Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا أوقف مصرفا "مصر" و"الأهلي" شهادات الـ18 في المئة؟

يرى متخصصون أنها حققت الغرض وباتت تكلفتها سلبية على البنوك

إصدار شهادات الـ18 في المئة استهدف دعم المصريين في ظل الظروف الصعبة ومواجهة التضخم  (أ ب)

كشف مسؤولون وباحثون في حديثهم إلى "اندبندنت عربية" عن الأسباب الحقيقية التي دفعت مصرفي "الأهلي" و"مصر"، ذراعي الدولة في القطاع المصرفي، إلى التوقف عن بيع شهادات الادخار ذات عائد الـ18 في المئة بعد جمع نحو 755 مليار جنيه مصري (نحو 40.31 مليار دولار أميركي) ومرور أقل من 70 يوماً على طرحها في 22 مارس (آذار) الماضي، وعقب أقل من 24 ساعة فقط من قرار لجنة السياسة النقدية التابعة للبنك المركزي المصري رفع أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس بنحو واحد في المئة في محاولة لكبح التضخم العالمي.

بنكا "الأهلي" و"مصر" هما ذراعا الحكومة المصرية في القطاع المصرفي إلى جانب بنكي "القاهرة" و"ناصر الاجتماعي". وجمع "الأهلي" نحو 515 مليار جنيه (27.50 مليار دولار) من بيع شهادات الادخار ذات عائد الـ18 في المئة، بينما جمع الثاني نحو 240 مليار جنيه (12.81 مليار دولار) من بيع شهادة الادخار "طلعت حرب" ذات العائد المماثل، وهو ما يجعل البنكين ملزمين بسداد 136 مليار جنيه (1.92 مليار دولار) كفوائد شهرية تصل مدتها إلى قرابة العام، فيما أبقى فيه على شهادات بعائد أقل بنحو 4 في المئة وأجل استحقاق أطول بشهادات ادخارية بعائد 14 في المئة بأجل استحقاق 3 سنوات.

بنك وطني آخر يطرح شهادة الـ15 في المئة

وفي محاولة لتوزيع الأعباء بين البنوك الوطنية المحلية، أعلن "بنك ناصر الاجتماعي" التابع للدولة طرح شهادة جديدة، أجل ثلاث سنوات، بعائد 15 في المئة سنوياً، في اليوم التالي لوقف البنكين الأكبر (مصر والأهلي) شهادة الادخار ذات عائد الـ18 في المئة.
وقال نائب رئيس "بنك ناصر الاجتماعي"، محمد عشماوي في بيان آنذاك، إن "تلك الشهادة تأتي حرصاً من الدولة على منح أعلى عائد بالسوق المصرفية والاستمرار في سياسته نحو تحقيق الشمول المالي والتحول الرقمي لتنشيط الفكر الادخاري". وأضاف أن "قيمة الشهادة تبدأ من ألف جنيه (53.40 دولار) ومضاعفتها، ويتم احتساب العائد من اليوم التالي للإيداع، كما يمكن استردادها بعد 6 أشهر من تاريخ إصدارها ويمكن الاقتراض بضمانها بشروط ميسرة وفقاً للقواعد التي يقرها البنك"، مؤكداً أنه "في ضوء الاهتمام بفئات المجتمع المختلفة، وبخاصة ذوو الفضل من كبار السن بهدف تنفيذ سياسة الشمول المالي ولتحقيق الجانب الاجتماعي التكافلي في ظل الظروف الراهنة وتوفير حياة كريمة وتقديم كل أنواع الدعم لهم، تقرر زيادة العائد على شهادة رد الجميل لكبار السن ذات آجال 3 سنوات بعائد 15.25 في المئة سنوياً، و14.25 في المئة شهرياً".
ورفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة خلال النصف الأول من العام الحالي بمقدار 300 نقطة أساس على دفعتين، الأولى كانت في 21 مارس، عندما حرك أسعار الفائدة بمقدار واحد في المئة، قبل أن يعاود التحريك في 19 مايو (أيار) الماضي، بمقدار 2 في المئة في إطار سياسته النقدية المتشددة لمكافحة التضخم المرتفع منذ بداية العام الحالي، لتسجل أسعار الفائدة في الوقت الحالي نحو 11.25 و12.25 و11.75 في المئة على التوالي.

