Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من هم الضحايا المختبئون في غزة؟

خلفت الحرب الأخيرة على الرغم من قصر مدتها إصابات نفسية خطيرة في القطاع

هل سمعت يوماً عن الضحايا المختبئين؟ أولئك الذين أصيبوا بآثار ما بعد الصدمة وتداروا بين جدران منازلهم ولم يتشجعوا على طلب المساعدة من الأخصائيين النفسيين خجلاً من أعين المجتمع، أو نتيجة الهول الكبير الذي عاشوه ولم يحسنوا التصرف فاختاروا الانغلاق على أنفسهم.

بعد كل عملية عسكرية تشنها إسرائيل على غزة تكثر أعداد الضحايا المختبئين، وتزداد أزمة الصحة النفسية تعقيداً، خصوصاً أن العاملين في المجال ما أن ينتهوا من علاج الحالات النفسية التي خلفتها حرب إلا ويجري قتال جديد.

بعد الحرب مباشرة

مدير برنامج غزة للصحة النفسية ياسر أبو جامع قال "دائماً حجم الكارثة بعد الحرب يفوق برامج التدخل في المؤسسات النفسية، إن الصدمات التي يخلفها العدوان الإسرائيلي كبيرة للغاية وبحجم لا يمكن وصفه، أما القتال الأخير جاء في مرحلة لم يرمم بها القطاع آثار قتال مايو (أيار) 2021". وأضاف "وسط تعرض جميع سكان غزة للضرر أو لحالات فقدان في الحروب، فإن التأثيرات النفسية باتت تظهر بعد العملية العسكرية مباشرة، وتأخذ منحنى آخر إن لم يتم التدخل ومعالجتها، وهذا يتطلب العمل الفوري بإقامة جلسات علاجية للأهالي والأطفال حتى لا تتفاقم الصدمات وتتحول إلى كوارث".

وفقاً لتقييمات الأخصائيين النفسيين فإن بعض الضحايا يدرك أن ما لحق بهم هو "آثار ما بعد الصدمة"، ولا يترددون في طلب خدمات التدخل النفسي العاجل، لكن كثيرين منهم لا يدركون أن تغير حالتهم النفسية والسلوكية يعد حالة صدمة ويتعايشون مع أمراضهم حتى تتفاقم آثارها بشكل يصعب علاجه.

بالعادة، لا توجد إحصاءات دقيقة حول المختبئين، فهذه الفئة لا ترصد أسماؤهم بين أعداد القتلى أو الجرحى أو المتضررين في السجلات الرسمية التي توثق ضحايا العمليات العسكرية الإسرائيلية المتكررة على غزة، وهم أشخاص يخرجون من الحروب مثقلين بصدمات حادة أثرت في صحتهم النفسية بشكل سلبي.

تطال جميع الفئات

يقدر المتخصصون النفسيون أن الحرب الأخيرة على الرغم من قصر مدتها وانخفاض عدد ضحاياها فإنها خلفت إصابات نفسية خطيرة بين الرجال والنساء والأطفال على حد سواء، وأشار أبو جامع إلى أن السبب في ذلك هو أن هذا القتال يعد الخامس الذي يعيشه القطاع خلال عشر سنوات، وتكرار هجمات إسرائيل سبب تراكم صدمات عند السكان، وما أن تقوم الفرق بمعالجة آثار الصدمة حتى تتجدد.

 

وفي محاولة لمعالجة آثار الصدمة التي عاشها سكان غزة، أطلق مقدمو الخدمات الاجتماعية برامج سريعة للتفريغ النفسي نفذوها ميدانياً أمام ركام البيوت المدمرة، كما قدم أخصائيون نفسيون من إسرائيل والضفة الغربية مبادرات دعم نفسي لأهالي القطاع فور دخول قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.

