Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عندما توسطت ثاتشر بين ريغان وغورباتشوف من أجل السلام

الأميركي أرشي براون يستعيد مرحلة حافلة بفائض الخوف والخطر النووي

مارغريت تاتشر التي لعبت دور الوسيط (غيتي)

في اللحظات المتوترة التي يختبرها العالم متحسساً خطواته، خوفاً من اندلاع حرب عالمية ثالثة، يصدر كتاب "العامل البشري: غورباتشوف وريغان وثاتشر ونهاية الحرب الباردة"، لأرشي براون؛ أحد أهم الباحثين في تاريخ الاتحاد السوفياتي. يطرح براون في كتابه الدرامي نماذج للقادة والتابعين الذين من الصعب أن نصادفهم اليوم، في هذه المواقف العصيبة التي قد تفضي إلى تهديد مستقبل البشرية جمعاء. إنها دراسة تساعدنا على فهم أوسع لنهاية الحرب الباردة، كُتبت بأسلوب سلس مفعم بالحكايات الغامرة عن ثلاثة من القادة أسهموا في خلق فرصة فريدة للسلام في وقت كان العالم يتأرجح على شفا حرب نووية مدمرة.

المشهد من زاوية أكثر قرباً

معظم السير الذاتية التي تناولت كلاً من الشخصيات المذكورة، اكتفت ببعض الأحداث المنتقاة من لقاءاتهم المتتالية، على عكس "العامل البشري" الذي طمح إلى أن يمنح دارسي العلاقات الدولية نظرة أكثر قرباً، أو لو توخينا الدقة، رؤية "بشرية" للأبطال الثلاثة في السنوات الأربع الممتدة من 1986 إلى 1989.

كان على براون أن يغوص عميقاً في الاختلاف الظاهر بين شخصياتهم، محللاً أوجه التشابه بينهم في أمور عدة، منها مثلاً، أن ثلاثتهم كانوا سياسيين مثيرين للجدل في بلدانهم. أحدهم غيَّر ولاءه السياسي من ديمقراطي ليبرالي إلى محافظ؛ الثانية باحثة كيميائية حولت اهتمامها إلى الشؤون السياسية ووصلت إلى القمة في عالم يهيمن عليه الذكور؛ والثالث ينحدر من عائلة وصمت بأنها من أعداء الشعب مع من تعاطفوا مع التفسيرات المنافسة للماركسية مثل التروتسكية، وهؤلاء إما أُعدموا أو احتُجزوا في المعسكرات، واتهم غورباتشوف نفسه بالخيانة.

كان للثلاثة أيضاً، على عكس أقرانهم، أحلام مشتركة عن عالم أكثر حرية وأماناً، يُمكِّنهم من تحقيق أهدافهم في مرحلة تالية، أضف إلى ذلك طبيعة النشأة الكادحة. ولد غورباتشوف في عائلة قروية فقيرة، لأب من أصل روسي وأم من أصل أوكراني، وقضت ثاتشر طفولتها في دكان والدها القائم في منزلهم، بينما تربى ريغان في عائلة فقيرة في مدينة صغيرة في شمال إلينوي.

إمبراطورية الشر ليست شريرة تماماً

في 15 ديسمبر (كانون الأول) 1986، رُكِّب هاتف على نحو فجائي في شقة الفيزيائي الشهير والناشط في مجال حقوق الإنسان أندريه ساخاروف. كان ساخروف وزوجته منفيين منذ ست سنوات، ومعزولين عن العالم الخارجي. في اليوم التالي، تلقى ساخاروف مكالمة هاتفية من ميخائيل غورباتشوف يخبره أن لهما الحرية في العودة إلى منزلهما في موسكو واستئناف حياتهما السابقة من دون قيود. وفقاً لبراون، كانت هذه إشارة واضحة للغرب على أن الزعيم الجديد للاتحاد السوفياتي يتحرك بجدية نحو الإصلاح السياسي.

عُرف غورباتشوف بجرأته واختلافه عن أي زعيم سوفياتي سابق، وكان أكثر استعداداً لنشر صلاحياته في الإقناع بدلاً من الحكم بالأمر. لقد أدرك غورباتشوف أن إنهاء الحرب الباردة في مصلحة الروس على المدى الطويل، وكذلك شعوب البلدان الأخرى، لأن الموارد الهائلة التي أنفقت على وسائل الدمار الشامل كان من الأجدى استثمارها في رفع مستويات المعيشة وأحوال البيئة، مع تجنب الخطر الحقيقي في أوقات التوتر الشديد من الوقوع في حرب نووية من خلال خطأ بشري أو عطل فني أو سوء تقدير سياسي. وسرعان ما أدركت ثاتشر أنه جاد في رغبته في التغيير، وأصبحت "مدافعة عن ريغان لغورباتشوف وعن غورباتشوف لريغان". لقد أدى إعجاب ثاتشر بغورباتشوف وريغان، إلى توليها دوراً رائداً في إنهاء الحرب الباردة كان أكبر من دور المملكة المتحدة في ذلك الوقت، وجاءت النتيجة مذهلة. ريغان الذي اشتهر بشجب الاتحاد السوفياتي ووصفه بأنه "إمبراطورية شريرة"، ولم تمض سنوات قليلة ورآه العالم يتجول في الميدان الأحمر مع زعيم الحزب الشيوعي متجاهلاً الاتهامات بالتساهل مع السوفيات.

لاعبون من المرتبة الثانية في صنع التاريخ

لا يركز براون في كتابه فقط على الشخص الموجود في قمة الهرم. فعلى الرغم من أهمية القيادة، ليس القائد الأعلى وحده المفترض به أن يكون مهماً. فريغان مثلاً، أعطى لإدارته مساحة واسعة شريطة أن يكونوا متوافقين إلى حد كبير مع رؤيته. كانت إدارته منقسمة بعمق، ولم يجد حرجاً من تبني الموقف المعارض لوزير خارجيته جورج شولتز ضد موقف وزارة الدفاع وشكوك وكالة الاستخبارات المركزية بشأن أي نتائج جيدة من المفاوضات مع الاتحاد السوفياتي.

يؤكد الكتاب المليء بنماذج ثرية من المساعدين والمستشارين والوزراء الذين شكلوا عملية صنع قرار الثلاثة الكبار، أهمية دور اللاعبين من المرتبة الثانية في التاريخ، من عراب البيريسترويكا إلى ثاتشر إلى المستشار هيو توماس، والتي يقدمها براون بكثير من التفاصيل الحية، توسع العامل البشري إلى أبعد من القادة الفرديين، وتشكل فهماً إنسانياً ثرياً وعميقاً لكيفية صنع التاريخ.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لعل ما يحتاجه العالم الآن، للتغلب على فائض الخوف، هذه النماذج من القيادة الحكيمة القادرة على التأثير في كل شيء، وعلى وجه الخصوص في أوقات التوتر، وقرارات الحرب والسلام. وهو ما يقودنا للتحدث عن أعظم إنجازات براون في أحد الفصول، شيء يشبه الرؤية من زاوية أخرى، في فحص القصة بأحداث مضادة للحقائق. فلو اختلف مثلاً أحد الأشخاص الثلاثة: لو مات ريغان على سبيل المثال في عام 1981 وحل محله نائب الرئيس بوش، فإن التاريخ الذي حدث لم يكن ليحدث بالفعل.

يقول براون: "كان هناك أشخاص في ذلك الوقت اعتقدوا أن من الخطر للغاية التفاوض مع القيادة السوفياتية، وكان لا بد من تخفيف الحذر، ما جعل المشاركة مثمرة. هذا صحيح اليوم أيضاً. لم يكن الأمر أبداً هو أن عزل روسيا سيجعلها أكثر ليبرالية. ومع ذلك، ليس الروس فقط هم من يستفيدون من مثل هذا التفاعل. نحن نحتاجه أيضاً، فهو سيكون تقدماً كبيراً إذا فهم المزيد من الناس في الغرب، وخصوصاً أولئك الذين هم في الحكومة، وبشكل أفضل، كيف يُنظر إلى السياسات التي يعتبرونها غير مستثناة في روسيا".

إن شيطنة روسيا، على حد تعبير براون، ليس له معنى سياسي كبير، بغض النظر عن مدى رفضنا للتطورات السياسية في الغرب. فإن روسيا اليوم ليست سلطوية بدرجة كبيرة كما كان الاتحاد السوفياتي قبل البيريسترويكا، ومع ذلك كان من الممكن حتى في ذلك الوقت عقد اجتماعات بشأن مسائل ذات اهتمام مشترك مثل معاهدة الحد من الصواريخ الباليستية عام 1972. إذا صنعت السياسة الخارجية في المقام الأول لإثارة إعجاب الرأي العام المحلي ومجموعات الضغط الأفضل تنظيماً، فلا ينبغي أن تكون مفاجأة كبيرة، لو فسرت بشكل مختلف تماماً في الدولة التي يتم توجيه السياسة نحوها.

في حوار معه عن كتابه التالي بعد "العامل البشري"، تحدث براون عن بعض الأفكار للكتابة قائلاً: "أنا في عقدي الثامن، لذا إذا لم أحسم أمري قريباً، فسيكون الأوان قد فات! أحد المشاريع المحتملة يتعلق بالدراسات السوفياتية، "نظرة على ما أحرزناه في المسار الصحيح، وما أخطأنا فيه".

اقرأ المزيد

المزيد من كتب