هل يعيش الأغنياء أكثر من الفقراء في المجتمع المغربي؟ وهل التفاوتات الطبقية بين الفئات المعوزة والفئات الثرية لها دور في "مواجهة الموت"؟ وهل لسكان المدن "أفضلية الحياة" أكثر من سكان القرى؟
أسئلة أجابت عنها دراسة رسمية نشرتها المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة عمومية في المغرب تعنى بالتخطيط والإحصاءات)، لتؤكد أن الأثرياء يعيشون أربع سنوات في المعدل أكثر من الفقراء، كما أن سكان الحواضر يعيشون أكثر من نظرائهم في البوادي.
وفيات الأطفال
وتفيد الدراسة التي أجراها باللغة الفرنسية محمد فاسي فهري، مدير مركز الدراسات والبحوث الديموغرافية في المندوبية السامية للتخطيط، بأن المؤشرات المرتبطة بالصحة، خصوصاً بالوفيات، سجلت تقدماً لا يمكن إنكاره، لكنه لا يفيد جميع البيئات والمناطق والفئات.
وأبرزت الدارسة الرسمية التي حملت عنوان "الاتجاهات والتفاوتات في مواجهة الموت في المغرب" أن الحد من التفاوتات الاجتماعية في الصحة يجب أن يكون هدفاً متكاملاً في التنمية والتثقيف الصحي، لافتاً إلى أن "معدل الوفيات في الأعوام الخمسة الأولى من الحياة انخفض بشكل حاد".
وإذا كان هذا التقدم ملحوظاً وكبيراً، يضيف المصدر عينه، "فإنه تطور لم يُفضِ إلى انخفاض ملحوظ في عدم المساواة"، متابعاً أن "التفاوت في فرص البقاء على قيد الحياة وصحة الأطفال من بيئات مختلفة، ليسا نتيجة الصدفة، بالنظر إلى تأثير عوامل مستوى المعيشة وتعليم الأمهات والتقسيم الجغرافي".
وتبعاً للدراسة العلمية، لا تزال توجد تفاوتات كبيرة بين المناطق الريفية والحضرية تؤدي إلى "عدم المساواة" في وفيات الأطفال، إذ إنه في عام 2018، بلغت الفجوة بين معدل وفيات حديثي الولادة المسجلة في المناطق الحضرية والريفية 5.1 نقطة، في تحسن طفيف مقارنة بعام 1992 عندما كانت هذه الفجوة 6.3 نقطة.
الأغنياء أطول عمراً
ويرى معد الدراسة أن أمد الحياة (هو مؤشر يقيس متوسط أو معدل عدد السنوات التي يتوقع أن يعيشها الفرد منذ ولادته)، بين الفقراء والأثرياء يختلف أربعة أعوام، أي أن الأغنياء يعيشون أربع سنوات أكثر من الفقراء، علماً أن أمد الحياة في المغرب يبلغ 75 سنة.
واعتبرت الدراسة أن هناك اختلافاً أيضاً بين المناطق والبيئات الجغرافية في مواجهة الموت. فسكان المدن يسجلون أمد حياة أطول مقارنة بسكان القرى، نظراً إلى عوامل مساهمة من قبيل تفشي الفقر وانتشار الهشاشة وصعوبة الحصول على العلاجات الضرورية.
ووفق المصدر ذاته، توقع الحياة يكون أعلى في المناطق الحضرية (77.9 سنة)، مقارنة بمنطقة ريفية (73.5 سنة). وعام 2004، كان متوسط العمر المتوقع 76.1 سنة في المناطق الحضرية و70.3 سنة في المناطق القروية، وهكذا كانت الزيادة في المناطق الريفية أكثر من المناطق الحضرية: 3.2 سنة مقابل 1.8 سنة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الدراسة عرجت أيضاً على مسألة القيود المفروضة في زمن الجائحة، التي أثرت سلباً في التلقيح وعلاج التهابات حديثي الولادة والرعاية أثناء الحمل والولادة، والخدمات التي تهدف إلى منع زيادة سوء التغذية، بالتالي مواجهة الموت.
