Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يخشى "شركاء موسكو" تأييد سياساتها؟

لم تعترف الجمهوريات السوفياتية السابقة ومنها بيلاروس بضم روسيا القرم أو باستقلال "جمهوريتي" دونيتسك ولوغانسك

كشف بوتين أن الضغوط والعقوبات على روسيا تدفع إلى تسريع عمليات الاتحاد مع بيلاروس (أ ب)

على النقيض مما اتخذته بلدان الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي من مواقف تجاه الانضمام الجماعي إلى ما تقرر من عقوبات وحصار ضد روسيا بإيعاز من الولايات المتحدة الأميركية، تنأى دول من الفضاء السوفياتي السابق تجتمع مع روسيا في المنظمات الإقليمية بنفسها عن تأييد أو دعم مواقف "الشقيقة الكبرى". ومن تلك الدول بيلاروس، فعلى الرغم من وضعيتها "الاتحادية" مع روسيا، إلا أنها لم تعلن بعد عن موقف صريح من الاعتراف ليس بضم روسيا القرم فحسب، بل باستقلال "جمهوريتي" دونيتسك ولوغانسك اللتين اعترفت بهما سوريا أيضاً.

ولعل ما تعيشه روسيا منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية في فبراير (شباط) 2014 من "عزلة" غير معلنة، يمكن أن يكشف أبعاد هذه المأساة بكل ما تتضمنه من تساؤلات عن المدى الذي يمكن أن يذهب إليه حلفاء روسيا في دعمهم مواقفها وسياساتها تجاه أوكرانيا المجاورة، فضلاً عما اتخذته وما يمكن أن تتخذه من مواقف، ومنها ما يتعلق بالاعتراف بـ"ضم" روسيا القرم وباستقلال "مقاطعتي" دونيتسك ولوغانسك.

ما يشبه الصمت

وقد جاءت الأحداث الأخيرة واشتعال الحرب بين روسيا وأوكرانيا منذ إعلان موسكو عن "عمليتها العسكرية الروسية الخاصة"، في 24 فبراير (شباط) الماضي، لتطرح مزيداً من التساؤلات حول مدى استعداد بلدان "معاهدة الأمن الجماعي" للانضمام إلى مواقف روسيا، أو على الأقل لتحديد مواقفها من الصراع الجاري، على حد تساؤل ألكسندر لوكاشينكو الذي طرحه خلال قمة رؤساء بلدان المعاهدة في يريفان عاصمة أرمينيا في 16 مايو (أيار) الماضي. وكان لوكاشينكو حذر نظراءه من مغبة الوقوف مكتوفي الأيدي إزاء "تهديدات" البلدان الغربية، مؤكداً أنه "من دون الحشد السريع لبلداننا فإننا قد لا نكون"، في إشارة إلى احتمال ضياع مستقبل هذه البلدان في حال عدم انضمامها إلى مواقف روسيا في صراعها الحالي مع بلدان الاتحاد الأوروبي و"الناتو". وأضاف لوكاشينكو أن "النظام أحادي القطب للنظام العالمي أصبح بلا رجعة... من الماضي".

وفيما التزم الحاضرون من رؤساء بلدان "معاهدة الأمن الجماعي" ما يشبه الصمت، عاد قاسم جومارت توكاييف ليعلن عن موقفه صراحة في كلمته خلال الجلسة الختامية للمنتدى الاقتصادي الدولي في سان بطرسبرغ في 17 يونيو (حزيران) الماضي. وعلى الرغم من أن ما قاله توكاييف كان إيجازاً وتوضيحاً لمواقف بلاده التي ترفض الاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، مثلما رفض سلفه نور سلطان نزاربايف وبقية رؤساء البلدان الحليفة لروسيا في مختلف التنظيمات الإقليمية المشتركة الاعتراف بضم روسيا شبه جزيرة القرم، فإن ما صدر من تصريحات يمكن أن ينسحب على بقية البلدان "الشقيقة" في "معاهدة الأمن الجماعي". فلم يكتف توكاييف بإعلان عدم وجود أي نيات لدى كازاخستان للاعتراف بهاتين "الجمهوريتين"، مبرراً ذلك بقوله إنه "إذا جاز لنا الاعتراف بحق الشعوب في تقرير المصير، فإن ذلك سيؤدي إلى الفوضى". وأكد عدم استعداد بلاده لانتهاك ما فرضته البلدان الغربية من عقوبات وحصار ضد روسيا. وذلك موقف يبدو مشابهاً لما تتخذه البلدان الشريكة مع روسيا في تحالفاتها الإقليمية، على الرغم من كل ما تقدمه موسكو لها من دعم عسكري واقتصادي، مثلما فعلت في يناير (كانون الثاني) الماضي مع كازاخستان، في إطار إنقاذها من تبعات "الاضطرابات الشعبية" التي كادت أن تطيح بتوكاييف.

