Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل فقدت تونس السيطرة على نسب التضخم الآخذة في الصعود؟

ارتفاع أسعار الزيوت الغذائية بنسبة 22.3 في المئة ومتخصصون يجمعون على أن البلاد تعيش الركود وسط توجه البنك المركزي لرفع نسبة الفائدة

توقعت المديرة العامة للسياسة النقدية للبنك المركزي التونسي ريم القلصي أن تعود نسب التضخم إلى مستوياتها المقبولة (رويترز)

في الوقت الذي أعلنت فيه منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" عن تراجع أسعار المواد الغذائية في يوليو (تموز) الماضي 2022 بشكل كبير، لتسجل بذلك الانخفاض الشهري الرابع على التوالي، منذ أن سجلت مستويات قياسية في وقت سابق من العام في أعقاب الحرب في أوكرانيا، شهدت الأسعار في تونس نسبة تضخم هي الأعلى لها منذ عقود عدة، وبخاصة منذ بداية العام الحالي.

فقد بلغت نسبة التضخم في البلاد، الشهر الماضي، وفق معهد الإحصاء الحكومي، 8.2 في المئة ليواصل نسق الأسعار منحاه التصاعدي، قابله عدم مجاراة معظم التونسيين هذا النسق "الجنوني" الذي أدى إلى اهتراء كبير للقدرة الشرائية لعموم المواطنين وسط عجز الحكومة عن إيجاد الحلول البديلة والعملية لتطويق المنحى التصاعدي والمزعج لنسب التضخم الآخذة في الصعود، وتطرح هذه الوضعية بإلحاح من طرف المتخصصين في المجال الاقتصادي تساؤلات بخصوص فقدان الحكومة قدرتها في السيطرة على نسب التضخم وحركة الأسعار المستعرة.

ارتفاع أسعار مجموعة التغذية

وأكبر دليل على النسق اللافت لحركة الأسعار، تسارع نسق ارتفاع أسعار مجموعة التغذية والمشروبات، من 9.5 في يونيو (حزيران) إلى 11 في المئة في يوليو، وباحتساب الانزلاق السنوي، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 11 في المئة، ويعود ذلك بالأساس إلى ارتفاع أسعار البيض بنسبة 24.2 في المئة، والزيوت الغذائية بنسبة 22.3 في المئة، والغلال الطازجة بنسبة 18.6 في المئة، والخضر بنسبة 19.9 في المئة، ولحم الضأن بنسبة 11.9 في المئة، وانخفض مؤشر منظمة "الفاو" لأسعار الزيوت النباتية بنسبة 19.2 في المئة في يوليو 2022 مقارنة بيونيو، وهو أدنى مستوى له منذ 10 أشهر، كما هبط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الحبوب بنسبة 11.5 في المئة، ولو أنه بقي أعلى بنسبة 16.6 في المئة من قيمته المسجلة في يوليو 2021، كما تراجع مؤشر المنظمة لأسعار السكر بنسبة 3.8 في المئة عما كان عليه في يونيو وسط مخاوف من الطلب المتوقع، وانخفض مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار منتجات الألبان بنسبة 2.5 في المئة عن نسبته المسجلة في يونيو.

وعلى امتداد الأشهر السبعة الأولى من هذا العام، سجلت نسب التضخم في تونس ارتفاعاً لافتاً، إذ كانت في يناير (كانون الثاني) من هذه السنة 6.7 في المئة لتقفز إلى مستوى 7.2 في المئة في مارس (آذار)، لتواصل منحاها التصاعدي في مايو (أيار) إلى 7.8 في المئة، وفي حدود 8.1 في المئة خلال يونيو، و8.2 في المئة في يوليو الماضي.

وضعية صعبة وخطيرة

وعلق أستاذ الاقتصاد آرام بلحاج على هذه المسألة بأن نسبة التضخم في تونس تواصل منحناها التصاعدي لتصل إلى 8.2 في المئة في يوليو الماضي، موضحاً أن هذا الارتفاع لن يتوقف طالما وجدت دوافعه الداخلية والخارجية. وأكد أن جميع الاقتصاديين في البلاد يجمعون على أن وضعية "الركود التضخمي" هي من أصعب وأخطر الوضعيات التي يمر بها اقتصاد بلد ما، وأسف أن الاقتصاد التونسي يعيش هذه الوضعية منذ فترة، وأن الأمور مرجحة للتعقيد، بخاصة في ظل وجود نسبة تداين خارجي كبيرة ووضعية اجتماعية هشة، وفق تقديره.

وفي تحليله لمجمل مؤشرات نسبة التضخم المسجلة، الشهر الماضي، قال المتخصص المالي عز الدين سعيدان، إن نسبة التضخم 8.2 في المئة هي نسبة التضخم المالي بالانزلاق السنوي، أي إنها تغطي فترة 12 شهراً، من أغسطس (آب) 2021 إلى أواخر يوليو 2022، أما بالنسبة إلى التضخم المالي لشهر واحد، أي لشهر يوليو فقط مقارنة بشهر يونيو 2021، فهي واحد في المئة معتبراً ذلك مرتفعاً جداً. وقال إنه بمثل هذا الارتفاع، فإن تونس تتجه نحو فقدان السيطرة على نسب التضخم المقبول عالمياً، والتي يجب ألا تتجاوز مستوى ثلاثة في المئة سنوياً مقابل واحد في المئة شهرياً. وحذر سعيدان الحكومة التونسية من الاستهانة بما يحصل في البلاد وارتفاع نسب التضخم على غرار بقية دول العالم، لكنه استدرك أنه على الرغم من تسجيل نسب تضخم مرتفعة في عدد من الدول غير أنها تحقق نسب نمو محترمة وتحدث مواطن الشغل بنسق سريع، كما أنها دول غنية لها مقومات وإمكانات لمجابهة التضخم المرتفع بإجراءات مهمة لمساعدة مواطنيها على تجاوز هذه الوضعية مقابل تواضع الإمكانات في تونس. ولفت سعيدان إلى أن التضخم المالي أسهم في خسارة التونسيين مقدرتهم الشرائية بنحو 40 في المئة في العشرية الأخيرة، وخلص بانتقاد شديد للبنك المركزي التونسي الذي قال إنه فشل في تطويق نسبة التضخم على الرغم من أنه اتخذ إجراءات أهمها الترفيع في نسبة الفائدة الرئيسة بـ75 نقطة أساسية في مايو من هذا العام لتمر من 6.25 في المئة إلى سبعة في المئة من أجل احتواء التضخم.

انفراج الأوضاع

وتوقعت المديرة العامة للسياسة النقدية للبنك المركزي التونسي ريم القلصي أن تعود نسب التضخم إلى مستوياتها المقبولة، بين أربعة وخمسة في المئة، في أفق سنة 2024. أضافت أن المعدل المنتظر لنسبة التضخم سيكون في كامل عام 2022 في حدود 7.3 في المئة على أن ترتفع إلى 8.3 في المئة سنة 2023. وقالت إن قرار مجلس إدارة البنك المركزي في ترفيع نسبة الفائدة المديرية في 17 مايو 2022 بـ0.75 نقطة أساسية من 6.25 إلى سبعة في المئة، جاء على خلفية تصاعد الضغوط التضخمية التي يتابعها البنك منذ أبريل (نيسان) 2021، والتي وصلت إلى مستويات وصفتها بالمقلقة جداً، وفسرت أنه عندما يرفع البنك المركزي نسبة الفائدة المديرية، فإن لذلك أثراً على طلب الاستهلاك، والاستثمار، والتوريد، بما من شأنه أن يزيد في تطويق نسبة التضخم الآخذة في الارتفاع. وأكدت المتحدثة أن هذا الترفيع في نسبة الفائدة بالسوق النقدية سيعدل الطلب بعدول المستهلك عن اقتناء مستلزمات عدة، بالتالي سيؤثر على الطلب الكلي والعمل على مزيد من التحكم في نسبة التضخم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعما إذا كان الترفيع في نسبة الفائدة المديرية وما سينجم عنه من زيادة في نسبة الفائدة في السوق المالية سيضرب رافعة الاستهلاك في تونس وما لذلك من تأثير على نسبة النمو، أكدت القلصي أن التحكيم بين النمو ومكافحة التضخم معادلة صعبة جداً، لكنها استدركت أنه في حال عدم اتخاذ البنك المركزي قرار الترفيع في نسبة الفائدة المديرية، فنسبة التضخم سترتفع في الأشهر المقبلة إلى مستوى أعلى من 10 في المئة، وقد تصل إلى نحو 15 في المئة وهي مستويات لم تصل إليها تونس في تاريخها. وتابعت أن الأوضاع ستزداد صعوبة لإرجاع نسب التضخم إلى مستويات مقبولة، داعية إلى التحلي بالتضحية في الوقت الراهن لمكافحة نسب التضخم المحيرة في تونس والتي وصفتها بالخطيرة، وأوصت القلصي بوجوب ترشيد التوريد والاستغناء عن توريد المواد والمنتجات التي لها علاقة بالكماليات. وأكدت أنه من الضروري الحفاظ على الاحتياطي من العملة الأجنبية لكي يتسنى لاحقاً تأمين توريد المستلزمات الضرورية من الحبوب والأدوية والمحروقات.

البنك المركزي يراقب

وأمام تواصل الضغوط التضخمية بمستويات مقلقة، يتوقع أن يتدخل البنك المركزي مجدداً لترفيع نسبة الفائدة الرئيسة لكبح جماح ارتفاع الأسعار والضغط أكثر على الاستهلاك.

وزارة التجارة على الخط

وأكد المدير العام للمنافسة والأبحاث الاقتصادية بوزارة التجارة وتنمية الصادرات، حسام التويتي، أن الوزارة تشتغل على ثلاثة محاور للمساهمة في مكافحة التضخم، الأمر الذي يجب أن يكون عملاً مشتركاً تسهم فيه جميع الأطراف المعنية. وقال إن غالبية دول العالم تعاني مخاطر تضخمية نتيجة الاضطرابات الحاصلة بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية التي أدت إلى تسجيل ارتفاع لافت في أسعار المنتجات الأولية والغذائية والنفط، وبين أن لوزارة التجارة وتنمية الصادرات دوراً تسهم به في السعي إلى لتحكم في التضخم من خلال ثلاثة إجراءات، أولها الرقابة السابقة على الأسعار، وبخاصة أسعار المواد المؤطرة، والحرص على عقلنة الزيادة الواردة بها، وفق مستويات تراعي الكلفة، لا سيما بالنسبة للمواد الأساسية أو التي تكون فيها المنافسة محدودة، ويرتكز المحور الثاني على الرقابة البعدية، إذ عند ملاحظة أن منحى الأسعار حاد عن مساره الطبيعي، يتم التدخل على غرار التدخل، في مايو من هذه السنة، في قطاعات الأعلاف والدواجن والخضر والغلال، ويتعلق المحور الثالث بالمساهمة في مكافحة التضخم بعقلنة أسعار المواد الحرة عبر التنسيق مع المهنيين لأجل بلوغ تخفيضات تلقائية.