Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس بين نفاد المنتجات الغذائية وصعوبات التمويل

الاقتراض من البنك الدولي لسد فجوة الإمداد في الأسواق المحلية لفترة قصيرة

تواجه تونس تحديات كبيرة على مستوى إمدادات الحبوب بسبب الصعوبات التي تواجهها في النفاذ إلى الأسواق المالية وارتفاع الأسعار العالمية (رويترز)

ينتاب التونسيين في الأيام الأخيرة شعور بالخوف والحيرة والانشغال بسبب نفاد عديد من المنتجات الاستهلاكية في السوق المحلية، وفي مقدمتها الغذائية، وفقدت في الآونة الأخيرة السكر، وبدرجة أقل الأرز، في ظل تخوف من فقدان مواد غذائية أخرى بموازاة صعوبات اقتصادية ومالية، وأربكت الحرب الروسية - الأوكرانية التوازنات المالية الغذائية لتونس بارتفاع فاتورة شراء المواد الغذائية، وبخاصة القموح.

عجز الميزان التجاري الغذائي

وأدى هذا الوضع إلى تفاقم عجز الميزان التجاري الغذائي، ليصل في مايو (أيار) 2022، إلى 1386.4 مليون دينار (447.2 مليون دولار) مدفوعاً أساساً بارتفاع أسعار واردات الحبوب، علماً بأن العجز قُدّر بنحو 688.3 مليون دينار (222 مليون دولار) خلال الفترة نفسها من العام الماضي. وأكد المرصد الوطني للفلاحة (حكومي)، ارتفاع قيمة المواد الموردة بنسبة قاربت 44.7 في المئة. ولفت إلى أن عجز الميزان التجاري الغذائي يعود إلى زيادة وتيرة توريد الحبوب بنسبة قاربت 41.8 في المئة، والسكر بنسبة 233.7 في المئة، والزيت النباتي بنسبة 79 في المئة.

وسجلت أسعار توريد القمح ارتفاعاً بنسبة 92 في المئة مقارنة بالعام الماضي، في حين سجلت أسعار توريد القمح اللين والشعير والذرة زيادات تراوحت بين 38 و56 في المئة بفعل انعكاسات الحرب الروسية - الأوكرانية. وبلغت قيمة واردات الحبوب نحو 711 مليون دولار، وتخصيص 146.5 مليون دولار لتوريد الزيوت النباتية.

قرض لتمويل شراءات شهر من الحبوب

ووافق مجلس المديرين التنفيذيين للبنك الدولي على تمويل جديد بقيمة 130 مليون دولار لفائدة تونس للتخفيف من تأثير الحرب في أوكرانيا على أسعار المواد الغذائية، وسيمكّن هذا القرض تونس من تمويل الواردات الحيوية من القمح الليّن وتقديم مساندة طارئة لتغطية واردات البلاد من الأعلاف. ويأتي هذا الدعم المالي في إطار برنامج للتدخل العاجل تم وضعه بالتنسيق مع شركاء تونس الماليين، بما في ذلك البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، والبنك الأوروبي للاستثمار، والاتحاد الأوروبي. ويهدف هذا البرنامج إلى دعم الواردات قصيرة المدى من القمح المستعمل في صناعة الخبز لضمان استمرار حصول محدودي الدخل على الخبز بأسعار معقولة، ومن الشعير المستعمل كأعلاف في تربية الماشية، فضلاً عن توفير المستلزمات الفلاحية للإنتاج المحلي من الحبوب.

ويضع هذا الدعم المالي الأسس اللازمة للإصلاحات التي تستهدف معالجة مواطن الضعف والنقائص في سلسلة قيمة الحبوب، بما في ذلك تطوير سياسات الأمن الغذائي ذات الصلة، وتحسين تأثيرها على نواتج التغذية وتنويع النظام الغذائي، وتعزيز قدرة تونس على الصمود في وجه الأزمات الغذائية في المستقبل، وتقديم المساعدة الفنية لتحديث ديوان الحبوب ومنظومة دعم الغذاء في تونس.

تحديات كبيرة

وقال مدير مكتب البنك الدولي في تونس ألكسندر أروبيو، "تواجه تونس تحديات كبيرة على مستوى إمدادات الحبوب بسبب الصعوبات التي تواجهها في النفاذ إلى الأسواق المالية وارتفاع الأسعار العالمية ما أثر على قدرة البلاد على شراء الحبوب المستوردة"، مضيفاً، "نحن نعمل عن كثب مع شركاء آخرين لمساندة الحكومة التونسية في جهودها الرامية إلى ضمان تحقيق الأمن الغذائي، وفي الوقت نفسه، إجراء بعض الإصلاحات الهيكلية التي تأخرت على مستوى المنظومتين الفلاحية والغذائية".

وبالتوازي مع تمويلات سيتم توفيرها من قبل مانحين آخرين، يسعى هذا الدعم المالي، وفق المتحدث نفسه، إلى تجنب اضطرابات على مستوى إمدادات الخبز في الربع الثالث من سنة 2022 من خلال تمويل الشراء العاجل للقمح اللين، بما يعادل شهراً ونصف الشهر من الاستهلاك، وسيساعد التمويل أيضاً على شراء ما يقدر بنحو 75 ألف طن من الشعير لتغطية احتياجات صغار منتجي الألبان لمدة شهر تقريباً، إضافة إلى 40 ألف طن من بذور القمح عالية الجودة لتأمين الموسم الفلاحي المقبل الذي يبدأ في أكتوبر (تشرين الأول) 2022.