الشهادات أسلحة الدولة لمواجهة التضخم

من جانبه، قال نائب رئيس "البنك الأهلي المصري"، يحيي أبو الفتوح إن "المصرف أوقف إصدار شهادة الادخار ذات العائد 18 في المئة، بعد أن جمع ما يزيد على 515 مليار جنيه"، مؤكداً أن "تلك القيمة هي أقصى ما يمكن جمعه، وهو ما يعني تحقق المستهدف من طرف البنك"، مشيراً إلى أن "تلك الأنواع من الشهادات يطلقها البنك في ظروف استثنائية ولمدة محددة عند الأزمات الاقتصادية أو المالية التي يتعرض لها الاقتصاد المحلي مثلما حدث عند إصدار شهادة قناة السويس في عام 2015 عند حفر القناة الجديدة".
وكشف عن أن "القدرة المالية البنك الأهلي لا يمكن أن تستمر في دفع فوائد شهرية لمدة عام تقدر بنحو 93 مليار جنيه (5 مليارات دولار)"، قائلاً إن "التكاليف مرتفعة إذا استمر البنك في الإصدار"، لافتاً إلى أن "البنك مستمر في تقديم شهادات بعائد أقل نوعاً ما، وأطول في فترة الاستحقاق، بشهادة 14 في المئة لمدة ثلاث سنوات".

احتساب الأرباح والخسائر

وحول تأثير تلك التكاليف على القوائم المالية للبنك قال نائب رئيس "البنك الأهلي"، إن "المؤسسات المالية الكبرى لا تدير عملياتها المصرفية بالقطعة، وهو ما يعني عدم احتساب أرباح وخسائر شهادة 18 في المئة وأخرى 14 في المئة، ولكن تحتسب الأرباح والخسائر وفق مجمل الأعمال في نهاية السنة المالية"، مشيراً إلى أن "تلك التكاليف يمكن تعويضها من حزمة المشروعات أو أعمال أو أوعية ادخارية أخرى"، مؤكداً أن "ذلك لن يظهر الآن بل في نهاية العام المالي الحالي".

رسم السياسة النقدية

من جانبها، قالت نائب الرئيس السابق لـ"بنك مصر"، سهر الدماطي، إن "بنكي الأهلي ومصر هما الذراعان الرسميتان للدولة لتنفيذ السياسة النقدية التي يقرها البنك المركزي المصري"، مؤكدة أن "البنك المركزي يستخدم البنكين في أوقات كثيرة للتحكم في القطاع المصرفي. وفي أوقات التضخم المرتفعة يلجأ المركزي إلى هذين البنكين لضخ شهادات بعوائد مرتفعة لامتصاص السيولة من جسد الاقتصاد كإحدى أهم الأدوات لمكافحة التضخم عبر تقليل الطلب عن طريق سحب السيولة من أيدي المستهلكين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأرجعت الدماطي توقف البنكين عن طرح الشهادات ذات عائد 18 في المئة إلى سببين "الأول هو تحقيق الغرض من الطرح، بعد أن جمعا من الأسواق 755 مليار جنيه إضافة إلى عدم قدرتهما على الاستمرار في الطرح ودفع الفوائد لأكثر من هذا المبلغ"، مشيرة إلى أن "البنك المركزي قبل طرح هذا النوع من الشهادات، يجري اجتماعات مع مديري البنوك لدراسة الموقف بالكامل منذ الطرح حتى التوقف وتحديد قيمة الخسائر أو الفوائد التي سيتم دفعها للعملاء". ولفتت إلى أنه "بطريقة أو بأخرى يعوض المصرف المركزي البنكين".
ورفضت نائب الرئيس السابق لـ"بنك مصر" الإفصاح عنى الطرق التي يعوض أو يعالج المركزي المصري خسائر البنوك، قائلة إنها "أدوات سياسة نقدية لا يمكن الإفصاح عنها".

