Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فضلات بشرية وصابون ودم... أغرب أشكال الإدمان عبر التاريخ

لا يزال السؤال مطروح حول ما إذا كانت نقاط ضعف نفسية أم نوع من الأمراض

انتشار إدمان المخدرات منتشر في مجتمع المشردين الكبير في سياتل الأميركية (أ ف ب)

هناك أنواع غريبة من الإدمان قد لا يمكن تصديقها، مثل إدمان أكل الزجاج أو الصابون أو شرب دم الإنسان أو حتى إدمان وسائل التواصل الاجتماعي، مع الاعتراف بأن أنواع الإدمان التقليدية والمنتشرة حول العالم والمصنفة كأعلى أنواع الإدمان، سواء من التبغ والمخدرات والكحول والجنس والتسوّق، هي نفسها أنواع من الإدمان الغريب الذي يؤدي إلى نتائج وخيمة.

وبدأت مواجهة هذه الأنواع من الإدمان في كل المجتمعات من قبل المؤسسات الرسمية لمنع تكريس ما يجب أن يكون فردياً وخاصاً ويتطلب معالجة ومتابعة على أنه عام وطبيعي ويمكن القبول به، إلا في حالات قررت فيها السلطات السماح بتعاطي مواد معينة كانت ممنوعة بسبب قدرتها على التسبب بالإدمان، كما حدث مع مخدر الماريجوانا في بعض الولايات المتحدة وكندا وأستراليا مؤخراً.

المشكلة العامة التي تواجه الباحثين هي، ما الذي يجب تصنيفه على أنه إدمان ومن ثم ضرورة محاربته؟ أو ما هو إدمان الأمر الواقع كما هو حال التدخين وكذلك إدمان الأدوية المسكّنة المنتشر حول العالم اليوم، أو إدمان وسائل التواصل الاجتماعي، ففي مثل هذه الحالات تُقدم النصائح الإعلامية والطبية العامة للمدمنين ثم يتركون لحال سبيلهم من بعدها.

إدمانات غريبة

هناك شبه اتفاق عام على أنواع الإدمان التي تتطلب علاجاً أو متابعة، لكن هناك أنواع منها غريبة بشكل لا يعود معه الحديث عن علاج مفيداً بطريقة ما. على سبيل المثال كانت جوليا كابليس، من ولاية بنسلفانيا، تشرب دماً بشرياً كل يوم على مدار الثلاثين سنة الماضية، وأحيانا تشرب ما يصل إلى نصف غالون شهرياً. وتقول إن هذا يجعلها تشعر بأنها على قيد الحياة.

من الإدمانات الغريبة أيضاً، التسوق Oniomania، فنجد البعض يشترون أغراضاً عدة يومياً عبر شبكة الإنترنت أو ينزلون إلى الأسواق الكبيرة للتسوق من أجل التسوق، وقد لا يستعملون ما يشترونه. وهناك إدمان سرقة المنتجات غالية الثمن، وقد يفعلها أشخاص ميسورون وأثرياء، لكنها نوع من العادات التي لا يمكن التخلي عنها، وقد حوكمت ممثلات في هوليوود لسرقتهن أشياء تافهة من المتاجر.

وهناك إدمان التمارين الرياضية، وتشير بعض التقديرات إلى أن ما يصل إلى 10 في المئة من العدائين وبناة الأجسام ذوي الأداء العالي مدمنون على ممارسة الرياضة، في حين أن هذا ينبع في بعض الأحيان من الحاجة إلى السيطرة، لكنه أيضاً إدمان على "النشوة" التي يسببها إفراز الأسيد لاكتيك من العضلات، والتي يدمن عليها الشخص ويبدأ بممارسة الرياضة بلا توقف، ما يؤدي إلى إصابات كثيرة وأمراض في القلب.

وهناك إدمان نتف الشعر القهري، وهو اضطراب في السيطرة على الانفعالات، حيث يكون لدى المرضى رغبة شديدة في سحب شعرهم من الرأس والرموش والحواجب واللحية والذراعين في أي مكان.

وإدمان ألعاب الفيديو حقيقي بالتأكيد، وعادة ما يتسم باللعب القهري، على حساب الحياة الشخصية والمهنية للفرد. وغالبًا ما يبدأ مدمنو الألعاب في الانسحاب من الواقع والعلاقات الحقيقية، وبدلاً من ذلك يركزون على العلاقات عبر الإنترنت وإنجازاتهم في اللعبة.

