هل كانت مجرد مصادفة أن يختار جوني ديب متابعة مصيره في قضية التشهير التي رفعها ضد طليقته آمبر هيرد، وهو في قلب العاصمة الإنجليزية لندن؟ المدينة نفسها التي أهدته قبل عام ونصف العام حكماً أفقده سمعته، حينما دانته المحكمة العليا هناك بضرب زوجته السابقة، فالممثل الأميركي البارز كان يريد أن يعيش انتصاره تماماً في البقعة ذاتها التي خذلته في قضيته ضد صحيفة "ذا صن"، حيث كان يتنقل في مدن إنجلترا على مدى الليالي الماضية مشاركاً في حفلات جيف بيك وفرقته، وحضرت إحداها صديقته السابقة العارضة كيت موس التي شهدت لصالحه في قضية التشهير المتبادلة مع هيرد.
كان اختياره للمدينة درامياً وبمثابة مغامرة كادت تنقلب إلى كارثة إذا ما جاء قرار هيئة المحلفين لغير صالحه، لكن حمل مساء الأربعاء أول يونيو (حزيران) أخباراً سعيدة لنجم "قراصنة الكاريبي، وتشارلي ومصنع الشيكولاتة ومدينة الأكاذيب"، بعد إدانة طليقته آمبر هيرد بالتشهير، وإلزامها بدفع تعويضات تقدر بـ15 مليون دولار، فيما هو سيدفع فقط مليوني دولار بعد أن وجدت هيئة المحلفين في محكمة فيرجينيا أن فريق دفاعه تورط في التشهير بآمبر هيرد من خلال تصريحات عدة.
هل تشهر آمبر هيرد إفلاسها؟
لكن الأمر ليس مجرد 15 مليون دولار طالبت المحكمة آمبر هيرد بدفعها لجوني ديب (58 سنة) من جراء تضرره بسبب تشهيرها به في مقال كتبته لصالح "واشنطن بوست" عام 2018 ادعت فيه أنها تعرضت للعنف الزوجي، لكن الحكم بأن جوني ديب هو الضحية بث الروح مجدداً في مسيرة نجم هوليوود، بعد مقاطعة شركات الإنتاج له، وبعد أن كانت نظرة العالم له سلبية للغاية، وبحسب البيان العاطفي الذي أصدره بعد دقائق من إعلان الحكم رسمياً، فقد أعاد له الحياة، حيث تنفس الصعداء وشكر هيئة المحلفين الذين دخلوا في مداولات قبيل التوصل إلى قرار استمرت 13 ساعة.
مبلغ التعويض يبدو أقل بكثير مما طالب به ديب وهو خمسين مليون دولار، بينما كانت هيرد قد ردت عليه بقضية تشهير مضادة وطالبته بدفع مبلغ 100 مليون دولار. إنها قصة غرام مأساوية انطلقت في كواليس فيلمهماthe rum diary" " عام 2011 وانتهت في أروقة المحاكم بعد 11 عاماً، بينها ست سنوات في دوامة تشويه السمعة، لكن الأزمة الكبرى الآن بالنسبة إلى بطلة "أكوامان" التي كانت بالكاد قد بدأت طريق نجوميتها هي المبلغ الضخم الذي يجب أن تفي بدفعه، وبحسب المراقبين فإنها ستلجأ لتقسيطه أو حتى تشهر إفلاسها، بخاصة أن ثروتها لا تتعدى السبعة ملايين دولار، وقد تنجح في تقليصه بعض الشيء إذا سار استئنافها ضد الحكم على ما يرام.
نساء جوني ديب
بالعودة إلى أجواء النطق بالحكم الذي تابعه الملايين في بث مباشر، ظهرت كاميل فاسكيز برباطة جأش واضحة، وكانت تبتسم حتى قبل أن تتلو بنود قرار هيئة المحلفين، وبدت المحامية الشابة التي حققت شهرة واسعة في هذه القضية متفائلة ومعها فريقها الذين تعانقوا واحتفلوا بعد أن تأكدوا أن موكلهم في أمان، حيث سيطر اسم فاسكيز، وهي واحدة من خمس محاميات استعان بهن جوني ديب ضمن فريقه، على محركات البحث، بعد أن حصلت لديب على نصر غالٍ كان بحاجة إليه لإنقاذ مسيرته التي تعثرت تماماً وكادت تدمر بسبب حبيبته وزوجته السابقة الشقراء آمبر هيرد، التي تعتبر وفق تصنيفات عدة واحدة من أجمل نجمات جيلها.