وتعاني مصر من ارتفاع مؤشرات التضخم منذ بداية العام الحالي، إذ وصل معدل الزيادة إلى 7.3 في المئة منذ بداية العام، وارتفعت مؤشرات التضخم من 8 في المئة في يناير (كانون الثاني) الماضي، لتصل إلى 15.3 في المئة خلال مايو الماضي، متأثرةً بالتداعيات السلبية لحرب أوكرانيا.
وأعلن الجهاز المركزي المصري للتعبئة والإحصاء، الخميس 9 يونيو (حزيران) الحالي، ارتفاع معدلات التضخم لإجمالي الجمهورية للشهر الماضي إلى 15.3 في المئة، مؤكداً أن "الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين لإجمالي الجمهورية هو 130.2 نقطة لشهر مايو 2022، مسجلاً بذلك ارتفاعاً قدره 0.9 في المئة مقارنة بالشهر الماضي".

تكلفة الشهادات ستؤثر في الربحية

من جانبه، صنف الأستاذ المحاضر بالجامعة الأميركية في القاهرة، هاني جنينة، بنكي "الأهلي" و"مصر" بأنهما الأكثر تأثيراً في الاقتصاد المصري، نظراً إلى أن "ميزانيتهما المجتمعة تمثل نحو 40 في المئة من ميزانية القطاع المصرفي ككل". وقال جنينة "مما لا شك فيه أن الارتفاع في تكلفة الودائع بنحو 7 في المئة عن معدل فائدة الشهادات السائد وقت الطرح، مع ارتفاع الكوريدور (سعر العائد على الإيداع والإقراض لدى البنك المركزي لليلة واحدة)، بنسبة واحد في المئة فقط في مارس، سيؤدي إلى تراجع حاد في أرباح الربع الأخير من العام المالي 2021-2022 لتلك البنوك".
واعتبر جنينة أن ما قد يفاقم أثر الانكماش في صافي دخل الفائدة لدى البنكين خلال 2022 هو "تسجيل خسائر ناجمة عن فروق سعر الصرف، نظراً إلى وجود فجوة بين الأصول والخصوم الأجنبية بعد تخارج ما يقارب من 20 مليار دولار من أذون وسندات الخزانة، وزيادة المخصصات الخاصة باضمحلال قيمة القروض".

عائد "بنك مصر" من القروض والودائع

وبلغت أرباح "بنك مصر" الصافية بعد الضرائب نحو 21 مليار جنيه (1.12 مليار دولار) خلال 15 شهراً تقريباً، وفقاً للقوائم المالية للبنك المملوك للدولة، إذ بلغت الأرباح قبل سداد ضرائب الدخل، 37.246 مليار جنيه (1.97 مليار دولار)، في الفترة من يوليو (تموز) 2020 وحتى سبتمبر (أيلول) 2021، مقابل 24.23 مليار جنيه (1.28 مليار دولار) بنهاية يونيو 2020.
وحقق البنك عائداً من القروض والإيرادات المشابهة بلغ نحو 153.30 مليار جنيه (8.17 مليار دولار) بنهاية سبتمبر 2021، مقابل 112.16 مليار جنيه (5.98 مليار دولار) بنهاية يونيو 2020، في الوقت الذي بلغت فيه تكلفة الودائع والتكاليف المشابهة 110.92 مليار جنيه (5.87 مليار دولار) بنهاية سبتمبر 2021، مقابل 83.54 مليار جنيه (4.43 مليار دولار) بنهاية يونيو 2020.