ويمكن أن يصبح الناس مدمنين على جميع أنواع التعديلات في الجسم وليس فقط الجراحة التجميلية، وتندرج الأوشام أيضاً تحت هذا التصنيف.

أما إدمان تناول الأوساخ البشرية فهو شكل من أشكال ما يسمى باضطراب بيكا، ويندرج تحته أيضاً تناول الصابون، حيث يموت كثير من الناس وهم يتناولون منظفات الغسيل.

ألم الرفض الرومانسي

أما هذا النوع من الإدمان فيصعب تصديقه بالفعل، لكن يمكن أن يصبح الناس مدمنين على ألم الرفض الرومانسي، حيث تمت دراسة هذا النوع من المشاعر وأجريت الصور المقطعية ومسح للدماغ على الأشخاص، فظهر أن حزن الألم الرومانسي مطابق في تأثيره للكوكايين. من أمثلته الشخص الذي يتخذ أسوأ خيارات العلاقات الممكنة بتكرار غريب وربما متعمّد، أو الزوجان اللذان "يقعان في الحب المجنون" ولكنهما ينفصلان نهاية كل أسبوع، في مشاكسة ضخمة ثم يعودان إلى كامل الصفاء بعدها.

أما بخصوص إدمان وسائل التواصل الاجتماعي، فيقول أحد مدراء تويتر الخارجين منها لأسباب ثقافية ولخلافات في الاستراتيجية إنه "ليس خطأك تماماً، فوسائل التواصل الاجتماعي صُممت حرفياً لتكون مسببة للإدمان".

الإدمان عبر التاريخ

لطالما كان يطرح حول الإدمان أسئلة مهمة منذ فجر التاريخ، حول ما إذا كان خياراً ناتجاً عن نقاط الضعف والقرارات السيئة، أم أنه مجرد نوع من الأمراض، يمكن معالجته من خلال الأساليب الطبية والنفسية؟

وثق مارك أنطوان كروك، في مقال نُشر عام 2007 لمجلة "حوارات في علم الأعصاب السريري"، العديد من الحالات المبكرة لاستخدام الإنسان للمواد التي تغير العقل والمزاج عبر التاريخ: "تقول التقاليد أن الكهنة الإثيوبيين بدأوا في تحميص حبوب البن وغليها للبقاء مستيقظين لقضاء ليالي الصلاة، واستخدم الفطر السحري أو الفطر المهلوّسAmanita muscaria ، في الطقوس الدينية بآسيا الوسطى منذ 4 آلاف عام على الأقل.

في ملحمة الأوديسة لهوميروس، يشير إلى جرعة، يعتقد العديد من العلماء اليونانيين أنها مشتقة من الأفيون، وهناك اتفاق عام على أن السومريين كانوا يزرعون الخشخاش ويعزلون الأفيون منه، منذ نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد. في الكتاب المقدس كان أول عمل قام به نوح عند خروجه من الفلك هو زرع كرم من العنب لصناعة النبيذ، وفقاً لكتاب "تاريخ النبيذ"، وعثر على أقدم بذور الكروم المزروعة المكتشفة حتى الآن والمؤرخة بالكربون في جورجيا، وتنتمي إلى الفترة من 7000 إلى 5000 قبل الميلاد.

في مصر القديمة، كانوا يستهلكون زنابق الماء المعروفة باسم أزهار اللوتس الزرقاء، خلال الاحتفالات الطقسية؛ بسبب خصائصها المهدئة والمبهجة. وكان استخدام الحشيش والقهوة شائعاً في معظم مراحل الدولة الإسلامية، وظهرت فرقة الحشاشين الثورية والأكثر شهرة من بين الفرق الإسلامية. وسرعان ما انتشر الحشيش والأفيون خلال المرحلة الإسلامية في أوروبا والعالم الجديد.

يقول علماء النفس إنه من المنطقي أن يكون الإنسان قد حاول استخدام المواد المخدرة والمهدئة والمسكرات في حدها الأقصى، طالما أنه عرف قدرتها على أخذه إلى عوالم التهويمات والهلوسة. في ملحمة جلجامش، التي كتبت حوالي 2800 قبل الميلاد، طلب إنكيدو من جلجامش: "اشرب الجعة، كما هي العادة في الأرض". ومن المكتشفات الحديثة أن البيرة المصنوعة من الشعير كانت جزءاً أساساً من غذاء عمال الأهرامات المصرية.

والشخصيات التاريخية المسرفة في شرب الكحول معروفة، مثل أتيلا قائد قبائل الهون، ومات بسبب دوالي المريء الناتجة من تناول الخمر بكثرة. وهناك الأباطرة الرومان، مثل كلوديوس ونيرو وتيبريوس وكاليجولا. ووفقا للمؤرخين، فإن "ثلثي الأباطرة الرومان الذين حكموا من 30 قبل الميلاد إلى 220 بعد الميلاد كانوا يسرفون في الشراب، وبعضهم مات بسبب هذا الافراط".

في مقال بعنوان "تاريخ الرحاب" بقلم جي آر ثورب، يشير المؤلف إلى أن "المناقشة الأولى حول الإدمان قدمها أرسطو من دون لوم المدمنين، بل كان يحاول تفسير الظاهرة. أما أرسطوطاليس فقد اعتبر إدمان الكحول المفرط، أي الاعتماد على مادة ما ليس خطأ المادة نفسها، بل ضعف إرادة الشخص المدمن. وأطلق على المشكلة اسم "أكراسيا" أو "سلس الإرادة".

أفلاطون أشار قبل الجميع إلى الآثار المادية للنبيذ في مجموعة من كتاباته المعروفة باسم "القوانين"، ومما جاء فيه أنه لا ينبغي لأي جندي أن يتذوق النبيذ، بل يقتصر على شرب الماء فقط، وهذه الطريقة في التعامل مع الإدمان على شرب الكحول اتبعها الإسلام أيضاً في بداياته أي بمنع الخمر أثناء الصلاة وفي الحرب، ومن ثم دعا إلى تجنبّها لأنها مسيئة للجسد ومذهبة للعقل، وهذ كان رأي أفلاطون الذي كان يدعو إلى عدم المعاشرة من أجل الإنجاب بعد شرب الخمر، لأن في ذلك ضرر للجنين.

وفي بداية انتشار المسيحية، سعت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية إلى تحقيق توازن بين الاعتدال والمنع، فأعلنت أن النبيذ هبة من الله، وبينما سُمح للأفراد باتخاذ قرار بشأن استهلاكهم الشخصي، كان الإفراط خطيئة، واستخدمت طرق عنيفة للحد من الإدمان، ففي القرن السابع عشر كان التدخين يعاقب بقطع الرأس في الإمبراطورية العثمانية، وبقطع الشفاه في روسيا. وفي مصر القرن الرابع عشر كانت تقتلع أسنان الحشاشين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الولايات المتحدة وأثناء الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، ظهر عدد كبير من الأفراد المدمنين على المورفين أو الأفيون، وكان يوزع بحرية على الجنود الجرحى. وقدّر هوراس بي داي، الذي كتب في منشور عام 1868 بعنوان "عادة الأفيون"، أن 80 ألف إلى 100 ألف أمريكي كانوا مدمنين على الأفيون. والسبب الآخر هو اعتماد الأفيون لعلاج المدمنين على الكحول في الولايات المتحدة تلك الأيام، ولم يعتبر إدمان الكحول مرضاً أو حالة تحتاج إلى علاج، قبل أن يجري انقلاب اجتماعي واسع في الولايات المتحدة، قادته الكنيسة للحد من تناول الخمور، فمنع بيعها وجرم بائعيها على مدى عقود من الزمن، ونشأت في أواخر الثلاثينات من القرن العشرين مافيات تهريب الخمور إلى الولايات المتحدة على هامش هذا المنع.

الدكتور أشيش بهات، في بحث نشر له في العام 2020، كتب حول تعريف الإدمان الذي تبناه مجلس إدارة الجمعية الأمريكية لطب الإدمان في سبتمبر (أيلول) 2019، أن "الإدمان مرض طبي مزمن قابل للعلاج، يتضمن تفاعلات معقدة بين دوائر الدماغ وعلم الوراثة والبيئة وحياة الفرد. وبرأيه، فإنه خلال الثورة الصناعية ضُخمت الخصائص التي ترتبط أحيانا بالإدمان مثل ضعف الإنتاجية والموثوقية والالتزام بالمواعيد في بيئات العمل، لكنه يرى أنه يمكن أن يصبح الناس مدمنين على أي شيء تقريباً، فكل ما يضيء مركز المكافأة في الدماغ يمكن أن يصبح الناس مدمنين عليه.

المزيد من تحقيقات ومطولات