وتتعرض تونس بشكل خاص لاضطرابات في إمدادات الحبوب إذ كانت قد استوردت، العام الماضي، نحو 60 في المئة من احتياجاتها من القمح اللين، و66 في المئة من احتياجاتها من الشعير من كل من روسيا وأوكرانيا، ومن المتوقع أن يؤدي هذا التمويل إلى الحد من الاعتماد على الواردات على المدى الطويل، عن طريق تقديم الحوافز لزيادة الإنتاج المحلي للحبوب على نحو مستدام، ووضع سياسات فلاحيّة وغذائية أكثر كفاءة واستدامة، وتدعيم الأمن الغذائي مع حماية الأسر الأكثر احتياجاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

جدير بالذكر أنه في 18 مايو (أيار) 2022، وفي إطار استجابة عالمية شاملة لأزمة الأمن الغذائي المستمرة، أعلن البنك الدولي عن إجراءات يعتزم اتخاذها، من خلال إتاحة ما يصل إلى 30 مليار دولار في مشروعات قائمة وجديدة في مجالات الزراعة والتغذية والحماية الاجتماعية والمياه والري.

ووفق موازنة تونس لهذه السنة، فقد تم تخصيص مبلغ 3771 مليون دينار (1216 مليون دولار) لدعم المواد الأساسية مقابل 2200 مليون دينار (709.6 مليون دولار) مقدرة بقانون المالية التعديلي لسنة 2021، أي بزيادة 1571 مليون دينار (506.7 مليون دولار) نتيجة الزيادات الكبيرة في أسعار المواد الأساسية في الأسواق العالمية.

تبعية وتهديد للسيادة

وحذر عضو المكتب التنفيذي لمنظمة الفلاحة التونسية، والمكلف ملف الزراعات الكبرى، محمد رجايبية، من خطورة تراجع المساحات المزروعة بسبب عزوف الفلاحين عن هذه الزراعات، ويعود ذلك إلى إشكاليات عديدة منها انخفاض أسعار بيع الحبوب بالنظر إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج، والعوامل المناخية غير الملائمة بحكم أن 95 في المئة من المساحات هي مطرية، إضافة إلى معضلة فقدان الأسمدة في السنوات الماضية، ورأى أن هذا الأمر سيؤدي إلى ارتفاع نسق التوريد لتغطية الاستهلاك. وتبلغ تكلفة توريد الحبوب ملياري دينار (666 مليون دولار) سنوياً، وهي مرجحة إلى الارتفاع ربما إلى الضعفين بسبب الحرب الأوكرانية التي تسببت في ارتفاع الأسعار، ويتراوح سعر الطن من القمح اللين بين 450 و500 دولار في الأسواق العالمية، إضافة إلى الاضطرابات التي تصيب سلاسل التوريد، بالتالي التزود.

ولفت رجايبية إلى أن الحرب أطلقت إنذاراً للتنبيه إلى ضرورة العمل على التأسيس للسيادة الغذائية في تونس، بدعم الفلاحين لتوسيع المساحات المزروعة، ورفع الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتفادي الرضوخ للتوريد المستمر والمهدد بإنهاك مخزون العملة في ظل هذه الحرب.

وفي تعليقه على القرض الذي ستحصل عليه تونس من البنك الدولي لتمويل شراءات قصيرة المدى من الحبوب، اعتبر أن هذا الوضع يشير إلى أن السيادة الغذائية لتونس أضحت على المحك، وأنها مهددة بشكل جدي، وأن القرض أضحى يترجم تبعية حقيقية لقطاع حيوي ومتصل بسيادة البلاد الغذائية، ولفت انتباه الحكومة والقائمين على الشأن الفلاحي في تونس إلى ضرورة توخي الحذر الشديد من الوضعية التي آلت إليها الأمور، منتقداً في الوقت نفسه تأخر وضع استراتيجيات فلاحية حقيقية قائمة على تحقيق الاكتفاء الذاتي للبلاد في عدد من الميادين، وفي مقدمتها الحبوب.

وأبرز عضو النقابة التونسية للفلاحين (مستقلة)، ليث بن بشر، أن "العجز الغذائي الحاصل هو نتيجة حتمية لخيارات سابقة للدولة التونسية التي حافظت على منظومة إنتاج القمح الصلب على حساب القمح اللين المستعمل في تصنيع الخبز والدقيق"، مؤكداً أن إنتاج تونس من القمح اللين لا يغطي سوى استهلاك شهر واحد.

وتقدّر صابة الحبوب لموسم 2022 بنحو 1.8 مليون طن، مقابل إنتاج 1.6 مليون طن، خلال الموسم الماضي، أي بزيادة بنسبة تسعة في المئة، وفق الإحصائيات الرسمية لوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، وكانت وزارتا الفلاحة والتجارة قد أعلنتا، منذ شهر أبريل (نيسان) 2022، الترفيع في أسعار الحبوب المحلية لصابة 2022. ويبلغ استهلاك تونس من الحبوب 3.4 مليون طن (1.2 مليون طن لكل من القمح الصلب والقمح اللّين، ومليون طن من الشعير)، وفق ديوان الحبوب الحكومي، ويتم تعديل واردات الحبوب في تونس تبعاً لمعدلات الإنتاج المحلي.