مخاوف

ومن اللافت أن جمهوريات آسيا الوسطى، التي لطالما كانت حليفاً لروسيا منذ سنوات الاتحاد السوفياتي السابق، تبدو شديدة التمسك بـ"حيادها" غير المعلن تجاه القضايا الخلافية والمثيرة للجدل بين روسيا وخصومها من بلدان الاتحاد الأوروبي و"الناتو"، ومنها "العملية الروسية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا. أما عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء عدم تعجّل جمهوريات آسيا الوسطى في دعم العملية الروسية في أوكرانيا، فإنها تعود بالدرجة الأولى إلى ما يراود هذه البلدان من مخاوف الوقوع تحت ضغط مثل تلك العقوبات التي تعاني منها روسيا، في وقت لا تملك أي مقومات اقتصادية يمكن أن تعينها في مواجهة هذه العقوبات، على حد اعتراف رئيس كازاخستان في كلمته خلال منتدى سان بطرسبرغ. إلا أن ذلك لا يمكن أن يكون وحده كافياً لتبرير مثل تلك المواقف، التي لم تكن محورية في سياسات هذه البلدان تجاه أوكرانيا على مدى السنوات الثماني الماضية، منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية في عام 2014. ونذكر أن البلدان الحليفة لموسكو، ومنها بيلاروس، لم تكتف بالامتناع عن أي تقديرات أو مواقف يمكن أن تثير تحفظات أي من الجانبين الروسي أو الأوكراني، بل حرصت على مواصلة سياساتها "الطبيعية" مع أوكرانيا. وإذا ما كانت بيلاروس الجارة المباشرة لكل من روسيا وأوكرانيا، اكتفت حتى تاريخ المحاولة الانقلابية التي وقفت أوكرانيا وراءها للإطاحة بنظام ألكسندر لوكاشينكو، في أغسطس (آب) 2020، بالحياد الإيجابي، من خلال استضافتها مباحثات مينسك التي توّجتها "مجموعة نورماندي" بمشاركة روسيا وألمانيا وفرنسا بتوقيع "اتفاقيات مينسك" في عامي 2014 و2015، فإن هناك في جمهوريات آسيا الوسطى من التزم الصمت تجاه الأحداث، ومن تلك الدول كازاخستان وقيرغيزستان وتركمانستان.

على أن ذلك لم يستمر طويلاً، وهو ما تمثل في تباين مواقف هذه البلدان، بقدر تغير ما يراود كل من هذه الجمهوريات من مخاوف، منها ما قد يكون مرتبطاً بما كشفت عنه من أسباب تقف وراء ما وصفته الدوائر الغربية من "مطامع توسعية" تتعلق بالأراضي الحالية لهذه البلدان. وكان توكاييف، رئيس كازاخستان، كشف عن هذه المخاوف في كلمته "المثيرة للجدل" في منتدى سان بطرسبرغ. ومنها ما أثاره عدد من أعضاء مجلس الدوما وشخصيات علمية وثقافية روسية أعادت إلى الأذهان قضية "الأراضي الروسية التاريخية" الموجودة حالياً ضمن حدود هذه البلدان، على غرار شبه جزيرة القرم ومنطقة دونباس التي لم تكن من ضمن المساحة التي كانت عليها أوكرانيا حين انضمت إلى الاتحاد السوفياتي السابق، وهو ما تحدث عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أكثر من مناسبة. وكانت قد أشارت في أكثر من تقرير إلى الجدل الذي احتدم حول ظهور كازاخستان كدولة تتمتع بالمقومات القانونية للدولة، وهي التي انضمت إلى الاتحاد السوفياتي كواحدة من محافظات قيرغيزستان، قبل قيامها كجمهورية مستقلة في عام 1936 للمرة الأولى في التاريخ، بحسب الأدبيات الروسية، وما قاله بوتين بهذا الشأن.

موضوعية

لكن، هناك من رؤساء بلدان آسيا الوسطى من حاول التحلي بالموضوعية، مثل صادر جباروف رئيس قيرغيزستان الذي تناول الأزمة الأوكرانية من منظور قريب من الحيادية، بقوله إن "أوكرانيا ليست الضحية الوحيدة للظروف، وقد أثارت هي نفسها الأعمال العدائية، لسنوات عدة. والدول الأوروبية والولايات المتحدة لم تقف جانباً وساهمت في تعطيل اتفاقيات السلام"، في إشارة إلى "الثورة البرتقالية" اعتباراً من مطلع القرن الجاري، وما أسفرت عنه لاحقاً في فبراير 2014 من انقلاب أطاح الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، وكان بمثابة التاريخ الفعلي لاندلاع الأزمة الأوكرانية، وما أعقبها من صراعات دموية وعقوبات وضغوط غربية ضد روسيا.

من هنا، كانت اللائمة التي أنحى بها جباروف على الوسطاء بين موسكو وكييف، ومنهم رئيسا فرنسا السابق فرانسوا هولاند والحالي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل، بل وزراء خارجية كل من بولندا وفرنسا وألمانيا الذين قاموا بدور الوسطاء بين الرئيس الأوكراني الأسبق فيكتور يانوكوفيتش، ورموز الثورة البرتقالية في يناير - فبراير 2014.

وأضاف جباروف أن "اتفاقيات مينسك وقعت ليس من جانب روسيا وأوكرانيا فحسب، وأنه لو التزمت الدول الوسيطة بالاتفاقيات، لما كان حدث ما حدث". وخلص إلى تأكيد مواقف بلاده تجاه "الحفاظ على الحياد في هذا الوضع"، مؤكداً أنها ستلتزم به، لأنها لا تزال غير قادرة على التأثير في أي شيء. وانتهى بالسؤال "إذا ما دعمنا جانباً واحداً، فهل سينتصرون؟".

بين الصين والولايات المتحدة

وثمة من يقول إن كثيراً من رؤساء بلدان آسيا الوسطى "مدينون" ببقائهم في سدة السلطة لروسيا وقيادتها السياسية التي تغض الطرف عن كثير من ممارساتهم غير الديمقراطية، في الوقت الذي تواصل فيه إغداق الدعم العسكري والاقتصادي لبلادهم "ثمناً" لما تقيمه هناك من قواعد عسكرية، مثلما هي الحال في قيرغيزستان، وطاجكستان. حتى كازاخستان التي خرج رئيسها عن "الصف" بإعلان تذمره واحتجاجه ضد عدد من التصريحات التي صدرت عن موسكو غير الرسمية، يظل أيضاً مديناً ببقائه بما قدمته له موسكو عبر قوات حفظ السلام التي تشكل فيها قوتها الضاربة، لاستعادة الاستقرار والنظام إلى بلاده في يناير الماضي الذي شهد محاولة الانقلاب التي أشرنا إليها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن ذلك كله لا يمكن أن يكون القول الفصل، والتفسير الرئيس لما تتخذه هذه البلدان من سياسات ومواقف. فهناك كثير من جوانب هذه السياسات التي يمكن أن نعزوها إلى ضغوط وممارسات مباشرة وغير مباشرة من جانب بعض الدول الكبرى الخارجية وفي مقدمها الولايات المتحدة والصين، بغض النظر عن جوهر مثل هذه "الضغوط والممارسات". وكان توكاييف قد توقف طويلاً، في كلمته في سان بطرسبرغ، عند الدور الذي تقوم به الصين في دعم بلاده على الصعيد الاقتصادي، من دون أن يغفل الإشارة إلى جدوى التعاون مع الولايات المتحدة، مؤكداً في الوقت نفسه عجز "البلدان النامية" عن الوقوف في وجه ما تمارسه الدول العظمى من ضغوط وسياسات، لم يشر مباشرة إلى حجمها ونوعيتها. وذلك في الوقت الذي كشفت فيه مصادر روسية رسمية عما تقدمه من دعم اقتصادي وعلمي وتقني إلى جمهوريات آسيا الوسطى، ومنه ما أسهمت به روسيا من استثمارات تقدر بخمسين مليار دولار في القطاعات الاقتصادية الأساسية منذ 1991، ومنها التعدين والنفط والغاز والطاقة وصناعة الأغذية. وذلك إلى جانب اعتماد قيرغيزستان وطاجكستان وأوزبكستان على تحويلات المهاجرين بما يزيد عملياً عما تحصل عليه هذه الجمهوريات من صادراتها إلى الخارج. وكانت موسكو أعلنت في أكثر من مناسبة، عما تلعبه من أدوار رئيسية في مجال الحفاظ على أمن بلدان آسيا الوسطى واستقرارها من خلال مواقفها في مواجهة الإرهاب ومنع تهريب المخدرات والأسلحة من أفغانستان، إضافة إلى قيامها خلال السنوات الماضية بدور الوسيط الرئيسي في حل نزاعات المنطقة، بما في ذلك مع حركة "طالبان" في أفغانستان وما نشب من خلافات حدودية بين طاجكستان وقيرغيزستان.

تعليق بوتين

غير أن ذلك كله لم يمنع تأثر بلدان آسيا الوسطى بما تكابده روسيا من مشكلات جراء العقوبات والضغوط الأميركية، ومنها "الحظر المفروض على تصدير المواد الغذائية والإلكترونيات من روسيا، ونقص المكونات في الصناعة وتعطل سلاسل التوريد إلى انخفاض الطاقة الإنتاجية، وتأثر اعتماد الزراعة على البذور المستوردة والمعدات التقنية، وتعطل سلاسل الخدمات اللوجستية، وبدء تحول المهاجرين إلى الانتقال صوب بلدان أكثر ازدهاراً. وقد اعترف كثيرون من قادة هذه الجمهوريات بمخاوفهم من احتمال الوقوع تحت عقوبات ثانوية إذا ما ساعدوا روسيا في تجاوز القيود". وفي هذا الصدد ذكرت مصادر غربية أن "هذه الجمهوريات تعتمد على المساعدة الخارجية، وليس الروسية فحسب". ومنها ما اعترف به داستان بيكشيف، نائب رئيس لجنة الموازنة البرلمانية في قيرغيزستان، بشأن تخصيص المؤسسات المالية الدولية ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة المساعدات المالية، في الوقت الذي تسيطر فيه الشركات الأوروبية والأميركية على ما بين ربع ونصف إنتاج الغاز في أكبر حقوله. وذلك إلى جانب ما تقوم به منظمات المجتمع المدني الغربية من نشاط ليس كله "دعماً إنسانياً خالصاً"، تمثل في العديد من محاولات إشعال الثورات الملونة مثلما حدث في جورجيا وأوكرانيا وقيرغيزستان، وأخيراً في كازاخستان. وكانت المصادر الروسية كشفت عن محاولات الاتصال بكثير من الجماعات المتطرفة في المنطقة، ومحاولات إشعال الصراعات الاجتماعية داخل هذه الجمهوريات.

وعلى الرغم من أن بوتين يتعمد عدم التعليق على مثل هذه القضايا، بما في ذلك ما قاله توكاييف في سان بطرسبرغ تبريراً لمواقف بلاده تجاه عدم تأييد روسيا في ما تتخذه من قرارات في مواجهة العقوبات والضغوط الغربية، فقد كشف عن حرصه على تأكيد أن "الضغوط السياسية والعقوبات غير المسبوقة من الغرب الجماعي تدفع إلى تسريع عمليات الاتحاد مع بيلاروس"، مشيراً إلى ما تحقق على هذا الصعيد منذ توقيع معاهدات الاتحاد بين البلدين في أواخر تسعينيات القرن الماضي، ومنها ما جرى الانتهاء منه في مجالات الصناعة، والتكامل الزراعي، إلى جانب التعاون في مجالات العلوم والتعليم.

ولعل ما قاله بوتين أخيراً عن أن "موسكو لم تبدأ حتى الآن أياً من مهماتها الجدية في أوكرانيا" يمكن أن يكون تهديداً صريحاً بأن الآتي سيكون أكثر وبالاً على كل من تسول له نفسه الاستهانة بقدرات روسيا أو النيل من مصالحها، فضلاً عما قاله من "أنه كلما طال الوقت فإن إمكانية التوصل إلى اتفاق بشأن أوكرانيا تصبح أصعب"، في إشارة إلى تكريس ما سبق وقاله بشأن احتمال أن تفقد أوكرانيا وضعيتها كدولة مستقلة". وهو قول يمكن أن ينسحب على بلدان أخرى كثيرة في المنطقة. وعلى من يريد تفسيراً أكثر وضوحاً، العودة إلى خريطة بلدان آسيا الوسطى قبل قيام الاتحاد السوفياتي السابق، من دون إغفال ما قاله هنري كيسنجر بطريرك السياسة الأميركية عن "الإيمان الصوفي لبوتين بالتاريخ".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير