخابرات ولقائه كبار المسؤولين الأمنيين في المغرب وعلى رأسهم مدير الأمن المغربي ورئيس جهاز الاستخبارات عبداللطيف حموشي، هي تتويج لتعاون ثنائي في هذا المجال يراد تطويره ليصبح تعاوناً استراتيجياً وليس مرحلياً فقط.
ووفق المصادر عينها فإن الجانب الإسرائيلي يعول على الاستفادة بدوره من التجربة المغربية الأمنية الكبيرة في محاربة الإرهاب، كما أن الاتفاقات التي تم التوصل إليها بين الطرفين سترفع درجة التنسيق الأمني وتبادل الخبرات في المجال ذاته.
ما بعد "اتفاقات أبراهام"
علق خبير العلاقات المغربية - الإسرائيلية عبدالرحيم شهيبي على الموضوع بالقول، "إن زيارة رئيس الشرطة الإسرائيلية يعقوف شبتاي تأتي بعد سلسلة زيارات قام بها مسؤولون إسرائيليون إلى المغرب خلال الأسابيع القليلة الماضية، خصوصاً زيارة رئيس الأركان كوخافي ووزير العدل جدعون ساعر ثم وزير الشؤون الإقليمية عيساوي فريج".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح شهيبي أن "الهدف المعلن لهذه الزيارة هو التعاون الأمني والاستخباراتي وتبادل المعلومات، لكن المتتبع للعلاقات المغربية - الإسرائيلية يدرك أن العلاقات الأمنية والعسكرية بين البلدين كانت دائمة ومستمرة منذ عقود، على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية بينهما".
واستطرد قائلاً، "يمكن تفسير أهداف هذه الزيارة وغيرها في كون إسرائيل تراهن بشكل كبير على المغرب لفرض الأمر الواقع ما بعد ’اتفاقات أبراهام‘"، مبرزاً أن "إسرائيل لا تكتفي بعلاقات مع المغرب على مستوى مكاتب الاتصال، بل ترغب في أن تكون على مستوى السفارات، فالأمر مهم بالنسبة إليها لأن ذلك سيدفعها إلى تقوية ’اتفاقات أبراهام‘، وربما جلب دول أخرى من المنطقة إلى دائرة الاتفاق".
وفي المقابل أضاف شهيبي أن "المغرب وإن كان ملتزماً بهذه الاتفاقات إلا أنه يتعامل معها بنوع من البراغماتية لتشمل تنفيذ كل البنود التي تم التوقيع عليها بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة، وتشمل الاعتراف الأميركي بالصحراء الغربية الذي تم خلال الأسابيع الأخيرة من ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، لكن إدارة الرئيس الحالي جو بايدن وضعته على رف بعيد، فلا هي أظهرت التزامها بتنفيذه ولا هي قادرة على إلغائه".
وزاد المتحدث ذاته أن إسرائيل تروم من خلال الزيارات المتكررة لمسؤوليها الأمنيين والعسكريين بعث رسائل إلى المغرب مفادها أنها حليف عسكري وأمني استراتيجي بالنسبة إلى المغاربة، كمحاولة لتجاوز الجمود الأميركي في ما يتعلق بقضية الصحراء.
من جهة أخرى لفت شهيبي إلى أن "اتفاقات أبراهام" التي تضم إلى جانب إسرائيل والولايات المتحدة والمغرب كلاً من الإمارات والبحرين والسودان، هي اتفاقات تاريخية وفرصة لا يمكن أن تفرط فيها إسرائيل، بل ترغب في تقويتها وتطويرها لتشمل بلداناً أخرى.
ثلاث مناطق
وشرح أن "منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يمكن تقسيمها إلى ثلاث مناطق أخرى بالنسبة إلى إسرائيل، أولاً منطقة الخليج التي تعد منطقة اقتصادية بامتياز، إذ تعتبرها إسرائيل مجالاً لجلب الاستثمارات الخليجية التي كانت تذهب في الأصل إلى أوروبا وأميركا، وبالتالي تقدم إسرائيل نفسها إلى الخليجيين كسوق واعدة للاستثمار، خصوصاً في مجالات التكنولوجيا، وفي الوقت ذاته لا يمكن لإسرائيل التفريط في الخليج لمصلحة إيران. أما المنطقة الثانية فهي شمال أفريقيا التي تضم بلدان المغرب الكبير ومصر وقد وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل منذ نهاية السبعينيات"، مشيراً إلى أن "بلدان هذه المنطقة ليست قوة اقتصادية يمكن أن تراهن عليها إسرائيل، لكن يمكن المراهنة عليها أمنياً وعسكرياً، باستثناء الجزائر التي توجد في نزاع أيديولوجي وجيو-سياسي مع إسرائيل وحليفها المغرب، فالدولة العبرية ترغب في توسيع نطاق ’اتفاقات أبراهام‘ نحو هذه البلدان، ولهذا يمكن للمغرب أن يلعب دوراً كبيراً في تسهيل هذه المهمة".
وواصل شهيبي، "المنطقة الثالثة والأخيرة هي منطقة الهلال المشكل من العراق إلى لبنان، وهي المنطقة المجاورة لإسرائيل، كما أنها باستثناء الأردن تعتبر منطقة صراع ضد النفوذ الإيراني، وهي منطقة نوعاً ما عصية على إسرائيل، لكن هذه الأخيرة ترغب في أن تضع بلدان هذه المنطقة أمام الأمر الواقع الذي يفرضه نجاح ’اتفاقات أبراهام‘".