"البقولو" طعام الفقراء مشترين كانوا أو بائعين، هكذا يشير موسم الذرة الشامية في إثيوبيا، حيث تنتشر المواقد البدائية في مختلف الطرقات مشتعلة بالفحم، تحرسها في الغالب نساء يقلبن في وسطها "كيزان البقولو" ويلتف من حولهن زبائن، كل واحد منهم ينتظر احمرار حبيبات كوزه ليقضم منه في الهواء الطلق ويواصل مسيره.
الثاني بعد القمح
الذرة الشامية (Zea mays) يطلق عليها في إثيوبيا كلمة "بقولو" وهي الكلمة الأمهرية الغالبة لدى معظم القوميات، إلا أن هناك تسميات أخرى لأهل الشمال في تيغراي، منها "شويت" و"عفون"، وهي تكثر بحلول موسم الخريف، إذ تفيض المزارع في الأقاليم والأرياف بإنتاج ضخم تحمله الشاحنات إلى الأسواق، ومنها يتزود التجار والنساء البائعات بحاجات زبائنهن.
ومعروف عن المحصول عالمياً كونه ذا قيمة غذائية عالية، ويطلق عليه "الذرة السكرية" و"الذرة الصفراء"، وله استخدامات عدة، ويدرج كأهم محاصيل الحبوب في العالم، وهو يحتل المرتبة الثانية من حيث إنتاج الحبوب عالمياً بعد القمح، ويأتي من ورائه الرز في المرتبة الثالثة. وتصنف هذه الغلات الثلاث كونها المصدر الرئيس في غذاء الإنسان.
يمثل موسم "البقولو" في إثيوبيا نشاطاً واضحاً لطبقات عدة من الفقراء، بخاصة الذين يستفيدون من مزاولة تجارة يتيحها الموسم، ولا قيد عليها في إيجار محل، أو دفع رسوم، طلبها الوحيد حركة الزبائن على الطرقات، وهي بلا ريب شوارع تنبض بطلبات الصغار والكبار لـ"البقولو"، لما يشكله من قيمة غذائية عالية وزهيدة الثمن.
غذاء أفريقي
تدخل الذرة الشامية في المخبوزات إلى جانب عدد من الأطعمة، كما تشكل غذاء للحيوان، بخاصة الدواجن، وكان اكتشافها الأول بواسطة الهنود الحمر في المكسيك وأميركا، ومنذ نحو عشرة آلاف عام ظل استخدامها كغذاء رئيس لشعوب تلك المناطق.
وفي القارة الأفريقية، تمثل حبوبها غذاء رئيساً مهماً للإنسان، ويتسع نطاق استخدامها لدى معظم القبائل، ويُعدّ تحميص حبوبها عبر المواقد اليدوية الطريقة السائدة لدى الشعوب في بلدان شمال أفريقيا والوطن العربي، بخاصة في مواسم الحصاد، أما الطريقة الشعبية الثانية، فتكون عن طريق سلق كيزانها في الماء الساخن.
وعلى الرغم من فيض إنتاج الذرة الشامية في الخريف، إلا أنها تتوافر على مدار السنة وتنجح زراعتها في بيئات متعددة، وتحتوي على عدد من العناصر الغذائية، مثل الألياف والكربوهيدرات والكالسيوم والمغنيسيوم والحديد. وتقدر السعرات الحرارية في حبة الذرة الشامية بـ96 سعرة. أما العناصر الغذائية الأخرى، فهي حمض البانتوثنيك والنياسين وحمض الفوليك إلى جانب بعض الفيتامينات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتُعدّ إثيوبيا في مقدمة الدول الأفريقية المنتجة لمحصول الذرة الشامية، وتنتشر زراعتها في معظم الولايات، إلا أن جنوب إثيوبيا الذي يجمع ما يقدر بـ50 قومية يعتبر البيئة الغنية بها، وتشكل لسكان قبائل الجنوب في مناطق أواسا وسيداما ولايتا والهديا وقوراقي وجامو وسيليتا غذاء رئيساً ويستخدمونها على مدار السنة في صنع "العصيدة" كوجبة رئيسة، ويخزنون فائض الكيزان منها خلال المواسم في حظائر من القش والطين بطرق متوارثة لحفظها. وفي أوقات معينة، يرسلون كميات كبيرة من محصولها إلى الأسواق، بخاصة في أعوام شح الأمطار والجفاف كتجارة تُجنى من ورائها الأرباح.
يُقدم ساخناً
وإلى جانب تحمير حبيبات الكيزان على مواقد الفحم وهي الطريقة الشائعة في الوطن العربي، هناك طريقة الغلي في الماء الساخن يؤديها في إثيوبيا شباب من البائعين وقلة من النساء، وهو نوع من التجهيز لا يكلف هو الآخر، سوى موقد عليه قدر ماء ممتلئ بكيزان "البقولو" تغطيه أكياس سميكة من البلاستيك لحفظ الحرارة، والبائعون لهذا النوع منتشرون في الأسواق الصغيرة وأماكن التجمعات. وسواء كان محمصاً أو مسلوقاً، يقدمه البائع ملفوفاً بأوراق سميكة حتى لا يفقد حرارته.
خلال مواسم "البقولو"، يبدو طبيعياً أن تجد الإثيوبيين، ليس فقط في المناطق الفقيرة بل في أرقى مدن العاصمة أديس أبابا ومن مختلف الأعمار والأجناس، يأكلون الكيزان أثناء سيرهم في الشوارع والأماكن العامة.