Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

3 قمم فرنسية عربية في 10 أيام: الأمن والطاقة والغذاء

بحثت العديد من الملفات في ظل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وتأكيد على بناء الشراكات الاستراتيجية

الشراكة الاستراتيجية التي تجمع باريس بكل من الرياض وأبو ظبي والقاهرة تطورت على مدى السنوات الماضية، وباتت تشمل مجموعة واسعة من الملفات والقضايا (اندبندنت عربية)

في غضون نحو عشرة أيام، استقبلت باريس ثلاثة من الزعماء العرب الذين تلعب دولهم دوراً بارزاً في الشرق الأوسط وتربطها بفرنسا "علاقات استراتيجية وثيقة"، ومثلت خلال السنوات الماضية "محور ارتكاز" للتعاطي الفرنسي مع قضايا المنطقة وبات تكثيف التعاون والتنسيق معها "ملحاً" تحت وطأة تداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية على صعيدي الأمن الغذائي والطاقة، بحسب ما يقول مراقبون فرنسيون وعرب.

فقد استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد، في 18 يوليو (تموز)، ثم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 22 من الشهر ذاته، قبل أن يعقد مباحثات مماثلة، الخميس 28 يوليو، مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ضمن جولته الأوروبية التي شملت أيضاً اليونان. وتأتي القمم الثنائية في وقت تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط تحولات في ملفات عدة، ونشاطات دبلوماسية مكثفة، أبرزها الزيارة الأولى للرئيس الأميركي جو بايدن إلى الشرق الأوسط، في منتصف يوليو الجاري، وحضوره قمة "جدة للأمن والتنمية" التي جمعته وتسعة من القادة العرب. وشدد فيها المجتمعون على "أهمية اتخاذ الخطوات الضرورية للحفاظ على الأمن في المنطقة".

وبين ملفات الإقليم الساخنة، وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، أثارت التحركات العربية الأخيرة، التي وصفها مصدر دبلوماسي مصري بارز لـ"اندبندنت عربية" بـ"العودة النشطة والفاعلة للدبلوماسية الرئاسية والاشتباك رفيع المستوى مع التحديات المصيرية والحيوية للمنطقة"، أسئلة مراقبين حول تموضع باريس في معادلة "التنسيق والتشاور" العربية، لا سيما في ظل ما بات يوصف بمحور "الرياض - القاهرة - أبو ظبي"، وانعكاس ذلك على حلحلة بعض الملفات المتعثرة.

 

 

"ملفات استراتيجية" على الطاولة

مع ترقب القمة التي ستجمع بين الرئيس الفرنسي ماكرون، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، التي ستركز على "العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها في مختلف المجالات، ومناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك"، بحسب ما أوردت وكالة الأنباء السعودية "واس"، قالت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، إن الشراكة الاستراتيجية التي تجمع باريس بكل من أبو ظبي والرياض والقاهرة، تطورت على مدى السنوات الماضية، وباتت "تشمل مجموعة واسعة من الملفات والقضايا، أهمها مواجهة النفوذ الإيراني المزعزع للاستقرار في المنطقة، ومكافحة الإرهاب والتطرف، والتحالف في القضايا الأمنية والسياسية، فضلاً عن نمو التعاون الاقتصادي والتجاري".

وبحسب الصحيفة الفرنسية ذاتها، فإن من بين الملفات الرئيسة التي باتت تحتل مكانة بارزة في السياسة الفرنسية، "موضوع الطاقة"، إذ تمثل السعودية المصدر الأكبر للنفط على مستوى العالم، ومن شأن زيادتها الإنتاج تهدئة الأسعار في السوق الدولية، بعد أن دفعتها الحرب الروسية في أوكرانيا إلى مستويات غير مسبوقة.

إلا أنه، بحسب ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن نائبة رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى السعودي هدى الحليسي، من غير المرجح أن تغير السعودية موقفها في شأن إنتاجها النفطي، قائلة: "نحن على طريق محدد ونحتاج إلى الرؤية من خلاله". وشددت الحليسي على أن هناك فرصاً كثيرة لإبرام اتفاقات في شأن الطاقة المستدامة وغيرها من الجهود في إطار مكافحة التغير المناخي.

 

 

وفيما أعلن قصر الإليزيه أن الرئيس ماكرون سيستقبل، مساء الخميس، ولي العهد السعودي على "عشاء عمل"، وذلك في أول زيارة للأمير منذ عام 2018 بعد زيارة ماكرون إلى جدة في ديسمبر (كانون الأول) 2021 وأطلق خلالها مبادرة لمساعدة لبنان، قال مصدر دبلوماسي فرنسي في حديث مقتضب لـ"اندبندنت عربية"، إن زيارة ولي العهد، التي تأتي في إطار تطور غير مسبوق تشهده علاقات البلدين الاستراتيجية، ودول عربية أخرى فاعلة على الساحة الإقليمية "تمثل فرصة سانحة لتعميق وتكثيف التشاور والتنسيق في العديد من الملفات الثنائية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، من بينها تلك المخاوف المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، ودور طهران المزعزع للاستقرار في العراق وسوريا واليمن ولبنان، فضلاً عن تعزيز العلاقات الدفاعية والأمنية بين البلدين".

وبحسب المصدر ذاته، فإن "باريس تولي أهمية قصوى للعلاقات التاريخية والوثيقة التي تجمعها بكل من الرياض وأبو ظبي والقاهرة، وأن استمرار تقويتها يخدم المصالح المتبادلة في المنطقة".

وبقدر الملفات الاستراتيجية والمحورية المطروحة على طاولة مباحثات ماكرون وبن سلمان، كانت تلك الأخرى التي جمعت الرئيس الفرنسي وكل من نظيريه المصري والإماراتي، خلال زيارتيهما إلى باريس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفق بيانات متطابقة، صدرت بعد لقاء السيسي وماكرون، الجمعة الماضي، فقد هيمنت على مباحثات الرئيسين، ملفات التعاون الثنائي والاقتصاد، وسط تزايد المخاوف من آثار الحرب الروسية - الأوكرانية على إمدادات الأغذية العالمية والطاقة، وتكثيف التنسيق في ما يتعلق بأزمات المنطقة. وقال الإليزيه في بيان إن محادثات ماكرون- السيسي رمت إلى تعزيز العلاقة المبنية على روابط أمنية ودفاعية، فضلاً عن سبل التعامل مع "العواقب الاقتصادية، وتلك المتعلقة بالطاقة والأمن الغذائي العالمي بالحرب الروسية - الأوكرانية".

وذكر الإليزيه أن ماكرون والسيسي تطرقا إلى مكافحة الاحترار المناخي، علماً أنه من المقرر أن تستضيف مصر مؤتمر الأطراف للمناخ "كوب 27" في منتجع شرم الشيخ خلال نوفمبر (تشرين الثاني)، مضيفاً أن "الرئيسين عرضا القضايا الرئيسة للتعاون الثنائي".

من جانبها، قالت الرئاسة المصرية إن لقاء السيسي وماكرون شدد على تدعيم "مسيرة العلاقات الثنائية المشتركة في مختلف المجالات على نحو بناء وإيجابي". وذكر المتحدث باسم الرئاسة بسام راضي، أن اللقاء شهد التباحث في عدد من الملفات الإقليمية، لا سيما مستجدات القضية الفلسطينية وسبل إحياء عملية السلام، وتطور الأوضاع في كل من شرق المتوسط وليبيا وسوريا ولبنان، فضلاً عن الوضع الاقتصادي الدولي الصعب الناشئ عن الأزمة في أوكرانيا، والتأثيرات السلبية غير المسبوقة التي شهدتها الأسواق العالمية بسبب الأزمة. وقد توافق الجانبان على تعزيز نشاط المشروعات التنموية والاستثمارات الفرنسية في مصر.

 

كذلك جاءت القمة التي جمعت بين محمد بن زايد وماكرون، ووقع خلالها البلدان "اتفاق شراكة استراتيجية شاملة للتعاون في مجال الطاقة". وأكد الطرفان في بيان مشترك، في ختام مباحثاتهما، "أهمية العلاقات الاستراتيجية الراسخة بين البلدين الصديقين وسبل تعزيزها بما يخدم المصالح المتبادلة إضافة إلى التشاور والتنسيق في القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك". وأكدا "الالتزام المشترك تجاه توسيع آفاق التعاون الثنائي في جميع المجالات والعمل معاً في مواجهة التحديات العالمية والإقليمية"، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الإماراتية "وام".

أين تتموضع باريس في المعادلة العربية؟

وسط تسارع المتغيرات الدولية والإقليمية، وتداخل ملفاتها وتشابكها، تطرح العلاقات الفرنسية العربية، ومستقبلها، سواء على الصعيد الثنائي أو الإقليمي والدولي، نفسها، وفق البعض، لتكون طرفاً رئيساً في معادلات الإقليم وتوازناته الاستراتيجية والاقتصادية.

ويقول السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون الأوروبية، "بشكل عام من المهم أن ترتبط الدول العربية الفاعلة بعلاقات متميزة وفاعلة مع كبرى الدول الأوروبية، كفرنسا وألمانيا، لاعتبارات جيوسياسية واقتصادية"، معرباً عن اعتقاده في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، أن تكون زيارات قادة السعودية والإمارات ومصر إلى باريس "محاولة لضبط إيقاع معادلة التحالفات الدولية في المنطقة، وموازنة التفرد الأميركي".

يضيف بيومي، "على عكس بريطانيا، وأحياناً ألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد أوروبي، يبدو التعاطي الفرنسي في كثير من الأحيان مع قضايا المنطقة مغايراً للتعاطي الأميركي، وعليه فقد تكون الشراكة مع باريس موازنة لسياسة واشنطن في ملفات حيوية كالملف الإيراني والتعاون الدفاعي والأمني والاقتصادي والتجاري".

يتابع، "بخلاف العديد من القادة الدوليين، استطاع الرئيس الفرنسي ماكرون بناء صداقات شخصية مع بعض القادة العرب، تجاوزت الأطر الرسمية للعلاقات بين الدول، وزيارات محمد بن زايد والسيسي وبن سلمان لدولة واحدة في وقت متقارب تعكس رمزية كبيرة لحجم التنسيق والتشاور بين الدول العربية الثلاث، والرهان العربي على باريس بعد زيارة الرئيس بايدن إلى المنطقة".

من جانبه، يعتبر خطار أبو دياب، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة باريس، لـ"اندبندنت عربية"، أن "دورية الزيارات رفيعة المستوى بين ماكرون والقادة العرب، منذ توليه الرئاسة، تبرهن الاهتمام الفرنسي الكبير بجنوب المتوسط والشرق الأوسط"، مضيفاً: "دفعت الحرب الروسية - الأوكرانية والتطورات المتلاحقة في الشرق الأوسط، بكل من باريس والدول العربية الثلاث إلى التحرك نحو تعزيز الشراكات الثنائية التي تعمقت واكتسبت مزيداً من الزخم والتطور خلال السنوات الماضية، وحان الوقت للرهان عليها". ويرجح أن تنعكس الزيارات العربية الأخيرة إلى باريس على تحرك فرنسي مرتقب لتنظيم مؤتمر إقليمي شرق أوسطي للتعاون والاستقرار تتمة لمؤتمر بغداد الذي ترأسته إلى جانب العراق في العام الماضي.

في المقابل، يقلل سعد المسعودي، المتخصص في الشأن السياسي المقيم بفرنسا، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، من تجاوز استراتيجية العلاقات الفرنسية- العربية المستوى الثنائي بما يخدم حلحلة بعض القضايا الإقليمية الساخنة، في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه كل دولة.

 

يضيف المسعودي، "بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية تبحث باريس عن تأمين مصادر الطاقة والغاز بدلاً من المصادر الروسية بشكل أساسي"، متابعاً: "قد لا تسمح الظروف الإقليمية والأدوار الدولية الفاعلة في الوقت الراهن لباريس بأن تشكل تحالفات منفردة تلعب دوراً مغايراً للدور الأميركي أو الروسي، أو حتى الأدوار الإقليمية الأخرى المتداخلة".

ويقول، "قد نجد نتائج تلك الزيارات في ملفات فرعية وليس في الملفات الرئيسة بالمنطقة، كالملف اللبناني أو اليمني"، إلا أنه على الصعيد الثنائي، قد تنعكس بشكل كبير في ملفات عدة على المستويات الأمنية والدفاعية والاقتصادية، وحتى الثقافية. ويضيف، "الوضع الحالي يفرض على الفاعلين الدوليين البحث عن حلول وآليات عملية تخفف من تداعيات الأزمات الدولية المتفاقمة على الصعد الداخلية".

وأوردت تقارير صحافية فرنسية أن الزيارات العربية الأخيرة لفرنسا، تحمل أبعاداً مهمة وانعكاسات كبيرة، وذكرت قناة "تي أف1" أن التحركات العربية الأخيرة على المستوى الرئاسي، تعكس "ديناميكية وفاعلية" في المنطقة التي برزت أهميتها مجدداً على الساحة العالمية مع الحرب الروسية - الأوكرانية، مشيرة، إلى النشاط الدبلوماسي البارز التي شهدته السعودية، خلال الأسابيع الماضية، إذ استقبلت الرئيس الأميركي في زيارته الأولى للمنطقة، وعقد قمة عربية أميركية، سبقتها جولة إقليمية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى مصر والأردن وتركيا.

المزيد من دوليات