المدنيون يدفعون الثمن

وقالت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر سهير زقوت، إنهم دعوا الجانب الإسرائيلي و"حركة الجهاد" إلى وقف إطلاق النار منذ اليوم الأول، "من أجل تقليل حجم المعاناة في صفوف المدنيين الذين يدفعون عادةً  ثمن الحروب والنزاعات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضافت زقوت أن "واحداً من بين خمسة أشخاص بالغين في غزة يعيش في مناطق النزاع المسلح بالتالي يعاني أشكال الصدمة، إلى جانب المشكلات النفسية، فيما يعاني تسعة من بين عشرة أطفال آثار كرب الصدمة"، مشيرةً إلى أن هذا العدد الكبير يتفاقم ويزداد بعد كل صراع دموي.

ومن جانبه قال الدكتور أكيهيرو سيتا مدير دائرة الصحة بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "أونروا"، إن ثلث سكان غزة لديهم مشكلات نفسية نتيجة أفعال إسرائيل، ونحو 40 في المئة من تلاميذ الصف الأول الأساسي يعانون مشكلات صحية ونفسية.

تفاقم مشكلات الأطفال

بحسب متخصصون نفسيون، فإن الأطفال في غزة أصيبوا بعد العملية العسكرية الأخيرة بصدمات نفسية أو تفاقمت أمراضهم السابقة الناجمة عن آثار الصدمة السابقة، أو تراجعت قدرات النطق والتعلم لمَن كان يخضع لعلاج خاص أو يعاني هذه المشكلات مسبقاً، وهؤلاء يحتاجون تدخلات سريعة وآنية حتى لا يزداد الوضع سوءاً.

وفي ذلك الشأن، قال الأخصائي النفسي سامي عويضة إن "الصدمة التي لاحظناها لدى الأطفال بعد الحرب تركت آثاراً سلبية خطيرة تسمى كرب ما بعد الصدمة، جعلتنا نتحرك فوراً لعلاجها حتى لا تتحول لنوع من الاكتئاب والقلق، إذ لاحظنا صعوبة في نوم الصغار فضلاً عن الأحلام المخيفة والكوابيس وضعف التركيز"، لكنه أشار إلى أن "ذلك ليس كل شيء، إذ تظهر بعض الأعراض بعد أيام أو أسابيع".

 

وأوضح عويضة أنهم يعملون على تقديم جلسات علاج على ثلاث مراحل، الأولى إبعاد الطفل عن الشوائب التي تؤثر في نفسيته من مشاهد وصور مؤلمة، والثانية عبارة عن تفريغ نفسي بحيث يتحدث عن المشاعر السلبية داخله من دون أن نمارس دور الرقيب عليه، وهو تفريغ انفعالي، أما الخطوة الأخيرة فهي تعزيز شخصية المصاب بخطوات عملية لعلاج الصدمة.

تزايد الاضطرابات النفسية

في عام 2021، نشر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بياناً جاء فيه أن 91 في المئة من أطفال غزة أصيبوا بصدمات نفسية بعد مواجهات مايو (أيار) الماضي، وذكر أن 9 من بين كل 10 أطفال يعانون أحد أشكال الصدمة المتصلة بالعدوان.

وأكد مدير برنامج غزة للصحة النفسية ياسر أبو جامع أن أعداد طالبي مساعدة التدخلات النفسية في تزايد ملحوظ بعد الأحداث العنيفة التي عاشها السكان، وبرزت على البالغين آثار الشعور العميق باليأس وفقدان الأمل، والإحباط وانعدام النظر الإيجابي إلى المستقبل، والاكتئاب الشديد والوسواس واضطرابات الهلع وازدياد معدلات العنف الأسري والمجتمعي، فيما لوحظ على الأطفال التبول اللاإرادي والفزع.

وبحسب بيانات الصحة النفسية، فإنه عقب اشتباكات عام 2012 تعامل مقدمو الخدمات مع 2200 حالة، أما بعد العملية العسكرية التي جرت عام 2014 تعاملوا مع 3700 حالة صدمة، أما بعد معركة 2021 فعالجوا 3920 حالة، فيما لم ينته فحص الحالات النفسية التي نتجت من القتال الأخير.

ولفت أبو جامع إلى أن "هذه الأرقام ليست لجميع ضحايا ما بعد الصدمة، إذ هناك كثيرون يتكتمون على ما أصابهم أو يطلبون المساعدة بسرية تامة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير