Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"نصر بيروسي" روسي و"عسكرة" عالم بلا نظام

الإنفاق العسكري على التسلح في عام 2022 سيتخطى ما كان عليه في 2021 وهو نحو 2.1 تريليون دولار

حرب أوكرانيا سدت الطريق على ولادة نظام عالمي جديد (رويترز)

ماذا بعد أن أبلغ وزير الدفاع الروسي، الجنرال سيرغي شويغو، الرئيس فلاديمير بوتين أن قواته سيطرت على كامل إقليم لوغانسك؟ هل تكتفي موسكو بالسيطرة على دونيتسك ولوغانسك في الدونباس وبعض الموانئ البحرية على البحر الأسود وبحر آزوف، أم تكمل الحرب على أوكرانيا وربما مولدوفا وجورجيا؟ ومتى تصل روسيا في الحرب إلى ما يسميه الخبراء الاستراتيجيون "نقطة الذروة" التي تتوقف عندها أو تبدأ التراجع والفشل؟ لا أحد يعرف ماذا في عقل بوتين، وإن كان حوله من يعرف كيف يفكر الكولونيل الآتي من الاستخبارات لاستعادة مجد بطرس الأكبر وكاترين العظمى وجوزف ستالين. وليس من السهل الهرب في الحسابات القريبة والمتوسطة والبعيدة من التسليم بأن ما حصل عليه بوتين بثمن باهظ جداً هو نوع مما يسمى "النصر البيروسي". النصر الذي جاء بعد خسائر هائلة ضربت الجيش المنتصر، بحيث قال قائده لملك بيريوس "نصر كهذا ولا يبقى لدينا شيء". أليس هذا معنى قول الرئيس الأميركي جو بايدن إن "الحرب لن تنتهي بهزيمة أوكرانيا؟".

ذلك أن بوتين دمر أوكرانيا وأخاف غيرها، وأوحى أنه سجل نهاية الأحادية الأميركية واستعاد دور روسيا العظمى في نظام التعددية القطبية، لكن ما فعله قاد إلى ما هو أكثر، كما إلى ما لم يكن في حساباته. أوروبا عادت إلى "العسكرة"، وفي الطليعة ألمانيا التي قال مستشارها الاشتراكي أولاف شولتز إنه سيبني في ألمانيا أقوى جيش بري في أوروبا. أسلحة الغرب المتطورة وصلت إلى كييف كبديل من الأسلحة القديمة ذات الطرز السوفياتية، ومعها أسلوب الغرب المرن في القتال على عكس الأسلوب الروسي الجامد والمركزي الذي يعبر عنه المثل الروسي القائل "أنت رئيسي إذن أنا غبي، أنا رئيسك إذن أنت غبي".

سباق التسلح في العالم سيجبر بوتين على تكرار ما فعله الرئيس السوفياتي الأخير ميخائيل غورباتشوف في سباق التسلح مع الرئيس الأميركي رونالد ريغان و"حرب النجوم"، ولكن من قاعدة اقتصادية ضعيفة بحيث انهار الاتحاد السوفياتي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والمؤكد أن الإنفاق العسكري العالمي على التسلح في عام 2022 سيتخطى الإنفاق العسكري في عام 2021، وهو نحو 2.1 تريليون دولار، بحسب "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام". روسيا في عزلة مهما كابر بوتين، بحيث رأى وزير خارجيته سيرغي لافروف عودة "الستار الحديدي". واقتصادها في انحدار، وهو أصلاً على مستوى 40 في المئة من اقتصاد ألمانيا. وليس من السهل عودة موسكو إلى الشغل كالمعتاد مع العواصم الأوروبية قبل واشنطن. حتى "الاستقلال الاستراتيجي" الأوروبي الذي اقترحه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعمل المسؤول الأعلى عن الأمن والسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل على تنظيم خطة له تحت عنوان "البوصلة الاستراتيجية" فإنه ضاع في ضجيج ما حققه حلف "الناتو" من توسيع وتعميق، بحيث وصل إلى السويد وفنلندا.

أكثر من ذلك، فإن حرب أوكرانيا سدت الطريق على ولادة نظام عالمي جديد، من حيث كانت الولادة من أهداف بوتين. روسيا خسرت موقعها في النظام القديم ولن تحصل على ما تطمح إليه في أي نظام جديد. فالتعددية القطبية صارت قبل حرب أوكرانيا وبعدها قطبية من دون نظام: محور تقوده الولايات المتحدة الأميركية ويشمل أوروبا واليابان وأستراليا، في مواجهة محور تقوده الصين بلا حلفاء فعليين، ويمكن أن تأخذ فيه روسيا دور الشريك الصغير.

عام 1972، قال الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، خلال حديث مع مجلة "تايم"، "أظن أنه سيكون عالماً أكثر أمناً وأفضل إذا ما كانت لدينا ولايات متحدة قوية وصحية، أوروبا موحدة، اتحاد سوفياتي وصين ويابان كل واحدة منها توازن الأخرى". وبعد الانفتاح المتبادل بين أميركا والصين أيام الرئيس الصيني ماوتسي تونغ اقترح الزعيم السوفياتي ليونيد بريجنيف على نيكسون عزل "البرابرة الصينيين" وتقاسم العالم بين واشنطن وموسكو على طريقة "كودومينيوم"، لكن هذا العالم تبدل. وانهيار الاتحاد السوفياتي قاد إلى الأحادية الأميركية التي انتهت بدورها من دون نظام عالمي جديد. مجرد تنافس وتعاون وصدام مع الصين وحذر من "روسيا الانتقامية". في الاستراتيجية الأميركية، "عسكرة" العالم بعد حرب أوكرانيا ليست الضمان لولاية نظام جديد في مستقبل قريب.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل