كان كاتب العمود الشهير في "نيويورك تايمز" جيمس ربستون يقول عن الرئيس رونالد ريغان إنه "يعرف كيف ينجح لا كيف يحكم". ريغان الممثل السينمائي العادي تمكن من إقناع الأميركيين، لا فقط بانتخابه حاكماً لكاليفورنيا مرتين ورئيساً للولايات المتحدة في ولايتين، بل أيضاً بوضعه في صف الرؤساء العظام. وهو قال بعدما غادر البيت الأبيض: "لا أعرف كيف يمكن أن ينجح رئيس إن لم يكُن ممثلاً". شيء من هذا ينطبق على بوريس جونسون المتحدر من أصول تركية، المقامر في السياسة والكاذب في الصحافة، الذي تمكن من اللعب بحزب المحافظين والتلاعب بالبريطانيين وإقناعهم بالسير وراءه في "بريكست" وإعطائه أكبر نصر انتخابي جعله رئيساً للوزراء. وضع كتاباً عن ونستون تشرشل وأراد أن يصبح مثله، فاصطدم باستحالة الوصول إلى قامة تشرشل العالية كبطل الحرب العالمية الثانية في مواجهة هتلر.
إخراج "اللياقة"
كانت حماسته لدعم أوكرانيا ضد الغزو الروسي ومغامرة الرئيس فلاديمير بوتين، مجرد هروب من مشكلاته الداخلية. لكنه حاول القيام بشيء من "غرائب" تشرشل. ففي كتاب كريستوفر كاثروود "حماقة تشرشل"، يسجل المؤلف قول تشرشل عندما كان وزير المستعمرات في الحرب العالمية الأولى لرئيس الوزراء لويد جورج: "مهمتي في خلق العراق تشبه صنع قرميد من دون مواد، ونفخ فقاعات من دون صابون". ويروي هارولد ماكميلان في مذكراته قصة موعد مع رئيس الوزراء تشرشل عام 1952: "كان تشرشل في البيجاما ممدداً على سرير، على رأسه طير، أمامه قفص، في يده كأس ويسكي وفي الأخرى سيجار، وأمامه سكرتيرة يملي عليها رسالة إلى الرئيس الأميركي رداً على رسالة حول الأسلحة النووية".
كان أول ما فعله جونسون بعد إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو إخراج "اللياقة" من مركز رئيس الوزراء. تجاوز البروتوكول والقوانين في "أثينا المعاصرة". وأبسط ما سجّله توم بوير في كتاب "بوريس جونسون المقامر"، هو أنه "يعمل لبناء ماركته الشخصية أكثر من تراثه السياسي. مغامر أضر بوظائفه وزواجه بالكسل والسلوك المغامر، ونجح في إنقاذ نفسه كل مرة بالجاذبية والحظ والطموح والتواصل". لكن الغرائب وصلت إلى حد قال له الوزراء والنواب في حزب المحافظين: انتهت اللعبة. حاول متابعة اللعبة، فانفض اللاعبون من حوله. ولا يزال يراهن على الوقت للبقاء في رئاسة الحكومة بعد الاستقالة من زعامة حزب المحافظين إلى أن يتمكن أعضاء الحزب من اختيار زعيم جديد، يكون رئيساً للوزراء ضمن روزنامة طويلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"تغيير شامل"
لكن ما أحدثه جونسون من أضرار بالديمقراطية والمجتمع والاقتصاد لن ينتهي بخروج رجل واحد من السلطة. فالإمبراطورية التي حكمت العالم صارت فقيرة. ثروة ألف غني بريطاني تبلغ 772 مليار جنيه إسترليني (حوالى 911 مليار دولار)، وتتجاوز ثروة الدولة التي هي في حدود 700 مليار جنيه (حوالى 827 مليار دولار). وترى "ذا غارديان" أن عزل جونسون لا يكفي لإصلاح ما أفسده، وهناك حاجة إلى "تغيير شامل". وتقول "ذي إيكونوميست" إن بريطانيا تواجه مشكلات خطيرة: "أعلى معدل تضخم بين مجموعة السبع، أبطأ نمو، أفقر مما تتخيل الناس وعجز في الميزان التجاري".
وليس بوريس جونسون في النهاية سوى واحد من قافلة طويلة من حكام هم نتاج مرحلة مستمرة من التردي في مستوى القيادات. رؤساء أميركا يضعفون بمقدار ما تقوى سلطة البيت الأبيض. و"الإداريون المحاسبون" يتولون السلطة في عواصم عدة بعد غياب قيادات تاريخية. رؤساء فرنسا، من الجنرال ديغول إلى ساركوزي، ومن ميتران إلى هولاند، والبديل ماكرون. بريطانيا من تشرشل وتاتشر إلى جونسون، ومن أتلي وبيفن إلى بلير وبراون. ألمانيا من أديناور وميركل إلى شولتز. الهند من نهرو إلى مودي. روسيا من بطرس الأكبر إلى بوتين، ومن لينين وستالين إلى يلتسين. وأميركا من لينكولن إلى ترمب. قبل قرنين، وصف وليم هازلت الأحزاب البريطانية بأنها تشبه "مندوبَي شركتين يسافران في اتجاه واحد وبسرعة واحدة ويتراشقان بالوحل". والفوارق ضئيلة بين من سيأتي من المحافظين، ومن قد يأتي من العمال بعد الانتخابات.