واللافت أن معطيات قضية جوني ديب التي نظرت في فيرجينيا لم تختلف كثيراً عن معطيات تلك التي خسرها نهاية عام 2020 في إنجلترا، حيث قدمت الأدلة نفسها لكن ما اختلف هنا هو أن كاميل فاسكيز استطاعت بمهارة أن تضع آمبر هيرد في موقع حرج أكثر من مرة، فالفيصل هنا ليس الأدلة التي لم تتغير بين المحاكمتين، لكن في شخصية آمبر هيرد التي ظهر لها وجه آخر أثناء استجوابات فاسكيز لها، فبدت متناقضة ومضطربة وعصبية بل واعترفت تحت ضغط بأنها لم تفِ بوعدها وتتبرع بقيمة تسوية طلاقها للمؤسسات الاجتماعية كما زعمت سابقاً، وبهذا تغيرت صورتها الذهنية تماماً، كما كان للمحة فاسكيز الأنثوية الذكية المتعلقة بتذكير هيرد بأن جوني ديب يشيح بوجهه عنها، لأنه وعدها بأنها لن ترى عينيه مرة أخرى، تأثير هائل في نفوس حضور الجلسة.
ليلة بكت فيها آمبر هيرد
وبينما خرجت آمبر هيرد غاضبة من قاعة المحكمة، شوهد جوني ديب سعيداً وهو يوقع بقلمه الأحمر بيانه الرسمي الذي اختتمه بعبارة "الحقيقة لا تموت أبداً"، وهو بيان أكد فيه نجم هوليوود أكثر من مرة، أن القضية بالنسبة إليه كانت سمعته ونظرة أبنائه له وصورته أمام معارفه وجمهوره، حيث ناضل على مدى تلك السنوات ليظهر حقيقته للعالم. وتابع "كان الهدف من رفع هذه القضية هو الكشف عن الحقيقة، بغض النظر عن النتيجة، قول الحقيقة كان شيئاً أدين به لأولادي ولكل أولئك الذين ظلوا ثابتين في دعمهم لي، أشعر بالسلام لأنني قد أنجزت ذلك أخيراً".
في المقابل، جاء بيان آمبر هيرد الذي علقت به على الحكم، يحمل لوماً واتهامات، حيث حاولت من خلاله أن تجعل القضية أكبر من مجرد تشهير متبادل وخلاف عائلي، مؤكدة بأنها تشعر بالنكسة وخيبة الأمل، لأن هذا الحكم من وجهة نظرها سيضر بالنساء بشكل عام ويعيدهن إلى عصور ولت، بل وأكدت أنها حزينة لأنها فقدت حقها كمواطنة أميركية في ممارسة حرية الرأي والتعبير.
هل أهانت آمبر هيرد هيئة المحكمة؟
ومن أكثر الفقرات التي تعتبر متسرعة ولا تصب في صالحها بالمرة هو ما بدا كأنه إهانة لفريق المحلفين بإظهارهم كأنهم مجموعة يسهل خداعها، حيث قالت "أعتقد أن طاقم محاماة جوني نجحوا في إقناع هيئة المحلفين بالتغاضي عن القضية الرئيسة المتعلقة بحرية التعبير، ودفعوهم إلى تجاهل الأدلة التي كانت حاسمة للغاية"، وكأن من ينظرون القضية يتسمون بالسذاجة ولا يعرفون كيف يتعاطون مع طريقة المحامين في الدفاع، كما أنها بهذه العبارة تمتدح فريق دفاع خصمها جوني ديب بل تثني على عملهم لأنهم أدوا وظيفتهم على أكمل وجه.
