أثارت الغارات الجوية التي شنها الجيش الإسرائيلي في عمليته العسكرية ضد غزة، التي تركزت على مناطق سكنية وراح ضحيتها مدنيون، استياء دول كثيرة، ودفعت أعمال تل أبيب إلى التساؤل عن مراعاة توازن استخدام القوة العسكرية، ومدى التزام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وكان ملف عودة إسرائيل إلى سياسة الاغتيالات أكثر ما أثار مراقبي تطبيق القانون الدولي الإنساني ومقرري الأمم المتحدة المعنيين بحالة حقوق الإنسان، ونفذ الجيش الإسرائيلي أربع عمليات اغتيال يقول إنه استهدف فيها قيادات عسكرية من حركة "الجهاد الإسلامي"، بينما تقول الجهات الحكومية في غزة إنها تركزت حول مدنيين، وأسفرت عن مقتل 46 فلسطينياً نصفهم أطفال، ونتيجة الضربات الجوية أصيب 360 آخرون منهم 170 طفلاً، فضلاً عن تدمير 10 منازل بالكامل، وتضرر 600 وحدة سكنية.
الأمم المتحدة: ممارسات إسرائيل غير قانونية
وسارعت الأمم المتحدة إلى انتقاد إسرائيل وإدانة الاغتيالات التي نفذها جيشها، واعتبرت أن القيام بذلك يعد تجاوزاً للقانون الدولي الإنساني الذي يحرم استخدام القوة إلا للدفاع عن النفس وفي حال الاشتباك المباشر، وليس كما قامت تل أبيب بمباغتة الآمنين من المدنيين أو العسكريين الذين لم يكونوا في ساحة المعركة بل كانوا في بيوت سكنية ومناطق مدنية، وقالت مقررة الأمم المتحدة المعنية بحال حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيز إن عملية "الفجر الصادق" التي استهدفت مباني سكنية لا أهمية عسكرية لها وتعد عملاً غير قانوني، وتصنف الاغتيالات التي نفذتها بأنها سلوك غير مسؤول وعدواني.
أضافت "إسرائيل تنتهك قوانين الأمم المتحدة بسبب غياب المحاسبة والإفلات من العقاب، وتعمل خارج ما هو مسموح بموجب القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية".
وتنص معاهدة الجمعية العامة للأمم المتحدة متعددة الأطراف المعروفة بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه "لا يجوز حرمان أي شخص من حياته بشكل تعسفي، وأنه لا يمكن الانتقاص من الحق في الحياة، حتى في أوقات الطوارئ العامة التي تهدد حياة الأمة".
إسرائيل: نحن ندافع عن بلادنا
وبررت تل أبيب قيامها بتصفية أشخاص من غزة، إذ قال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي إن "هؤلاء كانوا قادة عسكريين ويشكلون خطراً على أمن إسرائيل، وفضلاً عن ذلك فإنهم كانوا يعلمون على إطلاق قذائف صاروخية، إن القضاء عليهم جاء بهدف الدفاع عن النفس وإزالة المخاطر"، وأضاف "عادة ما يستخدم أو يختبئ مقاتلو الفصائل بين أعيان مدنية، ولمحاولة تقليل الخسائر في صفوف المواطنين نستخدم أسلحة موجهة ومتطورة، لأننا نعلم أن مجتمعاً مثل غزة يشهد كثافة سكانية وتداخلاً بين المباني"، وتابع أدرعي "لقد وثقنا في العملية العسكرية بشريط مصور أننا أجلنا ضربة لأحد المباني العسكرية لمجرد وجود مدني يبعد عن الهدف قرابة 60 متراً، وبعد تجاوزه قمنا باستهداف المكان، وهذا دليل على مراعاة الجيش تقليل الخسائر المدنية لأبعد الحدود، لكن معظم القتلى في غزة سقطوا نتيجة وقوع القذائف الصاروخية التي أطلقتها الفصائل داخل القطاع وليس نتيجة الضربات الجوية".
