Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الشراهة حتى الموت: الإدمان على الطعام أمر واقعي

سنشهد ارتفاعاً مستمراً في معدلات إدمان الطعام ما لم نتعامل مع العوامل الاجتماعية المحددة للصحة مثل الفقر والمساكن السيئة وغيرها

صناعة المواد الغذائية ساهمت في "جريمة الغذاء" عبر معالجة الأطعمة والتأثير على أجهزتنا العصبية البدائية (أ ب)

لا يخفى على أحدنا أن استهلاك الكحول والمخدرات الأخرى قد يؤدي إلى الإدمان، لكن هل يمكن أن نصبح مدمنين على الطعام؟ بديهياً قد تبدو الفكرة غير قابلة للتصديق، ففي نهاية المطاف نحن بحاجة إلى الغذاء للبقاء على قيد الحياة، على عكس المخدرات، ومن هذا المنطلق يعتمد جميعنا على الغذاء، لكن كما هي الحال مع العقاقير، هناك أطعمة صحية وغير صحية.

نظر بحث جديد في أوجه التشابه بين الإدمان على المخدرات والطعام، على المستوى العصبي هناك أوجه تشابه، هرمون الدوبامين وهو مادة كيميائية موجودة في الدماغ تمنحنا شعوراً جيداً وإحساساً بالمكافأة على أنشطة معينة، وهو يرافق كلاً من تعاطي المخدرات واستهلاك بعض أنواع الطعام، لا يعد هذا مشكلة في حد ذاته لكن عندما يكون هذا السلوك متبوعاً بمكافأة تؤدي إلى تنشيط الهرمون بشكل مفرط يصبح الضرر محتملاً.

زيادة تناولنا للأطعمة عالية الملح والسكريات والدهون قادرة على تعزيز الأكل غير الصحي من خلال دائرة المكافآت العصبية [الشعور باللذة من الأكل]. 

لم تكن صناعة المواد الغذائية تقف على الحياد ولعبت دوراً حاسماً في السنوات الأخيرة، ظهر مصطلح "جريمة الغذاء" لوصف الطريقة الحثيثة التي أنتج بها هذا القطاع الغذاء المعالج بشدة لعلمه أنه سيجذب أجهزتنا العصبية البدائية.

تعد أزمة تكلفة المعيشة الحالية بمثابة تذكير بمدى رخص الغذاء المتاح والمتوفر في جميع أنحاء العالم الغربي، بما في ذلك المملكة المتحدة، مقارنة بالدخل أصبح الغذاء ميسوراً على مدى العقود الثلاثة الماضية، السعر والوفرة هما العاملان الحاسمان وراء عديد من أنواع الإدمان، في الوقت نفسه مع انخفاض أسعار المواد الغذائية ارتفعت بشكل كبير معدلات الإصابة بأمراض السكري والبدانة وغيرها من المشكلات الصحية المرتبطة بالغذاء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذه التركيبة السامة من الأطعمة الرخيصة التي تحتوي على نسبة عالية من السكر والملح والدهون وتعزيز توفرها في محال البيع بالتجزئة ليس عاملاً تزامن مصادفة مع الارتفاع الموازي في المشكلات الصحية، في حين أنه من السهل جداً رؤية المظاهر البدنية للإفراط في تناول الطعام أو تناول كثير من الأطعمة السيئة، فإن الأضرار النفسية بما في ذلك الإدمان تكون أقل وضوحاً.

تعرف جمعية الطب النفسي الأميركية الإدمان بأنه "مرض دماغي يتجلى في تعاطي مادة معينة بشكل قهري على رغم العواقب الضارة لها"، وفقاً لهذا التعريف فإن الاعتماد على الطعام، أو بالأحرى الطعام غير الصحي، يحقق هذه المعايير، إذ يستمر الأفراد في تناول الطعام الذي سيضر بشكل كبير بصحتهم، كما هي الحال مع أنواع الإدمان الأخرى، سيكون بعضهم مدركاً تماماً للضرر بينما قد لا يقدر الآخرون بشكل دقيق العلاقة بين النظام الغذائي والصحة.

كما هي الحال مع التدخين وتعاطي الكحول، هناك عدد قليل من الناس يموت فوراً بعد تناول قطعة دونات، إن حدث هذا أساساً، الضرر الناجم تدريجي ولا تتم ملاحظته إلا بعد سنوات تقريباً، باستثناء زيادة الوزن المرافقة. يشير الاقتصاديون الصحيون إلى هذا الفارق الزمني بين اتخاذ القرار الحالي والعواقب الطويلة المدى على أنه "تشكيك" صحي discounting health [الربط بين عمل تقوم به في اللحظة الآنية مقارنة بنتائجه (الصحية) لاحقاً]، تفسر هذه النظرية لماذا يكون من الصعب للغاية أن تبدأ في ادخار المال من أجل تقاعدك عندما تكون شاباً، الألم الذي تشعر به اليوم لا يستحق كل هذا العناء بالنظر إلى المدى البعيد الذي تتصور فيه وصولك إلى سن التقاعد، وهذه هي الحال عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرارات بشأن ما تأكله.

يُنظر اليوم إلى الاستمتاع بتناول بعض أنواع الطعام على أنه أفضل من المكاسب الصحية المحتملة عند الامتناع عن ذلك، من دون رؤية أية فائدة لسنوات، إن لم يكن لعقود في المستقبل.

كما هي الحال مع العقاقير، فإن "الاختيار" الذي يمتلكه كثير من الناس حول تناول الأطعمة الصحية أو غير الصحية ليس خياراً حقيقياً، الفقر والتوتر وانعدام الأمل تقيد قائمة خيارات الطعام بالنسبة لكثيرين، ليس من المستغرب إذاً أن عديداً من المشكلات الصحية المتعلقة بالنظام الغذائي منتشرة بشكل مفرط في الأوساط المحرومة اجتماعياً، تماماً كما هي الحال مع الاعتماد على المخدرات.

سنستمر في رؤية ارتفاع في معدلات إدمان الطعام ما لم نتعامل مع العوامل الاجتماعية المحددة للصحة، مثل الفقر والمساكن السيئة والعمل غير المستقر والأمراض العقلية، لقد رفضت الحكومة بالفعل دعوات لفرض ضرائب جديدة على السكر والملح بهدف الحد من الأضرار التي تسببها بعض الأطعمة، تماماً مثل صناعة الكحول، أثبتت صناعة الأغذية مرة أخرى مدى ذكائها وفعاليتها في تشكيل السياسة لصالحها، حتى لو لم يكن ذلك يصب في مصلحتنا الجمعية.

لا تخطئ التقدير أبداً، الإدمان على الطعام أمر حقيقي، وإذا كنت بحاجة إلى دليل، فابحث عن الطريقة التي تحارب بها صناعة الطعام أية محاولة لكبح وصول المستهلكين إلى منتجاتها التي تسبب الإدمان.

إيان هاميلتون محاضر كبير في الإدمان والصحة العقلية بجامعة يورك

نُشر في اندبندنت بتاريخ 8 أغسطس 2022

© The Independent

المزيد من صحة