المآسي تقصر الأعمار
ويعلق محسن بنزاكور، المتخصص في علم النفس الاجتماعي، على هذا الموضوع بالقول إن الحديث عن فوارق بين الفقراء والأغنياء في "مواجهة الموت" منطق سليم، يزكيه الواقع المعيشي، على الرغم من أن هناك تلاعبات بالكلمات باعتبار أن الموت قدر محتوم.
وأشار في هذا الصدد إلى نضالات المجتمعات والنشطاء المدنيين من أجل الحد من الفوارق والتفاوتات الاجتماعية بين الفقراء والأغنياء في عدد من المجتمعات الإنسانية.
وتابع متسائلاً "كيف لا يموت الإنسان وهو لا يستطيع الحصول على الحد الأدنى من الاستشفاء؟ كيف لا يموت مبكراً من لا يجد مأوى يستره ويحميه؟"، مردفاً أنه "في مغرب القرن 21 توجد منازل في مناطق عدة لا تتوافر على ماء وكهرباء، كما أن المرأة الحامل أحياناً تصل إلى المستشفى للولادة فوق ظهر دابة".
واستطرد بنزاكور أن كل هذه الاختلالات المعيشية والأوضاع تؤشر إلى مأساة اجتماعية تسير في سياق مواجهة الموت بشكله المتخلف، مبرزاً أن هناك كماً هائلاً من المشكلات والمعاناة الإنسانية تخلقها هذه التفاوتات الاجتماعية المتفاقمة.
وزاد أنه "على الرغم من أن عدداً من الدراسات تشير إلى أن هناك توجهاً نحو تحسين ظروف الناس، لكن في المقابل رقعة الفقر اتسعت بشكل كبير"، لافتاً إلى أنه "عندما تكون ظروف الحياة غير سليمة، فإن أجيالاً تتعاطى سلوكاً اجتماعياً خطيراً مثل السرقة والانحراف، وهو ما يؤثر بدوره في أمد الحياة".
الحكومة متفائلة
وفي خضم الأوضاع والفوارق الاجتماعية التي تجعل عمر الفقير أقصر من عمر الغني في المغرب، وفق معطيات الدراسة الرسمية، ترى الحكومة أن البرنامج الذي أطلقته بشأن تقليص الفوارق الاجتماعية وتنمية العالم القروي حقق معظم أهدافه.
كان ذلك في جواب سابق لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، داخل قبة البرلمان في شهر يونيو (حزيران) الماضي، عندما سجل أن مخططات عمل البرنامج استهدفت 14 مليون نسمة من سكان القرى.
ووفق الحكومة، فإن المشاريع المنجزة أسهمت بشكل ملحوظ في تحسين مستوى عيش سكان الجماعات المستفيدة، بحيث عرف عدد مهم من المناطق القروية المعزولة التي تعاني من ضعف الخدمات الاجتماعية الأساسية، تحسناً في وضعيتها المجالية.
وتشير إحدى الدراسات حول دينامية الفقر في المغرب إلى أن 45 في المئة من المغاربة يعتبرون "فقراء ذاتياً" (38.6 في المئة في الوسط الحضري و58.4 في المئة في الوسط القروي)، وأن هذا الفقر الذاتي يمس جميع الطبقات الاجتماعية بمستويات مختلفة.
وتبرز معطيات رسمية أن معدل الفقر تضاعف سبع مرات في حقبة الجائحة، وانتقل من 17.1 في المئة عام 2019 إلى 19.87 في المئة عام 2020، بسبب فقدان كثيرين لوظائفهم ومصادر دخلهم، وهي جميعها عوامل تفاقم فقر محدودي الدخل، ما يؤثر في جودة حياتهم وأمدها.