ومما قالته أيضاً "كل الأدلة التي قدمتها، لا تزال غير كافية للصمود في وجه القوة والنفوذ والسيطرة غير المتكافئة لصالح طليقي"، فهل هي هنا تتهم من ينظرون في القضية بالتأثر بنفوذ جوني ديب؟! نقطة أخرى أثارتها آمبر هيرد (36 سنة) تتعلق بتذكير المتابعين من خلال البيان بالقضية الشبيهة التي ربحتها في لندن، حيث يرى المتابعون بأنه وفقاً لمسار قضية التشهير في فيرجينيا قد يعاد فتح القضية في لندن مجدداً، بل قد تمنع آمبر هيرد مستقبلاً من دخول بريطانيا إذا ما ثبت أنها ضللت المحكمة، بخلاف ذلك أصبح مستقبلها كممثلة على المحك، حيث يحمل الحكم اتهاماً ضمنياً لها بالكذب.
خسائر حركة "أنا أيضاً"
لكن الضرر الأكبر الآن واقع على حركة "أنا أيضاً" التي حققت أرضية واسعة خلال السنوات الماضية، بعد أن أسهمت في إنصاف نساء وقع عليهن الظلم، وجعلت قضايا المعتدى عليهن والمتعرضات للتعنيف أعلى صوتاً حيث استعادت كثيرات حقوقهن الضائعة بسبب هذا التيار وبسبب الثقة في الحركة التي صححت مسار العمل في هوليوود بعض الشيء ومنها إلى بقية المجالات، فهل لا تزال عبارة "نصدق الناجيات" مسلماً بها مثلما كان من قبل؟ بعد أن أثبتت المحكمة أن إحدى أشهر المتشبثات ببنود حركة الدفاع عن حقوق النساء لم تكن أمينة في استعراض ما حدث معها، وهو أمر يمثل خطراً على النساء اللاتي يتعرضن للعنف والتحرش والظلم.
ويسعى بعض النشطاء لتقديم التماس لتجريد آمبر هيرد من منصب سفيرة حقوق المرأة لمنظمة الاتحاد الأميركي للحريات المدنية، حيث حصل الالتماس على عشرات الآلاف من التوقيعات، بحجة أن هيرد تسيء للمنظمة بعد أن ثبت بأنها معتدية ومارست العنف ضد النساء والرجال على السواء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
جوني ديب ليس كيفن سبيسي
الثابت هنا أن مشكلة جوني ديب وآمبر هيرد مجرد أزمة عائلية حملت تجاوزاً من الطرفين، وكان يمكن أن تحل بلجوء طرفيها للمساعدة النفسية ومراكز إعادة التأهيل المجتمعية وليس إلى صفحات الجرائد، لأن تكلفة الكلمة في مجتمع هوليوود لن يقدر الجميع على دفعها، كما أن التعاطف الهائل لم يكن سببه هنا شعبية جوني ديب ولا موهبته الفريدة كممثل لكن لأن العالم الذي تابع جلسات المحاكمة على الهواء على مدى ستة أسابيع، تشكك بالفعل في زعم آمبر هيرد بعد أن شاهدها وهي تتحدث وتحاول كسب الجمهور في صفها برواية بدت مهترئة في كثير من الأوقات، وبعد أن دانتها شهادات الشهود، وهي الفكرة التي يؤكدها مثال هوليوودي آخر متعلق بموهبة تمثيلية كبيرة كذلك، فالممثل كيفن سبيسي يواجه منذ سنوات اتهامات متوالية بالتحرش بالرجال، وبعد أن أنكر في البداية عاد واعتذر للضحايا، وعلى أثر ذلك حرم من المشاركة في مشروعات كثيرة بسبب سلوكه السيئ، وأصبح منبوذاً في عاصمة السينما، وأخيراً امتدت تلك القضايا إلى المملكة المتحدة، وبات متهماً رسمياً في قضايا عدة هناك تتعلق بالتحرش والاعتداء، لكن الرأي العام لم يشكل تياراً لمؤازرته أبداً بعكس ما حدث مع جوني ديب، حيث كان هناك شعور عام بأن ما فعله سبيسي يبدو سلوكاً نمطياً متعمداً، بينما ديب أثبتت التسجيلات بأنه تعرض للعنف من هيرد. وقالت محاميته في الجلسة الختامية بأنه ضحية لسلوكياتها، كما برأ ساحته شهود عدة بينهم حبيبات سابقات له.