خرق القانون الدولي الإنساني
وترى مقررة الأمم المتحدة ألبانير أنه لا يمكن لإسرائيل أن تخترق القانون الدولي الإنساني وتستخدم القوة المفرطة تجاه الأعيان المدنية، بحجة أنها تدافع عن نفسها ضد سكان غزة الذين تحرمهم من حقوقهم، وبذلك يجب أن يتلقى الفلسطينيون الحماية عن طريق العودة إلى الجانب القانوني، وشددت على ضرورة عدم إفلات إسرائيل من العقاب، معتبرة أن أفضل ضمان لتطبيق القانون الدولي يتمثل في وجود قوة وقائية من الأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية، لأن القتل المتعمد للفلسطينيين ما يزال مستمراً ووصل إلى "مرحلة مخزية"، وأوضحت أن الوضع الإنساني في قطاع غزة على حافة كارثة إنسانية نتيجة العملية العسكرية الإسرائيلية، وبات الوضع طارئاً ويستوجب تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة، وهذا يتطلب من تل أبيب رفع الحصار والعودة للحياة الطبيعية بضمان الأمم المتحدة التي تجري اتصالات وتراقب استقرار المنطقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قتل خارج القانون
وحول تبرير إسرائيل، قال صلاح عبدالعاطي رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الفلسطينيين (جهة مشرفة على الملفات الفلسطينية المقدمة للجنائية الدولية)، إن الاغتيالات بهدف الدفاع عن النفس متاحة بثلاث حالات فقط، لم تطبق إسرائيل أي منها، الأولى عبر الحصول على قرار من مجلس الأمن بشأن الهدف، أما الحالة الثانية فهي متاحة لدولة ذات سيادة، لكن إسرائيل عندما تنفذ القتل في غزة فهي وفق تصنيف الأمم المتحدة احتلال، وهذا يمنعها من تنفيذ أية عمليات اغتيال، والثالثة أثناء اشتباكات مباشرة في المعركة وفق البرتوكول الأول في اتفاق جنيف، وأضاف عبدالعاطي "التوصيف القانوني للاغتيالات التي نفذتها إسرائيل، أنها تعد حالات قتل خارج إطار القانون، وتصنف ضمن جرائم الحرب بغض النظر عن الذرائع والأسباب"، وأوضح أن "قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني تشترط في العمليات العسكرية التمييز بين المدنيين والعسكريين، بمعنى لا يجوز استهداف الأعيان المدنية إطلاقاً حتى إذا اختبأ فيها مقاتلون، وهذا لم تفعله إسرائيل إذ كان المقاتلون في لحظة ثبات ولم يشكلوا خطراً على جنودها، ولم يكونوا في مواقع للعمليات العسكرية، وعلى الرغم من ذلك نفذت بحقهم عمليات اغتيال"، وبين عبدالعاطي أن ما نفذته إسرائيل يعد جريمة منظمة ومكتملة الأركان، ويعد قتلاً على خلفية الفكرة، ومقاومة الاحتلال، بخاصة أن تل أبيب مصنفة في الأمم المتحدة أنها محتلة للأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية.
جلسة مجلس الأمن مشتعلة
وفي الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن التي عقدت من أجل مناقشة تداعيات خطورة العملية العسكرية ضد غزة، دار نقاش طويل حول مدى التزام إسرائيل تطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني وميثاق الأمم المتحدة ومراعاة الحالة الإنسانية، وفي إحاطة لمنسق الأمم المتحدة الخاص بعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند، قال "مع الاعتراف الكامل بشواغل إسرائيل الأمنية، إلا أننا رصدنا عدم استخدام للقوة بشكل متناسب، وعدم اتخاذ جميع الخطوات الممكنة لتجنب وقوع إصابات في صفوف المدنيين، لذلك أكرر أنه بموجب القانون الدولي يجب مراعاة هذه الأمور"، إلا أن هذا الحديث لم يعجب مندوب إسرائيل الدائم لدى الأمم المتحدة جلعاد أردان الذي اعتبر أن ما قام به الجيش جاء دفاعاً عن النفس نظراً للتهديد الحاضر والواضح ضد المدنيين الإسرائيليين.
في حين رد مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور بالقول، "تزعم إسرائيل أنها تدافع عن نفسها دائماً حتى عندما تهاجم الفلسطينيين، لكن إذا كنتم تناهضون العنف، فلا تبرروا لتل أبيب التي باتت تستخدم مصطلح الحق في الأمن رخصة للقتل، وهذا يتطلب منكم موقفاً واضحاً في حماية المدنيين وفق ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي".